تذهب الدول الديمقراطية في العالم إلى إعتبار الإعلام «السلطة الرابعة»، وتنعته بـ»صاحبة الجلالة» وغيرها من الصفات التي تبرز المكانة المرموقة لميدان على درجة عالية من الدقة والحساسية. يسعى العاملون في هذا المجال في تلك الدول إلى التمسك بحقهم الطبيعي في ممارسة مهنتهم بقدر عال من الحرفية، ويدافعون عن مساحة الحرية اللازمة لنجاحهم في «مهنة المتاعب».
في الأثناء تمارس الكثير من الدول، التي تسيطر عليها الأنظمة الديكتاتورية أنماطا مختلفة في قمع الإعلام، وتتجرد هذه المهنة من الصفات الحسنة، التي تميزها ليبقى فقط مصطلح «المتاعب» كعنوان بارز لهذا الميدان في هذه الربوع. ولعل الجانب الأشد قتامة في هذه المسألة أن العاملين في هذا القطاع في هذه الدول عادة ما يخضعون لسلطة الحاكم، بل ويتحولون إلى أبواق تشيد وتؤسس وتنمي ثقافة القمع والترهيب لتصل إلى مرحلة صناعة الطاغية.
اليوم في مصر يسير المشهد العام، ولا سيما الإعلامي في هذا الاتجاه، وقد جاءت «براءة» الرئيس المخلوع دليلا قطعيا على إنهيار «السلطة الرابعة» وفقدانها لأهميتها، وخروجها عن دورها. وسأتوقف عند الاعلامي أحمد مرسي مقدم برنامج «ستوديو البلد» على قناة «صدى البلد»، وهذا المثال أورده على سبيل الذكر لا الحصر بالنسبة لصحافيي مصر اليوم.
ولسائل أن يسأل ما الذي يحملني إلى كل هذا؟ الحقيقة أنني أستطيع القول إنني أصبت بالذهول وأنا أتابع السعادة، التي تعلو محيا الإعلامي وهو يرحب بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ويهنيه عقب تبرأته من الجرائم التي ارتكبها في حق شعب الفراعنة.
المقدم لم يستطع أبدا أن يخفي بهجته بقرار القضاء، كلماته وتعبيرات وجهه وحديثه اللطيف مع مبارك، ولعل الأمر الأغرب أن المقدم ما زال يختزن فكرة أن الديكتاتور الذي يدرك الجميع جرائمه يستحق لقب الرئيس. أما الصورة المضحكة في هذه المكالمة التي جرت مباشرة على الهواء أن المقدم نسي أن يسأل رئيسه عن المسؤول عن قتل المتظاهرين والجرحى، واتجه إلى السؤال عما إذا كانت الثورة اندلعت بفعل ترتيبات داخلية وخارجية أمريكية؟
وبدا لي أنه من المخجل أن يصدر هذا عن صحافي، فكيف له أن يتجاهل مئات الأرواح، التي قدمت نفسها فداء لأمل في حياة أخرى للبلاد؟ كيف إمتلك كل ذلك القدر من اللامبالاة بعواطف العائلات التي ذهب أبناؤها ضحية تعنته؟ وهل كان هذا السيد غائبا عن أحداث الثورة المصرية حتى وقع في هذا المشهد المسرحي الساخر القاتل؟!
أسئلة كثيرة تطرح بصفة إنكارية لأن الجميع يملك الإجابة عليها. فبمجرد الاجتهاد قليلا لتحليل هذا الموقف ندرك أولا أن مقولة «إن من تربى على العبودية لن يقبل الحرية حتى لو منح إياها» هي فكرة تنطبق على الكثيرين اليوم على غرار هؤلاء الصحافيين.
كما أن الحرية تحتاج إلى فترة زمنية من التطبيق لتتحول إلى ثقافة يعتادها مريدوها، والحال أن عبد سيده قد أخذه الحنين إلى فترة الديكتاتورية مما جعلته لا إراديا يعبر عن خضوعه للطاغوت، لا سيما وأن المشهد العام في مصر بعد الثورة قد انتقل من ديكتاتورية إلى دكتاتورية أشد. حيث إتسم المشهد الإعلامي المصري بخط أحادي يعبر عن رأي واحد وصوت واحد، ونعني بذلك الصوت المؤيد مع تغييب كامل لأي صوت مختلف أو معارض.
حتى أن الإعلام بشقيه الحكومي والخاص بدا وكأنه فرقة موسيقية تعزف لحنا واحدا، حسب إشارة قائد واحد دون السماح لأي عضو بالخروج عن إيقاع تمجيد المؤسسة العسكرية ودورها الوطني وتخوين أي شخص ينتقدها أو حتى ينتقد بعض قياداتها. مسار لست أدري ما إذا كان الإعلام المصري قد انتهجه عن قناعة – وهذا التصور يضع الإعلاميين في قفص الاتهام – أو أجبروا على ذلك ـ وهذا أشد وطأة وسيضعهم أمام مساءلة التاريخ يوما ما.
وقد تحدثت منظمات دولية عدة عن خطورة ما يجري على الساحة الاعلامية في مصر، لأن هذا التوجه الذي ينهجونه اليوم أعاد البلاد إلى سياسة التعتيم على الانتهاكات، وحتما أن الأمر سيتفاقم ما دام الإعلام الذي تلقى على عاتقه مسؤولية الكشف عن الإخلالات قد اختار الوقوف إلى صف الجاني.
وهنا تذكرت لقائي باحدى الشخصيات السياسية المصرية التي تحولت إلى تونس في إطار نشاط منظمة دولية، ولدى محاولتي إجراء مقابلة صحافية معه وجدت شخصا يعصره الخوف من التصريح بأشياء حدثني ارتباكه وبحثه عن الكلام دون أن يجده عن مقدار غلق حرية التعبير في بلاد الفراعنة.
أمام كل هذا بدا لي خطاب الرئيس المصري عقب مغادرة حسني مبارك السجن مرتبكا وهو يطمئن المصريين بأنهم في الطريق لتأسيس دولة ديمقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد. وقد يجد البعض في كلامي هذا تحاملا على إعلاميي مصر، والحقيقة أن الأمر لا علاقة له بذلك ولكنها صورة الإعلام في مصر اليوم، فهل هذه هي ثمار الثورة في هذا البلد؟!
عودة الملف النووي الإيراني
يطفو على السطح هذه الفترة الملف النووي الإيراني، الذي غيب عن الإعلامين العربي والعالمي بسبب ظهور الكثير من الملفات السياسية الساخنة الكبرى الأخرى على الساحة، وفي أكثر من بلد. اليوم ومع الإعلان عن تمديد المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني دخل هذا الملف من جديد المنابر الإعلامية الكبرى ولا سيما الفضائيات الإخبارية. وقد كانت قناة «سكاي نيوز» إحدى الفضائيات التي أدرجت هذه المسألة في منابرها الحوارية في برنامج «حوار الليلة» الذي يقدمه الإعلامي مهند الخطيب تحت عنوان «لماذا وافق الغرب على تمديد المفاوضات مع إيران؟».
وقد حاول المقدم مع ضيوفه الحديث عما إذا كان تمديد المفاوضات سيخدم الجانب الأمريكي أو الايراني على المديين القريب والبعيد لا سيما في ظل وضع إقليمي دقيق. كما تم الاتفاق على أن الجانبين لا يرغبان في مواجهة أمنية وسياسية، زد على ذلك إقرار الطرفين بالعواقب الوخيمة لمسألة الإعلان عن فشل المفاوضات. بالعودة إلى مجريات هذا الملف فإن المحادثات النووية الإيرانية أصبحت مسألة سياسة خارجية عالقة حملت الفصيلين الكلاسيكيين إلى الانقسام والاختلاف حول هذه المسألة. ففي الوقت الذي يتجه أوباما إلى خيار تمديد المفاوضات وترك خيار العقوبات تحت ذريعة انعكاسات ذلك على عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، يصر الجمهوريون على فرض عقوبات أكثر صرامة على طهران.
لهذا قد يتحول تمديد المفاوضات إلى مشكلة صعبة بالنسبة للرئيس أوباما، الذي سيحتاج إلى آلية جديدة تمكنه من التعامل لإقناع كونغرس أمريكي بأغلبية جمهورية. بل أن هؤلاء البرلمانيين بدأوا بتمرير رسائل إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية مفادها أنه سيرغم على التراجع عن برنامجه النووي، رغم وجود بعض الخبراء الأمريكيين الذين يعتبرون أن تصعيدا مبكرا في العقوبات قد يكون له تأثير عكسي.
ولفهم واقع الحال اليوم لا بد من العودة إلى أهم مسببات هذا الوضع. حيث أن ظهور «داعش» كان عاملا أساسيا في الإنصراف عن الإهتمام بإيران الفترة الماضية، والتوجه نحو التفكير في التصدي لما يسمى بـ»الإرهاب السني»، ما أدى إلى التراجع النسبي في الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني. وهذا الملف جعل واشنطن بحاجة إلى دعم إيران في العراق بسبب علاقاتها القوية مع القوى الشيعية هناك. كما يأتي هذا بالنظر إلى تراجع الضغوط على نظام بشار الأسد، حليف إيران الإقليمي الأهم، بل أصبحت هناك مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة ونظام الأسد في التصدي لداعش.
كما أن إيران حاولت استغلال ظهور تنظيم «داعش» بتوجهاته المتطرفة ضد الشيعة لتلعب ورقة الصراع المذهبي وقدمت نفسها على اعتبارها «حامية» الشيعة في المنطقة في مواجهة «إرهاب السنة». وكل هذه الاعتبارات قد تكون سببا في إرباك أوباما أكثر الذي سيجد نفسه بين خيارين أفضلهما مر.
إعلامية من تونس
فاطمة البدري ٭
معظم اعلاميي مصر الآن يحنون لعهد مبارك
فلقد كانوا يشعرون بقدر من الحرية افتقدوها مع السيسي
وقد يكون حنينهم هذا هو بسبب سقوطهم بعين الشعب الذي لفظهم
أما عن الأمريكان وايران فهما بتحالف استراتيجي طويل المدى
ولا حول ولا قوة الا بالله
الاخت الفاضله كاتبة المقال , انا واحد من الناس كنت اتمنى الاعدام لمبارك و اولاده و كل من افسد او ساعد على الفساد فى مصر , و لكن اذا كنا نطالب بالحريه و الديموقراطيه فيجب علينا اولا احترام الرأى الاخر حتى و ان كان مخالف لرأينا او مخالف للاعراف او لما هو مألوف هذا المبداء هو حجر الاساس فى اى بناء ديموقراطى, و ما فعله احمد ( موسى ) من وجهة نظرى شئ مشين و مريع لكن من حقه ابداء رأيه المخالف لرأينا و الا اصبحنا كالقطيع نسير كلنا فى اتجاه واحد
قائل قال : “مشكلة أغلبنا أننا نفضل أن يقضي علينا المديح على أن ينقذنا النقد ”
وإبن مصر, نجيب محفوظ قال :” الثورات يدبرها الدهاة، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء.” هي طبيعة البشر على مر الأزمان والعصور, المهم هو أن من دخل اللعبة عليه قبول قواعدها وأن يكون يقظا, السياسة عالم متسخ في غالب الأحيان. أما الحرية فهي إحساس, مايعتبر حرية في نظري ليس بالضرورة حرية في نظر الآخر. لكن لحسن حظنا مع ذلك هناك قاعدة مشتركة ولو لبعض منها.
ثم هناك قطيع آخر من البشر, لاغرض لهم بالحرية إن توفر لهم فقط علف وماء, لو خاطبتهم عن شيء خارج المعهود فعلوا كمن قال في حقهم قدامى بني البشر على لسان قيدوم الفلاسفة أفلاطون: “لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات”.
هم البشر, هم هكذا, فلا نستغرب.
الرئيس أوباما ، لا يحمي لا حماة الشيعة ، ولا حمات السنة..
أوباما يؤجج التوتر والصراع بينهما …