عن الدولة الديمقراطية وثنائية القومية (2 من 2)
حتي تتحقق فكرة الدولة الواحدة علي اسرائيل ان تتخلي عن عدوانيتها وعنصريتها وتصبح ديمقراطية حقيقيةهناك معضلة كبيرة: فلسطينية، عربية، إسلامية، تحول دون تطبيق حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدةعن الدولة الديمقراطية وثنائية القومية (2 من 2)فايز رشيد: زاوية المقاربة مع جنوب افريقيا في أذهان من يدعون إلي الدولة الديمقراطية الواحدة في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية، فإنه وإضافة إلي أن السكان السود في جنوب افريقيا، هم الأغلبية الساحقة، وقد كانوا خارج السلطة، مقارنة مع البيض، والذين تشكل نسبتهم ليس أكثر من 15% ممن كانوا في السلطة، وفي الحالة الجنوب افريقية… فقد عاد السود إلي السلطة، أما في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية، فالأمور معكوسة تماماً، وهناك برامج إسرائيلية لإبقاء الحالة كما هي، أو تحقيق المزيد من الاختلال في نسبتها لصالح اليهود، مما يجعل الأمر فعلياً للأقلية، بأنها تشارك فقط في الحياة السياسية من خلال التصويت، الذي لا يعني أية مشاركة فعلية حقيقية في إدارة شؤون البلاد، من دون امتلاك أية تأثيرات في العناصر السيادية للقرارات التي تقررها الأغلبية اليهودية… لذا ومثلما يقول محمد بركة أمين عام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ( فإن مفاتيح الاقتصاد والهيمنة والرموز ومفاتيح القوة العسكرية والعلاقات الخارجية، كلها في يد طرف واحد، وهذا الوضع لا يمكنه إنتاج دولة واحدة).من زاوية ثانية، فإن التمايز الاقتصادي ما بين اليهود في إسرائيل والمجتمع الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وغزة، حيث تنتشر البطالة والفقر إلي جانب القهر والمعاناة اليومية، بفعل الاحتلال، يخلق عقبة إضافية في طريق إنشاء الدولة الديمقراطية الواحدة، التي يخالف التمايز جوهرها الديمقراطي أيضاً. ومثلما يقول الكاتب الفلسطيني داود تلحمي: (فإن القول بأن يعيش في الدولة الواحدة اليهود والمسلمون والمسيحيون فذلك يُضفي علي الصراع طابعاً دينياً وطائفياً بحتاً) وهذا يخالف جوهر الصراع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي، حيث تصادر حقوق شعب ويجري اضطهاده علي يدي حركة استيطانية استعمارية، مشروعها يكمن فقط في إدامة العدوان. يبقي القول أن الذين يدعون إلي الدولة الواحدة، لا يتصورن امكانية تحقيقها علي المدي القريب المنظور، بل من وجهة نظرهم، إنها مسألة قابلة للتحقيق بعد مدي زمني طويل.ولكن، حتي تحقق هذه الفكرة… يستلزم أن تتخلي الصهيونية عن ذاتها، وأن تتخلي إسرائيل عن عدوانيتها وعنصريتها ويهوديتها، وأن تتحول إلي دولة ديمقراطية حقيقية، وأن يمضي عليها عشرات بل مئات السنين من التطبيق الديمقراطي الفعلي، بالإضافة إلي تثقيف ديمقراطي لأجيالها القادمة، بعيداً عن الجذور التوراتية العنصرية، وبعيداً عن الشوفينية وكل عقائد الاستعلاء والتفوق علي البشر، إضافة بالطبع إلي الاعتراف والتنفيذ الفعلي للحقوق الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك إتاحة الفرصة لحق الملايين من اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلي ديارهم وإلي بيوتهم وأملاكهم، وتعويضهم عن كل المعاناة التي ذاقوها في الشتات!العقبات الفلسطينية:معروف أن جزءاً من المهجرين الفلسطينيين في عام 1948 يعيشون في مخيمات في الضفة الغربية وغزة، أما الغالبية الكبري منهم فتعيش في الدول العربية المجاورة لفلسطين وأيضاً في مخيمات، مع العلم بأن مهجّرين فلسطينيين كثيرين ما زالوا يسكنون في المدن والقري الفلسطينية وأصبحوا جزءاً منها، وآخرين (الأردن مثلاً) أصبحوا جزءاً أساسياً من التركيبة السكانية للبلد، وآخرين يعيشون في دول غير عربية، ومنهم من هاجروا وحازوا علي جنسيات البلدان التي يعيشون فيها. في عام 1967 زادت نسبة المهجرّين من الفلسطينيين نتيجة التهجير الجديد.وبرغم هذا التعدد الجغرافي السكني للفلسطينيين في مختلف الدول العربية وفي بقاع كثيرة من العالم، وبرغم أن الغالبية العظمي منهم ممن يعتبرون من الجيلين الثالث والرابع ما بعد النكبة.. لكن القاسم المشترك بين معظمهم، أنهم ما زالوا يحسّون بانتمائهم العضوي ببلداتهم وقراهم واراضيهم… فإذا ما سُئل فلسطيني عن أصله وميلاده، سيجب أنه من القرية الفلانية في فلسطين، وأنه ولد في هذه المدينة العربية أو تلك، كما أن حقيقة أخري تجمعهم هي توارث مفاتيح البيوت وكواشين (وثائق تثبت الملكية) الاراضي من جيلٍ إلي جيل، التي احتفظ بها جدودهم عندما هُجّروا من وطنهم في نهاية الأربعينيات.صحيح أن قسماً من الفلسطينيين انغمسوا في الحياة الجديدة في البلدان التي يسكنونها، وأنه لو عُرضت عليهم العودة إلي فلسطين، لما عادوا! وهؤلاء في غالبيتهم من الطبقة البورجوازية الكبيرة، ومن أصحاب المصالح الاقتصادية الكبيرة التي استطاعوا تحقيقها في الواقع الجديد.. لكن نسبة هؤلاء هي بالمعني الفعلي جدّ صغيرة، ولا تقاس برقم ستة ملايين (ثلاثة ملايين آخرين يعيشون في الضفة الغربية وغزة وداخل الخط لأخضر) يعيشون في الشتات، وغالبيتهم يسعون ويطمحون في العودة إلي مدنهم وقراهم وأراضيهم في الوطن الأصلي: فلسطين.هؤلاء وإضافة إلي حقوقهم المادية والمعنوية والحنينية (من كلمة حنين) في وطنهم يتسلحون أيضاً (إضافة إلي من يعيشون في الضفة الغربية وغزة) بقرارات الأمم المتحدة، الكثيرة، التي تضمن لهم حق العودة، إضافة إلي التعويض عمّا ذاقوه من معاناة وتشرد وآلام كبيرة، امتدت سنوات طويلة في الشتات.هذا الحق لا يسقط بالتقادم، مهما تنكرت له إسرائيل ورفضته، واعتبرته خطاً أحمر في أية تسوية مع الفلسطينيين. إسرائيل تدرك تماماً أن عودة هؤلاء الملايين من الفلسطينيين إلي وطنهم ستقلب المعادلة الديموغرافية في إسرائيل رأساً علي عقب، حيث سيصبح الفلسطينيون هم الأغلبية، كما أن عودتهم ستعني مطالبتهم بممتلكاتهم من بيوت وأراض مما يصطدم مع القوانين الإسرائيلية التي تستولي علي 92% من أراضي فلسطين داخل الخط الأخضر، وعلي ما يزيد عن الـ 60% من أراضي الضفة الغربية وغزة (والنسبتان تشكلان عملياً 90% من أراض فلسطين التاريخية)، والتي استولت عليها في المستوطنات وبناء الجدار وتحت الدواعي الأمنية والقوانين العسكرية الأخري. عودة اللاجئين ستمنع إسرائيل أيضاً من استيعاب هجرات أخري من اليهود، وهي التي تطمح إلي إنشاء دولة اليهود النقية الخالية من الفلسطينيين ذات الرقم (15) مليون يهودي، والتي تسعي في الوصول إليه من خلال تهجير كافة اليهود إلي إسرائيل، ذلك أن هذه المساحة الصغيرة جداً لن تتسع لكل اليهود في العالم وللتسعة ملايين فلسطيني أيضاً. نردد هذه الحقائق علي افتراض جدلي: أن إسرائيل تخلت عن صهيونيتها ويهوديتها وقوانينها وأصبحت دولة ديمقراطية علمانية، ومرّت علي هذه الديمقراطية عقود كثيرة، وامتلكت الاستعداد لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وكذلك ما تعتقده بأنه حقوق لليهود أيضاً.من جانب آخر، فإن التسعة ملايين فلسطيني قابلون للزيادة مع مضي السنوات، وكذلك الخمسة ملايين يهودي الذي يسكنون فلسطين حالياً (من دون هجرات جديدة بالطبع)! فكيف سيكون الوضع في ظل الهجرات الأخري؟من الواضح أن ممارسة حق العودة للفلسطينيين، وكذلك تهجير اليهود إلي إسرائيل مسألتان متناقضتان، وهما بدورهما لا تصبان في مجري حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة.علي صعيد الفصائل الفلسطينية، فإن كثيراً منها ومن الاتجاهات الوطنية القومية، واليسارية، والدينية تري الحل للصراع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي، في تحرير فلسطين التاريخية، وهي بالنسبة للبرنامج المرحلي الذي أقرته الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 1974، فإما رافضة له أو متحفظة عليه، تري فيه حلاً اعتراضياً علي المؤامرات التي تستهدف تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وهي وإن قد توافق عليه مستقبلاً، فإنما باعتباره خطوة متقدمة لتحرير أرض فلسطين التاريخية من البحر إلي النهر… علي أن لا تجرّ هذه الموافقة اعترافها بالوجود الإسرائيلي في حل الدولتين لشعبين.أما في المواقف بالنسبة لمن يتواجد من اليهود في فلسطين حالياً، أو من سيتواجد فيها مستقبلاً، فعلي الرغم من عدم وجود تفصيلات في البرامج السياسية الأخري النظرية الفكرية لهذه التنظيمات (علي اعتبار أن المسألة ممكنة التأجيل في الحل لحين وقت التحرير) فإن التوجهات العامة، التي تستنتج من مقالات وحوارات وندوات لهذه التنظيمات، تتلخص في: أن من حق اليهود من ذوي الأصول الفلسطينية، ممن عاشوا في فلسطين قبل بدء الهجرة اليهودية إليها، أن يعيشوا في وطنهم التاريخي علي قدم المساواة مع المسلمين والمسيحيين من العرب الفلسطينيين. أما من هاجر إلي فلسطين من دول أخري… فلا يمتلك الحق (سواء هو أو أحفاده) في العيش علي الأرض الفلسطينية كمواطن فلسطيني.هجرة اليهودفي التبرير لهذا الموقف يقول بعض أصحابه: إن هجرة اليهود إلي فلسطين وسكنهم فيها كان علي حساب اقتلاع أصحابها الأصليين من وطنهم، وتهجيرهم خارج حدوده. جاء هؤلاء ليحتلوا الأراضي والبيوت والقري والبلدان والمدن، وبالتالي فهم مغتصبون لما يمتلكونه، كما أن هؤلاء جاؤوا إلي فلسطين بالقوة، من خلال تسهيل سلطات الانتداب البريطاني لهجرتهم، وفيما بعد عن طريق الدولة الإسرائيلية، التي يعتبرها الإسرائيليون دولة اليهود في كل أنحاء العالم.في التبرير أيضاً… فإن العديد من الدول لا تعطي جنسياتها للأجانب، لمن يولدون علي أراضيها، ممن تواجد أهلوهم في هذه البلدان وبطرق شرعية… وكذلك، فإن هذه البلدان لا تعطي جنسياتها لمن يتواجد علي أراضيها من الأجانب… حتي وإن تواجدوا لفترات زمنية طويلة، وبطرق شرعية أيضاً. إذن، فكيف سيكون الحال مع من جاؤوا مغتصبين؟ثم، إن كل اليهود المهاجرين إلي فلسطين قديماً وآنياً ومستقبلاً يحتفظون وسيحتفظون بجنسيات بلدانهم الأصلية، التي كانوا مواطنين فيها (والقوانين الإسرائيلية تسمح لهؤلاء بازدواجية الجنسية) مما سيسهل عودتهم إلي بلدانهم، وذلك بعد تحرير فلسطين، التي لا تتسع لكل الفلسطينيين ولكل يهود العالم.علي صعيد الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج (ولا نقول الدول العربية التي تتبني استراتيجية السلام مع إسرائيل وذلك في مبادرة قمة بيروت عام 2002)، فإن هذه الشعوب من زاوية وطنية قومية، تتقاطع مع تعاليم الدين الإسلامي ومع الشعوب الإسلامية في دولها، لذا، تري الحل من خلال تحرير فلسطين التاريخية من اليهود المغتصبين، الذين أرسوا دولة إسرائيل (دولة اليهود) عنوةً بالاتفاق مع المستعمرين، الذين سهّلوا لهم هذه المهمة وما يزالون، من أجل زرع كيان غريب في وسط الدول العربية، بين آسيا وافريقيا، ليكون رأس جسر متقدم لهذا الاستعمار علي مدي التاريخ، وليمنع أية وحدة عربية، وليتآمر دوماً علي العرب والمسلمين، وبالتالي، فإن أحد الاشتراطات لتقدم العالم العربي وتطوره هو القضاء علي هذا الكيان الغريب والغاصب.فلسطين بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي هي وقف إسلامي (لا يجوز للفلسطينيين التفريط بأي شبرٍ فيه) لاعتبارين: الأول، أن فيها المسجد الأقصي، أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي سري إليه الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) وعرج منه إلي السماوات. أما الثاني، ففلسطين هي أرض الرباط والجهاد مع الكفّار حتي يوم الدين.إذن، عربياً ومن منطلقين وطني وقومي، فإن إسرائيل دولة احتلال مغتصبة للحقوق الوطنية الفلسطينية، ومعتدية علي العرب، وإسلامياً ومن منطلقات إسلامية، يتوجب تحرير فلسطين، باعتبار ذلك فرضاً علي كل مسلم ومسلمة.بالتالي… فإن بعداً وطنياً وآخر قومياً عربياً وآخر إسلامياً يتكئ عليها النضال الوطني الفلسطيني، لذا يمكن القول، أنه ليست فقط العقبات الفلسطينية وحدها تقف أمام بناء الدولة الديمقراطية الواحدة، وإنما توجد عقبات حقيقية عربية، وأخري إسلامية تحول دون ذلك… ابتداء من اسم هذه الدولة، (ولن تقبل كل هذه القوي باسم غير اسم فلسطين لهذه الدولة)، وانتهاء بموضوع من سيعيش علي أراضيها!من المهم توضيح ما يلي:أنه وما دام الصراع تاريخياً مع إسرائيل، (ونحن نكتب عن إمكانية تحقيق الدولة الديمقراطية الواحدة البعيدة المدي) فإن عوامل الصراع الحالية قد تتغير بشكل جوهري مستقبلاً، لصالح إمكانية أن تمارس الشعوب العربية والإسلامية ما تؤمن به، وتمارس الكفاح من أجل تحرير فلسطين، أو العكس من ذلك.. هذا مرتبط بالكثير من العوامل القابلة للتغيير… ولكن في أي اتجاه؟ الاحتمالان خاضعان للمستقبل البعيد.المسألة الثانية، أن كثيرين من المسيحيين الفلسطينيين والعرب يؤمنون أيضاً بتحرير فلسطين انطلاقاً من الزاويتين الوطنية والقومية، وإن لم نتحدث عن هذا الدور، فلا يعني إغفاله، ولكن انطلاقاً من مسائل عديدة، وأخري إيمانية مكملة للعوامل الإسلامية في الصراع.إذن، فنحن أمام معضلة كبيرة: فلسطينية، عربية، إسلامية، تحول أيضاً دون تطبيق حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة.الدولة ثنائية القوميةالدولة ثنائية القومية، تعني باختصار تعايش قوميتين مختلفتين علي نفس الأرض الجغرافية للدولة التي تضمهما، وهما تتقاسمان السلطة وفقاً لمفاهيم وأسس متفق عليها بينهما، بحيث تضمن هذه الأسس العدالة والمساواة والهوية الوطنية للطرفين بشكل متكافئ، وبضمانة دستورية ضمن إطار من الاعتراف والتضامن والتوافق المتبادل بينهما.هكذا نفهم تحديد الدولة ثنائية القومية، التي من الممكن أن تكون قاسماً مشتركاً بين شعبين، قوميتين مختلفتين، تتعايشان في نفس الإطار، في الدولة المحددة.ولكن يري بعض الباحثين نماذج أخري من الدول ثنائية القومية، ومنهم الباحث الإسرائيلي ميرون بنفنستي الذي يري فيما يسميه الـ (النظام البديل) نموذجاً أكثر جاذبية من النموذج الوحيد الكلاسيكي، الليبرالي الذي لم ينجح في أي مكان باستثناء سويسرا، ويعرّفه بالتالي:(هو نظام يعترف بالحقوق العرقية القومية الجماعية، ويتعاون مع النظام الحاكم علي المستوي القطري المركزي مع حقوق سياسية محددة للأقلية، وأحياناً تقاسم اقليمي – كانتوني) ميرون بنفنستي السؤال يدور حول نوع ثنائية القومية، حق العودة (13 ـ 14)، تشرين الأول (اكتوبر) 2005.غير أن الباحث يعترف في سياق مقالته، بأن هذا النموذج لم ينجح في أماكن كثيرة، إلا أنه نجح كوسيلة لحل نزاعات عرقية – وطنية مثل البوسنة وإيرلندا الشمالية، ولذلك يقترحه لحل الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يورد بنفنستي نماذج أخري لمفهوم الدولة ثنائية القومية ومن بينها:خيار المشاركة في الحكم والانقسام لكانتونات فيدرالية، تقترب من نموذج التقاسم الأقليمي – ونموذج آخر وهو الدولة الفلسطينية (التي تضم أربعة كانتونات تحت السيطرة الإسرائيلية غير المباشرة) ونموذج ثالث (يسميه ازدواجية قومية غير معلنة) أي دولة واحدة تحت سيطرة مجموعة قومية مهيمنة تمنح المجموعات القومية الأخري كل حقوقها باستثناء حق التصويت! إن نماذج بنفنستي تفتقر إلي العدالة والمساواة بين القوميتين في الدولة الواحدة، وبالتالي لن تكتب لها الاستمرارية، وحتي بافتراض جدلي، علي أساس موافقة الفلسطينيين والإسرائيليين علي أحد هذه النماذج.أما الكاتبة د. فرجينيا تيلي وفي مقالتها الواردة في نفس العدد من (حق العودة) تحت عنوان: الدولة ثنائية القومية: الصعود في فصل سياسي جديد، فتري في جنوب أفريقيا نموذجاً للتعايش القومي بين السود المختلفين في أصولهم العرقية، وبين البيض المختلفين أيضاً في أصولهم العرقية، نموذجاً آخر للتعايش القومي! ولكن، ورغم بعض الاختلافات في الأصول العرقية للسود، إلا أنها تظل متقاربة وهي من تشكيلة البانتو، رغم تحدثهم لغات ولهجات متعددة، أما البيض والذين يشكلون 13% من السكان فهم في غالبيتهم من الهولنديين والبريطانيين، وفقاً للكاتب الفلسطيني داود تلحمي. وجنوب افريقيا هي أقرب إلي الدولة الديمقراطية الواحدة منها إلي الدولة ثنائية القومية، ففيها الصوت الواحد للشخص الواحد أياً كانت عرقيته أو انتماؤه القومي.أما الكاتب الفلسطيني، أمير مخول، وفي مقالته (في نفس العدد من حق العودة) بعنوان: بين جوهر إسرائيل وتجزيئية الحلول، فيري في نموذج الدولة ثنائية القومية (بأنه قائم علي أساس كيانين يتقاسمان السلطة كل تجاه ذاته داخلياً) ويري، بأن ذلك يحول العامل الكمي إلي عامل نوعي، لأن الحديث سيدور عن حقوق جماعية لا عن مساواة بين المواطنين وفقاً لمفهوم المواطنة.ولكن أيضاً في هذا النموذج، لم توضَّح شكل العلاقة المركزية بين الكيانين، وهل أحدهما سيسود علي الآخر؟ أم أن السلطة المركزية سيجري تداولها بالتناوب؟ وفي حالة وجود تعارضات وتناقضات بين الكيانين، فكيف سيجري حلّها والتعامل معها؟أيضاً، وبافتراض جدلي، لو وافق الإسرائيليون والفلسطينيون علي الشكل العادل تماماً للدولة ثنائية القومية (الذي جاء تعريفه في بداية هذا القسم من البحث) فإن عقبات أساسية كبيرة، معضلات حقيقية، تحول دون نجاح هذا الشكل.لذلك… علي الجانب الإسرائيلي:القول بـ (القومية اليهودية)، هو مسألة أساسية وضمانة من أجل الوجود نفسه بالنسبة لكل الإسرائيليين، الطامحين إلي تحقيق (الدولة اليهودية) علي الأرض الفلسطينية.والمطالبة والاعتراف الفلسطيني – العربي – الإسلامي، بالدولة ثنائية القومية، يحمل في مضمونه اعترافاً بالقومية اليهودية، بما يتضمنه ذلك من تحويل الديانة إلي عقيدة قومية، وبالمترتبات القائمة علي هذا الاعتراف، إن بالحق التاريخي لليهود بالعيش علي الأرض الفلسطينية، وبالتالي، الاعتراف بكافة الشعارات الصهيونية التي طرحت كدلائل علي هذا الحق، بما تعنيه من نفي للذات، وحق هذه الذات في وطنها… أو بمجموعة المترتبات الأخري بعيدة المدي: مثل الحق للقومية اليهودية بتهجير كافة اليهود من كل دول العالم إلي إسرائيل / فلسطين. أو مثلاً مثلما تخطط إسرائيل حالياً، بإعطاء اليهود في كل دول العالم، الحق في التصويت للانتخابات التشريعية الإسرائيلية للكنيست، مع ما يعنيه ذلك من نفي لوجود الآخر الفلسطيني علي هذه الأرض.الدولة ثنائية القومية تعني انتفاء مبدأ إسرائيلي قائم، ويجري العمل لتحقيقه علي قدم وساق، وهو يهودية الدولة. أما إن جرت عودة إسرائيلية وصهيونية عن اعتبار اليهودية كقومية، وتحولها مرّة أخري إلي ديانة روحية، ففي هذه الحالة تنتفي صفة الثنائية القومية عن فلسطين، التي ستعود مرّةً أخري إلي أصحابها الشرعيين.وبالنسبة للعقبات الإسرائيلية الأخري التي ذكرناها بالنسبة: للدولة الديمقراطية الواحدة، تظل هي نفس العقبات الإسرائيلية بالنسبة للدولة ثنائية القومية أيضاً، ومع الأخذ بعين الاعتبار العناصر الجديدة حول اعتبار اليهودية كعقيدة قومية.لقد حاولت إسرائيل من إنشائها القسري وحتي اللحظة، إيجاد صفات وعوامل مشتركة بين عناصر (مجتمعها الفسيفسائي) إن بمحاولة إيجاد (الثقافة الواحدة المشتركة) بين المهاجرين اليهود من دول مختلفة إليها، مروراً برفع شعار (الدولة العبرية)، التي صاغها الحاخامات في وقت لاحق، كأفضل طريقة يمكن اتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور، ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة، وبذلك يكون تاريخ فلسطين، تاريخاً يهودياً. ولهذا، فإن الباحثين اليهود يتمسكون بكلمة (العبرية) ومصطلح (العبرانية التوراتية) كقرائن، تربط بين اليهود وبعدهم التاريخي في فلسطين… (الموسوعة الفلسطينية، الجزء الثالث الطبعة الأولي، دمشق، ص 186)، وصولاً إلي محاولات التزييف للآثار في فلسطين، والاعتداء وسرقة المحددات الثقافية التراثية الفلسطينية، ووصولاً إلي القول بمقولة (الأمة اليهودية)… ولكن وبرغم كل المحاولات الإسرائيلية، ظل التناقض في إسرائيل بين اليهود (السفارديم) الشرقيين، وبين اليهود (الأشكناز) الغربيين واليهود، الذين ولد آباؤهم في إسرائيل (الصابرا)… والأبواب مفتوحة علي صراعات أخري جديدة بدأت بوادرها في الظهور: كصراع (اليهود الروس) مع كل اليهود الآخرين، والذين أسسوا حزباً هو (إسرائيل بيتنا) ومعظم أعضائه من المهاجرين الروس، وغير ذلك… وغير ذلك.هذه الصراعات الطبيعية في (مجتمع) يتشكل من يهود من أصول عرقية مختلفة، فما هو الجامع بين اليهودي الأمريكي والآخر الاثيوبي أو الهندي؟ نقول ذلك علي سبيل المثال لا الحصر.الإسرائيليون يفتقرون إلي كل العناصر الأخري لتشكيل مفهوم القومية اليهودية: إن بالتراث، والتاريخ المشترك، والثقافة، والطابع الحياتي، أو العادات، واللغة وأخري غيرها… أي أنهم يفتقرون وفقاً لما يقول الدكتور عبد الله الشامي (إلي الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرّف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون باعتباره منتمياً إلي تلك الجماعة). ولذلك فإن إشكالية الهوية ما تزال قائمة في إسرائيل، وحتي اللحظة، فإن الخلافات بين الحاخامات ما تزال قائمة في إسرائيل حول تعريف: (من هو اليهودي)؟تأييد يهودي قليل للفكرةقد تجد الدولة ثنائية القومية تأييداً من بعض الإسرائيليين، لكنهم لا يتعدون أن يكون أفراداً قلائل، تحركهم ضمائرهم وهم يرون الآثام والخطايا والمجازر، التي تقترفها دولتهم بحق الفلسطينيين والعرب، ويدركون عدوانية هذه الدولة علي من تسميهم (مواطنيها) من العرب، ويرون تمييزها العنصري ضدّهم، فهم مواطنون من درجة ثانية… بل ثالثة ورابعة، حتي باعتراف المصادر الإسرائيلية القانونية، والبعض من المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم.هؤلاء هم من اليسار في غالبيتهم. وممن تحركهم مبادئ العدالة والنبل والمساواة، لكنهم مثلما قلنا أفراد قليلون لا ولن يؤثروا في طبيعة الدولة التي يعيشون فيها لا من قريب ولا من بعيد، هذه الدولة التي كلما مرّت علي ولادتها السنون، تزداد تطرفاً، وتحقق الأحزاب اليمينية الدينية فيها والأخري الفاشية، مزيداً من النجاحات في المقاعد للكنيست، الدولة التي يزداد علي الدوام تأثير الجناح العسكري في سياساتها.بالنسبة للجانب الفلسطيني:البعض من الفلسطينيين يرون في طرح مبدأ الدولة ثنائية القومية (فكرة مثالية وهي جديرة بالبحث لأنها تساوي بين قوميتين) – (تيسير نصر الله في مقالته: الدولة ثنائية القومية – وجهات نظر، حق العودة، العدد 13 ـ 14، 2005).وهي من وجهة نظر المؤيدين لها: تتعارض مع مبدأ إسرائيل الكبري، وستتيح للفلسطينيين أخذ حقوقهم، وتصون وحدة أرضهم، ووحدة شعبهم، وتنمية ثقافتهم وهويتهم القومية (تيسير نصر الله، نفس المصدر السابق).بدايةً… فإن من المهم التوضيح، بأن المقصود في الدولة ثنائية القومية من حيث الأرض التي ستقام عليها، هي فلسطين التاريخية بحدودها المعروفة من النهر إلي البحر، ذلك أن البعض يتصورون إقامة مثل هذه الدولة داخل الخط الأخضر، بعيداً عن أراضي الضفة الغربية وغزة!وفي الرد علي هؤلاء نقول: إن مجرد ورود هذه الفكرة في الأذهان تعني انتفاءً طبيعياً لفكرة الدولة ثنائية القومية، ذلك أنها تفصل بين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم الثلاثة: داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية وغزة، وفي الشتات… وهذا ما سيجعل من الصراع أمراً قائماً علي الدوام، لأن الحل المطروح والحالة هذه، قد ينهي معاناة جزء من الشعب الفلسطيني مع استمرار معاناة الجزأين الباقيين.ومن ناحية أخري، فإن إقدام إسرائيل علي مثل هذا الحل… يعني أنها في الوضع الأقوي في موازين القوي بين الجانبين، وأن لها حساباتها الخاصة في عدم ضم الضفة الغربية وغزة إلي هذه الدولة، مما يعني أنها تخشي العامل الديموغرافي الحالي، وإمكانية سيطرة الفلسطينيين علي هذه الحالة… مما يشير إلي أن إسرائيل في تلك الحالة هي بنفس مواصفات إسرائيل الحالية… بالتالي لن تُقدم علي تشكيل الدولة ثنائية القومية.ولو افترضنا جدلاً، قبول الجانب الإسرائيلي مستقبلاً، بإقامة الدولة ثنائية القومية علي مساحة أرض فلسطين التاريخية… فإن ذلك سيعني للفلسطينيين هوية قومية جديدة هي القومية الفلسطينية، بدلاً من هوية قوميتهم الأصلية – وهي القومية العربية! بما يعنيه ذلك من استقلاليتهم المطلقة عن العرب، وهذا بدوره يتنافي مع فكرة الوحدة العربية والتكامل العربي، الذي يدعون إليه علي مدي وجودهم، والذي يتنافي مع الميثاق الوطني الفلسطيني وقرارات الدورات المتعاقبة للمجلس الوطني الفلسطيني، والذي يتنافي أيضاً مع دساتير كافة الهيئات التابعة للإنجاز الوطني الفلسطيني الكبير، وهو منظمة التحرير الفلسطينية… والتي تؤكد كلها علي الانتماء الفلسطيني للأمة العربية، وعلي دور هذه الأمة في معركة التحرير الوطني الفلسطيني.القومية الفلسطينية، هي انسلاخ فلسطيني عن تاريخ، وبالضرورة تعني انسلاخاً عن الجغرافية، وعن التراث الثقافي وكل المكونات القومية العربية الأخري…. ولذلك، هي تعني تشكيكاً بالحقوق الوطنية الفلسطينية في فلسطين التاريخية، لأنها تؤرخ لزمن جديد، بمواصفات جديدة بعيداً عن الأصالة والجذور والتاريخ. فلسطين، قبل سايكس بيكو، كانت جزءا من بلاد الشام التي تضم إضافة إليها: كلاً من لبنان وسورية وفيما بعد الأردن، ولذلك مهما حاول البعض إيجاد تاريخ (فلسطيني جديد)… فلن يستطيعوا، لأن هذا التاريخ مرتبط مع تاريخ أقطار عربية أخري، ومع التاريخ العربي بشكل عام، والذي شهد هجرات مختلفة من أقسامه إلي بعض أجزائه الأخري ضمن الوطن العربي الواحد.القومية ليست مسألة إرادوية يصنعها الإنسان، فطيلة سبعين عاماً من وجود الاتحاد السوفييتي حاول قادته التغني بالقومية الجديدة (السوفييتية) وبشعار (الأمة) السوفييتية أيضاً… لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع، وقد كانت تعيد إنتاج نقائضها التي تمثلت في زيادة الشعور القومي بين كل الشعوب التي شكّلت الاتحاد السوفييتي، والتي كانت مثل سوس ينخر جسد هذا الاتحاد… وتمثلت أيضاً في سرعة انفضاض الجمهوريات الأخري عن روسيا بعد انهيار النظام المركزي في موسكو.الطرح الفلسطيني للدولة ثنائية القومية هو من جانب يعتبر تخلياً عن الحقائق التاريخية الفلسطينية، ومن جانب ثانٍ، يشكل اعترافاً بما يسمي بـ (التاريخ الإسرائيلي) لفلسطين، والأساطير التي بنتها الصهيونية لتبرير احتلالها للأرض الفلسطينية واقتلاع أهلها من وطنهم، وإقامة دولتها الإسرائيلية علي طريق إقامتها لدولتها الكبري.الدولة الثنائية لن تعيد الفلسطينيين لأوطانهمالدولة ثنائية القومية… سوف لن تعيد اللاجئين الفلسطينيين إلي وطنهم، لأن عودة هؤلاء ستعني اعترافاً إسرائيلياً بالحق الفلسطيني في الوطن الفلسطيني، وقبولاً إسرائيلياً بسيطرة (القومية) الفلسطينية علي (القومية) اليهودية بفعل العوامل الديموغرافية… كما أنها تعني، تخلياً إسرائيلياً عن مبدأ أساسي في وجود الدولة الإسرائيلية، ألا وهو تهجير اليهود من كافة أنحاء العالم لما تعتبره (وطنهم) الطبيعي، والتاريخي والحقوقي… وأياً كان شكل ومضمون الدولة الإسرائيلية في المستقبل، ديمقراطياً وتقدمياً وإنسانياً، معترفاً بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وبمبادئ الشرعية وحقوق الإنسان… فلن تقبل إسرائيل بالتخلي عن منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم، وعما تعتبره حقاً لها في تهجير كل اليهود من كافة أنحاء العالم، إليها!البعض من الفلسطينيين سواء في طرحه ودعوته للدولة الديمقراطية الواحدة، أو الدولة ثنائية القومية، يراوح بين الإيمان العقائدي النظري بما يطرح… وبين كون هذا الطرح توسيعاً للبدائل الفلسطينية، وبخاصة في ظل التعنت الإسرائيلي تجاه الموافقة علي إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة علي كافة الأراضي الفلسطينية، التي جري احتلالها في حرب عام 1967.من بين هؤلاء د. أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، وأحد المنظرين لحل الدولة ثنائية القومية، فهو يقول (مع الوعي الكامل بأن القيادة الفلسطينية وربما غالبية الفلسطينيين لا زالوا يراهنون علي حل الدولتين، فإن مؤيدي الدولة الواحدة، ثنائية القومية، يجب أن يصروا علي عرض تصورهم كبديل فلسطيني في حالة تعثر هذا الحل – وهذا أمر محتوم – وأن لا نترك الباب مفتوحاً لأن يكون حل شارون هو الحل البديل، المقبول من قبل بعض الفلسطينيين، متذرعين بالبراغماتية والمناخ الدولي وميزان القوة، وما إلي آخره من أعذار، لقبول ما يعرضه علنياً الآخرون، بدون أي طرح استراتيجي بديل) – ورقة عمل مقدمة من بديل إلي اللقاء التنسيقي السادس، 2006، ص 11. البعض أيضاً يري في الدعوة للدولة الواحدة، تهديداً لإسرائيل إن لم توافق علي مبدأ حل الدولتين، وفي هذا السياق يأتي تصريح رئيس الوزراء الأسبق (أبو علاء) أحمد قريع في كانون الثاني (يناير) من 2004 (وقد تطرقنا إلي هذا الموضوع سابقاً).أما د. علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، فيقول: لا أعتقد بإمكانية تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيادية علي حدود سنة 1967 إلا من خلال التلويح الفلسطيني الجدي بتبني خيار إقامة الدولة الواحدة [….] قد يقول بعضنا أن هذا الخيار ليس واقعياً ولا نملك القدرة علي تطبيقه، هذا إن كنا أصلاً نريد تطبيقه، لأنه سيؤدي بنا، إن وافقت إسرائيل عليه، الي (أن نكون) مواطنين من درجة متدنية يمارس عليها الاضطهاد والعنصرية لأمد طويل، إن لم يكونا مزمنين. علينا التوضيح التام في هذه النقطة: لو كان الخيار بين الدولة المستقلة (علي أراضي 1967) والدولة الواحدة (علي كامل تراب فلسطين) لاخترت الأولي علي الثانية، لكن، لأن الخيار المطروح هو بين القبول بـ(دولة الكانتونات) وبين التوجه نحو الدولة الواحدة لردع الخيار الكانتوني، أختار الثانية .د. علي الجرباوي المأزق الفلسطيني والخيار الوحيد للخروج منه . مجلة الدراسات الفلسطينية، 58، ربيع 2004، ص 85 ـ 90.وفي الرد نقول: رغم إدراكنا لصعوبة الظروف الفلسطينية، واستثنائية القضية الفلسطينية من بين كل قضايا التحرر الوطني الأخري علي صعيد العالم أجمع، ورغم مرور ما يقارب قرنا زمنيا علي النضال الوطني الفلسطيني وعدم تحصيل نتائج جدية، رغم المعاناة والتضحيات الفلسطينية الهائلة… والتي لا تنسجم مع حجم الإنجازات… لكن…. إن تحديد الهدف الوطني الاستراتيجي للنضال، وبرغم المرونة السياسية التكتيكية الممارسة في مراحل مختلفة… يتوجب أن لا تلغي الهدف الإستراتيجي، بل يجب أن تصب السياسات في نهاية المطاف، في خدمة الهدف الاستراتيجي، والذي تحديده، يُلغي وبشكل أوتوماتيكي الخيارات الأخري – والتي هي من الأساس ليست مطروحة علي طاولة البحث في المفاوضات.. لذلك، فإن طرح مثل هذه الخيارات… أكان هذا الطرح من زوايا تكتيكية أو باعتباره وسيلة ضاغطة علي الآخر (وهو العدو) أو توسيعاً لبدائل… فإن هذا الطرح يعتبر تضييعاً لملامح الهدف الاستراتيجي وتشتيتاً للنضال الوطني الفلسطيني بشكل عام!في مرحلة ما، طرح النظام العنصري في جنوب افريقيا علي المناضل الجنوب افريقي، نلسون مانديلا، والذي كان سجيناً وقتها (قضي في السجن 27 عاماً) إمكانية إخراجه من السجن مقابل قبول المؤتمر الوطني الافريقي (الحزب الذي يترأسه مانديلا) بحكم ذاتي للسود، لكن الزعيم الوطني الإفريقي رفض هذا العرض رفضاً قاطعاً وفضل البقاء في السجن علي الحكم الذاتي الهزيل، لأن حزبه قد حدّد استراتيجيته النضالية بالقضاء علي الحكم العنصري في جنوب إفريقيا، وإقامة الدولة الديمقراطية الواحدة، التي تضمن المساواة لكل مواطنيها سوداً وبيضاً! وبالفعل هذا ما تحقق رغم ما يزيد علي مئة عام من النضال.وفي محطة أخري، فإن نلسون مانديلا، بعد أن تم إطلاق سراحه، وفي زيارته للبيت الأبيض، بدعوة من الرئيس كلينتون حينها، أعلن أن حزبه لن يوقف الكفاح المسلح (رغم مناشدة الأخير له بالتخلي عن ذلك) ما لم يتم إسقاط النظام العنصري، وبالفعل هذا ما تحقق. ندرك أن طبيعة الظروف المحيطة بنضالنا، وبقضيتنا الوطنية، مختلفة عن قضية جنوب إفريقيا، لكننا نسوق هذه الحادثة، للدلالة علي أهمية التمسك بالهدف الاستراتيجي.في الوضع الفلسطيني… منّا من لا زال يؤمن بتحرير فلسطين، كل فلسطين، ومن بيننا من يؤمن بحل الدولتين انسجاماً مع البرنامج المرحلي، الذي شكل قاسماً مشتركاً بين غالبية التنظيمات في عام 1974، ولكن، فإن الحقائق تفرض نفسها.. فإسرائيل ترفض هذا الحل وتعتمد بالتحالف مع الولايات المتحدة علي رؤية مشتركة للحل، المتمثل في دولة الكانتونات المنزوعة السيادة… ذلك لا يجب أن يعمينا عن رؤية حقيقة المشروع الإسرائيلي علي الأرض وأهدافه، انطلاقاً من الإيمان العقائدي الاستراتيجي.. لنظل (وكمسألة اعتراضية) نطرح حل الدولتين، مع الإدراك، بأن إسرائيل لن تقدم عليه، فمثلما ذكرنا سابقاً، إن موافقتها علي دولة فلسطينية ذات سيادة علي حدود أراضي عام 1967 تعني أنها قاب قوسين أو أدني من الهزيمة الكاملة. كل هذه القضايا يتوجب أن لا تنسينا التحديد الاستراتيجي للهدف الواضح في الأذهان، بالاعتماد علي الوقائع التاريخية وحقائق المرحلة الحالية، واستنباط المستقبلية أيضاً، اعتماداً علي التحليل العلمي للتاريخ ولعوامل الصراع الحالية.ہ كاتب فلسطيني يقيم في الاردن7