منذ عقدين ونصف أخذت تبــرز فـــي السياســة العـالميـة حـالات «قيادية» لم تكن معهودة.
فقد تمكن من الوصول إلى قمة هرم الحكم في الديمقراطيات الغربية أشخاص عاديون جدا مثل ساركوزي في فرنسا وبرلسكوني في إيطاليا، ولو أن من التجني إطلاق هذا النعت على برلسكوني، فالرجل لا يرقى حتى إلى درجة المتوسط، بل إنه دون مستوى المواطن العادي في بلاده. وقد تساءلنا هنا، قبل حوالي عقد، إن كانت هذه حالات منفردة أم أنها ستتزايد فتبلغ، بتضافرها، مبلغ الظاهرة ذات الدلالة. فإذا بالجواب يأتي قبل ثلاثة أعوام في صورة تكشيرة شهيرة جعلها أبو جهل الأمريكي، المعروف باسم ترامب، عنوانا لاستيلائه «الديمقراطي» على الحكم في أقوى الديمقراطيات الغربية وأغناها.
أتى الجواب بأن «الزعيم العديم الخصال»، إن جاز التعبير، إنما هي ظاهرة سياسية عالمية آخذة في التمدد منذ سقوط غنيمة الحكم في قبضة السيسي في مصر، وجاير بولسونارو في البرازيل و«ام بي اس» في السعودية. أما ما عزز هذه الظاهرة البائسة تعزيزا مشهودا فهو وصول بوريس جونسون إلى 10 داوننغ ستريت. وما كان لمثل هذا الشخص الرديء أن يسطو على الحكم لولا غرابة التقاليد الدستورية البريطانية التي تجيز احتمال تولّي منصب رئاسة الحكومة دون تفويض شعبي وإنما بمجرد تزكية من الحزب الأغلبي، حيث لم يصوت للفتى العابث اللاهي إلا 92 ألفا من غلاة اليمينيين في حزبه عقب اضطرار تيريزا ماي للاستقالة.
تفشي ظاهرة الاستغباء الأرستقراطي للشرائح الاجتماعية الدنيا في بريطانيا، أي التلاعب النخبوي بالهوى الشعبوي
على أن اللافت في حالة جونسون أنها، علاوة على اندراجها عالميا ضمن ظاهرة الزعيم العديم الخصال، تندرج داخليا ضمن ظاهرة بريطانية أصيلة: ظاهرة الاستغباء الأرستقراطي للشرائح الاجتماعية الدنيا، أي التلاعب النخبوي بالهوى الشعبوي. ولهذه الظاهرة تجليات متعددة يتمثل أشهرها في الصن، أعلى الجرائد الشعبية البريطانية مبيعا. هذه جريدة لا يقل معدل توزيعها حاليا عن مليون وثلاثمائة ألف نسخة، وحدث أن تجاوز في الماضي ثلاثة ملايين، علما أن عدد قرائها الفعليين يتجاوز ثلاثة أمثال عدد النسخ الموزعة. جريدة تخاطب جمهورها بما يفهم تحيزا وتنميطا وتسطيحا وتبسيطا، ولا تتورع عن أي اجتزاء وابتذال. جريدة توصف بأنها «يمينية شعبوية، ولكن شعبويتها تغلب يمينيتها». وقد بلغ من سطوتها (حيث كانت منحازة للمحافظين زمن تاتشر) أن توني بلير حرص منذ كان زعيما للمعارضة في التسعينيات على الكتابة فيها، وبذلك نجح حزب العمال الجديد (في إطار صفقة فاوستية مع مالكها اليميني روبرت موردخ) في انتزاع هذا المنبر الانتخابي الهام.
جريدة شعبوية ولكنها سلاح في ترسانة الاستغباء الأرستقراطي للشرائح الدنيا. ذلك أن معظم من تعاقبوا على إدارتها وتحريرها منذ عقود إنما هم من النخبة المتخرجة من أرقى الجامعات. وهي النخبة ذاتها التي تتولى الإدارة والتحرير في مؤسسات جادة مثل بي بي سي وملحق التايمز الأدبي! جريدة تطفح بالتفاهات والسفاهات ولكن القائمين عليها هم النجباء من دارسي ما يعرف بالـ»بي بي أي»، أي الفلسفة والعلوم السياسية والاقتصادية! ذلك أن هذه النخبة الماكيافيلية (نخبة «الجمهور عاوز كده») لا يهمها تنوير الرأي العام وإنما تحقيق الربح من خلال إطراب «العامة» بما تحب وتهوى.
هذه النخبة هي الطينة التي ينتمي إليها بوريس جونسون. فهو من خريجي إيتون وأكسفورد. كان مؤيدا لبقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي، ولكن ما إن استشعر المزاج الشعبي في انكلترا العميقة حتى غيّر جلده وانقلب قبيل الاستفتاء زعيما مفوها لمعسكر البركسيت. سياسي يعرف الحقائق ولكنه يبيع الأباطيل لجمهور طالب راغب في المزيد. صحافي (سابق) ذو علاقة إشكالية مع الأمانة. بلغ به الاستهتار حد اختلاق اقتباسات ونسبتها لمسؤولين، ففصلته التايمز لتتلقفه الديلي تلغراف وتتخذه مراسلا كذوبا لدى المؤسسات الأوروبية في بروكسيل. رجل مازح هازل يحب الجمهور ألاعيبه وفكاهاته. لا تفسير لشعبيته، في رأي الكاتب جوناثان كو، إلا «الإعراض الفطري لدى الانكليز عن التفكير الجاد في الأمور كلما أتيح لهم خيار الضحك بشأنها».
كاتب تونسي
يا استادنا الكريم في اعتقادي المتواضع فقبل التركيز على العالم الخارجي يجب الحديث عن العالم الداخلي واقصد جغرافيتنا العربية المنكوبة فهل في بلداننا العربية نتوفر على زعماء وطنيون لهم خصال حميدة؟
مقال جميل عزيزي مالك
ليس هناك سوبرمان أو إنسان كامل يا أيّها التونسي تعليقاً على عنوان (عن الزعيم العديم الخصال) في مقالك الذي نشرته في جريدة القدس العربي،
لعقلية القائد أولاً التي تفهم سر نجاح أي مجتمع، في المنافسة في أجواء العولمة بعد 1945 والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني بعد 1992.
ولكن حقيقة وضع حالنا على أرض الواقع، في أي دولة في عصر (البترودولار) أو قبله (ذهب دولار)،
هو بدون إنتاج يمكن عرضه في سوق حر، لن تستطيع شراء أي شيء من السوق، حتى بالنسبة لسوق الأوراق المالية في الأسهم للشركات التجارية،
لمضاعفة حجم المال الدوّار، لزيادة دخل الدولة من الضرائب والرسوم والجمارك، بطريقة غير مباشرة.
ولكن بدون الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الزراعية والصناعية والخدمية بواسطة الآلة أو بدونها،
لن يمكن للدولة، أي دولة (بقائد أم بدون قائد)، أن تجني ما تحتاجه لميزانية الدولة في توفير الخدمات التي من الواجب تقديمها،
لاستقطاب أفضل عقول الأسرة الإنسانية في أمريكا أو غيرها من الدول الذكيّة للإنتاج في دولها، من أجل زيادة دخل الدولة من الدورة الإقتصادية فيها.??
??????
قراءة مبدعة ومتميزة صديقي مالك