اعمل عكس ما أنت معتاد عليه، غيّر وقت نومك، غيّر طعامك، غيّر مكانك، والأهم أنها نقطة البداية لتغيير التفكير الذي هو أساس توجهك وخياراتك في الحياة. لن تعرف الجديد إلا حين تصرخ من الرتابة، والحقيقة أنك لن تعرف الرتابة إلا حين تضطرك الحياة لأن تضغط على الفرامل ضغطا خفيفا أحيانا، أو مفاجئا لتتجنب كارثة أمامك.
وكم هو محظوظ من يذوق طعم الجديد في حياته، مبتعدا عن مسايرة رغبات الناس. يرى القطيع من بعيد، ويدرك أن من يعيش مع القطعان، هو نسخة مكررة حتى في أمراضه وهمومه ومصيره. هذا عصر الابتكار، لا شيء يقف أمام الأفكار الجريئة، حتى تمويلها يأتي من صناديق تسمى «صناديق رأس المال الجريء». كل شيء مسخر لترى هذه الأفكار النور. وحدهم التقليديون من تقيدهم أوهام الماضي، وعُقد التفوق.
كم قرارا جريئا اتخذته في حياتك؟ العالم رحِبة خياراته، لا حدّ لها في اتساعها. دائما ما يقال: أنت لست شجرة، إن لم يعجبك المكان غيّره، غادره. كان علماؤنا السابقون في سفر دائم، فتلك كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة العالم من حولهم، وللقاء معاصريهم من العلماء.. فكيف لابن خلدون أن يؤسس علم الاجتماع من دون أن يعرف تقلّب الشعوب والحكام وسير الأولين.. رحل ابن خلدون من تونس إلى المغرب ثم إلى غرناطة في الأندلس لينتهي به المطاف في مصر. وكثيرة هي الأمثلة اليوم عن رُحّل كتبوا تجاربهم بعد أن عاشوها واقعا، ولم يصفوها وصفا نظريا، فخبرة الميدان أعلى درجة التمكن. اليوم العالم كله بين يديك بمجرد ضغطة زر، الفرق أنك لا تتذوقه، أنت تعيشه افتراضيا فحسب.. كل ذلك لا يغني عن الترحال ففي السفر عدد لا يحصى من التجارب، وروائع الطعام وروح الشعوب وفكرها. لم يعد السفر ترف المترفين، فالتقنية قرّبت كل بعيد وجعلت المستحيل متاحا. لِمَ لا تكون لديك الجرأة على التغيير؟ لِمَ يجب عليك أن تصرخ قبل أن تغير مسار حياتك؟ ما الذي يقيدك؟ ولِمَ تحصر نفسك في دائرة ضيقة؟ أعجب من الحسد عجبا كبيرا، كل تلك المشاعر لأنك ربطت نفسك بمحيطك.. تخيل لو أن العالم كله كونك، أليس من المضحك أن تحسد لأنك فقط لا ترى إلا من حولك، تقارن نفسك بأقربائك – وهو الداء المستشري – من دون إدراك منك أن البيئة تصنع كل شيء وأنه بمجرد تغييرها يتلاشى كل شيء. تذوق طعم التغيير، وسّع دائرتك واهجرها إلى عالم الله الواسع. احزم حقيبة التغيير، وتعلم كل يوم شيئا جديدا.. يقول الغزالي في كيمياء السعادة: الدواب تشاركك في شهوة المأكل والمشرب.. وشهوة الغضب والخصومة، أما الروح حقيقة جوهرك، فما هو زادها؟ لتكن لديك رسالة أسمى من أهداف كامتلاك منزل وسيارة، فتلك مادة تأتي وتذهب، ما هي قضيتك اليوم؟ يقولون لن تتعلم ولن تنضج إلا بمغادرة دائرة الأمان، وترك ما اعتدت عليه، الحقيقة أن دائرة الأمان هي للخائف الذي يحيط نفسه بأسوار عالية، يخاف على نفسه من أن تتغير عليه بيئته فيتوه، محاولا التأقلم. لم أكتب يوما كلمات وسطورا، إلا بعد أن ذقت كلماتها واقعا، وإلا فقد تصبح نفاقا ورياء، بعيدا عن ملامسة القلوب. ركضت نحو التغيير مرغمة لا بطلة في بعض الأحيان، واقتحمته حبا بالمغامرة في أحيان أخرى، وفي كلتا الحالتين لم أندم، فما تعلمته خارج الأسوار التقليدية لرتابة الحياة والوظيفة ما كان يمكن أن أجنيه لولا قدر الله الذي نكره لأننا لا نعلم خيره الباطن.
كم هو محظوظ من يعيش مبتعدا عن مسايرة رغبات الناس.. ويدرك أن من يعيش مع القطعان، هو نسخة مكررة حتى في أمراضه وهمومه ومصيره
غيرت حياتي، مواعيد نومي وطعامي، غيرت اختيارات الكتب، لم أعد أقرأ في الاقتصاد والسياسة فقط، الأهم أنني عملت على تغيير الفكر فبه يهلك الإنسان أو يسعد.. لم أبق جزءا في حياتي إلا حاولت تغييره، فكرت فيه أولا، وأمعنت التفكير في جدواه وصحة ممارسته. وحين أقول إنني غيرت فهو تغيير جذري، كما إنه من ازدواجية المعيار أن تنادي بأمور وأنت لا تطبقها على نفسك. التغيير خادع، نظن دائما أننا مجبورون عليه، وفي الحقيقة هو خير لنا كرهناه. نسيت أن أذكر قبل ختام المقال أن تغيير العمل كان أهم قراراتي، فما أصعب أن يجبر الإنسان على التضحية بلقمة عيشه، إلا أن قضاء الله كله خير. ختمت المقال بتجربة شخصية فلم أر من الحكمة ذكر الأمور الشخصية، إلا إذا كانت ترسخ الفكرة، وتدلل على مصداقية ما يطرح. فلعل ما طرحت كاف لتتخذ أنت قرار التغيير، فليس هناك كالجمود قاتل في حياة سريعة التغيير.
كاتبة عمانية
تقول الكاتبة المغامرة آن بنت سعيد الكندي:
[لن تعرف الجديد إلا حين تصرخ من الرتابة، والحقيقة أنك لن تعرف الرتابة إلا حين تضطرك الحياة لأن تضغط على الفرامل ضغطا خفيفا أحيانا، أو مفاجئا لتتجنب كارثة أمامك]… انتهى الاقتباس
عزيزتي آن بنت سعيد الكندي، المسألة ليست بهذا الجزم المطلق، كما تحثين بكل حمية وحماسة “ثوريتين”: ولكن الطامة الكبرى في هذه القرينة هي أنك قد لا تعرفين الجديد حتى حين تصرخين من الرتابة، وقد لا تعرفين الرتابة من ثم حتى حين تضطرك الحياة لأن تضغطي على الفرامل ضغطا خفيفا أحيانا، أو مفاجئا لكي تتجنبي كارثة ما أمامك !!!؟؟
تقول الكاتبة المغامرة آن بنت سعيد الكندي أيضا:
[كان علماؤنا السابقون في سفر دائم، فتلك كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة العالم من حولهم، وللقاء معاصريهم من العلماء.. فكيف لابن خلدون أن يؤسس علم الاجتماع من دون أن يعرف تقلّب الشعوب والحكام وسير الأولين]… انتهى الاقتباس
عزيزتي آن، مرة أخرى، السفر، سواء كان مؤقتا أو حتى دائما، ليس هو الطريقة الوحيدة لمعرفة العالم حتى تستشهدي بتأسيس ابن خلدون لـ«علم الاجتماع» كمثال نهائي وقاطع: وثمة ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى من الأمثلة «المضادَّة» على ذلك – وأكتفي هنا بذكر مثال الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانتْ (أو كانط) الذي وُلد ومات في مدينته البروسية كونيغزبيرغ Königsberg (كانت قرية إبانئذٍ) ولم يغادرها إلى أي مكان آخر طوال حياته؛ ومع ذلك، وفوق كل ذلك، فقد ساهم مساهمة فريدة لم يزل تأثيرها ملموسا حتى هذا اليوم في تأسيس وبلورة المبادئ الجوهرية لما هو معروف في عالم الفلسفة المتسامية بـ«علم الظاهر/الظاهرة» أو «الظواهرية» أو «الفينومينولوجيا»، وذلك من خلال عمليه الرائدين «نقد العقل المحض» و« نقد العقل العملي» !!!؟؟