لا فيض في المعلومات حول بدء محادثات إيرانية – سعودية مباشرة على خط موازٍ للمفاوضات الإيرانية – الأمريكية التي يجري العمل على استئنافها رسمياً بشكل مباشر. ما نقلته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن حصول لقاء في بغداد في التاسع من نيسان/ابريل الجاري بقي في إطار التأكيد الإيراني والنفي السعودي غير الرسميين. يقول مثل شعبي «ما في دخان بلا نار» وهذا المثل ينطبق على ما كشفته الصحيفة، وأضافت إليه وكالة «رويترز» بعضاً من التفاصيل.
ما حصل، وفق المعلومات، لا يعدو كونه عملية سبر أغوار لمدى إمكانية الجلوس إلى طاولة مشتركة، وماهية القضايا التي يمكن أن تُشكّل أساساً لمحادثات سعودية – إيرانية. ثمة روايات متعددة، لكن جميعها يتقاطع عند استنتاج أن لا شيء جدياً حتى الساعة.
في رواية أحد المنظّرين لـ”محور إيران» أن واشنطن لقيت رفضاً من إيران لاقتراح أمريكي – أوروبي بضم المملكة العربية السعودية إلى إطار المفاوضات حول الاتفاق النووي، أقلّه في الوقت الراهن. وهو الأمر الذي حدا بالأمريكيين إلى الطلب من الرياض التفتيش عن قناة ثالثة من أجل بدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين بمعزل عن عملية التفاوض التي قرّرت إدارة جو بايدن الانخراط فيها للعودة إلى الاتفاق. وأُعطي السعوديون مهلة ثلاثة أشهر لكسر حلقة القطيعة القائمة بين البلدين. جرى الحديث عن ذلك حين اتخذ البيت الأبيض قراره بوضع نهاية للحرب الدائرة في اليمن، وأقدم على شطب جماعة «أنصار الله» عن قائمة الإرهاب. تذهب الرواية لتقول إن السعوديين تواصلوا مع جهة ثالثة، إما سلطنة عمان أو سويسرا، والترجيح الأكبر أنها السلطنة، وعُقد لقاء أول تمهيدي على أرض تلك البلاد. هنا تنتهي الرواية، لتبدأ الرواية الثانية التي أعلنتها «الفايننشال تايمز» عن لقاء بغداد.
في المعلومات المتوافرة، أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الراغب بأن يمسك العصا من وسطها في العلاقة بين الإيرانيين والسعوديين من أجل النأي ببلاده عن الصراع الإيراني – السعودي، سعى إلى جسّ النبض، علّه ينجح في لعب دور «الوسيط» لمثل هكذا تواصل. والأمر تناول أيضاً مصر والأردن، ولا سيما أن كلاً من القاهرة وبغداد وعمَّان تسير في اتجاه خلق إطار تنسيقي ثلاثي لم يرقَ بعد إلى مستوى الحلف.
ما حصل أن الكاظمي اجتمع في بغداد بالسفيرين السعودي والإيراني المنتدبين إلى العراق، كل على حدة، وكانت أسئلة عن المواضيع والعناوين التي يمكن أن تُشكل نقطة انطلاق لمحادثات مباشرة بين الجانبين والطريقة الفضلى للوصول إلى ذلك. ضغط رئيس الوزراء العراقي من أجل أن ينتدبَ كل من الطرفين ممثلاً عنه من أجل عقد اجتماع. فكان أن انتدب كل من الطرفين ممثلاً على مستوى أمني منخفض، وعُقد الاجتماع بحضور عراقي، وكان قصيراً، ولا يمكن الركون إليه على أنه يمكن أن يُشكّل اختراقاً يُعتدُّ به.
وعلى الرغم من أن أوساطاً لصيقة بـ”المحور» تؤكد أن اجتماعاً آخر سيعقد قبل نهاية الشهر الجاري، فإن قريبين من الكواليس السعودية يقللون من أهمية اعتبار أن حواراً سعودياً – إيرانياً قد بدأ. الانطباع السائد بأن الأرضية لذلك ليست جاهزة من الطرفين، وأن جدول الأعمال ليس واحداً. إيران تريد حواراً سياسياً مع السعودية يتناول العلاقات الثنائية، لا يتعلق بالملف اليمني ونفوذها فيه، فهذا الملف تريده أن يكون مع الأمريكيين. وما يعني السعودية أن تتوقف إيران عن استهدافها من اليمن عبر ذراعها العسكرية المتمثلة بالحوثي، وكذلك من العراق عبر ميليشياتها في الحشد الشعبي. من دون هذا العنوان ومن دون خطوات حسن نية في هذا الاتجاه، لا يكون للمحادثات جدوى في نظر الرياض.
في قراءة مطلعين على المناخ السعودي بأن الرياض لا يضيرها أن يُسجّلَ الكاظمي نجاحاً في لعب دور الوساطة، على عكس طهران التي لا تريد لبغداد هذا الدور. ربما ذلك سيكون عنصراً يدفع في اتجاه فشل المحاولة العراقية.
ثمة استنتاجات وصلت إليها واشنطن في مسيرة الأشهر الأولى من ولاية إدارة بايدن، بأن إيران لا تقابل مناخ التهدئة الأمريكية بمثلها. جاء الرئيس الأمريكي ليقلب الطاولة على سياسة سلفه في المنطقة. مدَّ يده لإيران في اليمن، وضغط على السعودية من أجل وقف الحرب. تجاوبَتْ الرياض، فيما الوكيل الإيراني يخوض منذ شهرين معركة إسقاط مأرب. غضّت واشنطن الطرف عن الحوثي في الأسابيع الأولى من المعركة، لا بل إنها أوقفت الدعم اللوجستي للسعودية التي تعرّضت أراضيها لهجمات الصواريخ الباليستية والمسيّرات المفخخة. ربما كان هناك همس في أذن الأمريكيين من اللوبي الإيراني بفترة سماح قصيرة كفيلة بسقوط مأرب بيد الحوثيين، ما يجعل شمال اليمن في يدهم.
في المشهد اليوم، ما هو جديد. مرّ شهران على معركة مأرب التي زج الحوثيون فيها آلاف المقاتلين ولم تسقط، ويستمرون في الضغط على جيش الشرعية في خطة بديلة ترمي إلى حصار المدينة. ما عاد المجتمع الدولي قادراً على التغاضي عن المسألة الإنسانية حيث تستضيف هذه المدينة الاستراتيجية نحو مليون يمني نزحوا من محافظات أخرى خلال الحرب، وأَضحوا اليوم على أبواب نزوح جديد.
ثمّة تغيّر في الاندفاعة نحو الحوثي. تبدُّل المزاج الأمريكي يبدو جلياً في إحاطة المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب حين قال: علينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كان الحوثيون مهتمين بجدية بالسلام إذا استمروا في التقدّم في مدينة واجهوا فيها معارضة شديدة (ويقصد مأرب) خاصة في ضوء الإعلان السعودي في 22 آذار/مارس الذي يقترح تخفيف القيود على ميناء الحديدة وصنعاء والمطار ووقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد؟ معرباً عن اعتقاده بأن السعوديين مستعدون لإنهاء الحرب بطريقة مسؤولة، وأن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان استعداد جميع الأطراف اليمنية، وخاصة الحوثيين، للتخلي عن أسلحتهم والتنازلات من أجل السلام.
على أنه لا يمكن فك الارتباط بين مسار ملف اليمن والمحادثات الإيرانية – السعودية، ومسار مفاوضات فيينا حول الملف النووي، الذي يُشكّل أولوية في المنطقة لدى إدارة بايدن. قد يكون من غير الواضح ما إذا كان تحوُّل السعودية في مقاربتها ملفات المنطقة هو تحوُّل استراتيجي أو تكتيكي فرضته تبدلات السياسة الأمريكية، لكنه من الجليّ بمكان أن الهجمة الإيرانية مرتبطة بتغيّر سياسة سيد البيت الأبيض الذي سيكون بين مطرقة مَن يُفترض أنهم حلفاؤه التقليديون في المنطقة، وسندان مَن هم أعداء اليوم، ولن يكونوا حلفاءً في الغد.
اقتباس
اختلاف في الأجندات وإيران لا تريد دوراً عراقياً في الوساطة