تهدد أغنية سريعة ومتسرعة مولتها شركة اتصالات تحت عنوان دعم المنتخب الوطني لكرة القدم بالويل والثبور وعظائم الأمور كل من يقابل النشامى كرويا ضمن تصفيات كأس آسيا الأخيرة والتي ألهبت بدورها مشاعر متناقضة سياسيا في أوساط الأردنيين.
قبل ذلك وضمن نفس السياق تسابق خمسة من المطربين الشعبيين لتركيب سلسلة من الأغنيات من يستمع لها يشعر بأن أصغر لاعب في فريق منتخب النشامى بدأ يشبه مارادونا أو بيليه أو غيرهما من أساطير كرة القدم الكونيين.
لا يوجد حدود لمنع الجمهور في أي بلد من الاحتفال بإنجازات رياضية فالمقهور والمستاء والقلق وهم الأكثرية من الصعب منعه من التعبير عن أي فرح ومن أي نوع، الأمر الذي يفسر حجم المبالغة ليس في دعم المنتخب الوطني في كرة القدم فهذا حق وواجب ولكن المبالغة في رؤية الذات وتقدير الكلفة الباهظة لغياب الموضوعية والتضخم السرطاني المقلق في «الأنا الوطنية».
ببساطة يمكن اعتبار تلك الأغاني المتسرعة دليل عميق على حجم أزمة رفض الأردني بصرف النظر عن مقعده بين الجمهور أو في الدولة لفكرة وثقافة التعامل مع الوقائع على الأرض حيث ارتجال وعشوائية وتخبط وغلو وتطرف وتضخم في الأنا مقابل غياب ملحوظ ومرصود للتخطيط البرامجي والمنهج العلمي.
تحتاج المؤشرات التي عكست شغف الأردني لأي فرح ومن أي نوع لدراسة وتأمل عميق باعتبارها تعبيرا عن أزمة أكثر من كونها تعبيرا عن التشدد في الوطنية.
هنا نلاحظ أن الاغنيات الكروية تحديدا والتي بالمناسبة تميزت بنصوص وعبارات ركيكة وسلقت موسيقيا بتسرع ولأهداف شعبوية مباشرة وبائسة حملت في طياتها رسائل من تعملق الذات والخصومة تجاه كل الآخر لا تعكس إطلاقا طبيعة المجتمع الأردني وحقيقة مواقفه واتجاهاته كما أنها لا تعكس بنفس المقدار حقائق مواقف واتجاهات الدولة الأردنية.
كان غريبا في السياق ولافتا للنظر البحث عن رمزية وطنية تتشدد فعلا في التنديد بالآخر وانكاره على مستوى كرة القدم على الأقل مع استثناء وحيد يحتاج أيضا للدراسة والتأمل له علاقة بمباراة انتهت بالتعادل السلبي مع منتخب فلسطين.
عند التأمل في الهتافات والشعارات والتغريدات تطرف المشجع الأردني وهو يعلي من شأن طبخة المنسف ضد الكنغر الإيراني كما تشدد وهو يغلق باب الحارة السوري قبل الهزيمة المدوية أمام فريق متواضع مثل فيتنام.
العملاق الأردني موجود في الأغنيات فقط حيث تلك الآليات القادرة على «طقطقة عظام الخصم» رغم أن العدو في الوجدان الأردني الحقيقي هو فقط إسرائيل وهي ذلك الكيان الشريك عمليا في كل شيء له علاقة بالإقليم والعالم.
يحتاج الأردني لأن تتوقف ماكينته البيروقراطية والعشائرية والاجتماعية عن نفخ ذاته.
ويحتاج الأردنيون جميعا إلى مستويات من التعقل والرشد والواقعية في إدارة مصالحهم ومواردهم
ثمة تشدد في الأغاني والعبارات لا تعكس وقائع الحال والمسألة غير محصورة بكرة القدم فقط فمن يستمع لأي موظف في وزارة الداخلية الأردنية يشعر أنه في مواجهة بنية بيروقراطية وأمنية لا تقل كفاءة على الإطلاق عن تلك البنية الموجودة في أهم خمس دول في العالم.
في الاقتصاد والمال يسترسل الجميع من المسؤولين في إنكار أو تبرير الأزمة ويغرق المعنيون جميعا في الاخفاق بإعادة خدمات القطاع العام إلى المستوى الذي كانت عليه قبل 40 عاما.
في السياسة أيضا ثمة خطابات كثيرة وأناشيد استعراضية وقدرات موهومة يتم النفخ بها بلا سبب رغم أن ميزان العلاقات اليوم يشير لخسائر متراكمة وعلى كل الجبهات عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الخارجية.
في الأمن يمكن تلمس نفس الاشكالية رغم أن الأردني بطبيعته خجول ويغار على دولته ويحترم خياراتها وحتى اخفاقاتها ويتجنب بحكم توارث ثقافي الحديث عن العيوب والمثالب والمشكلات مما أدى تلقائيا الى تنامي فلسفة التورم الوطني والتي يقابلها انيميا في الانجاز والحقائق والوقائع على حد تعبير الباحث والأكاديمي البارز الدكتور وليد عبد الحي.
يحتاج الأردني لأن تتوقف ماكينته البيروقراطية والعشائرية والاجتماعية عن نفخ ذاته.
ويحتاج الأردنيون جميعا إلى مستويات من التعقل والرشد والواقعية في إدارة مصالحهم ومواردهم.
وينبغي أن يتوقف تصرف الرسميين الأردنيين خصوصا في الانفاق وعلى السفرات والمؤتمرات في الخارج وكأنهم يمثلون دولة نفطية.
قليل من التواضع والواقعية يخدم الأهداف النبيلة وكثير من التخطيط المسبق والاستدراك والتوقف مع الذات والتأمل والتعمق ووضع خطط قابلة للتنفيذ مطلوب اليوم بصفته تعبيرا عن الاحتياجات الضرورية ليس للصعود في المستقبل والنمو ولكن على الأقل للصمود والبقاء والمقاومة قبل التخطيط للمستقبل.
ثمة مشكلة في قبول الآخر وحاجة ملحة للتنويع في الخيارات الاستراتيجية.
وثمة ضرورة وطنية تتمثل في العودة الى المنطقة صفر حيث المدرسة والتربية والتعليم وحيث عودة القطاع العام كما كان في الماضي قبل تفشي الفساد والترهل والمحسوبية.
بعد مثل هذه العودة يمكن القول إن فريق النشامى سيحظى بالعناية اللازمة ومن الجميع وبان الأردني يمكنه التفاؤل بالمستقبل ولو قليلا ولحظتها لا مانع من اطلاق اغنيات جديدة ترفع الروح المعنوية شريطة أن يتعب عليها قليلا.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
دولة تقوم على الواسطة والمحسوبية والعنصرية ( العشائرية ) لا يمكن ان تنجح في اي شيء , علما بان التنوع السكاني الموجود في الاردن يجعلها ان تكون في القمة ولكن……..
أصبت كبد الحقيقة أخي بسام
قليل من التواضع والواقعية يخدم الأهداف النبيلة وكثير من التخطيط المسبق والاستدراك والتوقف مع الذات والتأمل والتعمق ووضع خطط قابلة للتنفيذ . هو تلخيص جميل للمقال و للمراد منه فعلا من وجهة نظر فاز منتخب النشامى على استراليا لانه احترم المنتخب الاسترالي وذلك واضح من طريقة اللعب الرجولية وذلك لسد عدة فجوات فنية واقعية وللاسف غابت الواقعية في مباراة فيتنام لانها اي فيتنام لعبت بما تجيده ويتناسب مع قدراتها وهذا ايضا واقعية ففازت .
الاستاذ البدارين قدير بلا شك ، من اجمل ما نشر سابقا على اثير هذه الصحيفة كان عن مدينة عمان ، ” نيويورك الشرق ” – اذا جاز التعبير – تمتلك كل شروط التحول الى مدينة كوزموبوليتانية تلم وتحتضن العرب وغيرهم في المنطقة ثم تصدر نموذجها الى اربد والكرك والزرقاء والطفيلة ، ما يحدث هو العكس ، المدن الصغيرة الأخرى في المملكة تصر على تصدير نموذجها هي الى المدينة الكبيرة عمان واعطائها ليس اكثر من دور وظيفي لرعاية النفوذ والمحاصصة والتأثير ، ليس هكذا تقوم الدول وتنمو الأمم الحديثة ،
هذه هي المشكلة الرئيسية في الاردن: تعملق الذات..وكانهم أحفاد هرقل او الاسكندر المقدوني..والمشكلة الأعظم هو عدم الاعتراف بان الآخر قد يكون انسان ذكي ومحترم وقادر و”ابن عائلة محترمة”..