رحل الشاعر السوري إياد شاهين، يوم 10/ 7/ 2013. وفوراً تضاربت الأنباء بخصوص أسباب هذه الوفاة المفاجئة، فبينما ذهب البعض إلى أنها نتيجة ذبحة قلبية، ذهب الناشطون السوريون إلى القول إن الشاعر وطبيب الأسنان المعروف قد اختفى قبل 48 ساعة من وفاته، في أحد فروع المخابرات السورية، وإنه قضى تحت التعذيب، وهو ما بات مرجّحاً الآن، وبقوّة.
كانت آخر جملة كتبها على صفحته في الـ’فيس بوك’ هي: ‘أخاف إذا متُّ أن تقتليني’، ويبدو فعلاً أنه لم يكن يكتب شعراً هذه المرة بمقدار ما كان يستبصر مصيره الشخصي، فصاحب المجموعة اليتيمة ‘كورتاج’، الكلمة التي تعني الإجهاض، الموت في الولادة، ليس غريباً عليه أن يدرك إشارات نهايته، فمن قبل قال: ‘لقد نجوتُ من الحياة بأعجوبة’.
ولد شاهين في دمشق عام 1967، أما ‘كورتاج’ فصدرت في 2003، وأعيدت طباعتها في 2008، وخلافاً للمجموعات الشعرية التي تتوالد بغزارة، لقيت هذه المجموعة احتفاء خاصاً، لدى الشعراء والمهتمين بالشعر على حد سواء، فكثيراً ما تجد الشباب يحفظون قصائده رغم صعوبة حفظ القصيدة الجديدة، وكثيراً أيضاً ما تمّ استخدامها في أعمال مسرحية وفنية.
دأب على اقتطاف مجتزآت مما يقرأ، جملةً أو لقطةً، همسةً أو صرخةً، ثم يرتّب المقتطفاتِ في دفاتر يسمّيها ‘كتاب الشّيخوخة’، وكان ينشرها تحت هذا العنوان في جريدة ‘الخبر’ المحتجبة، غايته الأولى ادخار كتاب خاص به، يخفّف عنه ضجرَ الشيخوخة القادمة، إحدى قصائده كانت تجيب عن سؤال ‘إلى أين تذهب’ بـ’إلى الشيخوخة’.
مات إياد الآن، مات في شبابه، في طريقه إلى شيخوخته، لكنه مات مقتولاً كما لم يشته، هو أو قصائده أو محبوه وأصدقاؤه.. مات لكنه ترك زوّادته لزمن آخر، يمكن أن يحلم فيه الإنسان بشيخوخةٍ هادئة.
هنا شهادات من شعراء وكتاب سوريين، عرفوا شاهين شخصاً ونصاً.
عدنان العودة: أيتام الشاعر
الكل يعرف أنّك شاعر يا إياد.. حتّى أسنان مرضاك..
الفقراء مثلك، ليس لهم إلا طرفتك بعد أن نصحك الأطباء بالإكثار من شرب القهوة: ‘لا حول ولا قهوة إلاّ بالله..’.
إياد.. تشاركنا بيت الشّعر والقصيد، وبيتي في ضاحية ‘قدسيا’، حين رجوتك أن تأتي بعلي وليلى وليندا خوفاً عليكم من قذيفة هاون، الكلّ يهون عليها حين يريدون الحرية.. كنت تضحك وتُعرّف عن زوجتك ليندا بوصفٍ وحيد: ‘أرملتي’.
والآن، يا إياد، ليست ليندا وحدها أرملتك، ولا ليلى وعلي أيتامك، بل نحن والقصائد في غيابك..
(شاعر وسيناريست)
وائل قيس: لا كانني ولا كنته
تعرفتُ إلى إياد شاهين في عام 2008، يومها كنتُ مشرفاً على حفل توقيع ديوانه ‘كورتاج’ في طبعته الثانية الذي أقامه أثناء فعاليات معرض دمشق الدولي للكتاب، في ذلك العام قرر إياد أن يحتفي بدمشق عاصمة الثقافة العربية على طريقته الخاصة، وأن يقدم لها ديوانه في نسخة جديدة. أذكر يومها أنه عندما بدء حفل التوقيع وبعد مضي ربع ساعة منه، قرر إيقاف بيع النسخ المتبقية، وأن تهدى النسخ بالمجان للقراء، يومها رفض أخذ مقابل للديوان احتراماً للشعر. هكذا تعرفتُ إلى إياد، وإلى شعره الذي مازال عالقاً في مخيلتنا، نحن محبّو النثر وأنصار الشعراء الجدد.
في حديثٍ هادئ سألته يومها ما رأيك في الشعر، فقال لي قصيدته التي كتبها بنفس العنوان:’ كانني كما كنته/ خانني كما خنته/ كأننا الآن/ لا كانني ولا كنته’.
كان إياد يكره الظهور في الوسط المثقف. يكفيه القليل من الأصدقاء، وديوانه الوحيد، وقصائده التي كتبها على مسوداته. كان حضوره خفيفاً ككلماته، يحضر بقصائده التي شكلت لدى القراء الشباب انطباعاً آخر عن قصيدة النثر، هكذا عرفتُ إياد خفيفاً بقصائده، صاخباً بالفرح والضحك والشعر.
(شاعر)
عبد الرزاق ذياب: ذاكرة مفعمة بالأسى
لم يكن إياد شاهين مجرد طبيب أو شاعر عابر، كان ذاكرة مفعمة بالأسى والطفولة القاسية، ولكنه استطاع تحويلها إلى قهقهة في مقصف كلية الآداب.
حكاية واحدة سأسردها لكم، لماذا يكره إياد شاهين البطيخ؟ نعجز عن الإجابة.. يقول إياد: ‘لأنه يلوث الأذنين’. نضحك من قلوبنا، نحن أبناء أواخر الثمانينات.
البطيخ هكذا فعلاً.. فقد كان يذهب إياد مع والده إلى السوق، فيقارن الوالد بين رأس صغيره وبين البطيخة، يقول إياد: ‘كأنه يقيسها بي’. هكذا راح إياد يتخيل أن رأسه ليس سوى بطيخة، وحين يتم تقطيع البطيخة في البيت يشعر أن رحيقها يلوث أذنيه.
لطالما عمل إياد الكبير على تحويل رعب إياد الصغير إلى سخرية مريرة، وكانت ذروة هذا التهكم من الحياة في مرارة ديوانه ‘كورتاج’، والأكثر مرارة في قصائد لم تنشر، لذا أدعو أصدقاء الراحل إلى طباعة ما لم ينشره، لأنه سيضيف بالتأكيد إلى القصيدة جديداً لشدّ ما نحتاجه.
(صحافي)
تمام هنيدي: شاعر دونَ ضجيج
الحديث عن إياد شاهين أصعب مما يبدو، تكادُ للحظةٍ تشعرُ أنّكَ قادرٌ على قولِ شيءٍ في الرجلِ والشاعر ببساطةٍ مُستمدّةٍ من بساطةِ الرجلِ وحياتِهِ وتفاصيلها وجنونها، والشاعرِ وقصيدتِهِ وكثافتها ورمزيتِها. ثمّ لا تلبثُ أن تدركَ أنّ حدثاً كموتِ إياد شاهين، يضعكَ أمامَ حقيقةِ صعوبةِ نصّه الذي لربما مرّ وقتٌ عليكَ وظننتهُ نصّاً خفيفاً.
كلما قرأتَ مقطعاً لإياد، سرت فيكَ دهشة نقيّة، جرّاءَ التقاطاتِ هذا الشاعر الفريد لتفاصيلِ اليومِ والحياةِ وثغراتِ الأساطيرِ والمعارف الجاهزة، وتوظيفِها في نصّ قد يتألّفُ من كلماتٍ ثلاثٍ أحياناً، فيخرج نصّاً بهيّاً مكتملَ الأركانِ محمّلاً بلغةٍ شعريةٍ حرة، منفلتةٍ من كلّ قيدْ:
‘ماتْ.. لم تنطلِ عليهِ الحياةْ’.
بهذا الاختصار المدهش، والرمزية العالية يكتبُ إياد شاهين، متأثّراً بكلّ من قرأهم في حياتِهِ، وخارجاً منهم جميعاً، ليصنعَ خطّاً فريداً في الشعر السوريّ، يميّزهُ لا عن أبناءِ جيلِهِ فحسب، إنما عن كلّ من كتبَ الشعرَ في سوريا.
هادئاً كانَ إياد شاهين، يُشبهُ قصيدتهُ إلى أبعدِ حدّ، ولا يتمايزُ عنها، ولا يعلو عليها، ولا يعلو على القارئ. يكتبُ بتشكيلٍ صوريّ وفلسفيّ عميق، في لغةٍ بسيطةٍ لا يُحمّلها أكثرَ مما ينبغي، ولا يُفقرها تماماً من المجاز البسيط.
‘هل كفّنوها؟؟ … يا ليتَها شرنقة’.
أن يمرّ شاعرٌ على سويّة إياد شاهين دونَ ضجيج يذكرُ طيلةَ حياتِهِ في سوريا، فتلكَ ميزةٌ لا يجيدُها إلا شخصٌ مثله، متفلّتٌ من الصخب ليحسنَ السمع، وبعيدٌ عن الضوء ليرانا جميعاً من الظلال التي يجلسُ فيها.
(شاعر)
‘ شاعر من فلسطين يقيم في بيروت
ذلك الإنسان البسيط بسلوكه، العملاق المبدع بفكره،ثوري برقه عباراته، بعيد كل البعد عن التكلف، ساحر ببساطته ونظرته، عرفته ايام التعليم الجامعي في دمشق،عن طريق بعض الأصدقاء في التسعينات من القرن المنصرم ( كأنه البارحه)، ومنذ ذدك الحين صورته وصوته وضحكته التي تنم عن الم انساني دفين لا تفارق مخيلتي. اذكر انه قد حدث كسوف للشمس ، وكل وسائلالاعلام طلبت عدم ابخروج من المنازل،بالمقابل اصطحبني مع بعض الاصدقاء الى الطبيعه عند جسر الهامه، ساخرين من العلام، وخنوع الناس التام لتيهاته، بدل الحتفال كما في بلدان العالم الأخرى
اذكر انه قال لي ان اهله من مواليد قريه عين فيت في الجولان، وان جده قتل في حرب ٦٧ وهو يشرب الماء من نبع القريه.
لم اصل الى ديوانه المكتوب، الا اني كنت احب ان استمع منهه لقصيده ، مما جاء فيها
كل شيء خذلكء، والسم الذي شربته سرى…وما قتلك…كل شيء خذلك….
رحمه الله عليك ايها العملاق اياد شاهين.