عندما تلعب كرة القدم بمشاعر المشجعين!

جاء هذا الوقت من العام المفعم بالمشاعر في عالم كرة القدم، وهو وقت الحسم وفرز الأبطال والمتوجين، والذي ايضاً يتخلله العديد من المباريات النارية والحماسية التي عادة ما تكون نهائية لحسم الألقاب والكؤوس، لتنفجر طاقات المتفرجين في التشجيع، وتنقلب الفرحة الى حزن في غضون دقائق، وكأن كرة القدم تلعب بمشاعر الحضور وأحاسيس المشاهدين، مثلما يلعب بها اللاعبون، لتكون هذه العواطف خلال الدقائق التسعين، أو ما زاد قليلا، في قمة جياشتها، وتنهل لتكون عرضة للانفجار في غضون دقائق بل ثوان، اما فرحة عارمة أو حزن عميق.

في ليلة الأربعاء الماضي كان هناك نموذج ماثل أمام عيني لمدى تأثير كرة القدم على البشر، صغاراً وكباراً، بل جاء في وقت محى به الخجل وأزاح الحياء جانباً، فبعد الخسارة الكارثية لأرسنال اللندني أمام مواطنه وابن مدينته تشلسي في نهائي الدوري الأوروبي برباعية مخجلة مقابل هدف يتيم، في ملعب مدينة يأن لها الجسد للوصول اليها، باكو عاصمة أذربيجان، بقيت انا في لندن أتابع دقائقها في مقر عملي، قبل أن أفعل خطوات رحيلي، وفي ذهني قدرتي على اللحاق بالقطار والوصول الى حي آخر أستقل منه حافلة الى منزلي، وهذا ما حصل، والغريب أن الرحلة كانت أسرع مما تعودت، خصوصا أن رحلة الحافلة عادة ما تستغرق 40 دقيقة، الا هذه المرة، عندما تعايشت مع حالة حية لمدى تأثير كرة القدم على حياة البشر. صعدت الى الطابق العلوي من الحافلة الحمراء التي تشتهر بها مدينة الضباب، وسرعان ما هرول شاب في منتصف العشرين من عمره ليجلس خلفي في مقعد قبل شغره، وكان منهمكا في حديث مؤثر من صديقه، وللغرابة أنه ترك صوت صديقه مسموعا، وكأنه لا يبالي بهذه العادة التي قد تزعج كثيرين في الأماكن العامة، الا ان هذا الشاب كان يعيش في عالمه الخاص، حيث كان واضحاً من صوته مدى تأثره بخسارة فريقه أرسنال الكبيرة، فكان يجهش بالبكاء تارة، وتارة أخرى يبرر لصديقه لماذا يرى المستقبل سوداوياً للمدفعجية، ومرة يستعرض هفوات واخطاء المدرب ايمري، ويشدد على ضرورة عدم البدء بأوزيل، واعطاء الفرصة لأيوبي بالبدء باللقاء، وسط جدال مع زميله على أحقية اختيار اللاعبين، الى أن حاول الصديق أن يزيل هموم صديقه الباكي بقوله: “على الأقل أنت وفرت مالك ولم تذهب الى أذربيجان”، فرد الباكي: “لم أستطع جمع سوى 2000 جنيه استرليني لم تكن كافية لتغطية نفقات السفر الشاق والفندق والاقامة”، علماً انها كلفت الرحلة أكثر من 5 آلاف جنيه، للذين حالفهم الحظ، أو ربما العكس، بعد خسارة فريقهم. لكن اكثر ما اثار انتباهي عدم اكتراث هذا الشاب بالتعبير عن عواطفه الجياشة بالبكاء بشراهة في مكان عام أمام العشرات من ركاب الحافلة، بل اذاعة محادثته مع صديقه، وكأنه لا يكترث، أو انه فصلت مشاعره الرجولية بالقدرة على الصبر والتحمل، ولم يستدرك هذه اللحظات، التي كان فيها الاهم استخراج ما يضايقه من صدره.

نعم هي لحظات مؤلمة عند جمهور الخاسرين، توازيها فرحة عارمة عند جمهور الفائزين، قد لا تقل غرابة ورعونة من التعبير على العاطفة السارة بما عبر عنه المشجع الخاسر بعاطفة حزينة، ولهذا كنا نستغرب خلال منافسات كل كأس عالم عن حالات انتحار أو موت مفاجئ بسكتة قلبية، او حتى شجارات تصل حد القتل في خضم مباريات مهمة وحاسمة بين جماهير المتنافسين. والغريب أن كرة القدم لم تعد مجرد هواية تمارسها او تشجعها كل حين وآخر، بل أصبحت ضرورة حياتية، فاليوم عندما يتعرف صديق على آخر، اول سؤال يكون: من تشجع؟ فلا داعي لسؤال هل تحب كرة القدم؟ بل أصبح للدكتور والمهندس ورجل الأعمال والسياسي ورجل الاقتصاد فريق يعشقه ويتابعه بهوس، بل كان المتحاربون والافرقاء في شتى أنحاء الارض يختارون موعد مبارة الكلاسيكو الاسباني هدنة بينهم، وربما لم يعد الحديث من يلعب كرة القدم اليوم؟ بل بمشاعر من ستلعب الكرة اليوم؟     

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Zoro:

    احسنت أستاذ خلدون ……كان الله في عون من أبتلي بسحرها.. !!

إشترك في قائمتنا البريدية