كان المطر يتساقط مدرارا. حمل الشمسية وأراد الخروج من البيت، لكن زوجته التي كانت تعرف مدى عشقه للمطر سألته: «إلى أين؟!
قال: بعض الأمتار من المشي لاستنشاق بعض الهواء النقي.
غاب مدة ساعة ثم عاد وهو يشعر بسعادة ليس من الممكن أن يخفيها.
سألته زوجته: كيف الشتاء؟
أجاب وهو يداري نظراتها: رائع.
كانت تعرف مدى عشقه لفصل الشتاء والمطر مع أنه لم يكن رومانسيا، لكنه كان يعشق المطر وقصيدة السياب عن المطر.
ركن شمسيته في الحمّام ونفض نفسه مما علق به من المطر وقال: خير، خير كثير.
كان التلفزيون يبث أخبارا عما يجري في غزة. التقت نظراته بنظرات زوجته التي قالت: جهنم فاتحة أبوابها، مساكين هالفلسطينية!
ورد بصوت يائس: فعلا مساكين! ما إلهم حدا!
تنحنح وقال لنفسه: ليس من المفروض أن تشعر بالخجل أمام الناس، بل أن تشعر بذلك بينك وبين نفسك. الحقيقة أنه يشعر إلى حد ما بالخجل، بل الخجل الشديد لأنه يعشق المطر. ماذا يفعل أهالي غزة الذين صاروا في العراء في هذا الشتاء الصعب؟! وكما لو أن زوجته قرأت أفكاره قالت: يمكن هالشتا شتا خير وبركة. وأزاح نظراته عن عينيها. كيف لا يشعر بالخجل.. هو ينعم بالبيت بكل ما فيه بينما أهالي غزة تحت المطر؟!
ضغط بسرعة على كباس بعض محطات التلفزيون، فظهرت فضائيات مختلفة كان من الصعب عليه تحمّل ما تبثه وتنقله، خاصة وأنه يشعر بالخجل الشديد لأنه يعشق المطر.
سألت زوجته: هل أنت جائع؟
هز رأسه نفيا.
اختفت زوجته في صالون البيت وقالت وهي تنفخ: يجب أن تأكل شيئا يا أمين.
لوّح بيده أنه لا يرغب. وغالب نفسه وأخذ يقلّب المحطات التلفزيونية إلى أن وقع على فضائية كانت تنقل تقريرا عن انقطاع ماء الشرب في غزة.
صرخ: أوف!
وتابع ما يحدث للولد باهتمام شديد. كان الولد يعبيء جالونا من مياه الشتاء. تمسمر أمام التلفزيون وهو يتابع باهتمام ما يجري. وشعر براحة شديدة عندما قال الولد الصغير للصحافي إنه يشعر بنعمة شديدة لأن المطر يسقط بغزارة وأنه يستطيع أن يملأ بعض جلنات الماء للشرب. وشعر أمين بالراحة وصار أقل خجلا وذنبا، لأن المطر ساعد أهالي غزة ولأنه هو يحب المطر، فالمطر ليس ضارّا، لا بل هو مفيد جدا، للشرب في غزة العطشى!
كاتب فلسطيني