عضو المجلس السيادي السوداني السابق صديق تاور: التحالف الانقلابي يخوض حربا في مواجهة الشعب الأعزل

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

عضو المجلس السيادي السوداني السابق، صديق تاور، في توصيفه للوضع الانقلابي، في البلاد، قال إن العسكر يخوضون حربا في مواجهة الشعب الأعزل، لفرض سلطتهم كأمر واقع، وأنهم أدركوا مؤخرا عدم قدرتهم على السيطرة على الحراك الشعبي المتصاعد ضد الانقلاب. تاور أكد في حواره مع “القدس العربي” أن البرهان أدرك أنه تورط في مغامرة خاسرة وهو يبحث عبر إعلان الخروج من العملية السياسية عن مخرج يجنبه المساءلة، مشددا على ضرورة محاسبة كل المتورطين في انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية. وفي ما يأتي نص الحوار.

■ على الرغم من الحراك الشعبي الواسع، يمضي الانقلاب العسكري في السودان نحو شهره التاسع، يبدو أن الأوضاع في البلاد ما تزال تراوح مكانها؟
■ الانقلاب فرض نفسه بقوة السلاح وهيمنة المكون الانقلابي على الأجهزة الأمنية في الفترة الانتقالية، وبالتالي هو يستند على هذه القوة في تمكين وجوده وفرض سلطته كأمر واقع، أي أن الوضع الراهن في البلاد هو انقلاب عسكري على سلطة مدنية ديمقراطية شرعية معترف بها من الشعب السوداني والمجتمع الدولي. إن هذا الانقلاب جاء لتحقيق أهداف مجموعة المجلس العسكري المتمثلة في الاستيلاء على السلطة، وهم بذلك نكصوا بالعهد والقسم الذي قاموا بأدائه أمام الشعب والعالم بالمحافظة على الفترة الانتقالية والانتقال الديمقراطي وعلى تحقيق مدنية السلطة وشعارات الثورة والمحافظة عليها، إن ما حدث خيانة للالتزامات والعهود والمبادئ ورغبة الشعب السوداني الذي قدم تضحيات كبيرة من أجل الانتقال المدني الديمقراطي. إن الوضع الراهن هو وضع انقلابي مرفوض والمقاومة والمعارضة له بدأت قبل أن يتلو قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان بيانه، ومنذ ذلك التاريخ ظلت المقاومة مستمرة بأشكال متنوعة، وبالمقابل أصبح التحالف الانقلابي يتعامل وكأنه في حالة حرب مع الشعب الأعزل، الذي أنجز الثورة، وبالتالي أصبح يستخدم مقدراته الأمنية وتكتيكاته في محاربة المقاومة الشعبية.
اؤكد أن البلاد تعيش وضع غير شرعي وكل ما يترتب عليه قانونيا وسياسيا واجرائيا ودبلوماسيا لا يعني الشعب السوداني في شيء.
■ مع كل ذلك، يبدو أن الانقلاب ما زال صامدا، هل يمكن أن نقول أنه نجح إلى حد ما؟
■ ربما نجح من الناحية الفنية والتكتيكات والقوة واللعب على إضعاف قوى الثورة ومحاولة الوقيعة بينها ومحاولة شغلها واختراقها بأي شكل من الأشكال، وغيرها من الأساليب التي يستخدمها في حربه ضد الحركة الجماهيرية والقوى الوطنية، ولكنه بالمقابل مواجه برفض شعبي واسع، الأمر الذي يؤكد أنه ساقط لا محالة، فضلا عن فشل قادة الانقلاب في تكوين حكومة على الرغم من أنه يمضي نحو شهره التاسع، كما أن البرهان لم ينفذ ما أعلنه في خطاب الانقلاب بالحفاظ على الانتقال الديمقراطي وإكمال هياكل السلطة المدنية بما فيها المجلس التشريعي خلال أيام وغيرها من الوعود. أن السلطة العسكرية الحالية فاشلة وساقطة وغير معترف بها مثلها مثل أي نظام استبدادي في العالم.
■ يبدو أن الحراك الشعبي وتحركات المعارضة غير كافية لإسقاط الانقلاب؟
■ الانقلاب مهزوم بالعزلة الواسعة من الغالب الأعم من المكونات الشعبية والسياسية والشبابية، لذلك أصبح يبحث عن أقل الخسائر وبدأ يطرح التسوية ويؤكد أنه سينسحب من السلطة وهذا دليل على أنه انهزم وفقد القدرة على الاستمرار فأصبح يتملص عن جريمة الانقلاب ويرمي العبء على القوى المدنية التي انقلب عليها وقال انها اختطفت الثورة. البرهان ارتكب مغامرة خاسرة وهو يبحث الآن عن مخرج يجنبه المسائلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة الانقلاب وما قبلها، والخروج بأقل الأضرار، عبر تكوين مجلس للأمن والدفاع يملك كل السلطات وغير مسائل أمام أي سلطة وأن تكون هناك حكومة مدنية تنفيذية مجردة من كل شيء وليست لديها أي سلطات، وكأنهم مجموعة موظفين لدى العسكر، الذين بدورهم سيملكون زمام الأمور وسيكون بمقدورهم إعادة تشكيل المعادلة متى ما يريدون، إذن هذا التفاف واضح، خاصة وأن البرهان يسعى من خلال تكوين مجلس الأمن والدفاع للاستيلاء على ملفات الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية والبنك المركزي.البرهان لم يقل أن الجيش سينسحب من الحياة السياسية ويتبع للسلطة المدنية مثله مثل أي مؤسسة من مؤسسات الدولة. هذا التفاف وخديعة واستخفاف بالعقول لذلك كل القوى المدنية لم تعر هذا الطرح أي اهتمام. العسكر يبحثون عن سلطات استثنائية تحميهم من المسائلة وتوفر لهم الإفلات من العدالة وتسمح لهم بالهيمنة والشرعية الكلية في البلاد.
■ العسكر قدموا بعض التنازلات لماذا لا يستفيد المدنيون منها وينخرطون في التفاوض؟
■ كلمة تنازلات غير دقيقة، العسكر أشبه بمن يسرق كل أملاكك ويساومك على بعضها، لقد سرقوا سلطة الشعب ويحاولون ابتزازه ومساومته في أملاكه، أن السلطة هي سلطة الشعب التي فرضها بنضالاته وتضحياته عندما أزال أكبر ديكتاتورية، وقذف بها إلى مزبلة التاريخ. هم الآن سرقوا هذه السلطة بالقوة العسكرية. وعندما اتسعت المقاومة الشعبية واتضح انها قوية وطويلة النفس وأدركوا أنهم عاجزون عن إخمادها بدأوا يستخدمون وسائل أخرى للمساومة من أجل ضمان استمرارهم في السلطة بخسائر أقل.
■ الترويكا والاتحاد الأوروبي رحبا في بيان رسمي بإعلان البرهان الأخير واعتبروه خطوة إيجابية؟
■ المجتمع الدولي ليس جزءا من الأزمة داخل السودان، لكنه يحاول البحث عن حل، ويسعى لاستعادة النظام الدستوري والانتقال الديمقراطي في البلاد، لذلك ربما اعتبروا إعلان البرهان خروج الجيش من السلطة خطوة إيجابية.
■ هناك نماذج مقاربة في الإقليم، ويبدو أنها استطاعت بأنظمة شبه عسكرية الحفاظ على شيء من الاستقرار الداخلي، الأمر الذي ربما يحافظ على مصالح المجتمع الدولي، ويجعله يتطلع لنموذج مماثل في السودان؟
■ تلك الدول لم تحافظ على الاستقرار. البوصلة ليست المجتمع الدولي، ولكنه عامل مساعد، المرجعية هي ما الذي يريده الشعب السوداني هل يريد سلطة ديكتاتورية، أو يريد وضعا استثنائيا للجيش في السلطة أم ان التضحيات الكبيرة التي قدمها السودانيون منذ انطلاق الثورة كانت لتحقيق وضع يحقق كرامتهم. لا يمكن مقايضة الاستقرار بالأمن، الاستقرار مرتبط بتوفير الحريات وبناء دولة القانون والسلام، وهذا لا يتحقق في ظل قبضة أمنية تقوم بمصادرة الحريات وقمع المواطنين والحجر على الإعلام وتقنن للإفلات من العقاب، كل ذلك يقود إلى عدم الاستقرار وليس العكس.
■ هل هناك أطراف إقليمية دعمت الانقلاب؟
■ لا يوجد تأكيد، الدولة الوحيدة التي رحبت بالانقلاب هي الكيان الصهيوني الذي عبر عن راحته بالانقلاب وعن علاقات طيبة مع المكون العسكري، ولكن ما يزال يراقب وينتظر كفة من سترجح وهل سيستمر هذا الانقلاب أم سيهزم، على الرغم من أنهم يرون أن استيلاء المكون العسكري على الحكم ينسجم مع مصالحهم وما يريدونه من السودان.
■ ظل ملف التطبيع مع إسرائيل والتحركات التي تمت في الصدد، غامضة التفاصيل، ما الذي حدث بالضبط؟
■ ما حدث أن البرهان بشكل فردي وبدون الرجوع لأي جهة سمح لنفسه بأن يقوم باتصالات ويلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي في يوغندا، الخطوة التي أكدنا أنها غير صحيحة وأنه غير مفوض للقيام بها وليست من سلطاته وصلاحياته، لجهة أن هذه مسألة يفصل فيها الشعب السوداني عبر مؤسساته وليست مسألة اجتهادات فردية، بالتالي كل ما تم في مسألة التطبيع هو إجراءات أو اجتهادات فردية لها علاقة بارتباطات المجموعات المتحمسة لهذا الملف، لكن رسميا لا يوجد تطبيع لأنه لم يقر في أي اجتماعات رسمية وليس من حق الحكومة الانتقالية بالأساس أن تقرر في هذا الشأن وليس من أجندة الفترة الانتقالية مسألة التطبيع مع إسرائيل وبالتالي كل ما يقال عن التطبيع تضليل وكلام لا أساس له من الصحة وليس له أي سند دستوري أو قانوني أو رسمي.
■ لكن الحكومة السودانية وقعت على الاتفاقية الابراهيمية؟
■ لم توقعها بتفويض رسمي، وانما بنفس طريقة البرهان، الذي استغل موقعه في المجلس السيادي والتقى نتنياهو.
■ هل تقصد أن مجلس الوزراء وقع على الاتفاق دون التشاور مع حاضنته السياسية الحرية والتغيير؟
■ لم يتشاور مع الحرية والتغيير، كل ما حدث فيما يلي التطبيع تفلتات.
■ تفلتات من الحكومة التنفيذية؟
■ تفلتات من أفراد في السلطة مرتبطين بمصالح متصلة بالدوائر الصهيونية، لكن الحكومة لم توافق ولم تقرر أي شيء بالخصوص. دعيني أشير إلى أن مسألة التطبيع يقرر فيها مجلس تشريعي منتخب وليس حكومة انتقالية لها مهام محددة وفق الوثيقة الدستورية متعلقة بالاقتصاد والسلام وتفكيك نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وليس من بينها بأي حال من الأحوال الفتوى في مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي أي تحرك في هذا الملف لم يخضع للمؤسسات. لكن المجموعة صاحبة الأجندة المتعلقة بالعلاقات مع الكيان الصهيوني أو غيره، كانت تستخدم الأبواب الخلفية وبشكل فردي، ومن الواضح ان بعض الذين كانوا يخدمون هذه الأجندة نالوا مكافآتهم بعد الانقلاب والتي كانت مناصب دولية رفيعة، خاصة أحد وزراء الحكومة والذي قام بتحركات واسعة في ملف التطبيع، لقد كان يتصرف وكأنه عميل صهيوني ودون رجوع للمؤسسات، على الرغم من أنه رجل قانوني ويعرف جيدا ما هو العمل المؤسسي، وما هو قانوني ودستوري، لقد كان هناك سيناريو واضح للتطبيع مع الكيان الصهيوني قامت به مجموعة متناغمة في السلطة الانتقالية.
■ كيف وصلت هذه المجموعة للسلطة، المعلوم أن الحرية والتغيير هي من قدمت أسماء المرشحين الذين تم اختيار الوزراء من ضمنهم؟
■ الحرية والتغيير في ظل التحالف الواسع وقتها وحماس الثورة والتسويق للشخصيات عانت من صعوبة كبيرة في فلترة كل المرشحين، والتمييز بين الوطني وغير الوطني والمندس وغير المندس، ويبدو أن بعض المرتبطين بالأجندة الخارجية عبروا من هذه الثغرة، عدد كبير من وزراء التكنوقراط والكفاءات رأيناهم بعد الثورة، لاحقا كشفت الممارسة العملية أن العاطفة لعبت دورا كبيرا في وصول بعض المشبوهين إلى منظومة السلطة الانتقالية وكانوا ينفذون أجندة لها علاقة بمرجعياتهم وارتباطاتهم وليس بأجندة الثورة الوطنية التي نزفت من أجلها شلالات من الدماء.
■ لم تعلن الحرية والتغيير رفضها للتطبيع وقتها؟
■ عندما أثير الأمر داخل الحرية والتغيير، قيل أن هذا شأن خلافي ولا يمكن حسمه بمسألة التوافق، لجهة أن الحرية والتغيير تتكون من طيف واسع من القوى السياسية والتنظيمات. وبالتالي اتفقنا على أن من يريد أن يعلن مواقفه فليعلن بشكل منفصل وليس باسم الحرية والتغيير ولذلك احتفظ بموقفه. من جهتي تقدمت كعضو في أعلى مؤسسة في الدولة بمذكرة مكتوبة بحيثيات واضحة جدا حتى عندما تم تمرير قرار إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، أشرت خلالها إلى أن كل ذلك تم بنوع من التآمر والأجندة الخفية وبطريقة غير مؤسسية، وبينت تداعيات المضي في التطبيع.
■ ما هي تداعيات التطبيع مع إسرائيل، وفق رؤيتك؟
■ السودان بلد كبير ومركزي، واسع التأثير في محيطه الإقليمي، ويتميز بجغرافيته وموارده وكثافته السكانية، ووفق الأدبيات الأمنية للكيان الصهيوني، فإن بلدا بهذه الخصائص إذا سمح له بالاستقرار والتقدم سيكون خطرا على مستقبل دولة الكيان وبالتالي حتى يتم تمرير المشروع الصهيوني في القارة والمنطقة بدون عقبات لا بد من تفكيك هذا البلد وتقسيمه إلى دويلات صغيرة وضعيفة، متحاربة وتغذيه الخلافات القبلية والاثنية وزيادة وتيرتها ودعم المجموعات المسلحة، الكيان الصهيوني بعد فصل جنوب السودان يريد فصل جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور؛ هذه استراتيجيتهم فيما يلي السودان والتطبيع يعني أن نفتح لهم كل الفضاء السوداني، هذا الاتجاه غير وطني ويدعم أخطر الأعداء على بلادنا ولذلك لا بد من مناهضته والتعامل معه بصرامة. أي دفع الصراعات القبلية في البلاد ينسجم تماما مع الهدف الصهيوني.
■ لكن حكومة الحرية والتغيير هي من وقعت على الاتفاق الابراهيمي؟
■ الخلاف كان واضحا بين الحرية والتغيير والحكومة التنفيذية، على الرغم من أنها جاءت وفق ترشيحات الحرية والتغيير، لجهة أن رئيسها عبد الله حمدوك انقلب وأدار ظهره للحرية والتغيير، لقد كان يدير الأمور وفق رؤيته بعيدا عن برنامج الحرية والتغيير وبدون التشاور معها.
■ عقب الانقلاب العسكري برزت تحالفات جديدة في المعارضة، بعضها مناوئ لتحالف للحرية والتغيير، الذي شهد عدة انشقاقات وربما لم يعد بذات الحضور القوي على مسرح الأحداث؟
■ لا يمكن أن نقول أنه لم يعد بذات الحضور ولكن لم يعد بذات التفرد الذي كان قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، على الرغم من ذلك هو من أقوى حوائط الصد التي تقاوم الانقلاب وتمنعه من التمدد. قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير كانت الحرية والتغيير منظومة واسعة جدا تضم أغلب القوى السودانية الرافضة للحكم الشمولي وبالتالي انتظمت حولها كل المكونات وارتضت قيادتها للحراك والمفاوضات، هناك تنظيمات خرجت عنها، ومجموعات غادرت وعاد بعضها مرة أخرى، منها الجبهة الثورية التي خرجت من كتلة نداء السودان، للحصول على مكاسب ذاتية لقادة الحركات، ولعبت لاحقا دورا كبيرا في عرقلة أداء الحكومة الانتقالية حيث اشترطت بعض مكوناتها عدم حدوث أي تغيير في المنظومة الموروثة من نظام عمر البشير في كل أجهزة الدولة حتى التوقيع على اتفاق السلام، الذي امتد لعام كامل.
■ بالمقابل الجبهة الثورية، تقول أن الحرية والتغيير هي من تخلت عنها في البداية، وذهبت وحدها لتوقيع اتفاق الوثيقة الدستورية مع العسكر؟
■ هم الذين غادروا، وهذا ليس مبررا، الحكومة التي أتت بها الحرية والتغيير كانت حكومة ثورة وليست امتدادا لنظام المخلوع عمر البشير، وقامت بوضعه وأعوانه في السجون وبدأت عملية الإصلاح، بالمقابل أوقفت الجبهة الثورية هذه الإصلاحات، إذن هم قاموا بحماية نظام البشير، وكانت فترة العام كافية جدا لطمس آثار الجرائم وملفات الفساد الكبيرة والانتهاكات والمستندات والأموال، تم تخريب كل المؤسسات وجاءت الحكومة الانتقالية ووجدت جهاز دولة خرب ومنهار تماما، وعند توقيع اتفاق السلام، كانت الحكومة الانتقالية الأولى حكومة تكنوقراط بنسبة تصل إلى 90 في المئة، بعدها جاءت الجبهة الثورية باتفاق لقسمة الثروة والسلطة، وأصرت على أن تكون الحكومة الثانية حكومة محاصصات سياسية وليست تكنوقراط، وحجزوا مواقع لأنفسهم في المجلس السيادي ومجلس الوزراء، أي أن الحرية والتغيير أجبرت على مبدأ المحاصصة للحفاظ على التوازنات.
■ كنت متصلا بملف السلام في مراحل عديدة، كيف تقيم هذا الاتفاق؟
■ حسب الوثيقة الدستورية المجلس السيادي كان منوطا به رعاية المفاوضات بينما الحكومة التنفيذية منوط بها الإشراف عليها، ومعنى مصطلح الرعاية معرف وفق الوثيقة الدستورية بتقديم الدعم والمساعدة للجهة المشرفة على إنجاز المهام فقط دون توجيه أو تحكم، أي أن العملية السلمية تقودها الحكومة التنفيذية. عند بداية العملية كنت رئيس لجنة كانت المرجعية لأي قرار أو خطوة نقوم باتخاذها، ولكن في مرحلة ما، حدث “ملعوب” بين بعض المدنيين والعسكريين في المجلس السيادي نقلوا به ملف السلام لنائب المجلس السيادي محمد حمدان دقلو “حميدتي” منذ ذلك الوقت انقلبت معادلة الإشراف والرعاية، وأصبح حميدتي المشرف والراعي وصاحب القرار في ملف السلام، ما أدى إلى حدوث انحراف كامل في طريقة إدارة الملف والذي أنتج اتفاق سلام مشوه وغير جاد.
■ يبدو أن المدنيين في النهاية قدموا ملف السلام على طبق من ذهب للعسكر؟
■ ليس كل المدنيين إنما أفراد، وكان وضع البلاد وقتها لا يحتمل أي هزات في ظل وضع هش وشراكة مع أطراف أخرى لا نستطيع التحكم فيها، ولديها ارتباطات أخرى مع حفتر والكيان الصهيوني والإمارات وغيرها، بالتالي لم تكن كل الخيوط في يدنا وفي نفس الوقت نحن أمام شعب يتوقع منا نقلة كبيرة في وقت وجيز بينما كانت تقف البلاد على رمال متحركة. وفق ما سبق كنا نخضع أنفسنا لحسابات دقيقة قبل ان نقول أو نفعل شيئا وحساب للتبعات لأن الحكومة الانتقالية كان يمكن تنهار فعليا.
■ هذا بالفعل ما حدث في نهاية الأمر، انهارت الحكومة الانتقالية؟
■ هذا يتحمله الأفراد الذين قاموا بهذا “الملعوب” وقاد في النهاية لهذه الجريمة الكبيرة، بعد تحالف العسكر وبعض الحركات وتنفيذ انقلاب 25 أكتوبر. أؤكد أن بعض مكونات كتلة السلام هم وطنيون جدا وما يزالون يصفون الوضع في البلاد بالانقلاب العسكري.
■ هل هناك أطراف إقليمية ودولية صنعت اتفاق السلام؟
■ هناك جهات قامت برعاية الاتفاق وأخرى وعدت بتقديم التمويل وبلدان عرضت أن تقوم بمهام المراقبة والتسهيل، ولكن السؤال هو، هل كان ذلك بالمجان؟ وكانت كذلك هناك منظمة أمريكية تقوم بمهام تقديم المشورة والسكرتارية ولم تكن هناك تفاصيل حولها ولم يتم عرض خدماتها بشكل مؤسسي وجاءت ضمن برنامج “الملعوب”.
■ هناك دعوات لإلغاء اتفاق السلام، ما رأيك؟
■ المنظومة المفاوضة في الجبهة الثورية التقطت حماس واندفاع السودانيين لإبرام اتفاق السلام وأصبحت تساوم بناء على ذلك، حيث كانت حريصة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، كانوا يتفاوضون وكأنهم أمام نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وليس حكومة الثورة. وكذلك كانوا يديرون الملف بعقلية عشائرية ضيقة، ما أنتج اتفاقا لا يبدو أنه يحقق سلاما حقيقيا ولا يحافظ بشكل فعلي على وحدة البلاد. إن هذه المجموعة لعبت دورا كبيرا في ضرب الحكومة الانتقالية في مقتل، خاصة المجموعة المرتبطة بالانقلاب. ويتضح من التطبيق العملي للاتفاق، أن أحداث العنف القبلي التي حدثت مؤخرا في النيل الأزرق كانت من تداعيات اتفاق السلام وكذلك تتعالى الأصوات في مناطق أخرى بأن هذا الاتفاق جاء بظواهر جديدة تهدد السلم المجتمعي عبر تسليح القبائل وإقامة معسكرات في مناطق لم تشهد أحداثا مماثلة من قبل. إن الممارسة العملية تؤكد أن من الموضوعية إعادة النظر في هذا الاتفاق بشكل جذري حتى نصل لسلام حقيقي في البلاد، في النهاية نحن لا نبحث عن وظائف لأمراء الحرب وانما عن سلام للمواطن الذي يريد أن يعيش حياة طبيعية.
■ بالمرور على تجربتكم كأعضاء مدنيين في المجلس السيادي، كيف تقيمونها؟
■ التجربة عانت مشكلات عديدة، لعدم وجود تنسيق متواصل بين المدنيين في المجلس السيادي والحرية والتغيير التي قامت بترشيحهم وكذلك لم يتواصلوا كأعضاء فيما بينهم بالشكل المطلوب، كان كل منهم يتصرف وفق تقديراته وليس وفق المرجعية التي أتت به. وأيضا لم يكن المكون المدني في المجلس السيادي بالتماسك المطلوب، ما أدى إلى خلل كبير في أدائه الذي لم يكن مرضيا للأسف. كانت مهمتنا كبيرة وتتطلب أكبر درجة من التنسيق والمتابعة.
■ خلال الشهرين الماضيين انعقد لقائين بين الحرية والتغيير والعسكر برعاية واشنطن والرياض، لماذا جلستم مع العسكر على الرغم من رفضكم الخطوة في وقت سابق؟
■ بعد تعثر المحادثات المباشرة التي قامت بتيسيرها الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد وقاطعتها الحرية والتغيير ومكونات المعارضة الأخرى، زارت مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية مولي في، البلاد، للبحث عن مخرج من حالة الجمود السياسية، ودعتنا مع سفارة المملكة العربية السعودية في الخرطوم للجلوس مع العسكر لتوضيح وجهة نظرنا ومطالبنا بتسليم قادة الانقلاب السلطة ورفضنا التفاوض والدخول في شراكة جديدة معهم، وأن الجيش يجب أن يكون تحت إشراف السلطة المدنية الكاملة مثله مثل مؤسسات الدولة الأخرى. ولكننا بعدها أوقفنا الاتصال مع العسكر، ولن يكون هناك أي اتصال بين الحرية والتغيير والمكون الانقلابي إلا لمناقشة ترتيبات تسليم السلطة فقط.
■ بعض أطراف المعارضة تدعو لتفكيك كل التحالفات القديمة بما فيها الحرية والتغيير وإنشاء تحالفات جديدة، لماذا ترفضون ذلك؟
■ الحرية والتغيير حصن قوي يقف في مواجهة الانقلاب بتفكيكه يريد الانقلابيون الانتصار.
■ الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي والاتحاد الأفريقي وإيغاد، ابتدرت عملية سياسية لحل الأزمة الراهنة في البلاد، كيف تنظرون لجهودها في الصدد؟
■ بعثة الأمم المتحدة قبل تكوين الآلية الثلاثية، كانت تعمل على دعم التحول الديمقراطي في البلاد بطبيعة مهامها، الأمر الذي عطله الانقلاب وبالتالي وفق تكليفها، فإن إنهاء الانقلاب يصب في صلب مهامها وقد كانت الأكثر حرصا على استعادة الوضع الدستوري في البلاد. أما المبعوث الأفريقي محمد ولد لبات والذي وجد القبول في بداية الأمر لأنه كان وسيطا في اتفاق الوثيقة الدستورية، وكان من المؤمل أن يساعد البعثة الأممية في اختصار المخارج وحل الأزمة، لكنه خيب ظننا وكذلك مبعوث إيغاد إسماعيل ويس، لقد أثبتا عدم حرصهما على الانتقال الديمقراطي في السودان، أنهما يبحثان عن أزمة لتجديد أدوارهما، لقد جاءوا متبنين لرؤية وخطاب العسكر ما أدى إلى فشل مهمة الآلية لدرجة مخاطبة الحرية والتغيير للاتحاد الأفريقي لاستبدال ولد لبات لجهة أنه غير جاد وأحد أسباب تأزيم الوضع في البلاد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية