يتبع الكاتب الكوميدي أيمن بهجت قمر منهجاً خاصاً في رسم الصور السينمائية الساخرة، الدالة على الشخصيات والموضوعات والأحداث، ويتخير من الفكاهة ما يفيد المعنى القريب والبعيد، فقد قدّم العديد من الأفلام في إطارات مختلفة، ابتعدت عن التوليفة التقليدية وأصابت الهدف من غير ركاكة أو ابتذال، حيث لعب بذكاء على احتياجات السوق، ولكنه نجح إلى حد كبير في تمرير الفكرة المتوارية خلف السخرية والتهكم، كما في فيلمه «إكس لارج» الذي قدمه قبل سنوات.
في تجربة جديدة وفريدة لتطويع الخلفية التاريخية للتراث الشعبي، يقدم لنا قمر المعادل الكوميدي الخفيف لشخصية الفارس العربي الشهير عنتر بن شداد، بملامح من سيرته المحفوظة عن ظهر قلب، ولكن بمعالجة يختلط فيها الهزل بالجد، وتتجلى فيها دلالات الإسقاط على الواقع الحديث، بما يُفهم منه مقاصد التهكم على زمن الفروسية الغابر، الذي بات في حُكم العدم رغم محاولات اجتراره واستحضاره للاختباء خلفه، لإخفاء الضعف والهوان والتلويح به كلما اشتدت الأزمات وتعاظم الخوف.
ويذهب الكاتب في بنائه الدرامي إلى استخدام التناقض كحالة فارقة تميز الأشياء، وتُبرز المعنى، فيرسم شكل ومواصفات البطل البديل لشخصية عنتر، فيلتقط المخرج شريف إسماعيل الخيط، ويفهم المقصود فيتم إسناد البطولة لمحمد هنيدي ليكون هو فارس العصر، كناية عن تغير المقاييس والمعايير، واختلاف الأزمنة، وتراجع الصورة الذهنية لمواصفات البطل التاريخي. وبغض النظر عن دائرة توظيف الفكرة العامة وما يتخللها من أحداث ومواقف، وأسباب وصراعات، فإن المغزى من الحدوتة جاء مؤكداً للإحساس بضآلة ما تبقى من زمن الفرسان، شكلاً وموضوعاً، فلا الفارس هو الفارس ولا البطولات هي البطولات، فكل شيء صار مُنتحلا ومُقلدا، بعد أن أصبح التاريخ مادة للتسلية والضحك، فعنتر الذي كانت تخشاه القبائل بات اليوم مجرد تميمة وفصل في رواية كوميدية تصلح للأطفال!
تتحرك أدوات التعبير وفق هذه المعادلة التي اختار أيمن بهجت قمر مكوناتها لتكون مناسبة لنقد التاريخ، الذي نحتمي فيه ونسعى لسرقته، كما جرت وقائع السيناريو المكتوب والموزعة بطولته بين هنيدي وباسم سمرة ودُرة ولطفي لبيب، لتكتمل مأساة الفارس العربي بعد مرور قرون طويلة على غزواته وفتوحاته وانتصاراته وأشعاره، التي ملأت الأفق صدحاً وصدى، فكيف لا تكون السخرية ونحن نتاجر في تاريخنا وآثارنا ونسعى لتبديل كل غال ونفيس لقاء المال، حتى النخوة والرجولة عرضناها في سوق البيع والشراء، ولم يتبق منها سوى قبض الريح.
يوجه الفيلم عناية المشاهدين من الجمهور إلى خطورة التفريط وهذيان الجعجعة بالمجد المسلوب منذ أزمنة ولّت، ويُفعل المخرج آيات التنكيت والتبكيت ويفرد مساحات واسعة يمرح فيها الأبطال ليصلوا بالفكرة العبثية إلى ذروتها، فتنجلي الحقيقة عن الثُبات العميق الذي تعيشه الشعوب في وهم الأمجاد والبطولات، إلى أن يستفيقوا على صدمة الزحف المتوالي من الأعداء المتربصين بالأوطان، والطامعين في ثرواتها فيستنهضوا الهمم والعزائم، ويستعدون للمواجهة في لحظة المباغتة غير عابئين بما بينهم من خلافات، كأنه الإنذار يبعث به الكاتب إلى زعماء القبائل العربية، وأولي الأمر لينبههم إلى مخاطر الصمت والسكوت عن الحق، والاستكانة إلى الضعف، والكف عن انتظار مبعوث الحماية ليلخصهم من محنتهم وأزمتهم وسجنهم.
رسالة صريحة مفادها الاعتراف بالضعف وعدم الجدوى من انتظار عنتر جديد يحمي الحمى ويصون الديار، لكنها رسالة فقدت الكثير من تأثيرها جراء الإفراط في الجرعات الكوميدية بغير تقنين، لرغبة قوية في استثمار إمكانيات البطل كادت أن تُفسد الطبخة وتصيب الجمهور بالتلبك المعوي، لولا وجود بعض المحسنات كالأداء التلقائي لباسم سمرة والمسحة الرومانسية التي أضفتها دُرة فأنقذت الفيلم من الإسفاف والتصنيف الرديء.
كذلك الاجتهاد في الديكور واللوحات الضوئية والمناظر فقد لعبت دوراً في التعامل مع الحالة الفنية بأبعادها من دون التركيز في المثالب ونقاط الضعف وأوجه الخفة والاستخفاف.
٭ كاتب من مصر
بعض السطور ادا سمح لنا المنبر شكرا في وجه هد ا التقرير الفني السينمائي التاريخي وبلغة مختصرة لاعن ضعف نعم فالمساحة جد قصيرة وتغيب الكلمات اد ا تجاوزنا الخط السينما لم تكتفي بالواقع اي الصور التي لاغبار عليها اوالخيال اي الصور التي رسمت بأتقان جيد من طرف محنكين قصد التسلية اوالقضايا التي اثارت انتباه التاريخ فجلبت قلمه فاسجلها مقرونة بالصور ادن فاسيرة عنترة العبسي ليست وحدها فاهناك سيرة سيف دويزن ودات الهمة وغيرهما السينما دكية وعقلية متفتحة السينما المصرية رسمت صورتها بكل لالوان في فضاء السينما الواسع لاوسع شكرا وتحية للكاتب المصري