القاهرة ـ «القدس العربي»: شملت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين، ندوات ومناقشات للإصدارات الحديثة. وبخلاف الندوات المؤيدة لسياسات الدولة من محدثيها وروادها المعهودين كل عام، والمنحصرة بين العساكر ورجال الدين ومثقفي كل نظام، تأتي بعض الندوات اللافتة التي قد تضيف إلى الثقافة بشكل عام، ولو حتى في صوت خافت. من هذه الندوات، وضمن فعالية (كاتب وكتاب) تمت مناقشة كتاب «النقد الثقافي.. نحو منهجية التحليل الثقافي للأدب» للأكاديمي المصري محمد إبراهيم عبد العال، والصادر مؤخراً عن عن مؤسسة بيت الحكمة الثقافية. ناقش الكتاب كل من الناقدين صلاح السروي ومحمد فكري الجزار، وأدار الندوة هشام زغلول.
النقد الثقافي
أصبح هذا المصطلح باعتباره أحد آخر صيحات النقد، الذي يحاول بدوره تلافي أخطاء المناهج النقدية وتياراتها المتحيزة بشكل أو بآخر إلى أفكار ومقولات نقدية وأيديولوجية، محل اختلاف ولغط كبيرين، خاصة أنه ليس نظرية متكاملة، كما أنه يستمد أطره المنهجية وكذا أدواته من عدة مناهج تأكدت بفعل الممارسة النقدية، وكذلك السياق السياسي الذي وجدت من خلاله، أو حتى كرد فعل على مدرسة نقدية بعينها. فهو ينتمي ـ النقد الثقافي ـ إلى مرحلة الـ(ما بعديات) متجاوزاً البنيوية وما شابه من المدارس والتيارات النقدية المغلقة، مع التأكيد على أنه أعاد للسياق الذي تم إنتاج النص من خلاله أهميته، وبالتالي نفى بدوره فكرة (موت المؤلف) وفصل الذات عن النص، والظروف السياسية والاجتماعية الذي تولّد في ظلها. وبما أن أسلوب النقد الثقافي، لم يتبلور بعد في شكل نظرية متكاملة ـ وهو الذي ينأى عنها دوماً ـ فالأمر في تطور دائم من المعالجات ووجهات النظر التي تضيف إلى رؤية وإمكانات هذا الشكل من أشكال النقد.
البحث عن الجمالي
في بداية المناقشة وضح مؤلف الكتاب أن عمله يتناول إشكالية التحليل الثقافي للنص الأدبي، فهذه الدراسات في مُجملها حاولت أن تقصر النص الأدبي وتجعله كاشفاً بدوره عن الأنساق الثقافية الكامنة، أو بمعنى أدق اللاواعية. وعن طريق وجهة النظر هذه يتم توجيه النص ليصبح نتاج أو صنيعة البنية الثقافية العميقة ـ وهذا شكل آخر من أشكال موت المؤلف ـ دون الاهتمام بالدور الجمالي الذي تلعبه الأنساق الثقافية داخل النص.
فمنهج النقد الثقافي ـ حسب المؤلف ـ حاول ألا يفصل بين الأدبي والجمالي، وهو ما حاول بدوره توضيحه في الكتاب، مع مقدمة وافية للأصول الفلسفية والاجتماعية للنقد الثقافي، سواء في مدرسة فرانكفورت، وصولاً للتطورات من خلال ما بعد البنيوية الفرنسية والنقد اليساري الأمريكي، أي.. بعيداً عن ماركسية فرانكفورت. وبخلاف التأثير الجمالي للنسق الثقافي على النص الأدبي ـ وحسب مقدمة الكتاب ـ تبدو الإشكالية التي طرحها الناقد عبد الله الغذامي في كتابه «النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية» حيث طرح مفهوم النقد الثقافي بوصفه بديلاً عن النقد الأدبي، فالنقد الثقافي وفقاً لتصور الغذامي أداة لنقد الخطاب وكشف أنساقه، فالنقد الأدبي، حسب الغذامي ـ أوقعنا في حالة من العمى الثقافي التام عن العيوب النسقية المختبئة تحت عباءة الجمالي، دون أن يذكر ما هي المعايير التي تحدد المعيب من غير المعيب، وهل تنتمي هذه المعايير إلى الاجتماعي أم إلى الأدبي؟
شخصية الناقد
من جانبه رأى الناقد محمد فكري الجزار أن النقد الثقافي لكونه ليس مدرسة محددة المعالم بعد، فهو يعتمد على شخصية الناقد وثقافته وطريقة تناوله للنص وقضاياه، وبما أنه يستمد أدواته من عدة مدارس نقدية سابقة، دون التقيد بما انتهت إليه، فهو منفتح على التأويل والعلوم الإنسانية كافة المحيطة بالأدب. وبالتالي فالكتاب استطاع تأكيد فكرة أن النقد الثقافي ــ وفق وجهة نظر تتجاوز ما بعد الحداثة ـ يعود إلى الربط بين النص ومحيطه الثقافي الذي أُنتَج من خلاله.
الوحدة الثقافية
وفي الأخير أشار الناقد صلاح السروي، إلى أن الكتاب في مجمله يؤكد الوحدة الثقافية للنص، من حيث اللغة الأدبية والجماليات الثقافية التي تحيطه، دون الاقتصار على جانب دون آخر، وهو بذلك إضافة إلى فكرة النقد الثقافي وأدواته، ومحاولة تجنب بعض القصور الذي رافق هذا الشكل النقدي في المؤلفات العربية السابقة.