عندما عادت كأس العالم سيدة بطولات كرة القدم!

أحمد عطا
حجم الخط
0

تتواصل ليالي المونديال، لكن ليلة الأربعاء كانت الأكثر حزنا للكرة العربية بتوديع تونس والسعودية للبطولة رغم انتصارهما على بطلي العالم وكوبا أميريكا.
هو مونديال عجيب في كافة تفاصيله. في روسيا انتظرنا حتى المباراة الثامنة للعرب ليسجّلوا نقطتهم الأولى في البطولة، بينما نحن هنا أمام انتصارين كبيرين وتاريخيين ومع ذلك لم يكونا كافيين للتأهل للدور التالي.
الدور التالي كان وكأنه العبور للجنة، يحتاج لعناء وبذل جهد كبير بعد أن كان دور المجموعات ترفيهيا لكثير من الفرق الكبيرة في بطولات سابقة. ربما كانت إنكلترا المنتخب الأبرز في مسألة الترفيه بعدما نجح في حصد 7 نقاط مع تسجيل 9 أهداف في 3 مباريات، لكن في تلك المجموعة بالذات كانت هناك معركة كروية سياسية جمعت الولايات المتحدة وإيران كان من شأنها أن تستحوذ على الاهتمام.
عندما واجهت قطر السنغال، كنت أشاهد المباراة ليحكي لي الرجل الجالس بجواري كيف أنه من إيران لكنه يعيش في أمريكا منذ كان يبلغ 10 سنوات. من ستشجع سيدي؟ سكت قليلًا قبل أن يرد ثم أخبرني أنه محايد بين البلدين قبل أن يميل علي ويخبرني أنه “بيني وبينك” يميل إلى الولايات المتحدة فهي البلد التي عاش فيها عمره كله تقريبا. لا داعي لأخبرك أنه اعتذر لي عن تسجيل تلك المحادثة بالفيديو تجنبا لأي إزعاج محتمل جراء معرفة هويته.
كثير من العرب كانوا يشجعون إيران بحرارة، ومن لم يكن يشجعها منهم كان ضدها بحرارة أيضا، وعلى سيرة العرب فإن هذا المونديال كان شعاره مونديال العرب، وهو شعار كنت تشعر معه وأنه مجرد كليشيه لا أكثر، لكن في الحقيقة فإن هذه البطولة جمعت العرب أكثر مما فرقتهم، فكرة القدم رغم أنها كانت عاملًا يساعد على التفرقة بين العرب عادة وليس العكس، إلا أن هذه البطولة لم تجمع العرب داخل المباريات فقط جراء تضامنهم الواضح مع بعضهم بعضا بل كانت فرصة واضحة للتقارب بينهم وفهم بعضهم أكثر، فعلى الأرجح ذلك المغربي الذي يرقص في سوق واقف أمام مطعم طاجين لم يقابل سعوديا قط في حياته، وهاهو يجلس في الجانب الآخر وهو يغني من على أحد مقاعد مقهى “لا بوكا” بينما أنا المصري أقف في المنتصف متابعا باستمتاع كيف لبعض المسافات الجغرافية أن تغير من ثقافات وتقاليد قومٍ يتحدثون نفس اللغة.
ويبدو وأن تلك المسافات الجغرافية تصنع الأفاعيل، فلمرة جديدة لا يبدو بعض الأوروبيين بأفضل حالاتهم الكروية بعيدا عن قارتهم العجوز. ماذا حل بالدنمارك؟ ولماذا بلجيكا مهددة إلى هذه الدرجة؟ وكيف يكون مصير ألمانيا معلقا حتى الجولة الأخيرة في مجموعة توجد بها اليابان وكوستاريكا؟ لقد لعبت تلك المنتخبات مواجهات قوية أمام جحافل من مناصري منافسيهم فلم يهتزوا ولم يرتعشوا وقدموا مباريات كبيرة دائما، لكن الدنمارك كانت تائهة في مجموعة حلت فيها الأخيرة بجدارة وبلجيكا كانت منسحقة نفسيا أمام المغرب، حتى وإن كانت مسيطرة على اللعب. لقد تخلت الجماهير الأوروبية عن منتخباتها فلم يأتوا بكثافة، لكن لا أعتقد أن الأمور كانت ستتغير كثيرا حتى وإن تواجدوا.
لا تزال القوى التقليدية الحالية هي الوحيدة القادرة على التغلب على هذا الأمر لفارق المستوى الواضح. إسبانيا مع لويس إنريكي قدمت 3 أشواط مميزة قبل أن تقلب ألمانيا الأمور في الشوط الرابع، والبرتغال عانت قليلًا أمام غانا لكنها تبدو منتخبا متماسكا فيما أظهرت البرازيل كيف أنها المرشح الأول للبطولة بحسب تقديرات كثيرين حتى وإن تأخر انتصاراها على صربيا وسويسرا اللذين دافعا بقوة دون فائدة، أما الأرجنتين فاستفاقت من ضربة السعوديين، ورغم تقديمهم لعرض متوسط أمام المكسيك إلا أنه على ما يبدو كان التوتر السبب فعرضهم تحسن أمام بولندا وأظهروا لماذا ظلوا 36 مباراة بدون هزيمة قبل ضربة سالم.
على كلِ فإنني شاهدت أحد الأصدقاء يتحسر على انتهاء أكثر من نصف مباريات البطولة وهو الذي كان ينتحب قبل أيام بسبب إيقاف المسابقات الأوروبية للأندية. كأس العالم عادت من جديد لفرض نفسها سيدة بطولات كرة القدم على هذا الكوكب والمنتخبات أعادت لمبارياتها البريق في بطولة امتلكت من المفاجآت أنه لم يعد أحد يملك الجرأة للجزم بمن سيتوج بطلا لها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية