مع تصاعد أسعار المواد الاستهلاكية في المغرب، بشكل صاروخي غير مسبوق، ليس ثمة أجمل من انشغال الناس ببعض المواضيع «الناعمة» حتى ينسوا نكد الحكومة معهم.
وكذلك فعل فريق البرنامج التلفزيوني المغربي «45 دقيقة» الذي لم يجد من قضية ذات أولوية وراهنية غير «التجميل في المغرب» وذلك سيرًا على «السُّنّة غير الحميدة» المنتهجة في مناطق عدة من البلاد، والمتمثلة في الاكتفاء بتزيين واجهات المدن ومداخلها، عملاً بالمثل الدارج «آ المزوّق من برّا آش اخبارك من الداخل؟» (ما مفاده وجود تناقض بين الظاهر والباطن).
الفكرة المحورية التي دافع عنها البرنامج في حلقته الأخيرة، يمكن تلخيصها في العبارات التالية: «إذا أردتم أن تجروا العمليات التجميلية على أجسادكم، فاتّجهوا إلى الأطباء المختصين، ودعوا مراكز التجميل وصالونات الحلاقة، لأنها خطر عليكم.» وكان النصيب الأوفر من المداخلات والتصريحات لصاحب مصحة مختصة في المجال، فيما يشبه الدعاية المجانية له. وحين سُئل عن ثمن بعض العمليات، راوغ في إعطاء الجواب المضبوط، قائلا إنها يمكن أن تبدأ بـ 300 درهم (حوالي 30 دولار أمريكي) لتصل إلى 30 ألف درهم (3000 دولار).
لو أنجزت الحلقة الجديدة من برنامج «45 دقيقة» قبل ستة أشهر من اليوم، لكان بطلها بدون منازع شخص آخر غير الذي ظهر في التلفزيون ونال حصة الأسد من الكلام. يتعلق الأمر بمالك مصحة خاصة في الدار البيضاء، كان أشهر من نار على علم في مجال التجميل، من كثرة ظهوره على شاشات التلفزيون والمواقع الإلكترونية وقنوات «اليوتيوب» وصفحات التواصل الاجتماعي الافتراضية.
بيد أن الحظ العاثر، عوض أن يقوده إلى أضواء التلفزيون مجددا، رمى به هو وزوجته المصون وبعض معاونيه في زنازين الاعتقال الاحتياطي على ذمة التحقيق، بتهمة استغلال أطفال ومحتاجين في جمع الأموال الباهظة، تحت ذريعة مبادرات إحسانية وطبية وتجميلية.
تقول المصادر إن المعني بالأمر ما كان ليُعتقل ويقدم إلى المحاكمة لولا أن بعض «ضحاياه» في النصب والاحتيال شخصيات توجد في مواقع متقدمة من السلطة. وإذا ثبتت التهم في حق الطبيب الذي كان يظهر وديعا، فكم من «عمليات تجميل» يحتاجها لتنظيف سيرته أمام الناس، بعدما صار حديث القاصي والدّاني؟!
التشويق المفقود!
نعود إلى الحلقة الأخيرة من برنامج «45 دقيقة» لنشير إلى أنها كانت ستبدو أكثر تشويقا لو استضافت وجوها من الوسط الفني والإعلامي وكذا من الوسط السياسي، ممن خضعوا لعمليات تجميل، أملا في كسب المزيد من المعجبين والمعجبات.
لكنْ، إذا كانت تركيا وجهة مفضلة لدى العديد من الراغبين والراغبات في إصلاح ما أفسد الزمان أو البحث عن جمال يحاكي أبطال الأفلام والمسلسلات العالمية، فإن برنامج «45 دقيقة» حاول التقليل من أهمية هذه الوجهة، بل وتشويه صورتها، من خلال جعلها مقترنة بمحترفي النصب والخداع. على سبيل المثال والطرافة والتنويع، كان في إمكان الحلقة أن تستضيف سياسيين مغاربة، جعلوا من فترة الحجر الصحي المرتبطة بـ»كورونا» فرصة لتغيير اللوك (المظهر) عبر استنبات الشعر في صحراء الصلعة! كما كان في إمكانها أن تستضيف نساء حالمات بالوجه البديع والقوام الممشوق، اتجهن إلى بلاد «أردوغان» لكنهن لم يستطعن إكمال حصص التجميل بسبب إيقاف الرحلات الجوية، فصار بعضهن يخشين على أنفسهن من وجه «الحطيئة» وجسد «غوريلا»!
فريق برنامج «45 دقيقة» لم ينوع مادته بالكشف عن الإيجابي والسلبي في عمليات التجميل، فكان أليق بالحلقة أن تحمل اسم «مادة إعلانية» بما أنها عملت على الترويج لإحدى أشهر المصحات الخاصة في هذا المجال!
إلهاء وتخدير!
ظاهرة أمست لافتة للانتباه في المغرب: حين تُنقل مباريات كرة القدم على الشاشات، لم تعد المقاهي تمتلئ بالشباب والرجال فحسب، بل أصبحت زوجات يرافقن أزواجهن وأبناءهن، ويعشن معهم الأجواء نفسها، رغم دخان السجائر الذي يملأ الأجواء، ورغم بعض العبارات الصادمة التي تنفلت من أفواه مشجعين، من فرط الحماس.
إنه سحر «البالون المنفوخ» يا سادة! لا سيما حين يقترن بالشعور الوطني، هذا الشعور الذي لا يتقوى غالبا سوى في كرة القدم، للمفارقة! وكأن الوطنية لا توجد سوى في هذه الرياضة الشعبية. مع العلم بأن التوصيف لا يقتصر على المغرب فقط، وإنما يشمل العديد من البلدان.
لذلك، كانت المباراة التي جمعت فريق «الوداد» المغربي في نادي «الأهلي» المصري برسم نهائيات دوري أبطال إفريقيا فرصة لوجود حالة استنفار قصوى في مختلف المقاهي التي غصت بعشاق وعاشقات كرة القدم.
الكثيرون حاولوا ربط الانتصار الرياضي للمغاربة باعتباره انتصارا للوطن، كما لو أن الناس يخوضون معركة حامية الوطيس.
حسنًا، ألم يكن أولى وأجدر بأن يركّز الكل على ضرورة الانتصار على الفقر والفساد والريع وغلاء الأسعار، والانتصار على الفوارق الصارخة بين الطبقات والفوارق بين الأقاليم، والانتصار على اختلال المنظومة الصحية والتعليمية؟ هذا هو الفرح الحقيقي الذي ينتظره المواطن على أحر من الجمر، وما عدا ذلك فمجرد إلهاء وتخدير وصرف عن القضايا الجوهرية. دون أن ننسى التذكير بالانعكاسات السلبية التي تخلفها عادة المباريات الكبرى بين الفرق المحلية، حيث يتسبب السلوك العدواني الأرعن لطائفة من المشجعين في جرح العديد من المواطنين وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات الخاصة والعامة.
الكيل بمكيالين!
في مقابل العناية المرصودة لكرة القدم على المستوى الرسمي في المغرب، يتخذ الاهتمام بالكتاب طابعا ظرفيا وموسميا، مثلما يحصل في معرض الكتاب الدولي الذي ينطلق اليوم الجمعة. ذلك أن مختلف وسائل الإعلام أظهرت حرصها على متابعة هذا الحدث السنوي؛ لكن الأضواء سرعان ما ستنطفئ والميكروفونات ستختفي بمجرد انتهاء المعرض. وتعود الثقافة إلى ظلام النسيان والجحود. الشيء نفسه ينطبق على مهرجانات السينما التي استأنفت موعدها منذ أيام في بعض المدن المغربية. فبعيدا عن البهرجة الإعلامية المصاحبة لها، قلما يتساءل متسائل عن جدوى هذه المهرجانات في وقت اندثرت فيه العديد من القاعات السينمائية، ولم تعوّضها قاعات جديدة، على الرغم من الوعود التي يطلقها المسؤولون الحكوميون مع تعاقب الوزارات. الخلل يكمن في غياب سياسة ثقافية حقيقية للنهوض بالكتاب والمسرح والسينما والموسيقى والتشكيل وغيرها من الفنون، وما يعلن عنه من «دعم» أحيانا هو مجرد محاولات لذر الرماد في العيون. في حين تُرصد للرياضة عامة ولكرة القدم خاصة الإمكانيات المالية الهائلة، ويجري التعامل معها كما لو أنها إحدى الأولويات المركزية في شؤون البلاد. كمثال بسيط على ذلك، أن الرياضيين الفائزين في المسابقات الدولية يخصص لهم استقبال رسمي باذخ في المطارات، وترصد لهم الهدايا والمكافآت وبرقيات التهاني والتغطيات الإعلامية. أما الفائزون في المسابقات العلمية والثقافية والفكرية الدولية فيُقابَلون بالجحود والنكران، ولا تلتفت إليهم غالبًا التلفزيونات ومختلف وسائل الإعلام!
كاتب من المغرب
كلام رايع وفي منتهى الواقعية..نحن بامس الحاجة لهذا النقد الذي ، وكما يقول المثل المغربي ” يورينا الوجه فالمراية” ورغم اني لا اعمم لان هم اغلب الناس هو العمل من اجل الخبز ومن اجل تحقيق الذات والدفع بالامام بقدر الامكان الى ما يحقق مستقبل الابناء .
انا فخور بهذا الكاتب المحترم لانه في الحقيقة وضع النقط فوق الحروف .. وانتهت شهرزاد عن الكلام المباح.. ?