توالت هجمات قادة إسرائيل في الأسبوعين الفائتين واستهدفت حممها أهدافًا متنوّعة عديدةً. كان الرئيس محمود عبّاس أوّل من أمطره ‘مسؤولون إسرائيليون’ ووصفوه ببذيء الكلام والتشبيهات. وكما في الماضي كذلك في هذه الأيام، تجنّد رهط يتصدّرهم بنيامين نتنياهو، في محاولة لدمغ الرئيس الفلسطيني واتهامه بعدم الاستقامة وبالتطرف، وبأنه أسوأ من الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثمّ جاء دور وزير الخارجية الأمريكي الذي كان عنوانًا لحملة تهكّم وسخرية فاضحة من قبل وزير الجيش الاسرائيلي، موشه يعلون، الذي وصفه بالمهلوّس/ المريض والاستحواذي، مضيفًا دعاءه الساخر ومتمنيًّا أن يسلّموه جائزة ‘نوبل’ للسلام كي ‘يعفّ’ عن ظهر دولة إسرائيل وحكّامها. وفقًا لبعض الصحافيين الموثوقين، فإن يعلون لم يكن وحيدًا في انقضاضه على جون كيري، بل إن كثيرين من كبار المسؤولين في الإدارة الإسرائيلية شاطروه الموقف، ونافسوه بالردح والشتيمة.
من الواضح أن ما يزعج يعلون وصحبه هو إصرار كيري على متابعة محاولاته للتوصل إلى ما قد يقبله الأطراف كوصفة لخلطة قد تصلح لتسكين آلام هذه المرحلة، وضمادًا لجراح لم يعد بالإمكان تحمّلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمن يمعن بما يقوله يعلون يعرف أن النقاش والقلق ليسا من مضامين المقترحات الأمريكية، إنّما من التحرك الامريكي في هذا الاتجاه، لأنه ومعه كثيرون من حلفائه في الحكومة لا يؤمنون أن المسألة الفلسطينية هي ما يجب أن يتصدر الفعل الدبلوماسي في منطقتنا. من هنا، فالانشغال بفلسطين وإيلاؤها هذا الاهتمام، وإشغال الاسرائيليين بها هو ما يثير حفيظة ‘اليعلونيين’ لا سيّما بعد محاولاتهم إقناع أمريكا والعالم بأن ‘المسألة الإيرانية’ ومشكلة ‘الإسلام السياسي وإرهابه’ يجب أن تبقيا أولا.
الهجمات الاسرائيلية على الرئيس محمود عبّاس وعلى كيري تبقى ذات طابع وشحنة دبلوماسية، ولذلك كانت معالجتها من قبلهما بردود فعل ملائمة، وباللغة التي سيكون مردودها تراكميّا في صالح القضية الفلسطينية.
ولكن، بعملية نوعية مختلفة وبتزامن مع الهجمات الأخرى، قامت قوات جيش يعلون باعتراض موكب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية مّرتين. في الصباح كانت ‘المناكفة’ الأولى، حين اعترض العسكر الموكب الفلسطيني، وأوقفوه لعدة ساعات، وهكذا فعلوا في ساعات المساء.
هذه الممارسة تشبه بمقاصدها حملات الهجوم على كيري والرئيس عبّاس، ولكنها تحمل أبعادًا أشد ضراوة وتأثيرًا مباشرًا على الشارع الفلسطيني، فللمشهد وجهان: عنجهية محتل يتصرّف وفقًا لقوانين القوة والغطرسة، وهذه لا تعرف إلا التحكم فيمن يخضعون لهذه القوة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إتقان لعبة التلويح باليد التي تقبض على الكرباج؛ كي لا تنسى ‘النمور’ حكمة الجوع، أو ما الفرق بين الزمجرة والهمهمة.
المزعج في هذه المعادلة هو تلك الطمأنينة الإسرائيلية وثقتها الواضحة بأنها ستحقق ما تريده من وراء ممارساتها الاستفزازية، أو على الأقل يقينها بأنها لن تحاسب، كما في كل مرّة، على تصرّفاتها. إصرارها وصلفها عاملان أساسيان. مهادنة كل العالم أو مسايرته لها عامل مهم آخر، ولكن يبقى الأهم هو رد الفعل الفلسطيني على مر العقود الفائتة، وما تركه من دلائل وإشارات ‘أغوَت’ إسرائيل بضخ مزيد من جرعات المهانة والضغط وجعلتها، كذلك، تستبين، وفقًا لمقاييس ‘العصا والجُزيْرَة’، الى أي قعر قد هبط سقف الكرامة الوطنية الفلسطينية.
لم تبدأ القضية في هذا الزمن، فما واجهه اليوم رئيس الوزراء، هو نتاج واقع كرّس منذ سنوات طوال. مفاهيم دشّنتها قيادات فلسطينية في عصر أوهم الجميع أن السلام والدولة والاستقلال باتت في فراشنا، ولذا لا همّ من مهانة هنا، ولا غمّ من كرباج هناك. إنّها أصول لعبة أرسيت في ظروف ومعطيات مغايرة فأصبحت اليوم مشوّهة تستغيث لمن ‘ينفلها’ ويبعث فيها روحًا تعتبر وتستفيد من تجربة ‘عقدين’ واسطتهما كانت دومًا ‘لؤلؤة’ اسمها الـVIP، وخلاصة تفيد بأن من يتيح للجاه فسحة أو يعطي الحسنة يستطيع أن يشترط العطاء أو يقطعه، وأن السيادة الحقيقية تبقى لـ’خلقة’ جيب عسكري على مقوده تتربع شقراء وبندقية تذكّر وتلكن: نخن، الاحتلال سادة زمانكم ومكانكم يا عرب!
لا تسعى إسرائيل للمس بشخص مسؤول فلسطيني بعينه، بل هي تحاول النيل من هيبة ورمزية هذا المسؤول. هي رسالة سيّد متعال يحاول من خلالها زعزعة ثقة شعب بقدراته والإيقاع بينه وبين زعاماته التي ينعكس عجزها في مثل هذه’الحوادث’، ولا يهم إن كان هذا هو عجز الحر أمام عسكري ‘داعر’.
من تابع ردود الفعل الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ أن جزءًا مما سعت إليه إسرائيل تحقق. البعض ذوّت رسالة إسرائيل وانضم محقرًا قيادته الفلسطينية العاجزة، آخرون كتبوا بروح تنم عن ذل وقهر، وفئة عنها نطقت الخسارة وروح مهزومة.
للدبلوماسية حقها ومكانتها. لأصول إدارة الأزمات قوالب، قواعد ومفاصل. للمصالح العليا أولويات. أمّا هنا فأنا أكتب عمّا تبقّى من مساحة رمادية فيها ينفث الاحتلال، بمنهجية علمية وخبرة عقود، سمومه التي قد لا تميت الجسد الفلسطيني، لكنّها تتركه جريحًا ينزف ويتألم، جسدًا ضعيفًا يبحث عن كلأ ومأوى وعن أمل وبقايا عزة.
لم يشخ الاحتلال، أمّا الفلسطيني فلقد أضناه الغيب وأتعبته ذلة، يمضي صابرًا مؤمنًا أن ميعاده، كما تروي الشمس، مع الحرية قريب.
‘ كاتب فلسطيني
“الأهم هو رد الفعل الفلسطينى على مر العقود الفائته وما تركه من دلالات وإشارات أغوت إسرائيل بضخ مزيد من جرعات المهانة والضغط وجعلتها كذلك تستبين وفقا لمقاييس العصا والجزيرة إلى أى قعر قد هبط سقف الكرامة الوطنية الفلسطينية” أن تقوم قوات الإحتلال بإيقاف موكب رئيس الوزراء الفلسطينى مرتين فى يوم واحد هو قمة العنجهية والصلف والإهانة والإذلال. أذكر مرة قال رئيس وزراء السلطة المقال سلام فياض أنه تم إيقاف موكبه لأن الجندى الإسرائيلى الواقف على الحاجز كان يربط حذاؤه! وأذكر مرة قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس أنه بحاجة لتصريح من أصغر جندى إسرائيلى حتى يستطيع مغادرة مكتبه!!! لماذا قبلت السلطة بكل هذه الإهانات والإذلال؟ هل كان ذلك بسبب ما تقدمه الوظيفة لكبار الموظفين إبتداء من الرئيس ومرورا برئيس الوزراء والوزراء، ما تقدمه الوظيفة من إمتيازات مالية وغيرها، وكله يهون فى سبيل ذلك؟! ألا يعلم الرئسيس الفلسطينى أن قبول هذه الإهانات هو الذى شجع الإسرائيليين على التمادى فيها؟ ألم يسأل نفسه الرئيس الفلسطينى،إذا كان هذا ما يتعرض له هو شخصيا ورئيس وزراءه،فما بال المواطنين الفلسطينيين العاديين، ماذا يتعرضون له من إهانات وإذلال. لماذا سكتت السلطة على ذلك طيلة هذه السنوات؟ ماذا يدل هذا السكوت، وماذا كانت نتيجته؟ النتيجه هى ما يجرى الآن على الأرض الفلسطينية من إستيطان وتهويد وتدنيس مقدسات وإنتهاكات إنسانية لأن إسرائيل أصبحت واثقة أن رئيس وشعب يرضى بمثل هذه الإهانات لا يستحقون أن يكون لهم وطن خاص بهم. شكرا للسلطة التى باعت فلسطين وباعت شرف وكرامة الفلسطينيين.
أخي أ . جواد…هذا الصلف الصهيوني مرده الغطرسة والكبر المجبول عليها المحتل ولشعوره بالتعالي على العرب …..وغطرسة القوة التي يتميز بها المحتل اعمته عن رؤية الصواب….ولم يجد أي موقف من الطرف الفلسطيني مما زاد في غروره ودفعه للمزيد من هذه الافعال….تذكر قبل الانتفاضة الاولى حين كان الجنود ينكلون بالفلسطيينيين ويذلونهم …لم يمض كثير حتى اندلعت الانتفاضة ….فهال من انتفاضة جديدة….ارجو ان لا تقوم السلطة بمنعها ومحاربتها كرمال خاطر نتنياهو…وتبقى تتجرع الذل والهوان على الحواجز وغير ها ……