علي شريعتي (قرية مزينان قرب مشهد 1933/لندن 1977) الذي ورث عن والده المعرفة والميول الثورية المصطبغة بصبغة اليسار، ذلك الطالب الذي انضم إلى الثوار احتجاجا على إسقاط المخابرات الأمريكية لحكومة مصدق، والذي درس علم الاجتماع في باريس، وتعرف على اليسار والوجودية، وتبادل رسائل مع إيمي سيزار وفرانس فانون، ووقف مع المثقفين التقدميين المناصرين للكفاح الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ما دفع بالسافاك (المخابرات الإيرانية) إلى ملاحقته ثم سجنه، لما عاد من فرنسا، وتدخل هواري بومدين لدى الشاه للإفراج عنه عرفانا بوقوفه مع الثورة الجزائرية.
هذا المسار النضالي والروح الثورية التقدمية تكشف عن مثقف كرّس قلمه وصوته وحياته من أجل التغيير، أو فلنقل الثورة من أجل واقع أفضل.
أعجب شريعتي بأفكار اليسار، لكنه صبغها بالصبغة الإسلامية، ونقّب في التراث الإسلامي عن مواقف وأفكار لا تختلف عن التوجهات اليسارية الناشدة للعدالة الاجتماعية والمساواة، هكذا ترجم أبا ذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار، بدل الدعوة إلى الوجودية، وترجمة «الوجود والعدم» لسارتر مثلا، كما يفعل بعض المنبهرين بالثقافة الغربية، إلى حد الانسلاخ من جلدتهم، ووجد في الحسين وفي مبدأ الشهادة مرتكزا لأفكاره وعقيدته فالمثقف الثوري أو الأيديولوجي، هو الذي يحرك الناس من أجل التغيير واجتثاث الواقع الفاسد والنهوض في وجه الإقطاع السياسي والديني، اللذين تحالفا على تخدير الشعب وغسل أدمغته حتى يرضى بالواقع الفاسد وينصرف عن الدنيا، مقبلا على الآخرة فقط، نتيجة لنشر الساسة بمعية رجال الدين «الملالي» مثلا أو الوعاظ عموما، الأفكار التي تخدم مصالحهما وتبقي الواقع على ما هو عليه من أمية وتفاوت طبقي واستغلال، وتغييب للإنسان كقوة فاعلة واعية مساهمة في البناء الاجتماعي والحضاري. يقول إبراهيم الدسوقي شتا في مقدمة ترجمته لكتاب «العودة إلى الذات»: «كان يستطيع آنذاك أن يكون أستاذا مثل بقية الأساتذة، مفكرا مزيفا ودليلا متطوعا للتنوير والتغريب. أما شريعتي وبدلا من أن يقوم بترجمة الوجود والعدم لسارتر، ترجم «سلمان الفارسي» لماسينيون، وبدلا من أن يكتب عن أقطاب الغرب كتب عن أبي ذر الغفاري».
يوصف علي شريعتي بالمثقف الأيديولوجي، وهذا القول صائب لكن أيديولوجيا علي شريعتي ليست الأيديولوجيا القومية، أو القطرية الضيقة، أو اليسارية التي تتحجر وتنغلق على ذاتها وأفكارها، وترفض الآخر منكرة حق الاختلاف والتمايز، فهو مثقف أيديولوجي يتبني القيم الإنسانية من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية ومساواة، ويقدرها حيث وجدها في الشرق أو الغرب، لكنه يصبغها بصبغة الإسلام وهذا حقه وليس انغلاقا دغمائيا أو تحجرا، فهو المثقف الاثنا عشري، الذي ندد بالخلاف السني الشيعي الذي وصل إلى حد الاحتراب، ولأنه لا يخدم إلا قوى استعمارية في الخارج، واستبدادية في الداخل، وانتقد التشيع الصفوي والتسنن الأموي وسمح لنفسه بالعودة إلى مراجع سنية في إعداد خطبه، التي صارت كتبا، إيمانا بضرورة التقريب بين المذاهب، وبدل الاختلاف الذي يصل إلى حد الاحتراب، وهذا موقف كل مثقف يرى مجتمعه غارقا في الجهالة والفقر والتخلف والاستبداد، يتحول إلى عاصفة أو كتلة من لهب، يحرك ويرج ويزلزل من أجل الثورة والتغيير، وهي خطوة لازمة لتغيير المجتمع، ألم يلح المفكرون اليساريون على العنف الثوري مثلا كحتمية للتغيير؟
يوصف علي شريعتي بالمثقف الأيديولوجي، وهذا القول صائب لكن أيديولوجيا علي شريعتي ليست الأيديولوجيا القومية، أو القطرية الضيقة، أو اليسارية التي تتحجر وتنغلق على ذاتها وأفكارها، وترفض الآخر منكرة حق الاختلاف والتمايز.
صحيح هو مثقف عضوي يتخذ الموقف المعياري الذي يقيس عليه كل الظواهر السياسية والدينية والاجتماعية، لكنه ليس مثقفاً متصلباً منغلقاً على أطره الفكرية والمذهبية رافضاً لحق الآخر ولحق الاختلاف.
تماشيا مع روحه الثورية المتعطشة للشهادة أسس «حسينية الإرشاد» عام 1969 مع مرتضى مطهري، ومعظم كتبه التي تقرأ اليوم هي في الأصل خطب في الحسينية، تم تفريغ الأشرطة وتدوينها على أوراق أعدت كتبا: «النباهة والاستحمار» «دين ضد الدين» «مسؤولية المثقف» «العودة إلى الذات» «التشيع الصفوي والتسنن الأموي» ولذا توصف كتابات شريعتي بالبساطة إلى حد السطحية بالقياس إلى كتابات مطهري، فقد غلب عليه أسلوب الخطيب الذي يتجه إلى الناس كافة، يهتم بالتحميس والتجييش وتحريك الجماهير من أجل الثورة، في الوقت نفسه، مع الشرح والتفسير حتى قيل عنه إنه «المنظر الأساسي للثورة الإيرانية».
وفي رأيه أن العالم الإسلامي وهو لا يقصد العالم الشيعي وحده، بل السني معه، محتاج إلى ثورتين أولاهما، سياسية تجتث أخطبوط الاستعمار والاستبداد السياسي، وثانيتهما ثورة اجتماعية تجتث أخطبوط الفقر والأمية وغياب الوعي والعدالة واللامبالاة، من أجل ذات مندغمة في مجتمعها فاعلة ومؤثرة، ومن أجل ذلك كرّس نفسه من أجل فضح التعاون الوثيق بين الاستبداد السياسي والكهنوت الديني، حيث نشرا في الناس أفكارا مريضة مثل الزهد والإقبال على الآخرة فقط، وترك الحياة للفاسدين والإقبال على التدين الطقوسي. فهو يقول إنه إذا اشتعل بيت جارك، أو حيك، ووجدت من يدعوك إلى صلاة ركعتين أو ترديد ورد، فاعلم أنها دعوة خائن، فإن الأولى هو إطفاء الحريق، وهي استعارة لحريق الروح والفكر والوجدان وتخدير الوعي، وغسيل الأدمغة بالأفكار المضللة التي نشرها الساسة ووعاظهم من رجال الدين، وهذا ما فضحه وشرحه في كتابه «النباهة والاستحمار» – حيث يقترب من المفكر الجزائري مالك بن نبي في طرحه عن القابلية للاستعمار ـ وقد نشروا أفكار الزهد والاستخذاء والبلاهة والبلادة واللامبالاة وكأن الإنسان تحول إلى حمار من أجل الاستخدام فقط بدل النباهة والشجاعة والحرص على الحقوق والدفاع عنها، فالفوز في الآخرة حسبه مشروط بالفوز في الدنيا علما وعدالة وحرية وكرامة ومساواة يقول: «إن إسلامنا دون رجال الدين هؤلاء سيرجع أصيلا سليما كما هو اقتصادنا دون نفط». وآية ذلك كله أن علي شريعتي حرّك الجماهير، ومات شهيدا في لندن قبل أن يرى الثورة، لقد عانى كثيرا في حياته وتعذب وقاسى وسجن ونفي وحرم، وهو نفسه في كتابه «مسؤولية المثقف» يرى أن المثقف هو المغير والثائر والمشغول بالشهادة، حيث لا يتصالح مع الاستبداد ولا مع الاستحمار والكهنوت، ومن أراد أن يعرف مقدار التشريد والنفي والعذاب الذي لقي الرجل المناضل الأيديولوجي، كما يوسم فليقرأ سيرته التي كتبتها زوجته بوران شريعت رضوي.
بينما يوسم علي الوردي (الكاظمية 1913/بغداد 1995) بالمثقف النقدي وهو رجل أكاديمي يوصف بعالم الاجتماع، وكانت أطروحته للماجستير في جامعة تكساس عن ابن خلدون، وهو يتبنى الموقف المعرفي الذي هو سمة المثقف النقدي المتسم بالموضوعية، وعدم الركون إلى الأيديولوجيا فهاجسه معرفي وروحه موضوعية بحتة، إنه باحث عن الحقيقة مدرك لطبائع البشر وفلسفة الحياة القائمة على التنازع، انصرف علي الوردي إلى تحليل الواقع العراقي ودراسة الشخصية العراقية، ما سبب له هجوما من قبل القوميين من أجل مسميات قطرية وطنية في كتبه مثل «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» أو «شخصية الفرد العراقي» فالقوميون يرون الشخصية العربية متشابهة، متعالين على الوقائع والحقائق الاجتماعية والأنثروبولوجية. والماديون يهاجمونه لأنه لا يتبنى وجهة النظر المادية في دراسة الوقائع الاجتماعية.
إن هاجسه معرفي بحت يتوسل بالمعارف الاجتماعية والأنثروبولوجية والنفسية لخدمة أغراضه، بعيداً عن الدعاية أو التجييش والتحميس، ويكشف بذلك المتناقضات.
تتميز كتابات الوردي بروح التهكم والسخرية، وهو بلا شك متأثر بالجاحظ ذي الروح الموضوعية والموسوعية والتهكمية في آن معا، وبابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وكان يقول عن نفسه «أنا مسلم فقط بلا مذاهب» وإن كان يرى أن مذهب زيد بن علي أقرب المذاهب إلى نفسه، وإلى حقيقة وروح الإسلام، دون تعصب أو انغلاق وتحجر ونبذ للآخر وإلغاء له، وكانت كتاباته مزعجة للسلطة الحاكمة، فقد سحب منه لقب أستاذ متمرس كما سحبت كتبه، ولاقى العنت والفقر والتضييق وهذا شأن كل مثقف نقدي لا يقترب من السلطة ولا يمالئ الجماهير، شأن وعاظ السلاطين الذين انتقدهم في كتاب مشهور بهذا الاسم، وفضح كيف تعاونوا مع الاستبداد على تخدير الجماهير وتخدير الوعي، وتكريس دين يهادن الإقطاع، ويبرر الفساد والطغيان والعبث بالمال العام، وإقصاء الفرد المسلم من الشؤون السياسية، واعتبار السياسة حكرا على الخليفة ونسله (الدين السلطاني).
تتميز كتابات الوردي بروح التهكم والسخرية، وهو بلا شك متأثر بالجاحظ ذي الروح الموضوعية والموسوعية والتهكمية في آن معا، وبابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وكان يقول عن نفسه «أنا مسلم فقط بلا مذاهب».
كما يعتبر رائد النقد الثقافي في كتابه «مهزلة العقل البشري» الذي انتقد فيه طريقة كتابة التاريخ الإسلامي، المتسمة بالرومانسية حينا، وبالطوباوية والأفلاطونية حينا آخر، وبالتزييف والتزوير في أغلب الأحايين بطلب من النخبة السياسية الحاكمة وعصبها، كما فضح تجاوزاتهم. فالتاريخ حسبه يكتبه المنتصر، سواء أكان أمويا أم عباسيا، ولفت الانتباه إلى قضايا مهمة في تناوله بعض رجال الإسلام الأولين، وبيان أخطاء بعضهم ومنازعهم ورغباتهم الخاصة في السلطة، أو الحياة المترفة وسيطرة العصبية القبلية عليهم، وبالطبع هم غير معصومين وبشر محكومون بجدلية المثال والواقع، وهذا لا يرضي عبدة الأشخاص ورومانسيي التاريخ وأفلاطونييه من وعاظ الساسة طبعا.
وهو لا يقدم نفسه فيلسوفا تنويريا، ولا مثقفا نخبويا يعيش في برج عاجي ولا أكاديميا يتقعر في مصطلحاته، ولا هاديا وبشيرا، بل باحثا عن الحقيقة ملتمسا لها في الوقائع الاجتماعية، مدركا لنقائص النفس الإنسانية وصراعاتها وجدليات الحقائق والمعطيات، يفعل ذلك بهدوء ويتقبل النقد ويحرص عليه، كما فعل في تحليل شخصية الفرد العراقي وكشف عن طائفيته التي حذر منها ودعا إلى الديمقراطية كحل للطائفية في العراق «أرض الرافدين» حيث الحضارة بقرب الماء، القريب من الصحراء حيث العطش والبداوة وانعكس ذلك على شخصية العراقي ونفسيته المتسربلة بسربال البداوة والحضارة معا. وانتقد كذلك الوعظ الأفلاطوني، كما سماه، الذي يريد التغيير دون إدراك لحقائق علم النفس والاجتماع ونواقص النفس البشرية ونوازعها المتضاربة، بعيدا عن الواقعية والموضوعية ولهذا فشل هذا الوعظ، بل زاد الطين بلة والطنبور نغمة والنار تأججا، خاصة بين الشيعة والسنة.
لم يكن داعية، بل باحثا ينظر إلى حقائق التاريخ والاجتماع نظرة موضوعية، تحدوه روح البحث عن الحقيقة والإخلاص لها خارج أسوار الجزم واليقين والإلغاء والتعالي، ولم يكن يوما كاتب ومفكر الأبراج العاجية، ولا شك في أن في كتاباته بعض النقص وبعض الخطأ ووجهة النظر الذاتية، التي لا يمكن أن تكون حقيقة نهائية فإنكاره لشخصية عبد الله بن سبأ مثلا إلغاء للمصادر التاريخية، وركون إلى خيال سينمائي جميل لكنه ليس الحقيقة.
إذا كان علي شريعتي مثقفا أيديولوجيا أو ثوريا همه الدعاية والتنوير والتثوير، مشغولا بالشهادة من أجل إحداث الانقلاب السياسي والاجتماعي والثقافي والتاريخي، فهو موقف ضروري في المجتمعات الإقطاعية التي تحتاج إلى مثل هذه الزعزعة والرجة والتحميس والتجييش، حتى إذا حدث ذلك التغيير واستقر المجتمع على النهج الجديد، احتاجت ثورته إلى التقييم والنقد الذاتي والنظر في تاريخه وواقعه، نظرة نقدية بروح موضوعية بعيدا عن أسوار الأيديولوجيا، وسقوف الجزم واليقين بروح العلم والتجرد من الهوى والإخلاص للحقيقة، وهذا ما فعله علي الوردي فكتاباته تكملة لكتابات شريعتي، لأن الواقع الذي عاشه شريعتي واهتم بتغييره، سواء شيعيا كان أم سنيا، هو غير الواقع الذي عاش فيه علي الوردي، واهتم بتشريحه ودراسته وتبيان وجوه النقص والطمس والحجب والتناقض والتزييف، تماما مثل ما يفعل العالم في المختبر وهو يحلل مادة تحليلا مخبريا. وكلا الموقفين لازمين للمجتمعات في سيرورتها، لكن موقف شريعتي الأيديولوجي سابق وموقف الوردي النقدي لا حق وتال.
كاتب جزائري
شكرا للكاتب على هذا البحث المميز. ونحن اليوم في امس الحاجة الى مفكرين من امثال علي شريعتي و علي الوردي. وللاسف فإن بعض مثقفينا الذي ابتهروا بالحضارة الغربية نادوا بالقطيعة مع تاريخنا عوضا ان ينضبوا من مخزوننا الثقافي الغني والكبير. اتمنى ان يعير ذوو الأمر في البلاد العربية والإسلامية اهتماما اكثر بمنهج علي شريعتي التوافقي والمبني على تفهم للفكر الغربي دون اهمال مخزوننا الثقافي.
قرأت المقال الذي كتبه الأستاذ إبراهيم مشارة،وعنوانه(علي شريعتي وعلي الوردي..) المنشور في صفحة(ثقافة) من جريدة (القدس العربي) يوم الخميس ٢٧ من مايس ٢٠٢١، وأود التعليق على مسألتين؛ الأولى، قول الأستاذ إبراهيم عن الوردي مانصه: ماسبب له هجوما من قبل القوميين من أجل مسميات قطرية وطنية في كتبه مثل (٠٠) فالقوميون يرون الشخصية العربية متشابهة، متتالين على الوقائع والحقائق الإجتماعية والأنثروبولوجية”
قلت:يجب أن لا يطلق الكلام غائما حمال أوجه، ونحن في حظرة البحث،الذي يجب أن تسامى إلى درجة التقديس، فالقوميون ما ناقشوه لهذه الأسباب العائمة،بل لقولته: إن ثورة الثلاثين من حزيران ١٩٢٠ في العراق ضد الإحتلال البريطاني للعراق، كانت أقرب إلى هبة عشائرية دينية،موردا الواقعة الآتية: إن الثوار هاجموا قطارا يقل ساسة بريطانيين، وكادوا يستولون عليه، إلا أن الذكاء البريطاني الماكر تفتق عن رمي النقود الذهبية على المهاجمين، فانشغلوا بها وتركوا القطار، وهو ما كتبه في أحد أجزاء كتابه (لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث) وهو أول كتاب يطبع في العراق واظن في الوطن العربي بعشرة آلاف نسخة، فثارت ثائرة بعض الكتاب عليه،سنة ١٩٧٣ ،ولعل فيها شيئا من حسد وغبط.
المسألة الثانية، قول الأستاذ إبراهيم: ولا شك في أن في بعض كتاباته بعض النقص وبعض الخطأ، ووجهة النظر الذاتية التي لا يمكن أن تكون حقيقة نهائية، فانكاره لشخصية عبد الله بن سبأ مثلا إبطال للمصادر التاريخية، وركون إلى خيال سينمائي جميل، ولكنه ليس الحقيقة.
قلت: حين تضطرب المرويات وتتصادم، يتسرب الريب إلى الباحث المدقق الرصين، وحين تنسب إليه أعمال تقترب من الخوارق، يتأكد الشك ويتصاعد، وابن سبأ الشخصية الوهمية التي ابتدعها خيال بعض الرواة ولا أقول المؤرخين،هو من هؤلاء المرتاب فيهم!
ترى هل لم يتسرب إلى بعض مصادرنا التاريخية هوى أو بعض هوى واهواء!
وللتاريخ ادون هذه الواقعة، التي ماعاد يعرفها إلا القليل لبعد العهد بها، صيف سنة ١٩٦٠ طلب التلفزيون العراقي تقديم ندوة ثقافية أسبوعية عند التاسعة مساء كل جمعة،وتبث على الأثير مباشرة، لعدم اختراع أجهزة التسجيل وقتذاك، فكانت الناس تتجمع أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في صالحية كرخ بغداد، وإذ يخرج علي الوردي من مبنى التلفزيون، كان يقابل بالود والاحترام من متقبلي طروحاته، في حين كان يوجه له لاذع الكلام وبذيء التصرف من آخرين، فاضطرت إدارة التلفزة العراقية- وقد تكرر ذلك- إلى إلغاء ذلك الطقس الحضاري.