الرباط- أحمد بن الطاهر: خلّف إعلان السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما حالة ترقب في المغرب بشأن مدى إمكانية انعكاس ذلك على مستقبل العلاقات بين الرباط وطهران المقطوعة منذ سنوات.
ويرى خبراء استطلعت الأناضول آراءهم، أن العلاقات المغربية الإيرانية غامضة، خاصة موقف طهران من قضية الصحراء، مشيرين إلى أن “عودة العلاقات بينهما ممكنة، إذا توفرت عدة شروط”.
وأعلنت السعودية وإيران في 13 مارس/ آذار الجاري الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.
ومساء الخميس، قال متحدث الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماعها الأسبوعي، إن الحكومة لم تناقش استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، وتأثير ذلك على علاقات الرباط مع طهران.
وكان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران في 2018، بعد اتهامات لـ”حزب الله” اللبناني المدعوم إيرانيا بالانخراط في علاقة “عسكرية” مع جبهة البوليساريو عبر سفارة إيران في الجزائر، ما عدته الرباط تهديدا لأمنها.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
وقبل قطع المغرب علاقاته مع إيران، سبق له أن اتخذ قرارا مشابها عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى 2016، بعدها عين المغرب سفيرا له في طهران.
وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين، قد أعلنت وقوفها مع المغرب في قطع علاقاته مع إيران عام 2009، معبرة عن وقوفها ضد “التدخلات الإيرانية في شؤون المغرب الداخلية”.
ومطلع 2016، قطعت الدول الخليجية الثلاثة علاقاتها مع إيران واتهمتها آنذاك، بامتلاك مشروع توسعي في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) خالد ياموت، يرى أن “العلاقات المغربية الإيرانية يتحكم فيها عنصرين أساسيين، أولهما سلوك السياسة الخارجية الإيرانية في العلاقة بالسيادة المغربية”.
ومنذ اندلاع “الثورة الإسلامية” في طهران عام 1979 لا يمكن وصف العلاقات المغربية الإيرانية بالجيدة، إذ لم تكن هناك علاقات اقتصادية أو ثقافية أو حتى سياسية “قوية” بين البلدين.
وأضاف ياموت: “العنصر الثاني هو مرتكز ديني قومي، مرتبط بالصراع التاريخي بين توجهات الثورة الإيرانية في تصدير التشيّع، ورد الفعل السني الذي كانت تقوده السعودية في الجزيرة العربية ويقوده المغرب إفريقيا”.
وتابع: “اليوم يبدو أن الواقع الدولي الحالي لم يعد يسمح بالتصنيف المتعلق بما هو ديني قومي، ويظل المحدد هو كيف يتم التعامل مع القضية السيادية للمغرب”.
واعتبر أن “التحول السعودي قفز على العنصر الأساسي المرتبط بالعنصر الديني القومي، ويبقى أمام المغرب إيجاد مقاربة للتعامل مع المرتكز الثاني المتعلق بالعنصر السيادي أي قضية الصحراء”.
وفيما يتعلق بقضية الصحراء، يرى ياموت، أن “المغرب سيضطر إلى تدشين مسار جديد في العلاقات الدبلوماسية مع إيران، على أساس التعامل السيادي بخصوص القضية”.
وتوقع أن “إيران لن تبدي موقفا حادا أو تعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، لكن سيكون هناك نوع من تليين الموقف، بينما سيستمر الغموض” في موقفها.
وأوضح أن “الموقف الإيراني من قضية الصحراء ليس بالموقف الحاد وإنما غامض، ولا يعتمد على الولاء التام للبوليساريو ولا للجزائر، كما أنه لا يمنح الامتياز التام للمغرب، بالاعتراف بسيادة المملكة على إقليم الصحراء”.
وأشار إلى أن “الذي يحدث أن هناك سياق آخر يتعلق بتحالفات غير تقليدية في العلاقات الدولية”، داعيا المغرب إلى “ابتكار طريقة جديدة ليساير هذا النوع من التحولات”.
وشرح ذلك بأن “السعودية فهمت أنه لتبقى لها القيادة في العالم العربي المستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عليها أن تغير من استراتيجيتها على مستوى التحالفات، بالتوجه إلى الصين والهند وروسيا”.
وبالنسبة للرباط، يرى الخبير المغربي: “فقد حولت تحالفاتها التقليدية من فرنسا إلى المحور الأنجلوسكسوني (في إشارة إلى أمريكا وبريطانيا)، بالإضافة إلى إسرائيل”.
وأكد أن “هذه التحولات (السعودية والمغربية)، حتى وإن ظهرت في المشهد أنها متباعدة، لكن في الواقع لها نسق واحد، يتعلق بالتحولات الكبيرة في المشهد الدولي”.
في المقابل، قال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي: “في الأفق المنظور، من الصعب الحديث عن إمكانية عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران، لاعتبارات كثيرة”.
أهم تلك الاعتبارات، التي ذكرها الأندلسي، تتعلق بـ”استمرار التدخل الإيراني في الصراع المغربي الجزائري، عبر دعم وتسليح وتدريب عناصر من جبهة البوليساريو”.
وشدد الباحث المغربي على أن “استمرار التدخل الإيراني في الصراع، العائق أمام أي مبادرة في اتجاه عودة العلاقات بين المغرب وإيران، إذا لم تغير طهران من سياستها في المنطقة”.
أما ثاني الاعتبارات، فهو “توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية”، مؤكدا أنه “يعمق من التباعد الحاصل بين الرباط وطهران، ويغذي التوتر الحاصل بينهما”.
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن المغرب وإسرائيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000، ليوقعا في 22 من الشهر ذاته، “إعلانا مشتركا” بمشاركة واشنطن، في العاصمة الرباط.
وعن شروط عودة العلاقات، أوضح الأندلوسي: “أن ينتزع المغرب من إيران موقفا واضحا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، والالتزام بإيقاف أي دعم لجبهة البوليساريو، والابتعاد عن الصراع المغربي الجزائري”.
وخلص إلى أنه “بالنظر إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران رغم حجم التناقض بينهما، يجعل من إمكانية عودة العلاقات بينهما ممكنة، إذا تغيرت نظرة البلدين للمصالح الاستراتيجية التي يمكن جنيها”.
(الأناضول)