قد يبدو عنوان هذا المقال، مشابها لعنوان كتاب الأمريكي الاشتراكي “جون ريد”، (عشرة أيام هزت العالم)، حول أحداث الثورة البلشفيه في روسيا (16-26 أكتوبر1917)، التي حدثت قبل خمسة أيام على صدور وعد بلفور بإقامة وطن لليهود في فلسطين!. وبعد مرور 106 أعوام على صدور ذلك الوعد، وعلى رصد “جون ريد” لأحداث الثورة البلشفية، هزت “عشر ساعات” دولة إسرائيل، التي أقيمت بوعد بلفور، وذلك بفعل الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف القطاع في السابع من أكتوبر2023، ما أحدث زلزالا في اسرائيل، هزالأسس التي قامت عليها، وستكون له إرتدادات في المستقبل تطال جيشها والتركيبة السياسية لحكوماتها، واقتصادها ..
الجيش المقهور
إن أولى إرتدادات زلزال 7 أكتوبر في إسرائيل، هي تبدد اسطورة الجيش الذي “لا يقهر”، الذي عمل الجيش الإسرائيلي على زرعها، في عقول وقلوب العرب لأكثر من 75 عاما، الا أنه بعد عملية العشر ساعات في غلاف غزة، ولت تلك الأيام التي كان الجنود الإسرائيليون يذهبون للقتال كمن يذهب في نزهه، حيث أطاحت ميادين المعارك في قطاع غزة في عام 2023، وقبله في عام 2014، بكل التقييمات التي وصفت الجيش الإسرائيلي بأنه لا يقهر.
الجيش “الإسرائيلي” كان سابقا يعتبر من أقوى الجيوش في العالم، ووضع في قائمة أول ثمانية جيوش عالميا، متقدما بذلك حتى على عدد من الدول الأوروبية، الا أنه اليوم يحتل المرتبة الـ 18 عالميًا من حيث القوى العاملة، ونوعية الأسلحة التي يمتلكها، كما أنه يصنف بالمرتبة الـ 17 عالميا، من حيث ميزانية الإنفاق، التي تبلغ نحو 24.3 مليار دولارٍ سنويا، بحسب موقع “غلوبال فاير باور” الأمريكي لسنة 2023.
زلزال العشر ساعات في 7 أكتوبر، وما تبعه من معارك برية في قطاع غزة، حول الجيش الإسرائيلي من جيش لا يقهر، إلى جيش يُقاوم ويُحارب ويُهزم. ورغم مصادقة الحكومة الإسرائيلية على موازنة إضافية بقيمة 8 مليارات دولار، لتمويل نفقات الحرب على غزة، ورغم جسر الإمدادات العسكرية الأمريكية الجوي، الا أن كل هذه الطاقة التسليحية، عجزت عن جلب نصر سريع للجيش الإسرائيلي، الذي كان يحققه سابقا في مواجهة جيوش عربية.
وخلال العشر ساعات، وهي الفترة التي إستغرقتها عملية “طوفان الأقصى”، قتل 322 جنديا وضابطا، خلال المعارك التي دارت في مواقع متفرقة من مستوطنات غلاف غزة. ومنذ بدء الاجتياح البري لقطاع غزة، تفاقمت خسائر جيش الإحتلال في المعارك داخل القطاع، الا أن الرقابة العسكرية فرضت قيودا صارمة على النشر، بما يتعلق بأداء الجيش بما فيها المعلومات حول قتلاه وجرحاه.
تلاشي قوة الردع
لطالما احتفظت إسرائيل بهيبتها، كقوة لا تضاهى في معادلة الردع، باستخدامها تكتيك الذراع الطويلة في عمق العالم العربي، كغارتها على تونس عام 1985، وقبلها غزو لبنان وحصارها لعاصمته بيروت عام 1982. وبسقوط اسطورة الجيش الذي لا يقهرفي 7 أكتوبر، سقطت معادلة الردع، وزالت شعاراته مثل اليد الطويلة، التي لم تتمكن من الوصول لأي من قادة المقاومة، كما تهاوت أنظمة دفاعه الأرضية والتكنولوجيا الإلكترونية.
ولردع الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، استخدمت إسرائيل سياسة الردع هذه في إتجاهين، الأول “بروبوغاندي” نفسي، يقضي بأن إسرائيل لا يمكن تحديها أو اختبار قوتها، وترافقت “بروبوغاندا” التلويح بالقوة هذه، مع تعهد الولايات المتحدة، بضمان تفوق إسرائيل الإستراتيجي على العرب مجتمعين أو متفرقين، يضاف إلى ذلك امتلاكها لسلاح نووي. أما الإتجاه الآخر، فيتمثل بالقصف العنيف للتجمعات السكنية، في أي منطقة ينطلق منها مقاومون فلسطينيون أو عرب، لشن هجمات على إسرائيل، كما يحدث في الحرب على غزة 2023، وكما حدث في قصف القرى والبلدات الأردنية، القريبة من الحدود مع فلسطين، عندما كانت مجموعات فدائية فلسطينية، تشن هجمات على أهداف إسرائيلية، في الأراضي المحتلة عبر الحدود الأردنية قبل 1970، أو كما كان يحدث في جنوب لبنان، عندما كانت قوات المقاومة الفلسطينية، تشن هجمات على إسرائيل عبر (فتح لاند)، ناهيك عن مجزرتي (قانا) في 1996 و2006 ومجزرة بحر البقر في مصر عام 1970 ..
إن عملية السابع من أكتوبر، كسرت استراتيجية الردع الإسرائيلية، بإظهار الجيش الإسرائيلي الذي كان يوصف بالجيش الذي لا يقهر، بأنه هشٌ غير مهني، عندما تم اجتياح قواعده، وأسر عدد من ضباط ألويته وفرقه في غلاف غزة، وبلغت استراتيجية الردع نهايتها، عندما ضحّى هذا الجيش بمواطنيه، بعدم التصدي لمهاجميه! ليكتشف العالم أن استراتيجية الردع الإسرائيلية، تقوم أساساً على جنون الانتقام، باستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وتدميرالبنى التحتيه المدنية، والعجز عن القضاء على المقاومة، أو كسر إرادة الفلسطينيين.
تحول في المشهد السياسي
يعتبر نتنياهو الأطول عمرا سياسيا في تاريخ اسرائيل، إذ تولى رئاسة ست حكومات، كانت آخرها تلك التي شكلها في كانون أول / ديسمبر 2022، بالتحالف مع أكثرالأحزاب يمينية في إسرائيل. هذه الحكومة وجدت نفسها أمام تحديات داخلية، في مقدمتها انعدام ثقة قطاعات واسعة من الإسرائيليين بها أولا، بسبب خطة الانقلاب القضائي الذي شرعت في تنفيذها، بعد تشكيلها مباشرة، وثانيا، بسبب هجوم السابع من أكتوبر والاجتياح البري لغزة الذي تلاه.
أدى هجوم 7 أكتوبر، إلى انهيار استراتيجية حكومة نتنياهو، ومجمل تصوراتها وفرضياتها تجاه قطاع غزة، ما أدى إلى زيادة انعدام ثقة الإسرائيليين، بحكومتهم وبرئيسها، وكذلك لانخفاض غير مسبوق في شعبية نتنياهو، لتحميله مسؤولية “التقصير والفشل” في منع الهجوم. ووجّه المحللون من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين، في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، وفي وسائل الإعلام الأخرى، النقد لنتنياهو، محملينه مسؤولية التقصير والفشل، في مواجهة المقاتلين الفلسطينيين في عملية العشر ساعات في السابع من أكتوبر، وفي التعامل مع نتائجها.
إن هجوم 7 أكتوبر، وما تلاه من فشل في تحقيق الأهداف، التي حددتها حكومة الاحتلال للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ستحدث تحولا جذريا في المشهد السياسي لإسرائيل، إذ أظهرت استطلاعات الرأي التي جرت بعد الهجوم، إنجراف التأييد لحزب الليكود بقيادة نتنياهو، من 35 مقعدا في الكنيست حاليا إلى نحو 18، فيما لو جرت انتخابات جديدة. ويرى (هيرب كينون) في تقرير نشرته الجروزاليم بوست، أنه عندما تضع الحرب أوزارها، فإن إسرائيل لن تكون هي نفسها التي كانت في السادس من أكتوبر 2023، لتضرر ثقتها بنفسها، وبقادتها السياسيين والعسكريين، وتراجع إحساسها بالأمن، بالإضافة لشعورها بالقلق والغضب والكراهية، المشتعله تجاه حماس والفلسطينيين عموما.
أزمة أقتصادية
وتحت وطأة الآزمة الإقتصادية في إسرائيل، بسبب حربها على غزة، اعلن الجيش الإسرائيلي، بعد اكثر من 75 يوما على الحرب،عن تخفيضه لقواته البرية فيها، وتسريح عشرات آلاف جنود الإحتياط، الذين يشكلون العمود الفقري لسوق العمل الإسرائيلي، لا سيما في القطاعات المهنية الخاصة، كالهندسة والطب وإدارات الإنتاج. والحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، الحقت بها خسائر إقتصادية في مجالات الإنتاج والسياحه وضخ الغاز الطبيعي للخارج وغيرها، وبحسب تقديرات خبراء أقتصاديين، فإنه من المتوقع عدم تعافي الإقتصاد الإسرائيلي في العام المقبل، وربما لأعوام أخرى مقبله.
وكانت إسرائيل قد سجلت عجزا في ميزانيتها، خلال شهر تشرين ثاني/نوفمبر2023 وحده، بمبلغ وصل إلى 17 مليارشيكل (4.5 مليار دولار تقريبا)، ويصل إجمالي الخسائر، ما نسبته 10 بالمئه من الناتج المحلي الإسرائيلي، وفقا لبيانات البنك المركزي الإسرائيلي. وبحسب صحيفة (إسرائيل اليوم)، فإن ما يقلق إسرائيل، إحتمال تخفيض تصنيفها المالي، إذا وصلت نسبة العجز إلى 5.9% ، ولهذا فهي تعمل جاهدة للإبقاء على عجز مالي لا يتجاوز 2.25% ، بالإستفادة من المساعدات المالية الأمريكية، التي زادت عن 10 مليارات دولار، وبإجراء تقليص في الميزانية يصل إلى 67.2 مليار شيكل. وتشير تقديرات وزارة المالية، إلى أن عائد الحكومة الإسرائيلية من الضرائب، ستتراجع إلى ما يصل لـ 35 مليار شيكل، يضاف لها نفقات الحرب بمبلغ يصل إلى 39.6 مليار شيكل.
وخلال الحرب على غزة، شهد مؤشر (تاسي 35) لبورصة تل أبيب، تراجعا بنسبة 15%، في حين تراجعت أسهم بعض الشركات فيه، إلى أكثر من 35% وذلك مقارنة مع أسعار الإغلاق قبيل الحرب. كما فقدت القيمة السوقية للبورصة ما قيمته 25 مليار دولار، بالإضافة إلى تراجع أسهم أكبر 5 بنوك مدرجة في البورصة الإسرائيلية، خلال الشهر الأول من الحرب بنسبة وصلت لـ 20% ..
وتعتبر مستوطنات غلاف غزة التي تعرضت لهجوم 7 أكتوبر، من المناطق الهامه للأمن الغذائي الزراعي الإسرائيلي، ووفقا لإتحاد المزارعين الإسرائيليين، فإن 75% من الخضروات المستهلكة في إسرائيل، تأتي من منطقة غلاف غزة، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الألبان، أضف إلى ذلك عدم القدرة، على جني محاصيل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، في الشمال على الحدود مع لبنان، بسبب تبادل القصف مع حزب الله..