يعكس الهجوم الارهابي الفتاك في باريس «الاربعاء» مصاعب القوى العظمى الغربية في الحرب التي اعلنوها عن الارهاب الاسلامي المتطرف، ولا سيما ضد منظمة الدولة الاسلامية داعش في العراق وفي سوريا. في الوقت الذي نجحت فيه أعمال القصف الجوي التي يقوم بها التحالف في ان تصد بقدر كبير التقدم الاقليمي لداعش في الشرق الاوسط، بعد الانجازات التي حققها التنظيم في الصيف الماضي، فانها لا تبطىء في هذه المرحلة وتيرة انضمام المتطوعين من الغرب إلى صفوف التنظيم. وفي نفس الوقت، فان القرار للصدام رأسا برأس مع التنظيم في العراق وفي سوريا، كفيل بان يشجع على عمليات انتقامية يقوم بها نشطاء متطرفون على الاراضي الاوروبية. لم يكن واضحا أمس بعد ما اذا كانت العملية في مكاتب «شارلي هبدو» ردا مباشرا على أعمال القصف، ولكن هذه تبدو امكانية معقولة. في سوريا، بشكل خاص، تراكمت طاقات هائلة من العنف والكراهية بعد أربع سنوات من الحرب الاهلية الاجرامية. وآجلا أم عاجلا، على خلفية التواجد العالي للمقاتلين الغربيين في سوريا، فان قسما من هذه الشحنات ستتحرر في اوروبا أيضا.
يقوم بمثل هذه الهجمات على اهداف غربية مقاتلون اوروبيون عادوا من سوريا أو مسلمون شبان، من مواطني الغرب ممن اجتازوا تطرفا ايديولوجيا. يورام شفايتشر، الباحث في شؤون الارهاب من معهد بحوث الامن القومي يقول انه في عمليات سابقة قام بها مسلمون ذوو جنسية فرنسية، كان المنفذون مقاتلين خرجوا من سوريا (الهجوم في المتحف اليهودي في بروكسل العام الماضي)، او مجرمون جنائيون اجتازوا تطرفا فكريا (القتل في المدرسة اليهودية في تولوز في 2012). ومن المتوقع الان مطاردة شرطية واسعة للمخربين، كفيلة بان تنتهي باشتباك معهم، مثلما حصل في تولوز. والعملية في باريس كفيلة بان تؤدي ايضا إلى عمليات تحاكيها بل وتثير حتى اعمال انتقام من نشطاء يمينيين متطرفين اوروبيين.
في وعي مشاهدي التلفزيون ترتبط صور اطلاق النار في باريس امس بشكل مباشر بالعملية الارهابية السابقة في سدني في استراليا الشهر الماضي. ولكن لا يوجد قواسم مشتركة كثيرة بين غريب الاطوار من اصل ايراني اختطف رهائن في المقهى الاسترالي، والمخربين المسلحين الذين هاجموا اسرة تحرير الصحيفة. في حالة امس، استنادا إلى صور الفيديو والتقارير الاولية من الساحة، يدور الحديث عن خلية ارهابية منظمة نسبيا، وليس عن ذئب منفرد. واستند الهجوم إلى جمع مسبق للمعلومات وتضمن هجوما بقوة نارية كثيفة، اصابة لافراد الشرطة وهروب ناجح من الساحة. وفي هذه الحالة فان بروكسل وتولوز تبدوان تشبيهات اكثر ملاءمة.
توقظ العملية كل الشياطين القديمة، التي يفضل معظم الاوروبيين تجاهلها في الايام العادية: المسائل بشأن مدى اندماج المهاجرين المسلمين في دول غرب اوروبا، تأثير رجال الدين الحماسيين على المسلمين الشبان وعدم الصبر المتطرف الذي تبديه تيارات في الاسلام تجاه كل مس، مهما كان طفيفا، بكرامة محمد. ولكن اذا كان احد ما في القدس، في ديوان رئيس الوزراء او في وزارة الخارجية يطور أملا ما خفيا في أن في اعقاب العملية سيستيقظ الاوروبيون ويفهمون باننا كلنا في ذات القارب، يخيل ان في هذه الحالة ايضا بانتظاره خيبة الامل.
مع ان اوروبا باتت عرضة أكثر فأكثر لهجمات ارهابية من منظمات الاسلام المتطرف، فان الدول الاعضاء في الاتحاد لا تترجم ذلك بالضرورة إلى عطف على مشاكل اسرائيل. ويشهد على ذلك سلوك فرنسا في الاسابيع الاخيرة بالنسبة لمساعي السلطة لتحسين مكانتها. وحتى اسرائيل لا تؤمن بمعادلة «حماس هي داعش». والدليل الافضل على ذلك يكمن في السياسة الاسرائيلية في الصيف الاخير – عندما بذلت حكومة نتنياهو، التي تتباهى بانها قوية حيال الارهاب، كل جهد مستطاع كي لا تسقط حكم حماس في غزة. ومع أن اسرائيل ضربت حماس الا انها قيدت عملها خشية أن يظهر مكانها في غزة بديل اسوأ – فوضى تكون فيها فصائل تتماثل مع القاعدة او داعش هي القوى الاكثر سيطرة.
هآرتس 8/1/2015
عاموس هرئيل