الناصرة- “القدس العربي”:
كيف سيؤثّر القرار الجديد لمحكمة العدل الدولية على مصير الحرب وعلى الصفقة التي ستشهد هذا الأسبوع مداولات لتحقيقها؟ وهل يفوّض مجلس الحرب الإسرائيلي مساء اليوم طاقم المفاوضات بما يضمن التقدم نحوها؟ أم سيعرقلها نتنياهو مجددا وفقا لحساباته؟
طبقا لمصادر إسرائيلية وأجنبية، يُفترض أن تشهد الدوحة بعد أيام مداولات لصفقة جديدة، أو محاولات جسّ نبض يفترض أن تقدّم إسرائيل وحماس موقفيهما منها. ومن غير المستبعد أن تكون حكومة الاحتلال قد تقدمت نحو مداولات جديدة كما يتمثّل في إرسال رئيس الموساد للقاء رئيس المخابرات الأمريكية ورئيس الحكومة القطرية في باريس، من أجل امتصاص ضغوط داخلية وخارجية، خاصة بعدما شهد الشارع الإسرائيلي تصعيدا في لهجة الغضب والاتهام للحكومة بعد استعادة عدد إضافي من المخطوفين في توابيت، وبعدما أصدرت المحكمة الدولية قرارا بتقييد عمليات إسرائيل في رفح، وهو قرار كانت تعلم به مسبقا كما يتبيّن.
من جهته، قال القيادي في حماس، أسامة حمدان، إنه بدون وقف الحرب وانسحاب كامل من قطاع غزة، لن تكون هناك صفقة. وفي الجانب الإسرائيلي، تعرب أوساط رسمية وغير رسمية عن عدم تفاؤلها بهذه المداولات. فالخلاف الجوهري ما زال على حاله: وقف الحرب المتوحشّة على غزة.
في هذا المضمار، قال رام بن براك، النائب عن حزب “يش عتيد” المعارض برئاسة يائير لبيد، للإذاعة العبرية الرسمية، إن نتنياهو يتجه لتفويت فرصة لإتمام صفقة مجددا من منطلق حساباته الفئوية القائمة على مدّ أمد الحرب طمعا بنصر غير واقعي، وحفاظا على بقائه في الحكم.
وقالت الإذاعة ذاتها، إن المستوى السياسي في إسرائيل يرفض موقف المؤسسة الأمنية الداعية للذهاب إلى صفقة كبرى توقف الحرب الآن. وتنقل عن مصادر سياسية عليا قولها إنها لن تقبل بوقف الحرب مقابل تحقيق صفقة تبادل.
وتوضح الإذاعة العبرية أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية متفقة على ضرورة إتمام صفقة الآن تنهي الحرب لعدة عوامل منها أن الساعة الرملية نفدت ولم يتبق وقت للمخطوفين. وقالت صباح اليوم الأحد إن كل قادتها من رئيس الموساد ورئيس الشاباك ووزير الأمن، والوزيرين غانتس وآيزنكوت يؤيدّون صفقة كونها ملحة وضرورية الآن، ويرون أن بمقدور إسرائيل تجديد القتال إذا ما اقتضت الحاجة مستقبلا حتى لو تقرّر وقف الحرب في إطار هذه الصفقة.
رغم ازدياد أعداد المتظاهرين الليلة الماضية في تل أبيب، لكن عائلات المحتجزين صعدت لهجة انتقاداتها وضغوطها على حكومة نتنياهو، واتهمته بعدم الاكتراث بهم. فقال مندوبون عن العائلات إنه بسبب نتنياهو، “تتعرض بناتنا للاغتصاب وأبناؤنا للتنكيل” وفق مزاعمهم. وطالبوا بمنح الطاقم المفاوض صلاحية كاملة.
تبدي هذه العائلات وأوساط غير قليلة في الشارع الإسرائيلي عدم ثقة بنوايا وأولويات نتنياهو وحساباته، وهذا هو الحال لدى جهات في دول الوساطة كما يكشف محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت” رونين بيرغمان.
وفي مقاله اليوم، ينقل بيرغمان عن مصادرفي دول الوساطة قولها لـ”يديعوت أحرونوت”: “لن تكون صفقة دون وقف الحرب”. كما ينقل عن واحد من هذه المصادر من إحدى دول الوساطة، انتقاداته لنتنياهو بقوله: “في إسرائيل، ربما يعتقدون أنه يمكن إبقاء الجنود في الأسر، لكنها تهدّد بذلك حياة كل المخطوفين”.
كما يصعّد عدد من المراقبين في إسرائيل الضغط على حكومتها لعدم تفويت فرصة تبدو أخيرة الآن لاستعادة من تبقى من المخطوفين أحياء.
فيقول المعلق السياسي البارز في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، إنه ينبغي وقف الحملة البرية المتدحجرة في رفح لأن ثمنها أكبر من فائدتها.
بارنياع الذي واظب منذ أكتوبر الماضي على تأكيد استحالة الانتصار في هذه الحرب، يشدد اليوم على أنه لا أحد من المستوى السياسي يجرؤ على قول ما يقوله جنرالات في الماضي علانية، وما يقوله قادة عسكريون بهدوء: “حان وقت إحراز صفقة وتهدئة الشمال والبدء بترميم الدولة”.
ويعلل بارنياع دعوته لوقف الحرب فورا بالتساؤل: “هل تستحق رفح كل هذا؟”، ويضيف: “بعد أيام، سيجتمع مجلس الأمن للنظر بقرار محكمة العدل الدولية، والحاجز الوحيد دون كارثة دبلوماسية غير مسبوقة هو فيتو أمريكي سيتحقق على ما يبدو. لكن إذا ما جرى النقاش في مجلس الأمن، فيما تهاجم وتندفع القوات البرية في رفح، سيكون الثمن فرض عقوبات على إسرائيل حتى دون قرار من مجلس الأمن”.
ويتقاطع معه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل بقوله محذرا إن قرار المحكمة بتقييد القتال في رفح لن يغّير فورا مسار الحرب في القطاع، لكنه ضغط إضافي دولي متصاعد على إسرائيل لإنهائها.
كما يحذّر من أنه في المنظور البعيد، هناك خطران يهددان إسرائيل: فرض وقف للنار داخل القطاع دون تسوية قضية المخطوفين، وتفويت فرصة لصفقة كبرى مع أمريكا والسعودية.
ويرى المعلق السياسي اليساري غدعون ليفي أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإسرائيل لوقف الحرب والخروج من المأزق واستعادة المخطوفين.
ويضيف شاكيا متشائما: “دولة قانون كانت ستقول نعم للمحكمة وتجد في القرار فرصة لوقف الحرب والخروج من المأزق. لكن إسرائيل ليست كهذه ولن تفعل ولن تستغل الفرصة بحثا عن نصر مطلق هو ليس سوى سراب”.
في تصريحات إعلامية، يحذر أيضا المحامي آفي خالو، قائد قسم الأسرى والمفقودين في الاستخبارات العسكرية سابقا، من فقدان “اللحظة المواتية” ويقول إن الأمر المقلق في المحكمة يقرّب إسرائيل من سيناريو رعب تضطر فيه لوقف الحرب في غزة دون استعادة المخطوفين في نطاق صفقة، محذّرا كذلك من أن زمن المخطوفين أقل من زمن الحرب المتواصلة.
رغم كل المحفزات ورغم رغبة أغلبية الإسرائيليين في صفقة الآن حتى بثمن وقف الحرب دون تحقيق أهدافها، يتجه نتنياهو لإفشال المفاوضات كما فعل في المرات السابقة، من خلال مراوغة ومناورة يتقنها، وذلك لأنه ما زال أسير “الأنا” المتضخمة، وهو الذي يعتبر نفسه تشرتشل الإسرائيلي ويبحث عن انتصار بات غير متوقع أو عن صورة انتصار، ويخشى من تحوله لـتشمبرلين المتردّد الضعيف في عيون الإسرائيليين، ويخاف من لجنة تحقيق رسمية، ومن انتخابات مبكّرة تنزله من منصة الحكم ومسرح التاريخ المسكون بهاجسه، وربما تخرجه من بيته للسجن وهو المتهم بقضايا فساد، وليس فقط مهددا بالاعتقال دوليا.
يشار إلى أن استطلاعات رأي متتالية تظهر في الأسابيع الأخيرة أن ثلثي الإسرائيليين لا يثقون بحكومتهم وبقدرة الجيش على تحقيق أهداف الحرب.