قبل اسبوع أو أكثر بقليل قتل الجيش معتز الوشحة في بيته، إبن الرابعة والعشرين من بير زيت الذي كان ‘ينوي تنفيذ عملية في الفترة القريبة’، كما قال متحدث الجيش الاسرائيلي. وورد كذلك أن قوات من الشرطة الخاصة والكتيبة 50 حاصرت البيت وأطلقت عليه صاروخا. ولم يكن في نشرات الاخبار في التلفاز كلام زائد. ولم تقع خسائر في قواتنا. اعتاد الاسرائيليون مدة 47 سنة أن يُعايشوا ثقافة محاكم ميدانية تضاف الى اعمال التعذيب والسجن بلا محاكمة والمحاكمات الوهمية والاجماع على أنه كلما زاد عدد السجناء كان ذلك أفضل. ويأتي فوق ذلك كله وكأنه جذر القضية الحق في القتل. فقد أصبح قتل الفلسطينيين أمرا بسيطا وأصبحت التقارير تتجه الى محاضر الجلسات. وأصبح الجنود يسمون منذ زمن بعيد ‘مقاتلين’، وهذا نعت جديد نسبيا يتلفظ به المحللون العسكريون وكأنه كان موجودة دائما، كالحرب، لكن هذا الاسم يُحسن عمل الشرطيين القضاة الجلادين الذي هو مداهمة بلدات بالسلاح فيها سكان غير محميين، مع الصراخ واخافة الاولاد في الليل وقتل المحكوم عليهم بالموت. ويثور بين فينة واخرى زعزعة صغيرة بسبب اعمال تنكيل المستوطنين فتندد الصحف ويغضب ‘الجمهور المستنير’ قليلا حتى إن مقدمي نشرات الاخبار يجدون طريقة لتحريك رؤوسهم في أسى. فالمستوطنون ليسوا ‘نحن’، ويُبين الغضب مبلغ كون الجيش نفسه يقف فوق الوصمات، وأن من الواجب التجند وأن يُجند اليه أكبر عدد ممكن. وبرغم أن القائمين باعمال التنكيل يحظون بحماية الجيش فان الطهارة العسكرية على الخصوص تزداد لمعانا على مر السنين. إن احلال هذا الوباء متروك للمراسلين العسكريين فهم الذين يمتنعون عن السؤال عن الدكتاتورية العسكرية وعن عدد من يداهمون القرى، وعن الرتبة القيادية التي توافق على اعمال المداهمة هذه، وعن سهولة الموافقة على جعل حياة الفلسطينيين مُرة في داخل الضفة أو حول غيتو القطاع. هذه هي خلفية مهرجان اختطاف سفينة ‘كلوز سي’. فهنا أنشدت وسائل الاعلام نشيدا جهيرا مشحونا بالهرمون الذكري والادرينالين، يُمجد الجرأة. وقد استمر الحفل اياما وليالي وكان يتغذى كله من متحدث الجيش الاسرائيلي وجنرالاته. وبخلاف هز الكتفين بشأن قتل ‘المطلوبين’ أو التجاهل أو صيغة جافة قصيرة أو الصمت، أنشد المحللون ثلاثة ايام الى أن تجرأوا على أن يسألوا سؤالا. جاءت الاسئلة متأخرة كما هي الحال دائما. وباختصار: ما هي الجرأة بالضبط في سيطرة اسطول قوة من القوى الاقليمية على سفينة مدنية؟ والجواب موجود كالعادة في الحقيقة في الحروف الصغيرة للعدد القليل من المحللين العسكريين وهو أن هذه معركة بين المعارك. فهذا هو المصطلح الموجز الذي منحه الجيش الاسرائيلي لوصف الحاضر المستمر بلا مستقبل. وتجري حياتنا بين تجربة التسوق في المجمعات التجارية والرحلات الى الخارج والنقاش الذي لا نهاية له في غلاء المعيشة، والحياة الجنسية للمشاهير. ونحصل بين فينة واخرى ايضا على عملية عسكرية للتتبيل. إن استعمارنا مصادرة الاراضي والحواجز والاعتقالات بلا محاكمة والقتل لاءم نفسه مع الدول القومية العربية، وكان أكثر ملاءمة مع الاقطاع العربي، وهو يستعد الآن لحياة عادية في مواجهة جموع المنظمات الارهابية التي ستبرهن آخر الامر على عدالتنا الوطاءة وأنه لا يوجد أمل ولن يكون. فالحياة هي معركة بين المعارك. وسيطلقون صاروخا في آن بعد آن وربما يطلقون قذيفة صاروخية. وستوجد قبة دفاعية وبلادة قلب وعمليات مدهشة، وسيوجد حولنا موت ونستمر على الشعور بأن الامر على ما يرام لأنه لا توجد خسائر. وسيكبر الاولاد وسيصبحون جنود احتلال ويستدخلون في ذواتهم الاستخفاف العميق بالقانون ويستدخلون الايمان بالقوة وحب الاغتيالات أو الفيس بوك أو الحياة. وسيتعلم عدد منهم حقوق الانسان ويعتاشوا منها، ويتعلم آخرون ادارة الاعمال ويعتاشون. وسيتجه عدد آخر الى الخدمة الاحتياطية. ولن يكون عندنا قانون سوى قانون الطبيعة و’بقاء الاقوياء’. ومن آن لآخر سيمنحون الشعب مجدا كجائزة اسرائيل، ومثل الطاهي المولود (برنامج اسرائيلي). إن الجيش وهو برنامج ريالتي مبحر يحب المجد والمال ويحتاج الشعب وهو بلا مال الى المجد. فقد خاب أمله الآن في أرباب المال وحاول أن ينسى اخفاق ‘مرمرة’، فليُعيدوا اليه الكلبة عزيت.