عقل الكاميرا وغباء السياسة

حجم الخط
0

يقينيا ليس للغربي عقلان وللعربي عقل واحد . لكن الشهادة الحق ، أنهم أكثر منا دراية وخبرة فى فنون التغليف والتصدير والتربح ونعترف أيضا أنهم أصحاب السبق فى فنون السينما والتليفزيون وغيرهما من فنون الصورة المتحركة.
ومن منطلق هذا التفوق التقني تعامل الغرب معنا دون أن يضع فى حساباته ، أن سيد الطب فى هذا العالم هو السير مجدي يعقوب العربي وأن رائد زراعة الكلي فى الشرق والعالم هو العربي محمد غنيم أيضا ، وبأن الفيمتو ثانية من نتاج عقل عربي ، وبأن الله خلق مصطفى مشرفة كي يرفعه آنيشتين على رأسه ويضعه في مرآة عينيه ليراه عالما معجزة بكل المقاييس، وبأن هناك الكثير والكثير من تلك النماذج التى ذكرناها آنفا . بالطبع لا ننكر تلك المقولة التى نرددها على ألسنتنا ليل نهار: إن هؤلاء العباقرة لو لم يغادروا ناحية الشمال ، لما كانوا هكذا.
لكن التساؤل المهم: هل نركن إلى تلك المقولة وننتظر عطف الآخر ومنحته كي نقدم منتجنا العربي ونفخر به أمام العالم ؟ الإجابة لا تهم ، ليس لكونها غير مهمة، لكن محاولة الإجابة ستأخذنا فى طرقات التنظير التى استهلكنا وقودها أزمنة عديدة . فالغرب الذي يتعامل معنا بناء على تصوره المجهز مسبقا فى أروقة السياسة ، بأننا بشر ثالث أو عالم ثالث كما يحلو لهم التسمية . لا يتوقعون منا إلا قبول منتجهم الحضاري بقدسية دعائية يجيدون الترويج لها. لكننا لن ننتظر اجابات المنظرين ولن ننتظر أيضا اتجاههم ناحية الشمال كي نقدم منتجنا الذي نراه صوابا ، حتى ولو رأه غيرنا خطأ كاملا فالعبرة ليست فى المنتج وحده، بل فى جرأة الطرح ولو كان المطروح كله عوار. فقد دفعتنا حرب احتلال العراق وبالتحديد لحظة سقوط تمثال صدام حسين، إلى ولوج وطرح قضية جديدة بشكل ذاتي، حيث أنني لم أكن قد اجتزت عتبات كشف لعبة المخادعة الإعلامية بعد، فقد تم تصوير المشهد المعد والمجهز بعناية قبل تحطيم التمثال بأيام، بطريقة تثير الشفقة على أداء ملوك ‘ الميديا ‘ العالمية، فقد تخيل السواد الأعظم من الناس والكثير من المحترفين ، بأن لحظة سقوط التمثال ، كانت شعبية بحتة ومصورة بتلقائية تواجد الاعلام فى موقع الحدث آنيا . لكن الدارس الحقيقي لحركات الكاميرا وفن التوليف ‘المونتاج ‘ يمكنه رصد تلك المخادعة ، حيث تعددت اللقطات بين عامة ومتوسطة وبانورامية دائرية وشمال ويمين وما نسميه أيضا ‘ تلت أب وتلت دون ‘ وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال سوى وجود عربة مجهزة باستديو للبث المباشر ، وقد حاولوا قدر استطاعتهم بأن تظهر بعض اللقطات ارتجالية ومهتزة ، فما حاولت الكاميرا تعميته ، كشفه مونتاج الهواء بسلاسة . فالكذب لا يدوم ولو أتوا بشياطين الكذب من العالم الآخر ولا سيما أن اكتشف تلك المخادعة مبتدئ مثلي فى ذلك التاريخ . دفعتنا تلك الواقعة التاريخية إلى رصد نقل الأحداث الساخنة حول العالم ، وكنا قبلها وبعدها بقليل فى حالة انبهار من أداء قناة الجزيرة واحترافيتها فى نقل الحدث أول بأول وكأنهم على علم مسبق بلحظة وقوع الكارثة . لكن كلمة وكأنهم اتضح أنها غير دقيقة وأنهم كانوا على علم مسبق… وقد تكشفت اللعبة إبان ثورات الربيع العربي وما قبلها، فكانت أحداث 11 سبتمبر وتصوير انهيار برج التجارة العالمية بشكل احترافي كامل، ليس فيه أدنى شك، فمن أخبر بعض وسائل الإعلام بالحدث مسبقا بحيث أتت اللقطات بارتكاز الكاميرا على الحامل ‘الترايبد ‘ فى الكثير من اللقطات ، أما اللقطات المهتزة بقصد الايحاء بأن التصوير لهواة، فقد فضحها مفتاح ‘الزوم إن وأوت’ ومحور ضبط مؤشر الفوكس فى الكاميرا، واصطياد الكاميرا لمروحية مرتفعة بعدسة عالية التقنية ربما تكون من نوع ‘ 4.5’ وغير ذلك من المفردات التى تثبت يقينا علاقة الحدث بأصحابه وليس علاقة الحدث بالإرهاب العربي كما زعموا ، حتى وإن أثبتت التحقيقات تورط بعض المغيبين العرب فى تلك الأحداث الدموية والمرفوضة إنسانيا، لكن الأزمة الحقيقية أن خبراء الإعلام العرب لم يحاولوا تبرئة ساحتنا بعشرات من المفردات الفنية والعلمية التي مرت على من يسمون أنفسهم بالخبراء دون أن يلجوا غمار كشف لعبة المخادعة الإعلامية الغربية بآلتها الدعائية، وعلى هذه الشاكلة سار إعلام قناة الجزيرة حتى تكشفت المخادعة فى ميدان تحرير مصر، فقد عمدت تلك الآلة إلى تصوير مظاهرات 25 يناير باستخدام اللقطات العامة ‘total’ وما نسميه أيضا ‘ اكستريم لونج شوت’ لكشف مئات الآلاف من البشر داخل الميدان بطريقة توحي للمتلقي بأنهم ملايين من الثوار ، وفي المقابل كانت آلة التليفزيون الحكومي ‘ماسبيرو ‘ تعمل بغباء غير مسبوق فى تثبيت الكاميرا على مجموعة قليلة العدد بلقطة تقترب من الميديم شوت . لقطة باهتة ، لا هي بالتوتال أو المتوسط ، مع ثبات كامل للكادر ‘ فيكس كادر ‘ فيما كانت الجزيرة تستخدم جميع تقنيات هوليود لتوصيل رسالتها المتفق عليها مسبقا . وعلى النقيض تماما بعدما تولى محمد مرسي حكم مصر ، وبدأت الجزيرة فى تغطية التظاهرات ضد الرئيس . استخدمت قناة الجزيرة نفس تقنيات ماسبيرو الغارق فى اعلام ما قبل بدأ الاعلام . فاتخذت أسلوب ‘ الفيكس كادر ‘ فى لقطة متوسطة أو عامة بعيدة كل البعد عن الواسعة جدا ‘ اكستريم ‘ على عدد محدود من المتظاهرين . لذا واجهنا هذه المخادعة الهوليودية بعدة شروط مقنعة لتصديق رسائل تصوير ونقل التظاهرات ومنها :
1- الإعتماد على اللقطات الواسعة جدا ‘ اكستريم ‘
2- عدم اعتماد اللقطات المتوسطة والاعتداد بها لحظة نقل التظاهرة
3- عدم الوثوق ورفض الانتقال بين اللقطات باستخدام أسلوب القطع أو المزج أو الفيد …، أي أن يكون الانتقال متصل باستخدام المحورين الأفقي والرأسي للكاميرا حتى وإن قال الخبراء أن هذه ليست طريقة انتقال بين المشاهد
4- الوثوق فى كافة اللقطات البانورامية المتصلة
5- عدم الوثوق فى أسلوب الفوتومونتاج لحظة استطلاع أراء المتظاهرين
ربما يرى البعض أن ما طرحناه يحتاج إلى مجهود كبير كي يفهمه المشاهد العادي ، لكن الأمر أبسط مما يتصوره الكثيرون . نحن فقط فى حاجة إلى معاهد تدريبية متخصصة فى تلقي الرسائل التليفزيونية ، وعمل دورات مكثفة للمهتمين بالمعرفة الحقيقية دون تلبيس وولوج الخبراء فى غمار هذه القضية ، كي لا ننتظر منحة الغرب وموسم الهجرة إلى الشمال . رحم الله مصطفى مشرفة والطيب صالح.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية