هل أُغامر مرة ثانية؟
كانت المغامرة الأولى فور انطلاق شرارة التغيير الجذري في العديد من دول العالم العربي، في الأيام الأخيرة من نهاية العقد الأول من القرن الحالي، ويوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 تحديداً.
ما جرى ويجري في تونس من أحداث متلاحقة، خلال الأُسبوعين الماضيين، وتحديداً: منذ صباح الأحد 25 يوليو/تموز الماضي، ليست أحداثاً وتطورات هامة فقط، إنها، (في اعتقادي) أحداث تاريخية، تحمل تباشير انتهاء «فصل عربي» وبداية «فصل عربي»جديد. إنها علامات انتهاء «فصل الشتاء العربي» الذي امتد في تونس ليغطي سنوات عقد كامل، (أو لـ»عَشريّة» كما تقول لهجات عرب شمال إفريقيا) مع ملاحظة جوهرية، هي أن «شتاء تونس» هذا، كان صعباً، ولكنه كان أرحم، بما لا يقاس من «شتاءات» ليبيا ومصر واليمن وسوريا، وكان أرحم، إلى حدٍّ ما، من «شتاءات» السودان والعراق، وغيرها من بعض الدول العربية.
لا بدّ من توضيح لمعاني ما تقدَّم من كلمات: حين انطلقت «الشرارة» من تونس، ظهر يوم حادث مُروِّع في النصف الأخير من الشهر الأخير سنة 2010، هي شرارة إقدام الشاب التونسي، محمد البوعزيزي،على إضرام النار في نفسه، احتجاجاً على مصادرة عربته التي كان يبيع عليها الخضار، واحتجاجاً على توجيه السلطة التونسية، (ممثلة بالشرطية التونسية، فادية حمدي) صفعة له، واحتجاجاً على رفض سلطات «ولاية سيدي بوزيد» التونسية، لشكواه ضد تلك الشرطية.
اثارت هذه الحادثة، كما هو معروف، غضباً غير مسبوق في الشارع التونسي، وانتقلت شرارتها لتطال ساحات في العديد من العواصم والمدن العربية، في المغرب العربي كما في المشرق العربي.. ولعلّ أهمها ميدان التحرير في القاهرة.
أطلق مفكّرون وكتّاب في الغرب، بسوء نيّة وطويّة، (في اعتقادي) على تلك الحادثة المؤلمة، وما نتج عنها من اهتزازات فورية وعفوية وعارمة، في تونس، وفي العديد من الدول العربية، اسم «الربيع العربي» وتلقّف العرب، (في غالبيتهم) هذه التسمية الجميلة، في شكلها، وفي ما تشير إليه، وما توحي به، واعتقدوا، مخطئين، أننا فعلاًعلى أبواب «ربيع عربي».
فرحتُ، حدّ النشوة، مثل غيري من عشرات ملايين العرب، بالإستجابة الإيجابية للشارع العربي لحادثة البوعزيزي المؤلمة جداً، ولكنني غامرت حينها، (شفهياً وخطّياً) وقلت لكل من استطعت إيصال قناعتي اليه: لا يمكن الإنتقال من الخريف إلى الربيع مباشرة.. هناك جسر إلزامي لا مجال لتخطّيه، اسمه «فصل الشتاء» الذي يلي فصل الخريف، ويشكل مدخلاً لبداية فصل الربيع.
نتعلم من الطبيعة ونقول: ما يلي فصل الخريف هو فصل الشتاء. وإن كان فصل الخريف هو علامة الذبول والهبوط، على طريق الغياب والاضمحلال، فإن ما يليه ليس فصل الربيع بما فيه من أزهار وبقول وخضار ونِعَم، وإنما فصل الشتاء الذي يزيل غبار الخريف، من جهة، ويروي الأرض ويمكنها من الإنطلاق لبدء دورة إنبات حياة جديدة، مليئة بالخير، من جهة ثانية، لكن فصل الشتاء لا يأتي إلا مصحوباً بعواصف واعاصير وفياضانات وانهيارات وبروق ورعود، من جهة ثالثة. هذا هو قانون الطبيعة، ولا يفيد معه لا تشاطر ولا تجاهل ولا إنكار.
امتد موسم «الخريف العربي» سنوات وسنوات، كنا نحسب فترة جلوس الحاكم العربي على كرسي الحكم، (في «الخريف العربي») بالعقود وليس بالسنين: من عصر/عهد معمر القذافي في ليبيا، إلى حسني مبارك في مصر، إلى علي عبدالله صالح في اليمن، والى زين العابدين بن علي في تونس، وعمر حسن البشير في السودان، وعبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر، اضافة إلى «الحزب الحاكم» في العراق، وفي سوريا، حيث ورّث الحاكم إبنه الحزب والدولة. كان هذا، (وما زال في كثير من الدول العربية) خريفاً عربياً. كان هذا فصل موات. جاز لنا ان نقول بعده: ان عالَماً عربياً دون معمر القذافي، خير من عالَم عربي يحكم فيه القذافي ليبيا ويتحكّم بشعبها. وما ينطبق على ليبيا والقذافي يطال كل الدول العربية التي نعِمت بزوال خريفها، وتلك التي تنتظر زوال خريفها ايضاً. لم تشمل نعمة «زوال الخريف» كل دول العالم العربي. كما لا يغيب عن الذهن ايضاً، أن ما كان عليه حال الدول العربية، مطابق لما هو عليه حال الغالبية العظمى للأحزاب في تلك الدول، يمينها ويسارها على حد سواء: من ميشيل عفلق، في سوريا بداية، ثم في العراق بعدها، إلى خالد بكداش، (أمين عام الحزب الشيوعي السوري على مدى 62 سنة، أي لأكثر من جيلَين، من سنة 1933 لغاية وفاته سنة 1995) ومثلهما غالبية الأحزاب العربية، من الحزب القومي السوري، إلى حزب الكتائب، إلى النّجادة، ووصولاً إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، وغالبية الأحزاب في تلك الدول. وبرغم الاختلافات الجذرية والجوهرية بين جميع أصحاب هذه الأسماء والألقاب، إلا أن صفتين اثنتين تنطبقان على الغالبية العظمى منهم: صفة إيجابية: كيف ومتى يبدأون، وصفة سلبية: كيف ومتى يتقاعدون، ويختارون التوقيت الملائم للتّنحّي.
حال الفلسطينيين، على هذا الصعيد، مطابق لحال بقية الحاكمين في دول العالم العربي، وأحزابه ايضا، وقد يكون التميّز الوحيد بين هذين الحالين محصورا في الاسم واليافطة فقط، حيث استبدل تعبير «الأحزاب» في الدول، بتعابير الـ»حركات» و»الجبهات» و»الفصائل» في الساحة. (وبالمناسبة: هذا لا ينطبق على «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» لكنه فاقع الشبه بالنسبة لما هو حال حركة «فتح» وطبعاً ما عداها مثل «الجبهة الديمقراطية» و»القيادة العامة» وغيرهما).
على أن ما يجري في تونس هذه الأيام، هو الشرارة الأولى للتغيير الجذري، وللإنتقال، الذي نأمل أن يكون سلساً، (وغير دمويٍّ على الأقل) من «شتاء تونس» إلى «ربيع تونس».
يواجه الرئيس التونسي، قيس سْعيِّد، (الذي تميّز عن جميع الحكّام العرب، بقوله صراحة وعلانية، إن تطبيع دولٍ عربية لعلاقاتها مع إسرائيل هو: خيانة) في خطواته الجريئة الأخيرة ابتداءً من مساء الخامس والعشرين من الشهر الماضي، فساداً وفاسدين ومفسدين. هذه ليست العقبة الأصعب. انه يواجه «حركة النهضة» ذات الخلفية الدينية الإسلامية، حتى وإن كانت بعيدة، (رسمياً وعلنياً، على الأقل) عن «الإخوان المسلمين».
للتوضيح فقط: كل الحركات السياسية، ذات الخلفية الدينية، والإسلامية منها على وجه الخصوص، عميقة الجذور.
نتعلم من تاريخنا: نشأت في فلسطين وفي لبنان وفي الجزيرة العربية، (في المملكة العربية السعودية هذه الأيام) ما بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر ثلاث حركات سياسية، وقادة سياسيون: حركة «الزيادنة» في فلسطين، ومؤسّسها ظاهر العُمَر الزيداني، وبنَت علاقات مع مصر وفرنسا وروسيا (القيصرية) لكن، وبمجرّد مقتل ظاهر العمر الزيداني، أعاد أحمد باشا الجزّار فلسطين إلى حظيرة السلطنة العثمانية؛ وفي لبنان (جبل لبنان) نشأت وترعرعت «الشّهابية» و»المعنيّة» لكن ما إن زال أصحاب الشخصيات القوية، (أو قل الكارزمية) من هؤلاء، حتى تلاشى وانتهى دور المعنّية والشّهابية؛ ولكن «الوهّابية» التي أنشأها محمد بن عبد الوهاب، في نفس تلك الحقبة الزمنية، في «الدرعية» في نجد، ما زالت قائمة حت ايامنا هذه، وذلك بفضل سبب واحد وحيد، هو انها حركة ذات مرجعية دينية.
لعل ما يفيد في هذا السياق، الإنتباه إلى تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي انطلق سنة 1928، وما زال حاضراً، بقوة في بعض الدول العربية، سواء بوجهه واسمه الصحيح والمباشر والمعلن، أو بـ»أسماء حركيّة» مثل «حماس» في فلسطين، أو «النهضة» في تونس، أو «الرفاه» وبعد ذلك «الفضيلة» وحالياً: «حزب العدالة والتنمية» في تركيا.
نعم.. أُغامر مرّة ثانية وأقول: نحن على عتبة انتهاء «شتاء تونس». وقد نكون على عتبة انتهاء «الشتاء العربي».
كاتب فلسطيني
قال تعالى: « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ « سورة الروم –الآية 41.
فساد عظيم ، ضرب ربوع الوطن العربي من الخليج إلى المحيط على مدار أكثر 50 سنة بإتفاق الجميع ،فلما زاد عن حده إنقلب إلى ضده ، و لعله من الخطأ الغير مقصود أو ربما من باب التفاؤل و التمني أن تُسّمى هذه الأحداث المأساوية بالربيع ، فالربيع رمز النمو و الإزدهار و ليس رمزاً للرياح و العواصف كما تفضلت به في هذا المقال . ضربت الأعاصير الأوطان من أجل إحداث التغيير الجذري التي كانت تطالب به الشعوب لنهضة شاملة و القضاء على الفساد الذي إستفحل و تغلغل في مفاصل جميع الدول ، و هو على الترتيب ، الفساد السياسي و الفساد الإقتصادي و المالي و الفساد الإداري و الفساد الإجتماعي .
(….
المقال …..قيم و موضوعي ….
شكرًا أخي عماد شقور. يبدو أنك متفائل والحقيفة أني أيضًا متفائل مثلك لكن تفاؤل بحذر! فمازال الطريق في أوله نحو نهاية الشتاء وكما نعلم يقول المثل أذار الهدار أبو الزلازل والأمطار، رغم أنه شهر بداية الربيع!