عندما تكون الزعامة السياسية من جيل الغزو

إجرحوا جلودهم تجــــدونها تُقطّر حقدا وطائفية.. إنزعوا اقنعتهم العراقية تجدون تحتها وجوها امريكـــية وايرانية، بعــــضها أصلي والبعض الاخر اكتســــبوه بالتصنيع المخابراتي قبل وصولهم السلطــــة.. واذا شئتم ان تبحثوا في زوايا عقولهم فستتأكدون ان ليست قبور الفراعنة وحدها تحوي اجسادا محنطة، فـــرؤوس هؤلاء تحــــوي عقولا محنطة ايضا. انهم سياسيو الصدفة وادوات الاخــــرين وزعماء فرق الموت والتمييز الطائفي، الذين لا يملون من سفك الدماء حتى ان كان فيه فناؤهم . يعتقدون انهم قادرون على اللعب على حبال الســـياسة وبارعون في التلاعب بالمعاني والالفاظ، لكنهم في كل مرة يرفعون فيها رايات الديمقراطية، تجدون لعابهم يسيل امام مغريات الاستبداد فيتشبثون بالكراسي اكثر.
وفي كل مرة يدّعون انهم من انتخبهم الشعب، تجدون الامريكان والايرانيين خلف ظهورهم، فيميلون الى احد الجانبين، لتلافي منعطف خطير يهدد وجودهم، او لتلقي النجدة والعون او لتنفيذ ما مطلوب منهم. اسألوهم أين ‘يوم السيادة’ الذي تبجحوا فيه بانهم اخرجوا القوات الامريكية من العراق؟ ومع انها مفارقة كبرى حينما قالوا ذلك لانهم كانوا يتوسلونهم بكل الكذب والخداع كي يحتلوا البلد، لكن المفارقة الاكبر حينما تعلن الادارة الامريكية عن ارسال ضباط مخابرات امريكان الى العراق لادارة العمليات العسكرية، وايجاد غرفة عمليات مشتركة امريكية عراقية على الارض، وتأسيس وتدريب قوات سوات عراقية جديدة مرة اخرى على الاراضي الاردنية، ثم سيتبعها وصول فريق عسكري متكامل يدير سير عمل الطائرات بدون طيار ويرسم الاهداف المحددة لها، التي سوف تشمل كل خارطة الوطن.
واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار وجود اكبر سفارة امريكية في العالم تلك التي في العراق، واكبر محطة مخابرات فيها، يصبح يقينا بان الغزو والاحتلال باقيان بآثارهما المادية والمعنوية الى اجل غير معلوم. كما ترافقت هذه التحركات العسكرية العلنية على الاراضي العراقية مع تحركات دبلوماسية، تم بموجبها ترشيح السفير الامريكي في عمان جون ستيوارت الى مثل هذا المنصب في العراق، وفي ضوء المعلومات المتوفرة عنه فان الرجل بنى علاقات واسعة في مختلف الاوساط الاردنية الحكومية والشعبية، وامتدت صلاته الى حقل الاعلام الذي بدأ يتناول نشاطاته على نطاق واسع، وكذلك الزعامات العشائرية والوجهاء وعلية القوم، حتى تطوّع فرقص الدبكة وتناول المنسف على الطريقة الاردنية.
نقول في ضوء هذه المعلومات لا تستغربوا حينما تجدون في قادم الايام جون ستيوارت يأكل الدليمية في مضايفنا، ويرقص الجوبي في فناء قصور شيوخ الصحوة، الذين يقاتلون اليوم اهلهم في الانبار، من اجل حفنة من الدولارات، كما قاتلوهم في ما سبق لحساب بوش ورامسفيلد وديك تشيني. هذا هو المطلوب الان، فعل عسكري على الارض يُدمر كل حركة تعارض النموذج الامريكي ـ الايراني المزدوج، وكادر دبلوماسي يتحرك مخترقا الصفوف فيربط الخيوط برقاب هذا وذاك، كي يرقصوا بايقاع ثابت على حركة اصابع السفيرين الامريكي والايراني.
واذا كان الرئيس الامريكي اوباما وصــــــف الحرب على العراق بانها حرب الاختيار وليست حرب الضرورة، فانها اليوم باتت حرب الضرورة للدفاع عن صورة امريكا امام الرأي العام، الذي بات يسأل عن ماهية الديمقراطية التي زرعوها فيه ونوعية النخبة السياسية التي جلبوها لحكمه، لذلك تنهال اليوم صفقات التسليح الامريكية العلنية والسرية كي لا ينهار النموذج، وبالتالي يصبح السؤال الموجه للادارة الامريكية اكثر قسوة.
بالمقابل فان اعلان الحرب على الانبار ايضا حرب الضرورة بالنسبة الى نوري المالكي، الذي حاول ان يجعل من وقوفه المعادي ضد التظاهرات السلمية في المحافظــــات الست رافعة انتخابــية له قبل الانتخابات الاخيرة، وعندما وجّه الجيش لاقتحــام ساحة الحويجة وارتكاب تلك الجريمة النكراء، كان عقله الســــياسي المحدود يشير عليه بان هذا الفعل يعطيه صفات القوة والحزم، وعندما اقتربت الانتخــــابات اكثر اعاد صلات الوصل مع الخونة والعملاء السابقين في محافطة الانبار، كي يعملوا وفق خارطة اهداف جديدة، فاشاروا عليه بان في خيام الاعتصامات في الانبار والفلوجة قادة لـ’القاعدة’، فظـــن بان رفع الخيم سيحقق له نصرا سياسيا يزيد من عدد الاكف الطائفــــية التي ستصفق له وتنتخبه مجددا، ثم اتبعها بعملية عسكرية في وادي حوران لمقاتلة ‘القاعدة’، كي يتحقق له النصر السياسي والعسكري الذي سيبوء به الى منصب الولاية الثالثة بلا منازع .
وكي يرسم خريطة سياسية تابعة له في الانبار تدين بالولاء وتعطيه صفة العبور الزائف فوق الطائفية في تحالف جديد، وكي يُعبّد طريق الحرير الواصل بين طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ الضاحية الجنوبية في لبنان، الذي سيفضي الى انبثاق حلف الطائفة الجيوسياسي، كان لابد من عملية تطهير واسعة في محافظة الانبار تشمل كل الاصوات التي تقول لا لسياساته، لذلك اصبح الصباح فوجد اهل الانبار ان الجيش الذي قالوا انه يقاتل ‘القاعدة’ في وادي حوران قد طوق كل مدنهم وقراهم، وان شيوخ الصحوات ارتدوا الدروع الواقية والخوذ العسكرية، وكانوا رأس الرمح في مداهمة البيوت والدوائر الرسمية والمزارع بحثا عن كل من اعتلى منصات الاعتصامات وقال لا للسياسات الطائفية الحاقدة.
ولان نتائج الانتخابات لم تأت له بمقاعد النصف زائد واحد التي تؤهله لتشكيل ما يسميه الاغلبية السياسية، فانه اليوم يبحث عن دور بطولة عله يعطيه مجالا مغناطيسيا يجذب اليه من تفرقوا من حوله، خاصة رفاق البيت السياسي الشيعي، ويكررون نفس السيناريو الذي حدث عام 2010 عندما اعطوه الولاية مرة ثانية، وليس من ساحة بطولة غير الانبار وفلوجتها الصامدة، فراح يقصفها بالراجمات والمدفعية الثقيلة والبراميل المتفجرة على طريقة الحليف في سوريا، ويقطع الجيش طرق العوائل النازحة الى المحافظات المجاورة، كي يحصل على اكثر خسائر ممكنة بين صفوف اهل هذه المحافظة.
يقينا انهم نسوا ان الانبار هي المحافظة الوحيدة التي سقط على ارضها 1800 عسكري امريكي، من مجموع 4000 قتيل من ضباطهم وجنودهم في كل انحاء العراق، حسب الاحصاءات الرسمية، التي ثبت انها غير حقيقية، وان الرقم الحقيقي اعلى بكثير. انها دلالات تغني عن التفسير لكل من له قلب او ألقى السمع وهو شهيد.

‘ باحث سياسي عراقي

د. مثنى عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية