في الوقت الذي يسعى فيه رجل الأعمال والسياسي الفلسطيني منيب المصري إلى انهاء حالة الانقسام الفلسطيني المديد، والعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت المشهد الأهم خلال هبة الأقصى الرمضانية؛ أعلن أخيراً إعتزامه مقاضاة المملكة المتحدة على ارتكابها جريمة تاريخية بحق الشعب الفلسطيني، منذ أن منحت طرفا أرضاً لا حق له بها، من خلال وعد وزير خارجيتها الأسبق ؛ أرثر جيمس بلفور الذي مضى عليه 104 أعوام؛ والذي أسس بدوره لإنشاء الكيان الصهيوني في الخامس عشر من أيار/مايو 1948 على 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغ مساحتها (27009) كيلومترات مربعة ، بعد طرد (850) ألف فلسطيني من ديارهم كانوا يشكلون (61) في المائة من إجمالي الشعب الفلسطيني .لكن ثمة أسئلة تبرز إلى الأمام بعد إعلان منيب المصري ؛ في مقدمتها إمكانية نجاح المسعى الوطني الكبير وتجريم بريطانيا واعتذارها في نهاية المطاف من الشعب الفلسطيني عن تداعيات وعدها المشئوم ؛ وتالياً تحمل مسؤولياتها حول معاناة الفلسطينيين المستمرة منذ إنشاء الكيان قبل أكثر من ثلاثة وسبعين عاماً.
يرى منيب المصري أن هناك أوراق قوة في حوزة الشعب الفلسطيني؛ لإنجاح عملية مقاضاة بريطانيا واعتذارها للشعب الفلسطيني في نهاية الأمر، فثمة أوراق قوة قانونية وإعلامية ودبلوماسية سياسية من خلال إعتراف 138 بدولة فلسطين ؛ فضلاً عن عضويتها في العديد من المنظمات الدولية.
في مقابل ذلك ستواجه بريطانيا ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري الذي أنشأ الكيان المغتصب الخطوة الفلسطينية للمقاضاة والإعتذار ، بزيادة الضغط على الشعب الفلسطيني عبر تجميد المساعدات المالية وخاصة للأونروا التي يستفيد من خدماتها أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني ؛ الأمر الذي يستدعي إنشاء شبكة أمان فلسطينية عربية ومن مناصرين من دول العالم للقضية الفلسطينية؛ وتشكيل عدد كبير من لجان قانونية وإعلامية داخل فلسطين التاريخية ومهاجر الفلسطينيين القريبة والبعيدة ؛ وهناك طاقات كبيرة لرفد تلك التوجهات لدعم عملية مقاضاة بريطانية ونجاح هذا المسعى وصولاً إلى اعتذارها وتحملها المسؤولية التاريخية والسياسية عن انشاء الكيان الصهيوني ومعاناة الشعب الفلسطيني؛ وفي هذا السياق يمكن التواصل وإطلاق حملات إعلامية للاستفادة من الشباب الفلسطيني على امتداد فلسطين والمهاجر، الذين أوصلوا رسالة الحق الفلسطيني إلى جهات الأرض الأربع، وكشفوا زيف الرواية الصهيونية حول فلسطين وكذلك عنصرية إسرائيل وفاشيتها على نطاق واسع خلال هبة الأقصى الرمضانية في أيار/ مايو المنصرم ؛ حيث ابتكروا فكرة “السلطة الخامسة” من خلال امتلاكهم لسلاحهم الناعم المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي واستخدامه بدراية كاملة وبلغات عديدة ، لتكتمل الصورة مع مناصرين لفلسطين عبر تلك الوسائل من قبل أدباء ورياضيين وفنانين وغيرهم .
خطوة منيب المصري لمقاضاة بريطانيا مسعى وطني هام وجدير بالاهتمام ليصل إلى الهدف المنشود ، وبداية الالف ميل تبدأ بخطوة .
كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (181) الصادر قبل أربعة سبعين عاماً، وبالتحديد في 29 تشرين الثاني /نوفمبر من عام 1947 بمثابة المؤسس العملي لإنشاء الكيان الصهيوني خلال العام التالي.
وقد ألقت بريطانيا قضية فلسطين في جعبة الأمم المتحدة ، للتهرب من النتائج الكارثية التي حلت على فلسطين وشعبها لاحقاً ، كنتيجة مباشرة وجوهرية لوعد بلفور في الثاني من تشرين ثاني / نوفمبر 1917، والداعي لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لتحصل نكبة الفلسطينيين الكبرى في عام 1948 ، وتالياً إنشاء الكيان في أيار/ مايو من العام نفسه على القسم الأكبر من مساحة فلسطين.
ويمكن الجزم أن المأساة الإنسانية التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 ، كانت مأساة مدمرة، فقد طرد ونزح من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل حوالي 850 ألف عربي فلسطيني بقوة المجازر الصهيونية التي ارتكب العديد منها إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين .
لتبرز فيما بعد وبقوة قضية اللاجئين على أنها القضية الأهم في إطار القضية الفلسطينية، حيث أصدرت هيئة الأمم المتحدة أكثر من خمسين قراراً يقضي بوجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء الطرد القسري وتدمير ديارهم.
وقد رفضت إسرائيل على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ، وفي الوقت نفسه لم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على تنفيذ تلك القرارات الدولية بشأن فلسطين. ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول/ ديسمبر عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1950، والقرار 512 الصادر في 26 كانون الثاني/ يناير 1952، إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم بأقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة الطرد القسري والاقتلاع من أرضهم.
وفي عام 1948 تشكلت هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتولت أعمال الإغاثة لوكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية، بعد إمعان المنظمات الصهيونية في قتل وتهجير اللاجئين الفلسطينيين، تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة، وبدلاً من وضع حد للإرهاب الإسرائيلي، مع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز معظمهم على حدود فلسطين “دول الطوق العربية ” ومنع السلطات الإسرائيلية بحزم عودتهم، قامت الأمم المتحدة بإدخال تطوير على تلك اللجنة وتوسيع مهامها، حين تبين أن قضية اللاجئين لن تحل سريعا.
ويبقى القول إن مسعى رجل الأعمال والسياسي الفلسطيني منيب المصري بمقاضاة بريطانيا عن وعدها المشؤوم، سينجح بكل تأكيد ويحقق الأهداف المرجوة ، لكنه يحتاج إلى تضافر جهود كافة الطاقات والخبرات القانونية والإعلامية، وكذلك المخلصين والمناصرين للشعب الفلسطيني المكلوم؛ وستنتصر بكل تأكيد قوة الحق على قوة المستعمر.
٭كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
مقال مهم اخي نبيل . علينا أن نطرق كل الأبواب وكل باختصاصه ، وجهد رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري ذو اهمية كبيرة لقضيتنا العادلة.
هيهات لو ان الامر بهذه البساطة ، المصري شخصية لها كل الاحترام بكل تأكيد لكن يبدو لي الامر فيه مبالغة ، لكن حتى لو قانونيًا نجح الامر فأنه سياسيا له سياق آخر تماما ، ولنا في قرار امريكا المتعلق بالقدس وردود الفعل عليه وكذلك بموجة التطبيع مع الدول العربية مثال ساطع ، اشرتُ سابقا ان نقطة ضعف وعد بلفور لو ان العرب تمسكوا بالوعد البريطاني في انشاء الدولة العربية الكبرى في الهلال الخصيب والحجاز ، وما حدث فعلا هو تأسيس عدة دول حصلت على شرعيتها الدولية من بريطانيا نفسها وكذلك فرنسا .
ربنا يعطيه الصحة والعافية