الناصرة- “القدس العربي”: ما زالت قضية الأسرى الفلسطينيين وفرار ستة منهم من سجن جلبوع تشغل أوساطا إسرائيلية سياسية وإعلامية واسعة، حول محور فشل تدابير الأمن والحماية، وحول محور الدلالة الأعمق للعملية الفلسطينية النوعية، بعضها يخرج عن السرب الصهيوني المركزي.
يقول المؤرخ والباحث المختص في الصهيونية وفي الصراع المحاضر بالجامعة العبرية في القدس، ديمتري شومسكي، إن “هروب الأسرى يشكل الرياح في أشرعة نضال الشعب الفلسطيني الذي لن يذهب من هنا الى أي مكان، ومع ذلك، هو يرفض الخضوع للأمر الإلهي التوراتي الذي يأمره بالاختفاء”.
ويقول في مقال نشرته “هآرتس” إن “أبناء الشعب الفلسطيني يواصلون القتال، بعضهم بوسائل قاتلة ومهينة، وبعضهم بوسائل سلمية ومشروعة، من أجل تحقيق هدف لا مثيل له في عدالته، وهو التحرر الوطني من نير الاحتلال الأجنبي المهين والقمعي”. وينوه شومسكي أن مقال هيئة التحرير في صحيفة “هآرتس” يقول وبحق إن الرد الظاهر لمصلحة السجون على هرب الأسرى الستة من سجن جلبوع والذي أساسه عقاب جماعي لجميع الأسرى الفلسطينيين، وتشديد كاسح لظروف سجنهم بهدف تنغيص حياتهم، هو رد مشين.
ويشير أيضا إلى أنه لنفس هذه الأسباب بالنسبة للفلسطينيين، فالنضال من أجل تحرير الأسرى هو أحد الساحات الرئيسية للنضال الفلسطيني العام من أجل التحرر الوطني. ويتابع: “هكذا، فإنه عندما ينفذ ستة أسرى من الشعب الفلسطيني هروبا جريئا جدا من سجن الاحتلال الاسرائيلي، فإن هذا الأمر يضخ رياحا جديدة في أشرعة النضال الوطني الفلسطيني”.
يؤكد المؤرخ الإسرائيلي أنه رغم أن معظم الفارين تم إلقاء القبض عليهم حتى الآن، إلا أنه يجب علينا ألّا نتجاهل القيمة الرمزية كبيرة المغزى لحدث الهرب من سجن المحتل للروح الوطنية للشعب الفلسطيني المضطهد والمستعبد. ويمضي في تعليل رؤيته هذه بالقول: “كل ذلك بشكل خاص على خلفية الحضيض غير المسبوق الذي وصلت اليه الحركة الوطنية الفلسطينية الآن. وجود الشعب الفلسطيني غائب الآن تقريبا عن الوعي الدولي؛ النضال غير المسلح الذي يحاول الدفع به قدما عدد من الفلسطينيين ومن يؤيدونهم في أرجاء العالم يمر بعملية نزع شرعية متواصلة، ويتم عرضه بصورة كاسحة ومثيرة للاشمئزاز ومتلاعبة كـ”نضال لاسامي”؛ والتهجير الزاحف للتجمعات الفلسطينية في جنوب جبل الخليل وغور الأردن وأماكن أخرى في الضفة الغربية يتسارع بدون أي إزعاج”.
هروب الأسرى يشكل الرياح في أشرعة نضال الشعب الفلسطيني الذي لن يذهب من هنا الى أي مكان، ومع ذلك، هو يرفض الخضوع للأمر الإلهي التوراتي الذي يأمره بالاختفاء
ورغم ذلك، يقول شومسكي، إن بضعة فلسطينيين متعطشين للحرية لا يستسلمون، بل يحفرون بدون كلل طوال أشهر نفق الحرية تحت السجن، وبهربهم عبره، نقلوا لأبناء شعبهم رسالة حادة وواضحة، وهي أنه يجب مواصلة النضال بدون كلل من أجل التحرر الوطني، سواء في سجون الاحتلال الصغيرة مثل سجن جلبوع، أو في السجون الكبيرة والضخمة التي تقع خلف الجدران والأسوار في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويضيف: “لا شك أنهم في سلطات السجون، كونها أحد الأذرع المهمة في منظومة السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، يدركون جيدا هذا الرسالة، فهم وقادة الاحتلال الذين فوقهم يخافون، وبحق، من أن بصيص الأمل الذي أضيء في نهاية النفق الذي تم حفره تحت سجن جلبوع، يمكن أن يشعل لهيبا أكبر من الانتفاضة الشعبية، وهم يصممون على إحباط اندلاعه قبل حدوثه. من هنا تأتي خطوات العقاب الجماعي ضد الأسرى الفلسطينيين الذين يشكلون، ليس فقط الرمز للنضال الفلسطيني، بل أيضا رأس الحربة في هذا النضال”.
ينوه الباحث الإسرائيلي أنه في هذه المرحلة لا يُعرف ما إذا كان المحتل الاسرائيلي سيتمكن من منع اندلاع تمرد واسع النطاق للأسرى، الذي يمكن أن يمتد إلى خارج جدران السجون، على خلفية إلقاء القبض على معظم الفارين. ولكن هناك أمرا واحدا واضحا برأيه، وهو أن افتراض رئيس حكومة الاحتلال بأنه يمكن العيش إلى جانب “المشكلة الفلسطينية” بهدوء نسبي ومن خلال خفض “حجم التوتر في مجال الاقتصاد”، مثلما نتعايش بالإكراه مع كورونا أو في ظل حوادث الطرق التي لا يمكن استئصالها بشكل مطلق، هو افتراض يرتكز إلى وهم ساذج ولا يناسب شخصا يعتبر نفسه يقف على أرض الواقع.
ويخلص شومسكي للتأكيد على أن الشعب الفلسطيني لن يذهب من أرضه إلى أي مكان. مع ذلك، هو يرفض الخضوع للأمر الإلهي التوراتي الذي يأمره بالاختفاء. وأبناؤه وبناته يواصلون القتال.
زمن الزبيدي
من جهته، يرى المعلق الإسرائيلي روغل ألفر، أن كل الاهتمام ينصب على زكريا الزبيدي، وهو يذكرنا بالشباب اليهود عندما كانوا يقومون بقصف البريطانيين والعرب. ويتابع متوجها للمناضل الأسير الزبيدي: “قل لي يا زكريا -أنا معجب باسمك الذي هو اسم توراتي جدا- من الذي يمثلك؟ هل هو بوعزبنتسيون؟ هل يوجد لك وكيل أصلا؟ هل رأيت ما الذي يحدث في الشبكات الاجتماعية مؤخرا؟ يوجد انفجار أكبر من انفجار الحافلة في ديزنغوف سنتر. أنت أكبر بقليل، مثلما قال لينون ذات يوم عن البيتلز. ولو أنه كان على قيد الحياة لكان سيغني لك: بطل الطبقة العاملة هو شيء ما يجب أن يكون”.