“عقدة ليبيا”.. إدانة تركية “دبلوماسية” لترسيم الحدود المصرية مع ليبيا للحفاظ على مسار تحسين العلاقات 

إسماعيل جمال  
حجم الخط
2

إسطنبول- “القدس العربي”:

أصدرت تركيا بياناً “حذراً” وُصف بأنه يحمل “إدانة دبلوماسية خجولة” لقرار مصر ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، والذي اعتبرته حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة، بأنه “انتهاك” للمياه الإقليمية الليبية، في خطوة فُسّرت على أنها محاولة من قبل أنقرة للحفاظ على مسار تحسين العلاقات مع القاهرة، والذي يمر بمرحلة حساسة ومفصلية لا سيما عقب اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي برعاية أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة نهاية الشهر الماضي.

والثلاثاء، نشرت وسائل إعلام مصرية، قرارا جمهوريا لرئيس البلاد عبد الفتاح السيسي، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط. ونص القرار على أن “تبدأ حدود البحر الإقليمي لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم (1) ولمسافة (12) ميلا بحريا وصولا إلى النقطة رقم (8) ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لمصر من النقطة رقم (8) في اتجاه الشمال موازيا لخط الزوال (25) شرق وصولا إلى النقطة رقم (9)”.

من جهتها، اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، الجمعة، أن قرار مصر قبل أيام ترسيم الحدود البحرية بين البلدين من جانب واحد “انتهاك” للمياه الإقليمية.

وعلى خلاف المعتاد، لم يصدر الموقف التركي عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية، واكتفت الدبلوماسية التركية بنشر الموقف من خلال تصريح نُسب إلى “مصادر دبلوماسية” جرى نشره عبر وكالة الأناضول الرسمية، كما لم يعقب أي مسؤول رسمي تركي على الخطوة المصرية التي مرّ عليها عدة أيام قبل صدور أول تعقيب “غير رسمي”.

وحمل التصريح الذي نُسب إلى “المصادر الدبلوماسية” لغة تجنبت أي عبارات يمكن أن تعتبر بأنها بمثابة إدانة مباشرة للخطوة المصرية أو انحياز إلى طرفي النزاع وذلك عبر استخدام لغة دبلوماسية منتقاة بعناية ركزت على فكرة “حث” الجانبين المصري والليبي على “إطلاق حوار ومفاوضات في أسرع وقت لتحديد الحدود البحرية بين البلدين وفق القانون الدولي”.

وكان لافتاً أيضاً تشديد المصدر التركي على أن “الحدود البحرية الجانبية التي حددتها مصر من جانب واحد مع ليبيا في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022 بـ9 إحداثيات جغرافية لا تتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط”، في محاولة لتأكيد عدم وجود أي خلاف مصري- تركي مباشر، وأن الأمر يتعلق بالجانبين المصري والليبي فقط.

وجاء في التصريح: “ليس من الواضح الطريقة التي تم عبرها تحديد الحدود البحرية، وما إذا كانت الظروف الجغرافية الخاصة، ذات الصلة، قد تم أخذها في عين الاعتبار، وما إذا كانت قد التزمت مبدأ الإنصاف بالكامل”، واكتفى المصدر بالإشارة إلى أن “الجانب الليبي أصدر بيانا في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2022 يفيد بأن حقوقه انتهكت بناء على المرسوم الرئاسي الصادر عن مصر”.

وبينما حث المصدر ليبيا ومصر على “بدء الحوار والمفاوضات بأسرع وقت لتحديد حدود البلدين وفقا للقانون الدولي”، طالب البلدين “باللجوء إلى الأساليب السلمية في تحديد حدود البلدين على أساس التفاهم المتبادل، كما هو مسجّل في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية”.

الحذر التركي الذي ظهر واضحاً في صيغة التعقيب على القرار المصري وطريقة إصداره عبر “تصريح لمصدر دبلوماسي” بدلاً عن إصدار بيان رسمي من الخارجية وتجنب صدور تصريحات رسمية من كبار المسؤولين إلى جانب استخدام لغة وسطية في “حث” الجانبين على الحوار، كلها تؤكد حجم الحرص التركي على الدخول في صدام دبلوماسي أو “حرب تصريحات” مع الجانب المصري يمكن أن يلحق الضرر بمسار تحسين العلاقات بين البلدين.

وتولي تركيا في الأشهر الأخيرة حرصاً بالغاً لمسار تحسين العلاقات مع مصر والذي شهد صعوبات بالغة طوال الفترة الماضية، وفشل في إحراز تقدم حقيقي قبل أن ينجح أمير قطر في جمع أردوغان والسيسي في الدوحة، وهو ما يمكن أن يمهد لعقد لقاءات دبلوماسية جديدة بين الجانبينن يأمل الأتراك أن تقود للقاء على مستوى وزراء الخارجية قبيل عقد قمة رسمية بين أردوغان والسيسي، وإعلان إعادة تبادل السفراء، إلا أن الملف الليبي لا يزال يفرض نفسه كأكثر القضايا تعقيداً في مسار تجاوز الخلافات بين أنقرة والقاهرة.

وعام 2020، تدخلت تركيا عسكرياً إلى جانب حكومة الوفاق في طرابلس، ضد قوات حفتر والمليشيات المدعومة من مصر آنذاك، ونجحت قوات الوفاق من الوصول حتى حدود مدينة سرت الليبية بدعم من الجيش التركي قبل أن تخيم أجواء توتر غير مسبوقة على العلاقات التركية المصرية، حيث استنفر الجيش المصري قواته، وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من اجتياز القوات المدعومة من تركيا مدينة سرت، ملوحاً بالخيار العسكري، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول شبح المواجهة العسكرية بين البلدين.

وبعد قرابة العامين من تراجع التصعيد في الملف الليبي، وتراجع الخلافات الإقليمية وخاصة بين مصر وتركيا التي سعت إلى إعادة تطبيع العلاقات مع القاهرة، عاد التوتر مجدداً بين البلدين مع توقيع أنقرة وطرابلس على اتفاق للتعاون في التنقيب عن الغاز والنفط في حدود مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع بين البلدين، والذي يتعارض ويتداخل مع مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، وهو ما دفع البلدين لإعلان رفض الاتفاق، والتلويح بإجراءات لمنع أي تحركات تركية في المناطق المتنازع عليها.

وعقب توقيع اتفاق التنقيب عن الموارد بين طرابلس وأنقرة، صدرت سلسلة إدانات مصرية يونانية للاتفاق، وجرت اتصالات وزيارات على مستوى وزيريْ خارجية البلدين، اللذين أكدا أن مذكرة التفاهم الموقعة بين ليبيا وتركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط “غير قانونية”، واتفقا خلال لقاء جمعهما في القاهرة على أن “هذه الاتفاقية تهدد الاستقرار والأمن في البحر المتوسط”، واعتبرا أن “طرابلس لا تتمتع بالسيادة على هذه المنطقة” التي وقّعت اتفاقية التنقيب فيها. فيما شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري على أن حكومة طرابلس “المنتهية ولايتها ليس لديها الشرعية لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات”.

وعلى الرغم من أن تركيا ردت على الانتقادات المختلفة بالتأكيد على أن “المذكرات هي مسألة بين دولتين تتمتعان بالسيادة، وهي مكسب للطرفين وليس للدول الأخرى الحقّ في التدخّل في هذه الأمور”، إلا أن وزارة الخارجية التركية فضلت حصر ردها وانتقاداتها لليونان والاتحاد الأوروبي، وتجنب الدخول في صدام مباشر مع مصر التي لم يذكرها بيان الخارجية التركية آنذاك، وهو ما يؤشر إلى رغبة تركية في امتصاص الرد المصري، وتجنب التصعيد والدخول في دائرة من التصريحات المتبادلة التي قد تتدحرج لتعمق الأزمة بين البلدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    الرئيس المصري داهية وماكر يراوغ الجميع ويأخد ما يريد ???

    1. يقول Ahmed Adeeb:

      مصر انتظرت كثيراً على الانتخابات الليبية. ليبيا لم ولن تستقر. ومن حق مصر أن تبحث عن مصالحها.

إشترك في قائمتنا البريدية