عقب سنوات من الانقسام: ليبيا على بعد أيام من اختيار متقلدي المناصب السيادية

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس – «القدس العربي»: بعد انسداد شهده ملف المناصب السيادية لفترة طويلة عقب اتفاق بوزنيقة، مقارنة بباقي مسارات الحل السياسي في ليبيا، ها هو يمضي قدماً متجهاً إلى إتمامه. ورغم وجود بعض العراقيل والمشاكل، إلا أن العجلة بدأت تسير في اتجاه الحل النهائي.
قضية المناصب السيادية تعتبر من أهم القضايا التي تعيق توحيد كافة المؤسسات الليبية، وتقف دونها، إذ ينقسم جزء من أهم المناصب في الدولة بين شرق وغرب، ويرفض كل منهم التوحيد أو الاعتراف بالآخر، حتى عقب اعتماد حكومة وحدة وطنية ومنحها الثقة من قبل البرلمان.

المصرف المركزي وتبعات الانقسام..

أول هذه المؤسسات بل وأهمها مصرف ليبيا المركزي الذي يعتبر العمود الاقتصادي لأي دولة، فقد شهد هذا المصرف انقساماً منذ العام 2014، وانقسمت فيه البلاد بين حكومتين وبرلمانين يتخذان من طرابلس وطبرق مقراً لهما، تبع ذلك انقسام داخل المصرف المركزي، حيث انتقلت مجموعة من أعضاء مجلس الإدارة وكونت مصرفاً موازياً في مدينة البيضاء شرق البلاد.  وعقب انقسام هذه المؤسسة السيادية، تعرضت المصارف التجارية خاصة الواقعة إداراتها في المنطقة الشرقية، إلى ضغوطات وخسائر مالية كبيرة بسبب إعلان تبعيتها إلى المركزي الموازي وانقطاع تواصلها مع المركزي بطرابلس، الذي رفض عملية انفصال إدارات تلك المصارف.
إضافة إلى ذلك، أدى الصراع بين المركزيين إلى تأثر الخدمات التي تقدمها المصارف حتى الواقعة في غرب البلاد، مع إغلاق المنظومة المصرفية بين الشرق والغرب وتوقف الكثير من المعاملات، أبرزها المقاصة  الإلكترونية. ورغم اجتماع مجلس ادارة المركزي في كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين إلا أنهم لم يتخذوا إلا قراراً واحداً، وهو تعديل سعر الصرف ثم رفض كل منهم الالتقاء بالآخر لتوحيد القطاع بشكل رسمي، واستمرت القطيعة بينهما، ما أثر بشكل مباشر على المواطن البسيط.

المؤسسات الرقابية والتشظي..

لم يختلف الأمر بين المصرف المركزي والمؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد والرقابة الإدارية، حيث انقسمت كل هذه المؤسسات بين شرق وغرب بالبلاد، ما سبب العديد من المشاكل.
انقسام المؤسسات الرقابية أدى إلى ثنائية في القرار، وتشتت في الهدف من اتخاد القرار، بل أصبح كل ديوان محاسبة يصدر تقريراً مخالفاً للآخر، وهي الحال ذاتها في هيئة الرقابة الإدارية.
هذه المؤسسات السيادية لم تتجه نحو التوحيد حتى عقب اعتماد السلطة التنفيذية الجديدة، ولم تتمكن الجهات المسؤولة عليها من إخضاعها ووضع حلول لتوحيدها، فبقي مسار المناصب السيادية الأهم لوضع حد للانقسام.

النائب العام.. التوافق الأول

وكبادرة ممتازة تبشر بقرب التوصل إلى الحل المنطقي، اجمع النواب على اختيار نائب عام محدد، وهو الصديق الصور الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، وكان مسؤولاً عن إيقاف العديد من شبهات الفساد خلال الفترة الماضية.
ولكن ورغم إجماع النواب على اختياره، رفض المجلس الأعلى للدولة ذلك واستهجنه في بيان رسمي، مؤكداً على وجود الفصل بين السطلات الثلاث واحترام استقلالية القضاء وحياديته.
جاء ذلك رغم تأكيد مجلس النواب على استلامها لملفات 8 مترشحين من المجلس الأعلى للقضاء، واختياره لأحد المترشحين منهم.
عضو مجلس النواب وعضو لجنة فرز واستلام المناصب السيادية، أكد في تصريح لـ”القدس العربي” أن اللجنة ستنتهي من فرز ملفات المترشحين للمناصب السيادية خلال يوم الأحد القادم على أقصى تقدير.
وأضاف بالكور، أن مجلس النواب سيحيل ملفات المتقدمين بشكل رسمي الأحد، إلى المجلس الأعلى للدولة للمفاضلة والاختيار وإعطاء الرأي بالخصوص، تنفيذاً لبنود الاتفاق السياسي التي نصت على ذلك.
وختم بالكور أن المجلس سيمهل المجلس الأعلى للدولة مدة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام لإعطاء الرأي تمهيداً لإعلان النتائج الرسمية واعتماد أسماء المترشحين النهائية، حتى يختتم هذا الملف الشائك.

الاتفاق السياسي والخلاف..

وحسب نص الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015 وفي مادته الـ15، إن مجلس النواب يقوم بالتشاور مع مجلس الدولة خلال 30 يوماً بهدف التوصل إلى توافق حول شاغلي المناصب السيادية السبعة وهي 7 مناصب: محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، إضافة إلى رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا ومعهم منصب النائب العام.
وكان مجلسا “النواب” و”الأعلى للدولة” قد اتفقا في مدينة بوزنيقة المغربية بداية العام على معايير وشروط تولي رؤساء المناصب السيادية، وذلك ضمن جهود إنهاء أزمة الانقسام المؤسساتي والسياسي بين شرق ليبيا وغربها، تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة نهاية العام الحالي. وقد وزعت المناصب السيادية بناء على الاتفاق الذي تم في بوزنيقة بين الجسمين، على أساس المعيار الجغرافي وعلى أقاليم البلاد الثلاثة: فمُنح إقليم برقة محافظ ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية، وإقليم طرابلس ديوان المحاسبة والمفوضية العليا للانتخابات، وإقليم فزان هيئة مكافحة الفساد والمحكمة العليا، على أن تراعى التشريعات الليبية النافذة في تولي منصبي النائب العام ورئيس المحكمة العليا، ويكون المنصب الأول لطرابلس والأخير لفزان. ولذلك يتواصل الخلاف بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في ليبيا حول مسألة اختيار شاغلي المناصب السيادية السبعة، التي تنص المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي على أن تكون بالشراكة بينهما.
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة علي السويح، إن مجلس النواب يتصرف منفرداً فيما يتعلق بالمناصب السيادية، مشيراً إلى أنه لا علم لمجلس الدولة بالآلية التي يتبعها البرلمان في اختيار شاغلي هذه المناصب.
وكشف السويح، في حديث سابق لـ”القدس العربي” أنه لم تصل أي مراسلة رسمية من مجلس النواب إلى مجلس الدولة يطلب فيها المباشرة في تعيين المناصب السيادية حتى هذه اللحظة، على حد تعبيره.
وأشار عضو مجلس الدولة إلى أن تصرفات النواب تخالف المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات ومخرجات مدينة بوزنيقة المغربية، مشدداً على أن أعضاء المجلس مصرون على عدم البت في المناصب السيادية دون تنسيق مجلس النواب معهم، حسب قوله.

التنازلات.. وضرورة حسم الملف

ورغم الخلاف بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي حول نصوص الاتفاق السياسي وملف المناصب السيادية بشكل كامل، يبقى الحسم في هذا الملف مهماً للقضاء على الانقسام الذي نخر جسد الدولة.
حيث أكدت عضو المجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي، في تصريح سابق لـ”القدس العربي”، أن المجلس سيسير في حسم هذا الملف رغم مخالفة نص الاتفاق السياسي لصالح الدولة الليبية، وحتى لا تتعطل عجلة الإصلاح.
المعطيات كافة تشير إلى قرب اعتماد متقلدين جدد للمناصب السيادية السبعة المهمة والمصيرية في ليبيا، لتعلن الدولة عقبها القضاء على الانقسام بشكل كامل ونهائي في
كافة مؤسساتها المهمة التي تستند إليها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية