أطّلع هذه الفترة، قراءة واستماعاً، وباتساع أكثر، على وجه آخر للتاريخ الإسلامي، وجه مختلف تماماً عن ذلك الذي صممناه صماً إبان فترة دراستنا حتى ملأ علينا كل تصور لنا عن التاريخ الإسلامي دون أن يترك لنا ثغرة نفكر من خلالها خارج الصندوق. ويبدو أن للتاريخ الإسلامي ثلاثة مسارات رئيسية، مسار المنتصر الذي ينقل السردية السنية والتي من خلالها يتبدى التاريخ الإسلامي تاريخ انتصارات متلاحقة وبناءات اقتصادية وعلمية وسياسية عظيمة، ثم مسار المظلوم المقهور الذي ينقل السردية الشيعية والتي من خلالها يتبدى التاريخ الإسلامي تاريخ معاناة ومظلومية وقمع ومطاردة لأقلية ترى في نفسها الحقيقة الباقية والمنبع الأصلي لتعاليم النبي وآل بيته، ثم مسار القراءة المتجردة من التأثير العقائدي والتي تنظر للتاريخ الإسلامي على أنه تاريخ بشري فيه من الأخطاء أكثر من الصواب، ومن الفساد أكثر من الخير، تاريخ حروب وغزوات وصراعات أدى إلى انهيار الإمبراطورية الإسلامية التي لاقت ذات مصير كل الإمبراطوريات الأخرى التي كان أعظم أحمالها وأشد ما أودى بها إلى نهايتها هو في الواقع حجمها الضخم وأراضيها الشاسعة وتعداد أهلها الهائل الذي فاق قدرتها على السيطرة فأسقطها.
في المدارس كنا نحفظ تاريخ الانتصارات الهائلة، وكنا نتبرمج على تبرير كل تراجع أو سقوط، فتلك كلها اختبارات سينجح فيها المسلمون السُّنة آخر الزمان لينتصروا على بقية بشر الأرض، ولتنتهي قصة البشرية بعودة المسلمين إلى عرشهم المفقود الذي سيقودهم إلى خلود فردوسي عظيم. في الحسينيات كنا نستمع لتاريخ قهر وظلم وأوجاع، وكنا نتبرمج على تفسير وتبرير كل هزيمة أو كارثة، فتلك كلها اختبارات يتعلم منها المسلمون الشيعة ليتأهبوا للوصول للنصر الموعود ولتنتهي قصة البشرية بعودة المسلمين إلى عرشهم المفقود الذي سيقودهم إلى خلود فردوسي عظيم. لا تختلف هذه القراءات التاريخية الدينية عن غيرها المكتوب للأديان الأخرى من حيث الفكرة الجذرية: ظهور، وصعود وبزوغ مقدسان، هزيمة وألم وانكسار مؤقتان، عودة ختامية بالنصر المبين عادة ما تكون مقادة من مخلص عظيم، مخلص سيأتي ليعلي كلمة الحق ويقضي على الظلم والمفاسد ويسيد هذا الدين أو هذا المذهب أو تلك العقيدة على العالم كله. كلنا ننتظر المخلص، مخلصنا الذي سيظهر في آخر الزمان ليقضي على الشر وينهي كل الأحزان.
ورغم أن كلاً من هذه المسارات الإسلامية تحتوي في كتبها التراثية على مواد ومعلومات تجادل وتتضاد وأفكارها السائدة، إلا أن الأغلبية لا تطلع على هذه المواد الموجودة في كتبهم هم بحد ذاتهم، شيئ ما يبدو آثماً في قراءة نقاط الضعف هذه ومحاولة سبر غورها وسدها. لذلك نحن اليوم -بسنتنا وشيعتنا، مسلمين انتقائيين- نختار ما يأتي على الخاطر من التاريخ ونتجاهل البقية، إما بحجة ضعف السردية أو عدم فهمنا لها، أو وجود حكمة خلفها تفوق فهمنا. وهكذا، رسمت كل طائفة من الطائفتين الكبريين في الإسلام مساراً ذا طابع محدد بها موازياً للمسار الآخر، مسار يقود إلى النهاية الحتمية ذاتها، بشكل متساو في القوة، متضاد في الاتجاه. عجيب هذا التوازي والتطابق شبه المطلق في الفكرة والمسار، ألا يدق هذا التطابق ناقوساً احتمالياً للقراءة المضببة التي تحتاج إلى مراجعة ومواجهة حقيقيتين؟
بقي أن المسار الثالث المتجرد البحثي هو مسار مهم، لربما هو المسار الأكثر جدية علمية والأدق تاريخياً وحدثياً، إلا أنه مسار جامد بالفعل، لا يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة البشرية الانفعالية ولا تأثير الإيمان على القرارات والتصرفات إلا في أضيق الحدود. ورغم ذلك، إذا أردنا أن نتعرف، حقيقة، على تاريخنا الذي قد يسلط ضوءاً طفيفاً على مستقبلنا، فعلينا بهذه القراءة المؤلمة المتحدية لكل ما كنا نعرفه ونعتقد به. لا بد من نبش عش الدبابير ومواجهة كل القرصات، وصولاً لحقيقة ما تبين لنا لماذا نحن هنا، لماذا نحن هكذا.
هناك نقاشات بحثية مهمة وخطرة تنظر في المواقع المكانية لانتشار الإسلام، تراجع التواريخ وقد تصل لتأريخات مغايرة تماماً للسائد. هناك دراسات تنقيبية تكشف المزيد كل يوم، هناك مخطوطات مغيبة وعملات نقدية موسومة مخبأة لا يتجرأ المؤرخ الإسلامي المحافظ على التعامل معها وفهم فحواها. ماذا نعرف، حقيقة، عن تاريخ المنطقة بأكملها قبل ظهور الإسلام؟ كيف تقبلت ذات المنطقة الدخول المسلح للدين الجديد؟ قراءة في تاريخ مصر مع الدخول الإسلامي، مثلاً، ستبين الكثير من المواقف السياسية للناس آنذاك، والتي هي تبتعد تماماً عن الصور المثالية التي رسمها لنا «تاريخ المنتصر» الذي فرض علينا فرضاً، أو «تاريخ المنهزم» الذي يكرر علينا حزناً ونعياً. نحتاج للرؤية الثالثة مهما بلغ إيلامها ووجعها ومهما عظمت هزتها لنفوسنا، بلا هذه القراءة الحقيقية والمواجهة الصعبة، لن يصفو الطريق، وسنبقى تائهين، محكومين بالضياع. فكرة بعد فكرة، وحدة وحدة، على قدر خطونا نحتاج أن نتحرك، المهم أن نتحرك.
بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا ؛ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي )
وقال: ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) ولا حول ولا قوة الا بالله
يقول الدكتور القرضاوي: “التجديد الحقيقيُّ مشروعٌ، بل مطلوبٌ في كلِّ شيء: في المادِّيَّات، والمعنويَّات، في الدنيا والدِّين، حتى إنَّ الإيمان ليحتاج إلى تجديد، والدين يحتاج إلى تجديد، وفى الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو مرفوعًا: “إنَّ الإيمان ليَخْلَق في جوف أحدكم، كما يَخْلَق الثوب الخَلِق، فاسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم” رواه الحاكم، وقال: رواته ثقات، ووافقه الذهبي
– إسلام أون لاين –
الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي مهمة في ذاتها للتطوير ومواكبة قضايا العصر، مع مراعاة الضوابط المرعيّة، ومفتاح التجديد هو الوعي والفهم للإسلام من ينابيعه الصافية، بحيث يُفهم فهمًا سليمًا خالصًا من الشوائب، بعيدًا عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وهذه الورقة تحاول الإجابة على الأسئلة التالية: ما المقصود من طرح هذه الفكرة في الوقت الحالي؟ وهل التراث الإسلامي لا يزال جامدًا لا يحقق المأمول منه، ويحتاج إلى تجديد لمواكبة قضايا العصر؟ وإذا كانت هناك ضرورة لتجديد الخطاب الإسلامي فمَنْ إذن يقوم بهذا التجديد؟ وما الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يقوم بالتجديد؟
ومن أبرز الضوابط التي يجب أن تراعى فيمن يقوم بهذا التجديد: مراعاة الاختصاص، والموضوعية والتجرد من الأهواء للوصول إلى الحقيقة، والتمسك بالأصول والثوابت الإسلامية، والتأكيد على محدودية العقل البشري وعدم إحلاله محل الوحي، وإصلاح الفكر الديني في إطار منهجي، والالتزام بأساليب وقواعد اللغة العربية في تفسير النصوص الدينية وتأويلها، وعدم الاعتماد على نصٍّ واحد في الحكم وإغفال بقية النصوص الدينية التي وردت فيه.
– مركز الجزيرة للدراسات –
“الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي …..”
كيف ياصديقي داود ؟ أهل أنت مستعد لإلغاء أشياء واستبدال أشياء في الدين ربما لاتتوافق وحقوق الإنسان ؟ هل أنت مستعد لإلغاء أحكام الشريعة من بتر ورجم إلخ …..؟ أنا لاأظن , فكيف إذن تجديد الخطاب الديني ؟
مفهوم التجديد هنا هو تنقية الدين مما دخله من بدع وضعف وخرافات، واتباع أصوله التي لاتتغير!
تجديد الخطاب الديني ليس هو تجديد الدين وأحكامه. فلا تتوقعوا منا أن نخالف تعاليم ديننا من أجل أهوائكم.
هذا المشروع الذي ينبغي ان يعكف عليه المسلمون في هذا العصر فيجردوا التاريخ من الصور التي رسمتها فيئات معينة منحازة الى هذا التصور السني او الشيعي،والبداية تكون من عصر الصحابة وما جرى فيما عرف بالفتنة الكبرى من وقائع واحداث،فتبرز الحقائق ويحمل كل فرد او جماعة مسؤليتها من غير تجريم او اتهام للنوايا او البواطن،ونضع بذلك حدا للصراع التاريخي الدائر منذ قرون بين المسلمين.
الدين باق ويتمدد. الحمد لله على نعمة الإسلام وما اعظمها من نعمه.
العنوان جميل وموفّق
شكراً للكاتبة
القرآن صحيح 100% حيث وصلنا بتواتر وتعدد مصادر موثوقة بصيغة واحدة كما رواه محمد (ص) فبات مرجع للتشريع وبالمثل وصلتنا أحاديث صحيحة %100 بتواتر وتعدد مصادر موثوقة بصيغة واحدة فباتت مرجع للتشريع كالقرآن، لكن قسم ثاني أحاديث لا تأكيد لصحتها 100% رواها آحاد أو رواتها غير ثقة ضعيفة أو تناقض القرآن أو تغادر روح الدين وإطاره العام لكن استمر تداولها جماهيرياً طوال 14 قرناً فضلوا وأضلوا وأنتجت فتن ودين موازي، وقسم ثالث أحاديث تأكد عدم صحتها لكن حرص أعداء الإسلام على استمرار تداولها 14 قرناً لتشويه الإسلام.
القرآن صحيح 100%,الانجيل صحيح 100%, التوراة صحيح 100%, البوذية صحيحة 100%…….
نحتاج لعلماء الرياضيات لحل هذه المعادلة
وشكرا للقدس العربي
أوافقك الرأي الأخت ليلى, لمن سنحتكم ؟
القرآن الكريم محفوظ بإذن الله، ولكن الكتب الأخرى دخلها التحريف والتأليف، وقارن مثلا ترجمات التوراه والإنجيل في اللغات الممختلفة بل اللغة الواحدة تجد فروقا كبيرة، فضلا عما في في بعضها من نصوص لا يمكن أن تكون وحيا من عند الله (يحرفون الكلم …).
تبدأ معظم العقائد بأمور مقنعة للناس كحماية نفس وعرض ومال وكرامة وحرية وعدالة لكن تتمثل المشكلة بقابلية الناس على الهبل والإستهبال فكل العقائد سواء قديمة أو حديثة بقرون غابرة أو بعصر حديث وسواء كانت عقائد سماوية أو وضعية أو علمانية جميعها قد فرخت رجال عقيدة يستهبلون باقي الناس بتحريفها تدريجياً لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو تقديس أشخاص للإستقواء على الناس واستباحة أموالهم وأعراضهم سواء عن طريق فن خطابة ورواية بدائل للحقائق بطرق مقنعة للعامة أو بطرق أمنية وعسكرية لفرض واقع يعدم كرامة وحرية وعدالة
بعد نزول آخر آية قرآنية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) لم يعد لأحد حتى محمد (ص) قبل وفاته أن يغير ثوابت العقيدة أو روح الدين أو إطاره العام وتسامحه ووسطيته ليوم القيامة، لكن الأمور الفرعية يتناولها فقه وإجتهاد علماء العصر لتناسب مكان وزمان وعرف وظروف سائدة، أما قصص التاريخ فليست مرجع بل مجرد اجتهاد بشر يقاس صوابه حسب تناغمه أو تناقضه مع ثوابت العقيدة وروح الدين المكتمل غير المجتزأ وإطاره العام لاستبعاد أصحاب أهواء ومصالح ومثيري فتن وحروب بين مسلمين أو مع غيرهم.
الى تيسير ،،،،، وهل هناك اجماع على الخط الفاصل بين ثوابت العقيدة وروح الدين واطاره. وبين الامور الفرعية واجتهاد العلماء،،
الثوابت معروفة ، ووجودها قائم ، وحكاية العلاقة بينها وبين الفروع فالتراث الفقهي والفكري يملأ أركان المعمورة!
روح الإسلام بأول نظام حكم مدني بالعالم أنشأه محمد (ص) بالمدينة سماحة وسطية عدالة مكارم أخلاق وحفظ نفس عرض مال أسرة مجتمع وحروبه تطوعية دفاعية لحماية مدنيين وحرية تعبير واعتقاد وليست لاستعباد وقنص ثروات، ومرجع المسلم آيات قرآن ربطت بأسباب وظروف نزول وتصرف النبي بحينها إضافة لتصرفه بكل ظرف فاكتمل الدين قبل وفاته، أما قصص تاريخ بعد محمد (ص) ليست مرجع مطلق للمسلم بل جهد بشري بحينه يحدد صوابه أو عدمه بنسبة تناغمه أو نقضه لروح الدين السمح الواسع لكل البشر النقي من بدع وأهواء وفتن والمكتمل غير المجتزأ.
الثوابت لايمكن أن تتغير في الدين.. رغم ظهور مدارس فلسفيه وعلمانيه واعراف صوفيه..
ممنوع أي نموذج ديني ناجح لكل الديانات حيث لا أحد معصوم كالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ولهذا الأفضل هو قيام حكم مدني مع الحفاظ على أصالتنا كمسلمين نصوم ونصلي ونزكي ….. ونترك القوانين الوضعية الصالحة تأخذ مجراها لتحقيق العدل بين الناس كما هو موجود في أغلبية الدول ولا وجود لأي دولة تحكم بالإسلام في عالم اليوم …