«عصر نهاية الخصوصية» للألماني أندرياس برنارد: إستمتع ولا تقلق سنجعلك تراقب نفسك

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي»: أصبحت تكنولوجيا الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها هي الأكثر استخداماً وتأثيراً في حياة الأفراد الآن، بمعنى أنها تصوغ هذه الحياة وتُنتج مفرداتها، وبالتالي فأي شخص لا يستخدم الهواتف الذكية، أو يبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعني أنه لا ينوجد إلا من خلالها، يصبح فوراً من المشكوك في أمرهم، واعتباره دون الأسوياء في هذا العالم. يأتي كتاب «عصر نهاية الخصوصية» للألماني أندرياس برنارد، موضحاً بعض الحقائق عن عالم (الأخ الأكبر) الحديث، وما مفهوم الديمقراطية والحرية المزعوم، الذي تصدّره الرأسمالية في صورتها الحديثة، إلا مظهراً خادعاً للتحرر، والذي هو في الأصل أحد ألعابه الكبرى لمراقبة الفرد وإحكام السيطرة على حياته، بداية من تنميطه، وفق نسق افتراضي ـ مفروض ـ وصولاً إلى جعله يراقب نفسه بنفسه لصالح هذه الأنظمة المتربصة دوماً بالفرد وميوله وتوجهاته، ما أدى في النهاية إلى اختلاق مجموعة من القطيع، يمكن معرفتها جيداً وتوجيهها كيفما تشاء سلطة العالم الحر. ومَن يظن أنه يمكنه تجاوز ذلك، سواء بكتابة ناقدة لوضع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، فمصيره معروف سلفاً، خاصة إن أتعسه الحظ وأصبح من مواطني العالم الثالث.

صدرت الترجمة العربية للكتاب مؤخراً عن دار صفصافة للنشر في القاهرة، وقامت بالترجمة عن الألمانية سمر منير. وفي ما يلي استعراض لبعض من أفكار الكتاب:

التنميط والتحكم

«وبسرعة البرق صار موقع فيسبوك منذ خريف عام 2006 شبكة تفتح أبوابها أمام الجميع، وأصبحت الهواتف الذكية متوافرة منذ عام 2007، وأصبحت متاجر التطبيقات الإلكترونية متوافرة منذ عام 2008. وبذلك تكوّنت ثقافة رقمية واسعة النطاق». هذه الثقافة التي يقصدها مؤلف الكتاب، أو بمعنى أدق هذا النمط المعيشي، الذي يجعل من وسائل تبدو في ظاهرها تمثل حرية للذات (الفرد) هي بالأساس أدوات بالغة الدقة للمراقبة، ولا أدل من ذلك على (الملفات الشخصية) البروفايل، الذي يجتهد الفرد في تطويره كلما واتته الفرصة، فهو سجل دقيق يقدمه الفرد عن طيب خاطر، حتى إن بعض أماكن التوظيف تعتمد معرفة المعلومات عن طريق صفحات الفيسبوك، وبالتالي فالذي لن يخضع لهذا النمط، سيُعد بدوره معزولاً اجتماعياً. كما يرى المؤلف أن أساس فكرة الملف الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، هي نفسها ما كان يُعرف باسم (الملف النفسي) للمعتقلين أو (ملف الأوصاف الإجرامية) للقتلة المحترفين. ومن ناحية أخرى تأتي (الهواتف الذكية) القادرة على تحديد موقع صاحب الهاتف، هذه أيضاً تتم من خلال تكنولوجيا ارتبطت حتى قبل عشرة أعوام بالأصفاد الإلكترونية، التي يتم وضعها حول الكاحل. وإن الذبذبات الجسدية التي تنقلها أجهزة الاستشعار أو التتبع الكمي الذاتي هي تلك التي كانت سبباً في اختراع أجهزة كشف الكذب في الأصل. ومن هنا تبدو هذه التقنيات التي تعمل على راحة الأفراد، وتوحي بمدى الرفاهية التي يعيشونها، ترجع في حقيقتها إلى طرق تم ابتكارها في علم البحث الجنائي، وعلم النفس والطب النفسي، منذ نهاية القرن الـ19. وبالتالي فبعض من هذه التقنيات التي كانت مقتصرة لوقتٍ طويل على رجال الشرطة، وعلماء البحث الجنائي، أصبح الأفراد العاديون يتمثلونها، من قبيل اللعب والتواصل، واختلاق عوالم أكثر ألفة، وكل مَن يخالف ذلك وتستخفه العزلة، يصبح فوراً من المشكوك بأمرهم.

تأتي (الهواتف الذكية) القادرة على تحديد موقع صاحب الهاتف، هذه أيضاً تتم من خلال تكنولوجيا ارتبطت حتى قبل عشرة أعوام بالأصفاد الإلكترونية، التي يتم وضعها حول الكاحل.

تفسير السلوك الإجرامي

ونخص هنا كل الراغبين عن الإذعان لهذه التكنولوجيا، فقد وسم (المتحررون من النمط) بالمجرمين.. فهم لا يمتلكون حسابات شخصية على فيسبوك، كما أن إحجام القتلة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يعد ظاهرة سلوكية تدل على العـــــزلة، التي غالباً ما يتسم بها المجــــرمون. وهناك عــدة حالات تؤكد وجهة النظر هذه، فقد وقع العديد من الجرائم في الولايات المتحدة، لم يكن لأصحابها ملفات شخصية على السوشيال ميديا.
فكل من جيمس هولمز، المشتبه في إطلاقه النار في إحدى دور السينما الأمريكية عام 2012، وكذلك آدم لانزا الذي كرر الجريمة نفسها في مدرسة ابتدائية لم يكن لديهما أي حسابات على مواقع فيسبوك أو تويتر.

المظهر التحرري
لمجتمعات السيطرة

«نحن نمرّ بأزمة في كل الأوساط الاجتماعية التي تحاصرنا»، هكذا كتب جيل دولوز، في مقال بعنوان «هوامش على مجتمعات السيطرة» عام 1990، الذي استشهد به مؤلف الكتاب، مُشيراً إلى أن هناك حقبتين كبيرتين قد تشكلتا في تاريخ تقنيات السلطة الحديثة، حيث تحدث ميشيل فوكو عن السلطة التأديبية، التي أصبحت تحاصر الأفراد في الفضاءات المكانية للمؤسسات حديثة النشأة، وتقدم لهم أوامر تنظيمية، وهو ما يتمثل في المدارس والثكنات العسكرية والمصانع والمستشفيات والسجون. بينما يُضيف دولوز أشكال السيطرة السريعة للغاية ذات المظهر التحرري، محل الفضاءات المكانية السابقة لضبط النظام، فوضع الشركات المرنة والمنفتحة محل المصنع، ووضع التدريب المستمر طوال العمر محل المدرسة. هذه التصورات والاستنتاجات لم تكن تضع في حسبانها التقدم التكنولوجي الهائل الآن، أو الحقبة الثانية في تاريخ تقنيات السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول hadjer:

    كيف يمكنني الحصول على نسخة من الكتاب

إشترك في قائمتنا البريدية