عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية

حجم الخط
6

بعد أيام قليلة تحل الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع ثورة السوريين التراجيدية التي طلبت المستحيل، ولم تحقق أياً من رهاناتها الرئيسية. بل أكثر من ذلك: سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس مستمر يبدو، إلى اليوم، بلا مخرج قريب. وفي ظل انعدام الأفق هذا يتراشق سوريو الثورة فيما بينهم باتهامات، ويخوضون صراعات عبثية لكنها أكثر حدة من صراعهم الأصلي ضد النظام، حتى لو كان بأدوات لغوية ـ فكرية لا بالسلاح. هذا مفهوم بالنظر إلى الهزيمة التي يراوغ كثيرون في الاعتراف بها، ولا يقدم من يعترفون بها شيئاً ذا قيمة بشأن الدروس الواجب استخلاصها من الهزيمة، أو بشأن البحث عن آفاق جديدة تعيد ثقتهم بأنفسهم وبصواب خيار الثورة التي شاركوا فيها أو انحازوا إليها.
حدث أمران في فترتين متقاربتين قبيل ذكرى الثورة، طغيا على ما عداهما من سجالات، الأول هو الحكم الصادر عن إحدى المحاكم الألمانية بحق الجندي المنشق إياد الغريب بالسجن أربع سنوات ونصف، والثاني رفع بعض سوريي الثورة شعار «تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة» الذي كانت الناشطة وعد الخطيب قد نقشته، العام الماضي، على ثوبها بمناسبة ترشيح فيلمها «من أجل سما» إلى جائزة الأوسكار للأفلام التسجيلية الطويلة.
انقسم مجتمع الثورة السورية، بشأن الحكم على إياد غريب، بين من اعتبره فاتحةً لمحاكمة نظام بشار، ومن اعتبره ظلماً بحق منشق انحاز للثورة منذ الأشهر الأولى، فضلاً عن كون الحكم نذير شؤم قد يؤدي إلى محاكمة كل من انشق عن النظام وشارك في الثورة، في الوقت الذي لا تسمح فيه الظروف بمحاكمة مجرمي النظام الملطخة أيديهم بدماء السوريين، بحث تتحول محاكمة إياد إلى سابقة يمكن تأويلها على أنها إدانة لفعل الانشقاق بحد ذاته.
كذلك انقسموا حول العبارة التي اعتمدها البعض شعاراً بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة، وهاجمه آخرون بسبب شقه الثاني، غالباً، بدعوى أن مآلات الثورة لم تثمر كرامة بل ذلاً، سواء لسوريي الداخل أو سوريي الشتات، سواء في المخيمات أو في الملاجئ القريبة والبعيدة.

تجرأ السوريون، قبل عشر سنوات، على الحلم، وتذوقوا طعم الحرية والكرامة في مواجهة إجرام النظام ووضاعته. تكالبت كل الظروف ضد حلمهم، عزاؤهم الوحيد اليوم هو أن النظام جثة تسير على قدمين

الواقع أن السوريين منقسمون، قبل ذلك، لأسباب أكثر خطورة من الخلاف حول محاكمة أو حول شعار، بين سوريي الثورة وسوريي النظام، وبين أنصار تركيا والكرد، وبين الإسلاميين والعلمانيين، وبين من يعيشون تحت خط الفقر وفوقه، وبين مؤيدي العقوبات على نظام الأسد ومعارضيها…إلخ، إضافة إلى خضوعهم إلى سلطات أمر واقع متعددة في مناطقهم وسلطات الدول المستقبلة لنازحيهم ولاجئيهم. وتدور صراعات فكرية حادة فيما بينهم، في كل فرصة ومناسبة، وعلى كل صغيرة وكبيرة، مقابل تراجع حدة الصراعات المسلحة في الداخل، وهي تدور بين قوى أمر واقع متفاوتة القوة، ولا تعني سائر السوريين كثيراً إلا من حيث الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها.
أما النظام الغارق في أزمته الاقتصادية – الاجتماعية الخانقة، بفعل عوامل كثيرة أضيفت إليها العقوبات الأمريكية المعروفة باسم «قيصر» وآثار جائحة كورونا، ليتعزز هذا الغرق بابتعاد الحل السياسي الذي يريده عودةً مستحيلة إلى ما قبل آذار 2011، ابتعاد السراب. بدلاً من مواجهة هذا الواقع القاتم، بدأت استعداداته مبكراً لتجديد البيعة لبشار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات وكأن كل شيء بخير، في وقت تنتظر فيه القوى المنخرطة في سوريا، روسيا وإيران وتركيا، ما الذي قد تأتي به الإدارة الأمريكية الجديدة من مقاربات بشأن سوريا، ليعيدوا حساباتهم بناءً على ذلك.
في هذا الوقت حدث أمر مفاجئ أثار مخيلات بعض المحللين على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن مصير النظام ورأسه. فقد نشرت وكالة أنباء النظام (سانا) خبراً حول إصابة بشار وزوجته بفايروس كورونا، مضيفة أن «وضعهما الصحي مستقر» ويحتاجان إلى أسبوعين أو ثلاثة لتجاوز الإصابة. المفاجئ في الخبر هو مصدره، أي وكالة سانا، فالتقليد المتبع في وسائل إعلام النظام هو التستر على أخبار من هذا النوع، لا نشرها. فإذا حدث وتسرب شيء ما عن صحة «الرئيس» إلى وسائل إعلام عالمية، كان يتم التكذيب أو التجاهل إلى حين عودته إلى نشاطه المعتاد، فتنشر وسائل إعلامه خبراً عن «وعكة صحية خفيفة» تم تجاوزها، بصرف النظر عن حقيقة ما حدث.
ربطت بعض التحليلات بين خبر الإصابة بالفايروس وبين الاستعدادات الجارية للبيعة، في حين علق آخرون عليها آمالاً، بربطه بمجموعة عوامل أخرى تدعم، برأيهم، نظريتهم المتفائلة حول قرب نهاية النظام. الواقع أنه بمجرد صدور الخبر من وسائل إعلام النظام تفقد تلك التحليلات المتفائلة كل أساس. فمن الواضح أن النظام أراد أن يعتقد الآخرون أنه مصاب بالفايروس، بصرف النظر عن حقيقة الأمر. ترى هل أراد النظام من هذا الخبر أن يزيل الآثار السلبية التي نتجت عن صفقة اللقاحات الروسية بتمويل إسرائيلي؟ وذلك من خلال الإيحاء بأن «الرئيس الممانع» رفض تلقي اللقاح فأصيب بالفايروس؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تتحدث عنه وسائل إعلام النظام في الأيام القادمة.
تجرأ السوريون، قبل عشر سنوات، على الحلم، وتذوقوا طعم الحرية والكرامة في مواجهة إجرام النظام ووضاعته. تكالبت كل الظروف ضد حلمهم، عزاؤهم الوحيد اليوم هو أن النظام جثة تسير على قدمين. ولا بد للجثة أن تدفن أو تحرق في لحظة ما لا يمكننا اليوم التكهن بشأنها.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامي صوفي:

    مع كل مآسي و عذاب السوريين في الداخل و الخارج، تبقى الثورة السورية أهم حدث في تاريخ سوريا بعد ثورة البعث ١٩٦٣ و علونة سوريا ١٩٦٦. الأكيد أن الثورة أثبتت أن هناك أبداً غير أبد آل الاسد.
    هذه المآسي التي يعيشها السوريون خلال ١٠ سنوات وحدتهم ضد النظام. لم يعد هناك «أكثرية سنّية» معارضة للنظام و «أقليات» مؤيدة له. اليوم هناك «أكثرية سورية» معارضة للنظام تضم كل المكونات السورية الطائفية و الاثنية.
    جثة النظام تتعفن كل يوم، و يبدو أن العالم يتركها لتسقط من تلقاء نفسها.

  2. يقول زهير:

    نظام مخابراتي فشل في الدفاع عن الوطن ودمر الانسان قبل المكان … قدم الفساد والمحسوبية على الجدارة لسهولة شيطنتهم الحاجة … قمع القامات الوطنية في بداياتها وترك الشعب اعزل بدون قيادة في مواجهته … شيطن المعارضة واطلق السجناء لتخريب الحراك السلمي بينما ابقى السياسين منهم … لم يعطي الكرد أي من حقوقه وعندما اعطاهم بعض الفتات لاستخدامهم صد من ضحى بدمه من اجل مستقبل الوطن .. لم يعرف المشرق العربي مثل هذا الا الغزو المغولي

  3. يقول عبدالله السوري:

    نحن فخورون بثورتنا ضد النظام العلوي المجرم الذي كان يحلم بالسيطرة على موارد سورية وخيراتها وتحويلها الى مزرعة للأقليات ولكن الثورة أتت وحولت حلمه كابوساً لن يتخلص منه بعد ان اصبح عبداً لدى الحلف الفارسي والحلف الصهيوصليبي قد يقول احدهم ان النظام لم يسقط ولكن عليه قبل ذالك ان يسأل نفسه ماذا هل يستطيع هذا النظام الأقلواتي ان يعيد الأمور الى ماقبل ثورة الكرامة المجيدة طبعا لا وهو يعرف ذالك ويعرف ان الشعب الذي انتفض ضده لن يتخلى عن الثورة وعن بندقيته حتى يحقق أهداف الثورة

  4. يقول عبدالله السوري:

    الثورة انتصرت وهذا رأي كل من عايش نظام المجرم حافظ وبعده الوريث المجرم ونظام المخابرات المجرم الذي اذل سورية وشعبها اليوم لن يجرؤ احد ممن بقي ان يرفع صوته على احد من ابناء الشعب السوري لانه يعرف ان يده هذه ستكسر قبل ان يحركها

  5. يقول هوزان هكاري:

    دعنا نكون بعيدين عن الكلمات الجياشة
    والحماسية ونحكم على الاحداث بمنطقية
    اتفق مع الجميع بان النظام دكتاتوري.
    لكن الذي تحقق مما تسمى بالثورة السوريه
    بل الفوضى السوريه هو شرذمة الشعب
    السوري وترك بلاده، المستفيد روسيا
    ايران تركيا؟؟؟

  6. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي بكر صدقي. هناك سيناريوهات كثيرة في سوريا لكن للأسف من غير الواضح حتى الأن إذا كان تغيير بشار الأسد واحد منهم! على جميع الأحوال كل الإحتمالات واردة وعلينا الإستعداد لها جميعًا

إشترك في قائمتنا البريدية