علاقات السُنة ـ الشيعة
للنزاع السني ـ الشيعي دور هام في العلاقات بين جانبي الخليج بشكل عام وبين السعودية وايران بشكل خاص. صحيح أن الشيعة لا يشكلون الا 10 حتى 15 في المائة من عموم المسلمين (بين 130 مليونا الى 200 مليون نسمة في اطار 1.3 مليار مسلم في العام)، ولكنهم في الخليج يشكلون نحو 80 في المائة من السكان.
لقد اتهمت السعودية غير مرة ايران بدعم الاقلية الشيعية في نطاقها وتشجيع مظاهرات العنف في اثناء الحج، في محاولة لضعضعة مكانة النظام من الداخل ومكانة السعودية في العالم الاسلامي. وتصريحات كبار المسؤولين الايرانيين بالنسبة لعدم قدرة عائلة سعود حماية مكة والمدينة تعتبر في السعودية تحريضا وتهديدا على استقرار المملكة وذات قدرة كامنة على الاضطراب الداخلي. وأملت السعودية بان يساعد الحوار مع ايران في كبح جماح قوتها والحفاظ عليها كقوة توازن، حتى وان كانت خرجت بذلك عن السياسة الامريكية المتمثلة ‘بالصد المزدوج’. وشعر السعوديون، الذين يعرفون بان الولايات المتحدة، ستهرع الى مساعدتهم عند الحاجة، شعروا واثقين بما يكفي لتحسين علاقاتهم مع ايران، وآمنوا بان الامر سيساعدهم في الحفاظ على هدوء نسبي في أوساط الاقلية الشيعية في نطاقهم، والتي تتجمع في معظمها إن لم تكن كلها في الشمال الشرقي من الدولة.
في الاعوام 1979 1981 وقعت في هذه المنطقة، ولا سيما حول واحة الاحساء والقطيف، مظاهرات جماهيرية للشيعة ممن تلقوا ‘ريح اسناد’ من الثورة الخمينية. حتى ذلك الحين، لم يعبر الاحساس بالظلم لدى الشيعة عن نفسه عمليا. وبثت الثورة الاسلامية حياة في الاقلية الشيعية في السعودية وبدت لها كبديل عن القمع الذي تشعر به من جانب عائلة سعود. وهدأت المواجهة التي بدأت بين السكان الشيعة والنظام السعودي مع وفاة الخميني، عندما قلت الحماسة الثورية في ايران واعترف الشيعة في السعودية بقوة المؤسسة الوهابية في المملكة وسعوا بالتدريج الى ترتيب علاقاتهم مع الحكم تحسينا لمكانتهم. ويشار الى ان التيار الوهابي في الاسلام يشكك بأهلية الشيعة اسلاميا بل وباصولهم العربية، الامر الذي دفع السعودية التي تمثل هذا التيار الى فرض قيود متشددة على الشيعة في نطاقها. وذلك انطلاقا من التطلع الى عزلهم ومنعهم من اي تعبير سياسي او حرية عبادة دينية.
وبث الغزو الامريكي للعراق وصعود قوة ايران الامل في قلب الشيعة في السعودية في أن تمنحهم العائلة المالكة حقوقا اجتماعية سياسية، ولكن عبثا. في نظر السعوديين، فان التهديد الايراني خطير ليس فقط بسبب آثاره على ميزان القوة في الخليج، بل وأيضا بسبب آثار جوهرية له على الامن القومي للمملكة: اذا ما كانت يد ايران هي العليا، فقد تقف شرعية العائلة المالكة السعودية عند الاختبار سواء من ناحية السُنة المتطرفين الساعين الى وقف الشيعة ام من جانب الشيعة السعوديين، الذين قد يدفعهم صعود قوة ايران الى محاولة استغلال الوضع لهز استقرار المملكة. وبقي الشيعة مشكلة أمنية للسعودية ليس فقط بسبب قربهم الجغرافي والفكري من ايران، بل وايضا في ضوء تواجدهم على مقربة من مخزونات النفط الكبرى في العالم (الكثير من الشيعة هم عاملون في صناعة النفط، وان لم يكونوا يتمتعون بارباحها).
في 1993، ومرة اخرى بعد العام 2003، في أعقاب ضغط امريكي اتخذ عبدالله سلسلة من الخطوات لتبديد التوترات مع الاقلية الشيعية، بما فيها الاعلان عن ‘حوار وطني’. في 2005 وفي 2011 اجرت انتخابات لنصف مقاعد المجالس البلدية حتى في المناطق الشيعية، ولكن عائلة سعود لم تمض شوطا بعيدا حتى الاعتراف بالشيعة كتيار مركزي في الاسلام وامتنعت حتى اليوم عن منح الشيعة مكانة مواطنين متساوي الحقوق. وبقي الظلم الاساسي للسكان الشيعة في المملكة على حاله بل وصعد بين الحين والاخر الى السطح. لم يكن الشيعة ابدا قريبين من تهديد استقرار المملكة ولكن التخوف السعودية من أن تحرض ايران السكان الشيعة في نطاقها ازداد في ضوء الاحداث في البحرين في بداية 2011. وتخشى السعودية من تصاعد النشاط الايراني لاثارة الشيعة في نطاقها اذا ما وعندما تحقق ايران قدرة نووية تمنحها قوة ابتزاز تجاهها. في اواخر العام 2011، ومرة اخرى في بداية 2012، بدا بان التخوف السعودي يتجسد، وان كان جزئيا. فلاول مرة منذ بدأت احداث ‘الربيع العربي’ وخلافا للمرات السابقة التي خرج الشيعة في المملكة فيها للتظاهر، هذه المرة حملوا السلاح. في اعقاب عدة احداث، بعضها اندلع على مسافة غير بعيدة من محطة النفط الاكبر من نوعها في العالم في راس تنورا، حيث قتل عدد من الشيعة واصيب بضع عشرات، سارعت السلطة السعودية الى اتهام ‘دولة أجنبية’ الاسم السري للتدخل الايراني في اشعال التوتر. سبيل مقبول لمنع الانتقاد من الداخل على العائلة المالكة ولا سيما من جهة محافل سنية راديكالية.
صد ايران
وقفت عدة عوامل خلف السياسة البراغماتية نسبيا لايران في اثناء التسعينيات وبداية العقد الماضي ـ وفاة الخميني، انتهاء الحرب الايرانية ـ العراقية، انحلال الاتحاد السوفييتي وغيرها ـ ولكن صعود أحمدي نجاد الى الحكم أدى الى نهاية ‘شهر العسل’ بين ايران والسعودية، والذي ميز بقدر ما فترة رئاسة رفسنجاني وخمينئي، وأدى الى احتدام التهديد الذي بنظر المملكة يحدق من ايران. ورمزت رئاسة احمدي نجاد الى انعطافة واضحة عن سياسة سلفيه: عودة الى سياسة مناهضة للسعودية، اصرار على شعارات ‘تصدير الصورة’، التشديد على اقتراب تحقق الرؤيا الشيعية المهدية، والى جانب ذلك رؤيا من الهيمنة الاقليمية. في خطاب في الذكرى الثلاثين للثورة أوضح احمدي نجاد مذهبه حين قال على قبر مؤسسة الثورة: ‘الثورة ليست محدودة بحدود ايران… وهي لا تزال حية بعد ثلاثين سنة. نحن لا نزال في بداية الطريق، وامامنا تغييرات كبرى. هذه الثورة العاصفة ستستمر الى أن يتحقق العدل’. وتفضل السعودية كقاعدة تعطيل المخاطر على أمنها القومي من خلال ‘توزيع المخاطر’، الامتناع عن استخدام وسائل عسكرية علنية ومحاولة التملص من أدوار الريادة والقيادة. فالدبلوماسية والمال هما الوسيلة المفضلة لديها، والى جانبهما محاولة العمل من خلف الكواليس. صحيح أن لدى المملكة أدوات جيدة جدا لمواجهة الاحتجاج المحتمل من الداخل القدرة الاقتصادية الهائلة، الشرعية الدينية وولاء الحرس الوطني الا ان حكامها يفهمون بان اليوم لا تكفي الوسائل التقليدية التي بواسطتها صمموا سياستهم الخارجية على مدى السنين وان عليهم أن يتخذوا وسائل جديدة لتعطيل المخاطر على الامن القومي، وعند الحاجة المحاولة حتى لان يأخذوا في أيديهم خيوط القيادة في العالم العربي.
وزاد صعود مكانة الشيعة في العراق في أعقاب اسقاط صدام حسين وتعميق الدور الايراني هناك، تخوف السعودية والدول السنية الاخرى من نشوء ‘هلال ايراني شيعي’ مهدد في قلب العالم السني. وساهم في هذا التخوف ليس فقط الوضع في العراق، بل وايضا في لبنان، في البحرين وفي اليمن. وحذرت الرياض الولايات المتحدة حتى قبل اجتياحها للعراق بانه اذا ما اطيح بصدام فان ايران ستعمق سيطرتها هناك بل وستزيد تواجدها في جنوبه، حيث السكان هناك هم شيعة. وفضلت السعودية أن تكون قوة سنية، حتى وان كانت قامعة، تستولي على الحكم في بغداد كي تمنع بهذه الطريقة كل امكانية لتعزز قوة الشيعة. وأدى الاجتياح الامريكي للعراق، الذي قدم على حد قول السعودي ‘العراق لايران على طبق من فضة’ أدى بها الى ان تزيد المساعدة للاقلية السنية في العراق، والتي كانت تشارك في الصراع الدموي مع الميليشيات الشيعية على طابع الدولة العراقية (العديد من السعوديين سافروا الى العراق بهدف مقاتلة الامريكيين والشيعة على حد سواء). وكانت هذه خطوة مشابهة للمساعدة التي قدمتها المملكة لعناصر اخرى واجهت التهديدات الايرانية في نطاقها، مثل لبنان، البحرين واليمن. واتهم رئيس الوزراء العراقي، المالكي، رئيس المخابرات السعودية، الامير مقرن ابن عبدالعزيز، باقامة قوة سنية مسلحة ضد الميليشيات الشيعية فاقمت الحرب الاهلية في الدولة. اما السعودية من جهتها فقد امتنعت حتى الان عن ارسال سفير مقيم يمثلها الى بغداد وهي اشارة واضحة على أنها غير واثقة بحكومة العراق.
الانتقاد السعودي لاجتياح العراق استبدل في السنوات الاخيرة بانتقاد على الترك المتسرع لقوات الجيش الامريكي لهذه الدولة وابقائها ‘في يد الايرانيين’. ويتمثل التخوف السعودي في أن الامر سيسمح لايران بتعميق تسللها الى المنطقة العربية، تهديد جيرانها الصغار على شاطيء الخليج بسهولة اكبر والوصول الى مقربة شديدة من حقول النفط الهامة في الكويت وفي الشمال الشرقي من السعودية.
كقاعدة، فعلت السعودية كل ما في وسعها كي تجتذب محافل سنية من المعسكر المؤيد لايران الى المعسكر المؤيد للسعودية فترسم بذلك خطا واضحا، على اساس طائفي، بينها وبين ايران. وكان لذلك عدة نماذج في السنوات الاخيرة، مثل محاولة جر حماس الى المعسكر السعودي، ضمن امور اخرى من خلال منح رعاية لـ ‘اتفاق مكة’ لترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية والمساعي لمنع التقارب بين ايران ومصر بعد مبارك. ثمة تخوف في المملكة من أن تميل القيادة الجديدة في مصر بقدر اكبر من سابقتها الى الاتجاه الايراني وذلك ارضاء للرأي العام الذي يميل في هذا الاتجاه. وفي الاشهر التي تلت اسقاط مبارك انطلقت في القاهرة تصريحات بشأن الحاجة الى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران. واستقبل المسؤولون الايرانيون بالترحاب النية التي صدرت عن مصر في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع ايران، بل وقالوا ان ‘مقاومة مصر لاسرائيل’ و ‘تبني نموذج الثورة الاسلامية’ يخلقان قاسما مشتركا بينها وبين ايران. وحيال هذا التخوف حولت السعودية الى مصر مساعدة بمبلغ 4 مليارات دولار، لاعانة الاقتصاد المصري على ‘الطوف فوق الماء’ (اتحاد الامارات حول لمصر حسب التقارير نحو 3 مليار دولار) و ‘نفضت الغبار’ عن سلسلة من المشاريع المشتركة التي استهدفت تعزيز علاقاتها مع القاهرة، بما في ذلك المشروع القديم لبناء جسر يربط بين السعودية ومصر فوق مضائق تيران. ونجد ان المملكة السعودية تنخرط اليوم اكثر من اي وقت مضى في الساحة السياسية المصرية ايضا من خلال دعم عدد من الجهات السياسية، بل وكانت هناك تقارير عن نية لضم مصر الى قسم من لجان مجلس التعاون لدول الخليج.
العلاقات مع سوريا
علاقات السعودية مع الحليف الاساسي لايران تدهورت على خلفية القمع العنيف للاحتجاج في سوريا والذي بدأ في اذار 2011. وقبل ذلك فشلت السعودية في محاولة انقاذ سوريا من براثن ايران وخلق كتلة مناهضة لايران متراصة تتشكل من الدول السنية المؤيدة للغرب. ومنحها الاحتجاج في سوريا فرصة متجددة لمحاولة عمل ذلك. وهي تأمل في أن يساعدها اضعاف نظام الاسد في ذلك فيقلص قوة المحور الراديكالي. وانتقدت وسائل الاعلام السعودية العلاقات بين سوريا وايران، بل ان بعضها اتهم طهران في المشاركة في قمع الاضطرابات في سوريا.
وتشكل سياسة السعودية الحالية انعطافة في موقفها من نظام الاسد. فبعد الشرخ الذي وقع بين الدولتين في اعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الحريري في 2005، انتهج عبدالله سياسة انفتاح نسبية تجاه سوريا، في محاولة لدق اسفين بينها وبين ايران: فقد التقى الاسد ثلاث مرات في 2009 بل وأعاد السفير السعودي الى دمشق، ولكن مع تعاظم الاضطرابات في سوريا دعا في آب 2011 سفيره للعودة الى الرياض. وتشكل هذه الخطوة دليلا على وقوف السعودية مرة اخرى بعد أن فعلت ذلك في البحرين ايضا ضد الجبهة الراديكالية بقيادة ايران وعلى الفهم بان الاحداث في سوريا وصلت الى مستوى كفيل بان يرجح الكفة في صالح سلالة الاسد. وكجزء من الجهد لاضعاف المحور الايراني ـ السوري عملت السعودية، الى جانب قطر، لانهاء عضوية سوريا في الجامعة العربية ايضا بل وايدت عمليا المعارضة القتالية. وتنخرط هذه الخطوات في النهج التأكيدي الماضي الذي اتبعته السعودية منذ بدء احداث الربيع العربي وتعبر عن محاولة من جانبها لاعادة تصميم خريطة التحالفات في المنطقة وفقا لمصالحها.
العلاقات مع دول الخليج: الاردن والمغرب
تحاول السعودية توحيد الصفوف في دول الخليج. وفي هذا الاطار بدأ تقارب بينها وبين قطر، وهي تقف خلف معظم المساعدة للبحرين وعُمان. اضافة الى ذلك، فهي تسعى الى ضم الاردن (وربما المغرب ايضا) الى كتلة الملكيات، وذلك لمنعها من اجراء اصلاحات غير مرغوب فيها في نظرها بل وربما، مثلما بدأ يفعله الملك المغربي، الفصل بين السلطات أو التحول في المستقبل الى ملكية دستورية. وفي محاولتها ‘لتحصين’ الانظمة الملكية في وجه المخاطر المحتملة على استقرارها، فان السعودية تقود ايضا المفاوضات مع الاردن لضمه، بهذا الشكل أو ذاك، الى النادي الاعتباري لمجلس التعاون في الخليج. وهي تفعل ذلك رغم تحفظ بعض اعضاء المنظمة ممن يخافون ان يضر الامر بمكانتهم، ولم ينسوا تأييد الملك حسين لصدام في حرب الخليج الاولى. وفي خطوة دراماتيكية في ايار 2011 دعي الاردن (الذي طلب الانضمام الى مجلس التعاون حتى قبل 15 سنة ولم يستجب طلبه) والمغرب لتقديم ترشيحهما الى المنظمة. والتقدير هو أن السعودية تقف خلف المبادرة، التي اهم اهدافها هو محاولة تحصين العائلات المالكة في وجه الهزات السياسية وبلورة كتلة معتدلة كوزن مضاد لايران.
لقد اتاحت مظلة الدفاع الامريكية للسعودية بقدر كبير امكانية البقاء على مدى السنين سلبية في مسائل سياسية واستراتيجية مختلفة. فتوسع الاحتجاج الشعبي في المنطقة في 2011 والاحساس المتعاظم في الرياض بانها بقيت وحيدة لتواجه التهديدات على استقرار النظام دفعها بقدر كبير الى هجر السلبية التي تميزت بها سياستها الخارجية في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن. وكجزء من هذا الجهد بعثت السعودية بقوات عسكرية الى البحرين المجاورة للتأكد من أن عائلة خليفة لن تتحول الى ملكية دستورية وان الاحتجاج الشيعي هناك لن يصيب بالعدوى التجمعات السكانية الشيعية في شمال شرق المملكة.
البحرين هي الدولة الاقرب للسعودية جغرافيا وتاريخيا. ويعتبر الاضطراب الشيعي في هذه الدولة الجزيرة الصغيرة، والذي بدأ في مستهل 2011، يعتبر تمردا برعاية ايرانية ودفع، كما اسلفنا، السعودية الى أن ترسل، تحت علم مجلس التعاون، وبقدر ما هو معروف دون تنسيق مسبق أو اتفاق مع الولايات المتحدة قوات عسكرية الى المكان مثلما فعلت في النصف الثاني من التسعينيات. وكان ارسال القوات خطوة ترمي الى الاشارة الى ايران بان البحرين توجد في نطاق نفوذ السعودية. وحققت المملكة انجازات لا بأس بها في هذه الخطوة: فقد اعتبرت ايران أكثر مما في الماضي، بما في ذلك بالنسبة للدول خارج المنطقة، كجهة سلبية بمجرد دعمها للاضطراب الشيعي. وأثبتت نتائج الاحتجاج في البحرين كم هي محصورة قوة ايران ومصاعبها في أن تترجم الى انجازات سياسية مساعدتها للتجمعات السكانية التي تدعمها. اضافة الى ذلك، فقد الصقت بالاحداث في البحرين شارة الصراع الطائفي، الامر الذي لم يجدِ ايران في محاولتها لموضعة نفسها كقوة مهيمنة وتركيز الاهتمام لهذا الغرض على اسرائيل وصرفه عن الصراع السني الشيعي.
واصطدم ارسال القوات السعودية الى البحرين بانتقاد حاد من جانب ايران، التي شبهته باجتياح صدام حسين للكويت في 1990 بل وأدى الى سلسلة من الأحداث بما فيها الهجوم على السفارة السعودية في طهران. كما اتهمت السعودية ايران باغتيال دبلوماسي سعودي في الباكستان في أيار 2011 وفي بنغلاديش في آذار في 2012، في ما بدا كدرك أسفل جديد في العلاقات بين الدولتين. ولا يُعد نمط المس بالدبلوماسيين وبرجال الاعمال السعوديين أمرا جديدا فقد مست ايران وحاولت المس بدبلوماسيين سعوديين في لبنان، في تركيا، في بلجيكا وفي تايلاند، وفي تشرين الاول 2011 انكشفت ايضا محاولة ايرانية للمس بالسفير السعودي في الولايات المتحدة، عادل الجبير.
يبدو ان الثورة في البحرين منحت احساسا عاجلا للرغبة السعودية في صد النفوذ الايراني في الساحات المختلفة في الشرق الاوسط. وفي هذا السياق ينبغي ان نرى دعوة طارق الحميد، محرر صحيفة ‘الشرق الاوسط’ اليومية التي تشكل بقدر كبير بوقا للنخبة السعودية، الى بذل جهد عام كتقليص نفوذ ايران في المنطقة ‘واعادتها الى حجومها الطبيعية’. وعلى حد قوله، فانه هكذا ستُقلص الأذرع التي مدتها ايران نحو هذه الدول وستضطر الى معالجة مشاكلها الداخلية.
عدم قدرة البحرين على ان تواجه وحدها الثورة الشيعية في نطاقها، والى جانب المصاعب في القتال حيال الشيعة الحوثيين على حدود السعودية مع اليمن، شكلت تحديا لمفهوم الامن السعودي وأدت الى اعترافها بأن استثمارا كثيفا في سلاح متقدم هو الآخر ليس فيه ما يُلبي التحديات الامنية التي تواجهها المملكة. فاسقاط الرئيس المصري مبارك الحليف القريب للسعودية في السنوات الاخيرة أحداث العنف في البحرين، انعدام الاستقرار العضال في اليمن، المخاطر الكامنة في الربيع العربي والميل المتصاعد في العراق للانتقال الى نطاق النفوذ الايراني، كل هذا شدد تخوف الرياض من انهيار الوضع الراهن. الاسناد الذي قدمه العراق للشيعة في البحرين، تأييده للسياسة الايرانية في أوبيك في مواجهة السعودية، توثيق العلاقات الاقتصادية بين العراق وايران وخطوات اخرى اتخذتها حكومة المالكي، كمنح دعم اقتصادي وسياسي لنظام الاسد في سوريا، تثبت في نظر السعودية ادعائها بأن العراق تحول ليصبح منفذ لارادة طهران، وعمليا دولة تدور في الفلك الايراني. وهذا هو السبب الذي جعل السعودية تعارض الانسحاب الامريكي الشامل من العراق وطلبها اشتراط ذلك باصلاحات سياسية شاملة تضمن ألا يكون لممثلي الارادة الايرانية سيطرة حصرية على مؤسسات الدولة. وأدى صعود قوة ايران الاقليمية وتحول العراق الى الدولة الشيعية العربية الاولى بتركي الفيصل الى القول، في خطاب أمام دبلوماسيين غربيين في حزيران 2011، بلهجة حادة تجاه ايران: ‘النبش وضعضعة الاستقرار من جانب ايران في دول ذات اغلبية شيعية كالعراق والبحرين وكذا في دول مع تجمعات سكانية شيعية ذات مغزى… يجب ان يتوقفا… وستقاوم السعودية كل النشاطات الايرانية في الدول الاخرى، وذلك لأن موقفها هو ان ليس لايران الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى’.
كما هاجم ولي العهد ووزير الداخلية السعودي، الأمير نايف، الذي عُين في منصبه في تشرين الاول 2011، هو ايضا، في تصريح رسمي أول له، ايران فقال انه لا تحتمل حلول وسط معها. وفي تناوله لمحاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، قال نايف انه بلاده مستعدة لأن تتصدى لكل سيناريو بكل الوسائل اللازمة. وبالفعل، يبدو ان المملكة مستعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتقديم كل ذخائرها الاقتصادية، السياسية والامنية في صالح الجهود لمواجهة التطلعات الاقليمية لايران. ونُقل عن الفيصل قوله ان ‘ايران قابلة للاصابة جدا في قطاع النفط، وفي هذا المجال يوجد الكثير مما يمكن عمله للضغط على الحكومة الحالية في طهران’، في ظل التهديد بأن السعودية لن تتردد في استخدام سلاح النفط وزيادة انتاجه للتغطية على ما ينقص من نفط ايراني في الاسواق. يحتمل ان تكون هذه اشارة من السعودية بأنها مستعدة لأن تأخذ على عاتقها المسؤولية عن تقليص الضرر المرتقب للاقتصاد العالمي اذا ما احتدمت العقوبات على ايران وفُرض عليها حظر نفطي أو حتى ان تقلص آثار الهجوم المحتمل على منشآت النووي الايراني، وعلى رأسها الضرر اللاحق بتصدير النفط من الخليج عبر مضائق هرمز.
الساحة الداخلية
فضلا عن التهديد الكامل في صعود ايران، تقف السعودية أمام سلسلة من التحديات المركزية منها تتعلق بمشكلة الارهاب التي احتدمت عقب الوضع في اليمن، الاضطراب الاجتماعي الكامن في المملكة بل وترتيب عملية خلافة الحكم.
ان عملية نقل الخلافة في السعودية ليست عديمة المخاطر وإن كان بسبب حقيقة ان معظم أبناء ابن سعود شيوخ ومرضى، وكل من تبقى من المرشحين المحتملين هم عديمو التجربة في ادارة شؤون المملكة. وتترافق العملية وصراعات شديدة تجري، باستثناء قليل من الحالات، خلف الكواليس، الامر الذي يجعل من الصعب توقع وجه النظام السعودي في السنوات القريبة القادمة.
ان قدرة السعودية على ان تشكل وزنا مضادا لصعود ايران، كمحكمة وملطفة للنزاعات العربية الداخلية وكعمود فقري في السياسة الامريكية في المجال ترتبط ارتباطا وثيقا باستقرار العائلة المالكة والحاجة الى نقل السلطة بشكل سلس. وفاة سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع، ومرض الملك عبد الله ومرض ولي العهد نايف من شأنه ان يضع قيد الاختبار المؤسسات التي أُضيفت في السنوات الاخيرة للمؤسسة الحاكمة السعودية وجاءت للحفاظ على التواصل السلطوي بل وربما الزام الملك بنقل عصا الحكم الى جيل الأحفاد.
مذكرة رقم 116 ـ معهد بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب 31 /3 /2013