العملية المسلحة التي نفذها الشهيد خيري علقم في أحد شوارع القدس المحتلة، تشكل رسالة بالغة الأهمية مفادها، أن الذين يموتون من أبناء الشعب الفلسطيني في أعمال العدوان والبلطجة، سيُبعث من أصلابهم من ينتقم لدمائهم ولو بعد حين، وهذا يعني أن دوامة الدم لا يُمكن أن تنتهي ما دامت إسرائيل لا تستخدم سوى لغة العدوان والقوة، كما أن إخضاع الشعب الفلسطيني بالقوة والبطش والجبروت أمر مستحيل ولا يُمكن أن يستمر طويلاً.
خيري علقم البالغ من العمر 21 عاماً يحمل اسم جده الشهيد خيري علقم، وهذا الجد لم يكن مقاوماً ولا مقاتلاً ولا مسلحاً، عندما قام مستوطن متطرف من حركة «كاخ» الإرهابية بقتله في عام 1998، علماً بأن خيري الحفيد لم يرَ خيري الجد، وإنما ولد بعد نحو أربعة أعوام على واقعة استشهاده.
ثمة دلالات كثيرة ومهمة لعملية خيري علقم الابن في القدس المحتلة، وهذه الدلالات لا تتوقف عند كونه حفيد أحد الضحايا الذين التهمهم المستوطنون المتطرفون، وإنما تمتد نحو الكثير من العلامات الفارقة والمهمة، وفي ما يلي أهمها:
أولاً: لا ينتمي علقم لأي فصيل سياسي ولا عسكري، ولم يسبق اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كما لا يوجد له أي ملف أمني، وهذا يعني أنه شاب فلسطيني عادي حاله كغيره من مئات آلاف الشباب، الذين يتشكل لديهم الشعور بالقهر والظلم ويندفعون نحو أي عمل ممكن وأي هدف متاح، وهذه الشريحة من الثوار لا يُمكن تهدئتها إلا بالتوصل إلى تسوية منطقية ومعقولة للقضية الفلسطينية، تجعل للفلسطيني وطنا طبيعيا ودولة مستقلة قابلة للحياة، وما عدا ذلك فهؤلاء موجودون ولو ألقت كل الفصائل الفلسطينية السلاح وأعلنت استسلامها.
الأراضي الفلسطينية تشهد حالياً انتفاضة ضد الاحتلال بشكل جديد، ولا علاقة للفصائل ولا السلطة بها، وإنما هي رد الفعل الشعبي على اعتداءات الإسرائيليين
ثانياً: هذه العملية تدل على أن ثمة انتفاضة فلسطينية حقيقية وشاملة في الأراضي الفلسطينية حالياً، وهذه الانتفاضة تختلف في الشكل والمضمون والمسار عن الانتفاضات السابقة، إذ كل انتفاضة تتشكل وفقاً للظروف المحيطة بها، حيث كانت في 1987 انتفاضة الحجر، ثم في عام 2000 انتفاضة السلاح وانهيار السلطة، وما يحدث الان هو انتفاضة ثالثة وشاملة، لكن شكلها مختلف وأهم ما يميزها هو الهجمات المنفردة وغير المنسقة في ما بينها.
ثالثاً: الشاب خيري علقم يبلغ من العمر 21 عاماً فقط، أي أنه مولود في عام 2002، وهذا يعني أنه لم يشهد الانتفاضة الأولى ولا الثانية، ولا عملية السور الواقي، ولا بناء الجدار العازل ولا مجزرة مخيم جنين، ولا موجة الاغتيالات الكبرى في غزة والضفة، فكل هذا حدث قبل ولادته، فهو ابن جيل لم يرَ سوى جيش يتجول في مدن الضفة، ومستوطنون يدنسون المسجد الأقصى يومياً، ويمارسون ما يشاؤون من اعتداءات على الشعب الفلسطيني. هذا يؤكد أن ردع هذه العمليات لا يُمكن أن يتم إلا بردع العدوان الإسرائيلي أولاً، حتى يتوقف الشعور لدى أبناء الجيل الجديد بالظلم والاضطهاد اليومي.
رابعاً: عملية علقم، وغيرها من العمليات التي تبين بأن فصائل المقاومة لا علاقة لها بها، دليل دامغ على أن الشعب الفلسطيني تجاوز الخلافات الفصائلية والانقسام الداخلي، وتجاوز أيضاً الجمود السياسي الذي تستفيد منه إسرائيل، وبدأ بالرد على الاعتداءات اليومية لإسرائيل، وهذا يعيد التذكير بالانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجر) التي اندلعت قبل تأسيس حركة حماس، وقبل عودة الكثير من قادة فتح، هذا معناه أن مفاتيح الحل ومفاتيح الحرب في يد الشارع وليس الفصائل ولا النخب السياسية.
وخلاصة القول هو أن الأراضي الفلسطينية تشهد حالياً انتفاضة ضد الاحتلال بشكل جديد، ولا علاقة للفصائل ولا السلطة بهذه الانتفاضة، وإنما هي رد الفعل الشعبي على اعتداءات يقوم بها الإسرائيليون، وعليه فإن التهدئة تستلزم أن تقتنع الأطراف كافة بضرورة التوصل الى تسوية سياسية معقولة ومقبولة تتضمن إقامة دولة فلسطينية منطقية قابلة للحياة، ولا تتعرض للعدوان الإسرائيلي اليومي.. هذه فقط هي الوصفة التي يُمكن أن توقف دورة الدم في الأراضي الفلسطينية.
كاتب فلسطيني
*الله يرحم علقم وكل شهداء فلسطين.
اللهم انصر اخواننا في فلسطين على الصهاينة المجرمين القتلة وكل من لف لفهم.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.