■ ورد على لسان الأديب السوداني أمير تاج السر أن «الرواية البوليسية لن تكون من بين أجناس الكتابة العربـــــية الشائعة، في أي يوم من الأيام وأي محاولة لكتابتها بأدوات فقيرة ســتكون» مغامرة «تبعد القارئ» وإن كــــنت أوافقه نسبيا في ما قال، فإنني لا استبعد مولد أدب بوليسي ذي قاعدة مختلفة عمّا بني عليه الأدب البوليسي في الغرب.
فقد تكون هذه القاعدة في عالمنا العربي درامية تلفزيونية محضة، كون التجربة تكررت عـــــبر أعمال درامية عديدة مصرية وسورية وكانت ناجحة، آخرها العمــــل الدرامي المدهش «الكاتب» لكاتبته ريم حنا، وإخراج رامي حنا، الذي أتحفنا في السنة الماضية بعمل بوليسي قوي بعنوان «تانغو». وإن كان الأمر متعلقا هنا بكتابة سيناريو وبمعالجة درامية للنص، فإن ما أرمي إليه هو إمكانية خوض التجربة روائيا بكل سهولة.
تبادر إلى ذهني هذا الموضوع حين قرأت خبرا يدعي فيه الكاتب التونسي كمال الرياحي، أن محتوى المسلسل مأخوذ من روايته «عشيقات النذل»، ما حمسني لاقتناء الرواية للاطلاع عليها من باب الاطلاع لا غير، كوني أعرف ريم حنا جيدا وعلى يقين أنها لا يمكن أن تقدم على فعل كهذا. ومنذ الصفحات الأولى للرواية أدركت أن عوالم الكاتب مختلفة تماما عن عوالم حنّا، ونوعية شخصياتها، وأن ما ورد على غلاف الرواية عن قصة الفتاة التي قتلت، والمتهم الأول في قتلها والدها الكاتب المرموق ليس سوى حكاية تروي تفاصيل النذالة التي تميز بها البطل، فالنص منذ بدايته إلى آخره يسلك مسالك وصف الحقارة بكل أنواعها، حتى أنني تقززت في بعض المقاطع، لأنها بدت لي مبالغا فيها، أيعقل أن تجتمع كل تلك الصفات المقيتة في كاتب؟ وهو كاتب يختلف عن كاتب ريم حنا التي منحته صفات مغايرة تماما، مع أحداث لا تشبه أي حدث في الرواية. لقد توقعت أن أقرأ رواية بوليسية، كون الجريمة محورا رئيسيا في تقديمها للقارئ، لكن الأمر اختلف تماما عن ذلك الطعم التسويقي، فالرواية مسلسل من العلاقات والشتائم والكلام البذيء لشخص غاضب من نفسه، ومن كل ما حوله، عملية حفر عميقة في مخفيات النذل النفسية المنعكسة على تفكيره وسلوكه في الحياة.
وهنا حضرتني مقولة تاج السر، عن صعوبة كتابة رواية بوليسية في الأدب العربي، وهذا الإسقاط نفسه حضرني وأنا أتابع حلقات العمل الدرامي التي لولا لهجته وطاقمه العربيين لقلت أنه عمل غربي، فلو دبلج لتقبله المتفرج الغربي بسهولة…
لقد ذكرنا العمل بأعمال درامية تلفزيونية وسينمائية أجنبية، وقد أتقن الممثل باسل خياط دوره كالعادة، مع كوكبة من نجوم الدراما تحت إدارة بارعة للمخرج رامي حنا، الذي أثبت مرارا أن نجاح أي عمل درامي يقوم على الإخراج الجيد أولا، تليه جودة النص، لكن ماذا لو كان النص يعج بالثغرات، هل يمكن للمخرج أن يرقعها ويخرج بعمل مكتمل؟
مئات الروايات تنشر سنويا في أوروبا وأمريكا، وقد قيل آلاف منها تملأ المكتبات في كل موسم نشر جديد، يصلنا منها الأكثر مبيعا، موجهة لكل الفئات العمرية، من بينها فئة الأطفال التي تستهويها موضوعات الإثارة والغموض.
طرح السؤال في حد ذاته يقودنا إلى نوعية الجرائم التي تحدث في مجتمعنا، جرائم الشرف والغيرة والسرقة، التي تنتهي بكشف المجرم في الربع ساعة الأول للجريمة، إن جرائمنا غير متقنة، مثل أي عمل آخر نقوم به، ولهذا لا يجد الكاتب ربما ما يجذبه لكتابة قصة بوليسية تحرمه من الاستعراضات اللغوية التي يعشقها كتابنا عموما، وهذه نقطة أخرى أشار إليها تاج السر بتوسع أكبر. إن الكاتب يمارس التلقي قبل أن يمارس الكتابة، والرواية بكل أنواعها سواء كانت بوليسية أو غيرها مجرد «وسيط، بمعنى أنها تسمح للقارئ ببناء أو إعادة بناء شبكة من الرموز والقراءات المختلفة لقراء مختلفين»، كما ورد في مقولة لجان بيسيار، أوردها إدريس الخضراوي في مقالة بعنوان الكتابة عبر الثقافات والحدود، وهي تضعنا أمام الحقيقة المذكورة سابقا، وتؤكد أن ذكر الجريمة بشكل عابر في الأعمال الأدبية، يتم كجزء من مسار الأحداث وليس بؤرة لفك لغزها، وهي قاعدة كل قصة بوليسية.
وحسب متابعتي لما نشر حول ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي، وما قيل عن أشكال السرد البوليسي في الرواية العربية ولو بشكل مقتضب، مثار اهتمام، فالشعور بشغور المكان دلالة على الحاجة لملئه، هناك نقصان في مشهدنا الأدبي، والأدب البوليسي جزء منه، ويزداد شعورنا بهذا النقصان حين تصلنا أخبار هذا الأدب عبر الشبكة العنكبوتية، ويتناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإعجاب، الأمر لا يتوقف عند مقولات أغاثا كريستي التي لا يزال وهجها يملأ المكتبات العالمية والعربية، وشارلوك هولمز الذي نعتقد أنه شخص حقيقي يُبعثُ بين فترة وأخرى سينمائيا، بل يتجاوزها إلى الكتاب الجدد، آليس فيلي نموذجا، هي التي تألقت بأول رواية لها «أحيانا أكذب»، التي سرعان ما أصبحت «بيست سيللر» حسب «نيويورك تايمز» فترجمت لأكثر من عشرين لغة، ونالت إقبالا مهما من طرف القراء العرب من الفئات الشابة باللغة الإنكليزية، ما يعني أنها كونت جمهورا لها في الرقعة العربية، يتابع أخبارها، وينتظر جديدها بشغف، وهي ليست الوحيدة التي يهتم بها الجيل القارئ باللغة الإنكليزية، إذ يبدو جليا أن سوق الكتاب الإنكليزي يتسع في عقر بلداننا، مقابل الغياب اللافت للتنوع الأدبي عندنا.
مئات الروايات تنشر سنويا في أوروبا وأمريكا، وقد قيل آلاف منها تملأ المكتبات في كل موسم نشر جديد، يصلنا منها الأكثر مبيعا، موجهة لكل الفئات العمرية، من بينها فئة الأطفال التي تستهويها موضوعات الإثارة والغموض، كتب انبعث منها نتاج درامي هائل، يغذي شاشات العالم كله، وهذا الأمرلا يحدث عندنا، إلا إذا كان سيحدث بالمقلوب، فنبدأ بالدراما وننتهي بالمكتوب، عكس الساعة الإبداعية التي يعيش عليها العالم خارج حدودنا… وهذا ما يعيدني لمسلسل «الكاتب»، رغم ما أثير حوله من لغط واتهامات، إلا أنه وضعنا أمام فرضية جميلة، بإمكانية ولادة كُتّاب بمخيلة بوليسية، وطريقة تفكير ذكية، تبني الحدث القصصي خارج السرديات البوحية، الخاوية من أي عناصر مثيرة، سوى مشاهد جنسية مقحمة بمناسبة وبغير مناسبة، بعضها أكثر قبحا من وصف البشاعة نفسها.. كل حلقة من هذا العمل تقلب توقعاتنا رأسا على عقب، تماما كما فعل بنا العمل السابق «تانغو»، كل حلقة توجه أصابع الاتهام لشخصية من الشخصيات، وتكشف ربع سرٍّ أو أقل، بدون إزاحة الستار تماما عنه كاملا، بعض تلك الأسرار تنتهي إلى أنها مجرّد فرضيات لشد أعصابنا لا غير، وهذا في اعتقادي نجاح كبير يستحق الاحتفاء به.
لقد أثبت الأدب البوليسي أنه شبيه بلعبة الشطرنج، يروض العقل على التفكير، ويحدث تفاعلا بين القارئ والنص المكتوب أكثر من غيره، وهو بهذه القيمة المضافة إلى أهميته، يجعلنا نرفض غيابه. فهل ستكون الدراما مؤشرا لظهوره، خاصة أن السنوات الأخيرة حملت أخبارا جيدة عن منشورات بوليسية في بلدان الشمال الإفريقي.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
لم استطع اكمال قرائة المقال حتى اكتب ما انا بصدد سطره هنا
لست ادري ان كان نبيل فاروق يستحق لقب افضل من كتب الرواية البوليسية بشخوصها و ازمنتها و خصوصيتها… الرواية البوليسية العربيه يجب ان تبتعدرعن فضاء جرستي و ارثر كونان دويل… نبيل فاروق ملئ علي طفولتي بشخصيات رواياته التي لا تخلو من المثاليه… اتوق لو ان يكرم هذا الانسان
وهل نحتاج لأدب بوليسي والمدن العربية كلها في سجن بوليسي ؟ فلماذا نفتّح الجروح ونهييج المواجع بقصص وروايات أبو كلبشة ؟ فهو
منبوذمنبوذ ..زوري سجون العراق وأنت صديقة للسلطة الآن ، ستجدين الأدب البوليسي على أصوله الفنية والتقنية والروائية العالمية..