تطرّقت كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، في خطاب اعتماد الحزب ترشيحها رسميا، إلى قضية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فأعادت تكرار سياسات الرئيس جو بايدن حيث حماية إسرائيل هي الأولوية حيث تعني الدعوة لـ«إنهاء الحرب» هو أن «تكون إسرائيل آمنة ويتم إطلاق سراح الرهائن» كما قالت هاريس بوضوح.
يرتبط إعلان «الولاء والبراء» هذا لإسرائيل، والذي هو «لازمة» سياسية لدى أي مرشّح أمريكي للرئاسة، سواء كان ديمقراطيا أم جمهوريا، بداية بتأثير النفوذ الهائل لمنظمة الضغط الداعم لإسرائيل «آيباك» (ومنظمات أخرى) كما بنفوذ حاضنتين اجتماعيتين: اليهود الأمريكيون (مع ميل ملحوظ فيهم للحزب الديمقراطي) وجمهور المسيحية الصهيونية (مع ميل الغالبية فيهم للحزب الجمهوري) وهما عاملان بيّنان في الإعلان عن نفسيهما، كما في إظهار تأثيرهما في المؤسسات السياسية الأمريكية.
يتمظهر هذا النفوذ أيضا، على المستوى الخارجي، بالدور الذي تضطلع به إسرائيل في قلب الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، وهو دور يتكامل مع أهداف المركب العسكري ـ الصناعي الأمريكي إلى حدّ تبدو فيه إسرائيل أحيانا كما لو أنها بوصلة المصالح والقرارات الأمريكية في العالم، حتى لو بدا أن هذه البوصلة تتجه بعكس تلك المصالح، وأنها تحاول توريطها بحروب لا تسعى إليها (كما يتبدى ذلك حاليا في ضغط رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لدخول واشنطن في حرب مع إيران).
مهم، رغم كل ما ذُكر آنفا، تبيان كيف تضافرت علاقة الحزب الديمقراطي العضويّة بقضايا الأقليات الدينية والقومية والجندرية، مع الفعاليات السلميّة الكبيرة التي خاضها الفلسطينيون وأنصارهم في جامعات وشوارع وقاعات الاجتماعات الحزبية الأمريكية ضد الحرب في غزة فرأينا كيف تحدّثت هاريس أن «ما حدث في غزة مفجع ويفطر القلب» وعن كون الهدف التالي في دعوتها لإنهاء الحرب (بعد حماية إسرائيل) هو أن «تنتهي المعاناة في غزة ويتمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير».
تطرّق هاريس للموضوع الفلسطيني لا يخفي محاولات منظمي المؤتمر إخفاء أو تجاهل قضية سيؤدي عرضها إلى كشف فاضح للتناقض بين النفوذ الصهيوني الكبير في الحزب مع فجاعة الكارثة الفلسطينية التي لا يمكن إخفاؤها، وقد ظهر الأمر في المؤتمر الديمقراطي عبر تكثّف ضغوط أنصار فلسطين على هاريس وحملتها، فإحدى المنظمات، «النساء المسلمات من أجل هاريس» قامت بسحب دعمها للمرشحة بعد رفض فريقها طلبها أن يصعد متحدث أمريكي فلسطيني المنصة في المؤتمر، فيما حيّتها إيمان جودة، أول نائبة فلسطينية تنتخب لمجلس ولاية كولورادو، باعتبارها أول امرأة سوداء وآسيوية تفوز بترشيح حزب رئيسي «وهو ما يشكل فرصة لاتجاه جديد في بلدنا» لكنها شددت على ضرورة رسم مسار مختلف «عن ذلك الذي اتبعه بايدن ومن سبقوه فيما يتعلق بالحرب على غزة وحقوق الفلسطينيين».
لا يتطرّق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة، من جهة أخرى، لموضوع فلسطين إلا بطرق تدلّ على الركاكة البالغة التي تميّز راعي «صفقة القرن» البائسة خلال ولايته الرئاسية السابقة، وناقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والموافق على ضم الجولان، والداعي مؤخرا لـ«توسيع إسرائيل» وكان آخرها مزاوداته مع جوش شابيرو، حاكم ولاية بنسلفانيا، على من هو الأكثر ولاء للدولة اليهودية (باعتبار شابيرو نفسه يهوديا) واصفا نفسه بأنه «أفضل صديق لإسرائيل والشعب اليهودي على الإطلاق».
الخلاصة أن أنصار فلسطين في الانتخابات الرئاسية المقبلة مضطرون، لأسباب سياسية عديدة، للمراهنة على هاريس، حتى لو كانت احتمالات قطعها مع إرث بايدن ضعيفة، وذلك لأسباب أخرى تتعلّق بأمريكا، وبالنساء، وبما يمكن أن يفتحه تولّي امرأة سوداء وآسيوية أقرب للأقليات العرقية والدينية والإثنية، وطموحها لمستقبل متكامل داخل أمريكا، من أبواب، أكثر مما يمكنهم المراهنة على شخص قام بمنع خمس مواطني دول إسلامية من دخول أمريكا بمجرّد دخوله «البيت الأبيض» ويراهن عليه نتنياهو لمتابعة تنفيذه للإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين.