الكتابة عن العالم الكيميائي الأمريكي الفائز بجائز نوبل للكيمياء للعام الحالي 2018، في سياق المقال عن «روائي الخزي والعار» يوسف زيدان، كان الغرض منها هو المقارنة فقط، ولكنني وجدت أن في المقارنة إجحافا كبيرا وانتقاصا من حق الكيميائي الأمريكي، الذي يعجز اللسان عن وصف مواقفه وأخلاقياته وإنسانيته وعقيدته.
فصاحب رواية «عزازيل» التي نقلته إلى عالم الشهرة والأضواء عربيا وعالميا، بدلا من أن يستغل هذه الشهرة في خدمة قضايا وطنه، ويحمل هموم شعبه، ويخدم الحق والعدل في العالم، راح يجيرها لحسابه الخاص. ويشكك في معتقدات شعبه الدينية، عبر الخوض في التاريخ. وهنا نتحدث عن هرطقاته بشأن المسجد الأقصى المبارك والتشكيك بالرواية القرآنية عن الإسراء والمعراج، فهذه قضايا أشبعت نقاشا. ولن أعود مجددا إلى ما قاله وأعلنه، كما لن أخوض في إعلانه عن رغبته الدفينة في زيارة إسرائيل التي وصفها بالعدو العاقل.
وسأسمح لنفسي القول بأن زيدان هذا يعمل ويتحرك ضمن مخطط أشمل وأوسع، هذا الزيدان سبق الرئيس الامريكي دونالد ترامب بسنوات في محاولاته لإسقاط ملف القدس من على طاولة المفاوضات النهائية، بالحديث عن حق اليهود بها وبالمسجد الأقصى.
هذه المقدمة كانت ضرورية للحديث عن عالم كيميائي، من دون المقارنة، فهذا العالم الأمريكي، رغم فوزه بجائزة نوبل للكيمياء لهذا العام بالتقاسم مع عالمين آخرين، إلا أنه لا يحب هذا اللقب، ويفضل دوما أن يعرّف نفسه، بأنه إنسان مناهض للصهيونية، وداعم للقضية الفلسطينية ولحركات مقاطعة إسرائيل، ولعل هذا ما يفسر تعرضه لهجوم كاسح من صحف إسرائيلية يمينية على وجه الخصوص، لا سيما عقب إعلان فوزه بجائزة نوبل.
فمن هو هذا العالم الكيميائي الأمريكي؟ إنه جورج سميث البالغ من العمر77 عاما من جامعة ميسوري، اختارته الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، مع عالمين كيميائيين آخرين، هما الأمريكي فرانسيس أرنولد، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي فاز بنصف الجائزة، بينما تقاسم سميث النصف الآخر مع البريطاني غريغوري وينتر، من مختبر علم الأحياء في جامعة كامبريدج البريطانية الشهيرة، وذلك لتطويرهم «أنزيمات وأجسام مضادة قادت لإنتاج وقود حيوي وأدوية علاجية». في سيرته الذاتية المسجلة على موقع مناهض للصهيونية، وهو الموقع ذاته الذي نشر فيه سميث مقالاته خلال السنوات الست الماضية، حول الصهيوينة والقضية الفلسطينية، لا يتطرق جورج سميث إلى إنجازاته كعالم كيمياء، بل يشير في المقام الأول إلى أنه «داعم لحركة العدالة في فلسطين» وهي حركة تأسست داخل جامعة ميسوري الأمريكية. كما يعرّف نفسه بأنه «ناشط في حركة الصوت اليهودي من أجل السلام (وهي منظمة أمريكية تركز على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني)»، وهي تعريفات تعبر عن توجهاته ووجهات نظره في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، واستطاع خلال السنوات القليلة الماضية أن ينشّط حركات مقاطعة إسرائيل ويعيد تفعيلها. في وقت تشهد فيه حربا شعواء من جانب اسرائيل، التي شكّلت دائرة خاصة في وزارة الشؤون الاستراتيجية مدعومة بكبار القانونيين لإيجاد أفضل السبل لمحاربة حركة المقاطعة التي تعرف عالميا باسم «BDS». والحد من توسعها، ورغم ذلك فإن «BDS» تواصل الزحف في أوساط الشباب وطلبة الجامعات، وإن يكن ببطء، من غرب الولايات المتحدة وحتى شرقها.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، اتهم سميث، المؤسسات السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، بالوقوف بقوة منذ 70 عاما، إلى جانب «الرصاص»، في ما يتعلق بالوضع في غزة، وذلك في إشارة إلى انحياز تلك المؤسسات للجيش الإسرائيلي واستهدافه للمدنيين الفلسطينيين بالرصاص الحي، خلال مظاهراتهم. وجاء الاتهام في مقال له بعنوان: «غزة.. الماضي والحاضر»، نشرته صحيفة «كولومبيا ديلي تريبيون» المحلية في ولاية ميسوري. وقال سميث في مقاله أيضا: «يمكن للناس الآن معرفة حقيقة الأمر في إسرائيل ـ فلسطين، من مصادر بديلة، ولتزايد أعداد حملات المقاطعة الدولية لإسرائيل التي يدعو من خلالها المجتمع المدني الفلسطيني، الضمير العالمي لنبذ الشراكات التجارية مع إسرائيل». ويتهم إسرائيل بـ»القمع المنظم وتعمد نزع ملكية الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية». ومن الأقوال التي يعتز بها العالم الأمريكي أيضا، وصفه في الذكرى المئوية لوعد بلفور البريطاني المشؤوم، في العام الماضي، بـ»فصل خسيس في الظلم الاستعماري الاستيطاني». ويصف تأسيس دولة إسرائيل بأنه «الجزء الأكثر خجلا في التاريخ اليهودي»، ويعتبر ما تفعله إسرائيل في فلسطين «استعمارا لأراض فلسطينية محتلة». ونشاطه هذا جعله هدفًا للجماعات الموالية لإسرائيل، لكنه يقول لمستهدفيه إنه لا يعارض اليهود، ولا اليهود الذين يعيشون في فلسطين، بل ببساطة يرفض سيادة عرق اليهود على الأعراق والشعوب الأخرى».
وبمجرد الإعلان عن فوزه بالجائزة، شنت وسائل إعلام إسرائيلية هجوما على جورج سميث، واصفة إياه بأشد مناهضي الصهيونية، وأحد الداعمين لحملة المقاطعة الدولية لإسرائيل «BDS»، وتنسب له مقولة إن «مناهضة الصهيونية هي حركة عدالة اجتماعية من أجل المحرومين والمضطهدين». وعلى صفحات موقع يحمل اسم «بعثة الكناري» تم تأسيسه عام 2015 لنشر قوائم بأسماء الطلبة والأساتذة الأمريكيين المناصرين لفلسطين، الذين يؤيدون سحب الاستثمارات من إسرائيل، ورد اسم جورج سميث كمعادٍ للصهيونية، وأحد متهمي إسرائيل بـ»التفرقة العنصرية، وإنشاء سجن مفتوح في قطاع غزة، وتنفيذ محرقة ضد الفلسطينيين». وحسب تقارير إعلامية، فإنّ الحكومة الإسرائيلية تستخدم البيانات التي ينشرها هذا الموقع، للتحقيق مع المواطنين الأمريكيين الزائرين لإسرائيل، ومنعهم من الدخول، إن كانوا من أنصار حملة المقاطعة الدولية، التي يعد سميث من أبرز أعضائها، إلى جانب شخصيات أكاديمية من أمثال الفيلسوف نعوم تشومسكي. وها نحن نشهد هذه الأيام نموذجا حيا وهي لارا القاسم الشابة الأمريكية الفلسطينية الأصل التي تمنعها إسرائيل من دخول مسقط رأس والدها بتهمة عضوية «BDS».
وبعيدا عن السياسة فإن جورج سميث، من مواليد 1941، حصل على البكالوريوس من جامعة هارفارد في علم الأحياء، والدكتوراه في علم الجراثيم، وهو متخصص في الكيمياء الحيوية في مجال الأبحاث عن البروتينات، واستطاع تطوير طريقة تعتمد على استخدام الفيروس الذي يصيب البكتيريا لإنتاج بروتينات جديدة، ما أهله للحصول على جائزة نوبل. وهذا يقودنا إلى التساؤل: ألم يكن بإمكان هذا العالم أن ينعم بالإنجازات التي حققها لخدمة الإنسانية، وينسى القضية الفلسطينية التي تسبب الصداع لكل شخصية عامة تقف إلى جانبها، خاصة في الولايات المتحدة التي لا تنعدم فيها اللوبيات الصهيونية الموالية لإسرائيل وتضم أكثرها صهيونية ونفوذا؟. ولماذا يصر سميث على الإمساك والتمسك بالقضية الفلسطينية في زمن القابض عليها كالقابض على الجمر، خاصة في أمريكا ترامب والثالوث الصهيوني، جاريد كوشنر وجبسون غرينبلات وديفيد فريدمان». ولماذا يفضل أن يقدم نفسه للآخرين، لا كعالم في الكيمياء ولا حائز جائزة نوبل، بل كمناهض للحركة الصهيونية ومؤيد للقضية الفلسطينية. ويفسر ذلك بالقول إنه ينطلق من قاعدة إنه إنسان، نعم إنسان حي الضمير يقف مع الحق ضد الباطل، يقف مع العدل ضد الظلم ويشعر بمظالم الآخرين، في زمن يتهرب منها أقرب المقربين ومن يفترض أن يكونوا في الصفوف الأولى من المدافعين عنها، قضية حق وعدل. أولا: عدالة القضية الفلسطينية وإنسانية الإنسان وأخلاقياته، وهذا شيء مهم، لا يقدره أمثال يوسف زيدان والمتأسرلين. وثانيا: رفض الظلم في أي مكان كان. ثالثا: الضمير الحي الذي يفتقده هؤلاء. رابعا: الجرأة في قول الحق. خامسا: غياب المصلحة الخاصة. سادسا غياب الرغبة بالشهرة والبحث عنها. سابعا المواقف السياسية الأخلاقية.
وأختتم بالقول ما أجمل الإنسان الواثق من نفسه، الإنسان الذي يمارس إنسانيته بحرية بعيدا عن المصلحة الذاتية والاجندات الخفية، وما أجمل من تواضع عندما يكون التواضع عن مقدرة ومعرفة وعلم مثل جورج سميث، وما أقبح الإنسان المدعي الكاذب والمنافق والطماع، الذي تقوده المصالح الشخصية الذاتية والأجندات الخفية، من أمثال «الروائي والفيلسوف والبروفيسور والمحاضر العام والمؤرخ المتخصص بالدراسات العربية والاسلامية» يوسف زيدان، وهذا هو الفرق بين الهامات والقامات العالية والعمالقة وبين الأقزام.
*كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
رائع جدا
عافاك الله …اخي علي الصالح ,لقد اشدتَ فاجدت , ووصفت فانصفت !! وقارنت آآآه…كما يقولون عندنا في فلسطين (اين كلبك والغزال) لا يمكن مقارنة الصالح بالطالح , ولا المستوي بالملتوي , ولا المرتزقة من اجل المال كالمناضلين من اجل احقاق الحق؟!!
ان امثال جورج سميث كثيرين , لانهم ينهجون بحسب ما يملي عليهم ضميرهم لمساندة المستضعفين !!!وهذا هو الفرق مابين سميث وبلفور على سبيل المثال!! هذا البلفور خلق حالة من المعاناة بكل اشكالها لملايين الفلسطينيين قبل قرنٍ من الزمن , وهذا العالم الانساني الاخلاقي شعر ان الانسانية طعنت في الصميم ويجب الاستماتة في جعل هذه الطعنة صرخة سلام وهمسة عتاب , لكل المخادعين والمراوغين والمنافقين والاوغاد , ويوسف زيدان من هذا الصنف الطغام!!
كثرة الاهتمام بالاحمق لا يجدي وعدم الاكتراث له هو النهج الذي يجب على امثالك اخي علي الصالح انتهاجه مع تحياتي والسلام.