عمان – «القدس العربي» : يبدو «استعلاماً» بنكهة سياسية ويثير فضول الأسئلة وشهيتها رغم أن الحكومة نفت ذلك علناً. ويتعلق الأمر بتطورات المشهد الأردني المحلي اليوم، بقائمة تسربت بصورة غامضة حتى الآن، تضم نحو عشرة أشخاص، بينهم شخصيات بارزة جداً وأصهار وأقرباء وأفراد من عائلة واحدة، تحت سياق عمل لجنة فنية متخصصة في البنك المركزي وضعت إشارة «الاستعلام» عن أرصدة وحركة مال.
كالعادة، تلقفت المنصات والمجموعات الإلكترونية تلك القائمة خلافاً لحقيقتها الفنية والقانونية، فالموضوع له علاقة بالاستعلام وليس حجز أموال، وهو إجراء روتيني يتيح لمراقبي البنك المركزي التدقيق في حركة حسابات.
هزات ارتدادية بالجملة ومخاوف و«تسمين» محاولة «انشقاق» بين المعلمين مجدداً
ليس سراً أن القائمة تضم أسماء برلمانية بارزة، وطبيباً مشهوراً ونجله، وعدة سيدات لديهن علاقة بعالم المال والأعمال.
لن تكون تلك القائمة الوحيدة وسط عملية تقليب الدفاتر الضريبية والمالية وحركة الحسابات المثيرة للجدل في الأردن، فوزير المالية الدكتور محمد العسعس صرح بأن القائمة تطول، وبأن الإجراءات المالية والضريبية بإشرافه شخصياً حلقة في برنامج وطن متفق عليه تحت عنوان استعادة أموال الدولة.
في الأثناء، وبعيداً عن الجانب القانوني والفني في المسألة، يبدو أن التدقيق بالحسابات ومداهمات الضريبة تثير صنفاً من الانقسام أكبر من المتوقع، خصوصاً في صفوف النخب والصالونات، وحتى ضمن نطاق تحالفات المتضررين من وجبة التدقيق الأولى في مداهمات الضريبة.
التعبيرات بالألغاز وتوجيه الرسائل تجتاح مجموعات التواصل الأردنية في سياق رد الفعل على الفعل الذي يتبناه علناً مسؤول الإيقاع المالي في الحكومة الوزير العسعس.
الإيحاءات كثيرة جداً ومزدحمة.
والهزات الارتدادية لا يمكن الرهان على الاستهانة بها دوماً، فنقابة المعلمين مثلاً التي تلوح بالتصعيد باستعادة علاوة رواتبها، بصدد انشقاق محتمل ومسنود له علاقة بنصف مليون دينار تبرعت به النقابة لصالح مجهود الحكومة في مواجهة فيروس كورونا، وهي الحكومة نفسها التي أصدرت أمراً للدفاع ألغى العلاوات للمعلمين وغيرهم.
قد يدفع القائد الأبرز لحراك المعلمين، ناصر النواصرة، ثمن محاولة تسمين الخلاف الداخلي والانشقاق في أضخم نقابة محلية.
لكن على جبهة موازية، يقرر بروفيسور مهم سبق أن ترأس الجامعة الأردنية، وهو الدكتور اخليف الطراونة، شقيق رئيس مجلس النواب الحالي، توجيه رسالة تحت الحزام بعد استدعاء قصة تراثية شعبية باسم «صقر أم قيس».
باختصار، تقول القصة إن صقراً يمتلكه ويدربه أحد مواطني قرية أم قيس شمال البلاد، كلما أطلقه صاحبه للصيد فوجئ بأن الصقر يصيد دجاجة من طيور صاحبه.
تلك بالتأكيد رسالة سياسية أقرب إلى صيغة الدولة التي تأكل أولادها، بتوقيع بروفيسور من أقطاب التعليم.
لكن على جبهة المنابر، تنقل مجموعات التواصل تصريحاً مجهولاً لا يوجد ولا دليل على صدروه عن صاحبه، وهو رئيس الوزراء الأسبق والمخضرم علي أبو الراغب، الذي ينقل عنه عبارة تقول بأن فتح ملفاته سيؤدي إلى فتحه لكل الملفات.
في التوازي، يتحول رئيس الوزراء الأسبق الدكتور هاني الملقي، إلى كاتب مقال وينشر رأياً يستهدف، على الأرجح، الرد على فكرة حكومة الرئيس عمر الرزاز بخصوص التحصيل الضريبي. ينتقد الملقي أي عبارة لها علاقة بوصف «حكومة جباية» على أنها شتيمة، معتبراً العكس؛ أن واجب الحكومة جباية وجمع الضرائب دستورياً.
يبدو هنا أن الملقي في محاولة متأخرة ومفاجئة تسعى للتنديد بنظرية وزير المالية الدكتور محمد العسعس، التي سمعتها «القدس العربي» طبعاً منه مباشرة عدة مرات، والقائلة بأن منهجية الجباية الضريبية فقط لا تؤدي إلى النمو الاقتصادي ولا تحقق الأهداف المرجوة.
في التوازي، يظهر خبير اقتصادي ثقيل الوزن، وهو نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، على شاشة التلفزيون، ليؤكد أن الخلل ليس بقيام الحكومة بواجبها الدستوري في جمع وتحصيل الضرائب، وإنما في المغالاة في فرض الضرائب وفي طريقة وتقنيات جمعها أو جبايتها.
يسجل الحلايقة ملاحظة جريئة على أداء الحكومة في مساحة المداهمات الضريبية، مقدراً أن التركيز فقط على المداهمات الأمنية يثير الانتباه والاشتباه بعيداً عن المضمون.
وهو يعترض أيضاً على تسريب الأسماء والقوائم قبل مراحل التقاضي، مشيراً إلى مفارقة أهم لا علاقة لها بنتائج وإيجابيات تحصيل الدولة لأموالها، لكن بالإفراط في بعض الأساليب التي تؤدي إلى تحويل كل رجل أعمال إلى «مشتبه به».
هنا يحاول الحلايقة، بصورة غير مباشرة طبعاً، التفريق ما بين التشهير من بعض المؤسسات والشركات والأشخاص، وبين حوار له علاقة بحقوق الدولة يمكن أن يعفي -كما يقول لـ «القدس العربي»- مباشرة الجميع الضجيج وإثارة الانتباه.
حتى من شخصيات عميقة وخبيرة مثل الرئيسين سمير الرفاعي وطاهر المصري، سمعت «القدس العربي» ملاحظات وتقييمات تقود إلى الاستنتاج بإمكانية توفير ملاذات أخرى بعيداً عن الإفراط في المداهمات للتفاهم مع المتهربين من الضريبة.
قالها المصري بصورة ناضجة: لا خلاف على زيادة كفاءة التحصيل، لكن الإطار القانوني فاصل ودقيق، ومن الصعب وطنياً تحمل كلفة التشهير في ظل وجود تفاعل إعلامي ومنصاتي متسرع وقد تنقصه مؤشرات النضج.
وأمام نخبة من رموز القطاع التجاري، قالها أيضاً الرئيس الرفاعي، معتبراً أنه لو كان في إدارة المشهد لحاول تحقيق الأهداف بأسلوب مختلف.
لكن حكومة الرئيس عمر الرزاز يبدو قليلاً أنها تستعجل الحصول على النتائج، وترد على كل تلك الملاحظات في مشهد أقرب لحرق المراحل وإنجاز المطلوب من الحكومة بإيقاع أسرع قبل تعرض البلاد والعباد لاستحقاق الانتخابات وما بعد كورونا، وحتى مشروع ضم الضفة الغربية.
وهي مهمة أقرب إلى صيغة الانتحار السياسي أو المعادلة التي سمعتها «القدس العربي» من أحد الوزراء البارزين، وقوامها الحمق السياسي مقابل المصلحة الوطنية.
لا يبدو أن الإجماع النخبوي الداخلي الحاصل على برنامج الحكومة في استعادة المال الرسمي والاستعلام عن مال أسود محتمل بالتوازي مع توجيه ضربات للمال السياسي.
ولا يبدو أن عملية من هذا الوزن، مهمة وإصلاحية ووطنية بالتأكيد، قد تستمر بلا كلفة.