جاكي خوري
الصور التي نشرت في إسرائيل السبت بعد إنقاذ المخطوفين الأربعة على قيد الحياة من أسر حماس، أحدثت فرحاً كبيراً في أوساط العائلات والجمهور في البلاد. جميع الأجهزة، بدءاً بمكتب رئيس الحكومة ومروراً بمكتب المتحدث بلسان الجيش وانتهاء بالإعلام، استغلت عملية الإنقاذ وتأطيرها كخطوة أخرى في الطريق إلى “الانتصار على حماس”. ولكن الردود على العملية أظهرت أيضاً بأن تداعياتها على سكان غزة، وبشكل عام تداعيات الحرب عليهم، لا تقلق معظم الجمهور الإسرائيلي على الإطلاق.
تجاهل أعداد القتلى والدمار الهائل الذي حدث خلال بضع ساعات في مخيم النصيرات، يثبت ما هو راسخ في وعي الفلسطينيين. حتى بعد ثمانية أشهر على الحرب، ظلت عودة المخطوفين القضية الوحيدة التي تهم الناس في إسرائيل، وإذا وجد نقاش حول الثمن الذي يجب دفعه فهو يتناول عدد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم في المقابل، ليس أكثر من ذلك. القتل والدمار الذي لحق بشمال القطاع والنصيرات أو رفح، لا مكان له على رأس سلم الأولويات. لذلك، فإن أقوال رئيس الحكومة أمس التي بحسبها الجمهور في إسرائيل غير مستعد لوقف الحرب بدون تحقيق الأهداف، لا تعتبر شعاراً مقطوعاً عن الواقع، بل تعكس بوضوح مزاج التيار العام في إسرائيل. إذا كان لدينا انتقاد فهو موجه لطبيعة إدارة الحرب، وليس على المبدأ الذي يقول بوجوب الاستمرار فيها، رغم المس غير المسبوق بسكان قطاع غزة.
النقاشات الدائرة في إسرائيل حول نتائج عملية إنقاذ المخطوفين وتأثيرها على الفلسطينيين، تجري على صعيدين: الأول رفض البيانات التي تنشرها حماس والتي تفيد بأن 274 شخصاً قتلوا أثناء العملية، من بينهم 64 طفلاً وفتى و57 امرأة و37 رجلاً، و600 شخص أصيبوا بنار الجيش الإسرائيلي أثناء العملية، أو تجاهلها. وثمة ادعاء إسرائيلي بأنها أعداد مبالغ فيها، وأنها إذا خصم منها قتلى أعضاء حماس، ستبدو النتيجة معقولة.
الصعيد الثاني هو إلقاء المسؤولية بشكل مباشر على قادة حماس، السنوار والضيف ومن يؤيدونهما، على اعتبار أنهم الذين تسببوا بالدمار والقتل. في إسرائيل بعد 7 تشرين الأول لا مكان لتأنيب الضمير. وثمن المخطوفين الأربعة يساوي مئات الغزيين الموتى والمصابين. على قيادة حماس، كما يقول من يؤيدون ذلك، أن تستوعب ذلك.
في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك القطاع، استوعبوا الرسالة. دعوات وقف العدوان لم توجه بشكل مطلق لإسرائيل وحكومتها أو للجمهور في إسرائيل، بل للمجتمع الدولي. رسام الكاريكاتير علاء اللقطة، عبر عن ذلك في كاريكاتير نشره السبت، عكس فيه مزاج الفلسطينيين: “المجتمع الدولي يجلس على أريكة مريحة ويشاهد الشاشة التي يظهر فيها المخطوفون الإسرائيليون الأربعة وهم يبتسمون. ووراء الأريكة، بعيداً عن أنظار العالم، تختفي أم فلسطينية وهي تبكي على أولادها ولا أحد يهتم بذلك.
هذه صورة وضع تسربت إلى متخذي القرارات في حماس، كما ينعكس في ردود المتحدث بلسان الذراع العسكري لحماس، أبو عبيدة، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. الأول أعلن بأن إنقاذ المخطوفين سيشدد ظروف المخطوفين الباقين، وربما سيكلف بعضهم حياتهم. في حين أعلن هنية بأن عملية الإنقاذ ونتائجها عززت موقف حماس حول ربط أي تقدم في المفاوضات بوقف كامل لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل من القطاع.
رسالة حماس واضحة: نظرية أن الضغط العسكري هو الذي سيدفع قدماً بصفقة التبادل غير صحيحة، ومن يتوقع بأن جميع المخطوفين الأحياء سيتم إطلاق سراحهم بعمليات بطولية أخرى، فعليه الأخذ في الحسبان أن هذا يعني الحكم بالإعدام على المخطوفين، وآلاف المصابين الفلسطينيين.
بعد يوم على النشوة، على الجمهور الإسرائيلي أن يتذكر وجود 120 مخطوفاً يحتجزون في القطاع، وإطلاق سراحهم لن يتحقق إلا بتغيير جوهري لدى متخذي القرارات في إسرائيل. وإذا أرادوا جميع المخطوفين أحياء، يجب قول الحقيقة وإنهاء الحرب.
هآرتس 10/6/2024