شيء ما تغير في المزاج الغربي من حرب غزة والدعم المتواصل لجرائم إسرائيل فيها. فجأة انهار سد الممانعة لوقف إطلاق النار ونقد إسرائيل وانتهى المحرم الذي مارسته الطبقة السياسية في الغرب خلال الأشهر الستة ضد دعاة وقف إطلاق النار وبالضرورة قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة وتدمير كامل القطاع بما فيه من بنى تحتية: مستشفيات، مدارس، جامعات، مزارع، مخابز وأي شيء يجعل العيش فيه ممكنا.
وبعد استخدام إسرائيل كل أنواع الأسلحة التي مررها الغرب بحب إليها وجربت كل أنواع التكنولوجيا من القنابل التي تزن الواحدة منها ما بين ألف إلى ألفي رطل، والقنابل الخارقة للتحصينات وتدمير أحياء كاملة وتشريد أكثر من مليون ونصف فلسطيني وتحويل شمال ووسط غزة إلى أرض يباب وقتل أكثر من 33.000 فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء إلى جانب أكثر من 75.000 جريح وتجويع شعب كامل أمام سمع ونظر العالم الذي اكتفى قادته بالتحذير من استحكام المجاعة بين سكان غزة، لكنهم واصلوا إدمانهم على تقديم السلاح لآلة الحرب الإسرائيلية التي أمعنت قتلا وتشريدا، لم يجد قادة أمريكا تحديدا والغرب بشكل عام (باستثناء أيرلندا وإسبانيا) حرجا من التباكي على حالة التجويع والموت اليومي، ومواصلة الدعم العسكري.
لكن الجدار الذي أخفى كل التناقض والنفاق والمعايير المزدوجة انهار فجأة وبدأ إعصار النقد لإسرائيل حتى من الصحف التي ظلت تتهم كل من ينتقد أفعال إسرائيل أو يعبر عن غضب عما يجري في غزة بمعاداة السامية وأنه لا يريد خيرا بالدولة اليهودية، وقامت النخب بالتدقيق بكل شعار هتفه المؤيدون لفلسطين، لكن هؤلاء لم يتوقفوا وظلوا ينظمون مسيراتهم ويعبرون عن غضب من جو بايدن الرئيس الأمريكي الذي وصف نفسه بالصهيوني، وقال: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدنها». وظل يطلق تعبيراته الهادئة وممارسة دور الأب مع المتظاهرين الذين لاحقوه في كل مدينة وشارع وذكروه بأنه «جو الإبادة الجماعية» وهو لقب تلقاه بأريحية على ما يبدو، رغم وعيه بتداعياته القانونية.
وأصر على الاستماع لمطالب المحتجين من مؤيدي فلسطين والغاضبين عليه من قواعده وحزبه وما يطلبه الموظفون في داخل إدارته، وفي كل مرة ترتكب فيها إسرائيل جريمة يصرخ محبطا، لكن مساعديه يصححون كلامه ويؤكدون أنه لا مانع من اختراق إسرائيل «الخط الأحمر».
وتساءل آدم تيلور في صحيفة «واشنطن بوست» (3/4/2024) عن «الخطوط الحمر» لبايدن، فلا أحد يراها، فهي مثل الخط الأحمر الذي رسمه باراك أوباما للنظام السوري لو استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين، وعندما استخدم في الغوطة قرب دمشق عام 2013 تراجع وجبن.
رئيس بوجهين
وفي الحقيقة ظل الخطاب المزدوج علامة للإدارة الحالية في واشنطن، محاولة ترضية الغاضبين والتعبير عن ثبات الدعم، كما يؤكد دائما المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي «لم يتغير شيء على السياسة». وهذا كل ما يصدر من بايدن ردا على مطالب العرب والمسلمين حتى الذين استقبلهم يوم الثلاثاء في البيت الأبيض وحملوا له رسالة بضرورة تغيير السياسة من غزة: قوله «أتفهم». حتى عندما قرر طبيب فلسطيني ـ أمريكي مغادرة لقاء مع بايدن وأركان إدارته في البيت الأبيض، كان بديلا عن إفطار الإدارة التقليدي الرمضاني، حيث رفض زعماء المسلمين الدعوة، فتحركت الإدارة لعقد لقاء بديل والاستماع من جديد لمطالب العرب والمسلمين في أمريكا، الذين يحتاج بايدن لأصواتهم. واكتفى البيت الأبيض بإفطار رمضاني لموظفي البيت الأبيض المسلمين، حسبما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» (3/4/2024).
شيء ما حدث
وفي يوم الإثنين حصل شيء غير مواقف الدعم الحماسي والثابت لإسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة: قتل الجيش الإسرائيلي سبعة من موظفي «المطبخ المركزي العالمي» الذي أسسه الطاهي الإسباني- الأمريكي المعروف خوسيه أندريس. فالضحايا بيض وليس بينهم إلا فلسطيني، وهم من أستراليا وبولندا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا، وهي دول لم تغير موقفها إلا بالقدر من دعم إسرائيل وظلت تتمسك وراء الحصن المنيع وهو أن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها، وحتى بايدن وجد نفسه مضطرا لمواجهة نتنياهو في مكالمة وصفها النص الصادر من البيت الأبيض بالمتوترة والتعنيفية واستمرت مدة 30 دقيقة حيث طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بتحرك «فوري» والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية وحماية القوافل ووقف فوري لإطلاق النار. وأخيرا فقد نطق بايدن الكلمة المحرمة، لكنه لم يغير موقفه، حسبما أوردت الصحف الأمريكية بل وأكد في نهاية المكالمة مع نتنياهو أن الدعم القوي مستمر.
وتساءلت «نيويورك تايمز» (3/4/2024) عن استعداد بايدن استخدام أوراق نفوذه على إسرائيل، مثل اشتراط المساعدات العسكرية لها بحماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي. لكن الأدلة التي قدمتها «واشنطن بوست» على مدى الأسابيع الماضية كشفت عن تمسك واشنطن بالدعم العسكري ومواصلة إرسال شحنات الأسلحة المتقدمة لإسرائيل.
التجويع ليس انتصارا
كل هذا رغم اعتراف إسرائيل «النادر» بأنها المسؤولة عن مقتل عمال الإغاثة واعتذارها لمدير المؤسسة الذي شن حملة ضدها ورفض تحقيقها وطالب بتحقيق مستقل عما حدث، وحذرها بمقال في «نيويورك تايمز» و«يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية من أن تجويع شعب كامل لا يضمن انتصارها. وذكرها بأن مطبخه العالمي كان أول من قدم الوجبات الساخنة لسكان الجنوب والشمال بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وجيش أندريس علاقاته العامة مع النخب الأمريكية التي طالما استمتعت بوجباته في مملكة المطاعم التي أقامها في واشنطن وغيرها، واتصل مع بايدن في مكالمة خاصة، وأكد أن منظمته رتبت حركة موظفيها وقوافلها مع الجيش الإسرائيلي. وكما كشفت قناة «الجزيرة» القطرية، فقد ضرب الطاقم ليس مرة بل وثلاث مرات، ما يعني أن تبرير نتنياهو والمتحدث باسم جيشه للحادث بأنه «غير متعمد» لا معنى له، وهو ما دفع المسؤولين في الدول المعنية والتي قتل أبناؤها لرفض التبريرات الإسرائيلية.
وربما كانت حملة أندريس مفيدة في تشدد الموقف الأمريكي وتقديم تحذيرات للإدارة، مع أن «وول ستريت جورنال» (4/2/2024) أشارت إلى مدى نجاح أندريس في مواجهة إسرائيل في واشنطن، فالطاهي الذي وجد نفسه في معمعمة السياسة الخارجية، حاول التعبير عن حزنه وغضبه واستخدام تأثيره لتغيير السياسة الأمريكية من غزة.
بالنسبة لبايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن فما جرى يوم الإثنين 1 نيسان/إبريل يجب ألا يتكرر، وطالبا إسرائيل باتخاذ إجراءات عملية يتم الحكم عليها لاحقا، أو كما عبرت «نيويورك تايمز» (5/4/2024) فقد وضع بايدن إسرائيل تحت التجربة في محاولة لتجنب انقطاع العلاقة مع الحليف المهم لأمريكا في الشرق الأوسط والتي رفضت حتى الآن الاستماع لنصائح راعيتها الأهم.
أقوى إشارة
وكانت المطالب الأخيرة، حسب مجلة «إيكونوميست» (5/4/2024) أقوى إشارة حتى الآن من أن الرئيس بايدن مستعد لخفض الدعم العسكري أو الدبلوماسي الحيوي لإسرائيل. ومع ذلك سيجد بايدن صعوبة في وقف القتال ومن الصعب إيجاد تسوية سياسية في غزة ومن المستحيل التخلي تماما عن حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة. إلا أن تدخل الرئيس يزيد بشكل كبير من احتمالات التحدي السياسي لنتنياهو، وهو ما قد يكون ما يريده البيت الأبيض في نهاية المطاف. وقالت المجلة إن مكالمته المتوترة مع نتنياهو كانت أبعد عن «عناق الدب» ودعمه غير المشروط لحق إسرائيل
بالدفاع عن نفسها. وتعتقد المجلة أن موت عمال الإغاثة هو ما دفع بايدن على تغيير موقفه. مضيفة أن مقتل عمال الإغاثة يسلط الضوء على الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها الحملة الإسرائيلية: فقد قاموا بتنسيق حركتهم في غزة مع القوات الإسرائيلية، وكانت مركباتهم الثلاث تحمل علامات واضحة، ومع ذلك فقد تم ضربهم بشكل منهجي من قبل قوات الأمن الإسرائيلية.
دعمنا قوي ولنا مطالب
وتساءلت المجلة عما تريده أمريكا على وجه التحديد؟ بعض مطالبها واضحة، فهي تريد «إغراق المنطقة» في غزة بالمساعدات. وفيما يتعلق بالتكتيكات العسكرية، ترغب أمريكا في الحصول على مزيد من الالتزامات بشأن حماية المدنيين، كما ترغب أن تقوم إسرائيل باستبعاد أو تأجيل غزو رفح في جنوب غزة إلى أجل غير مسمى. وتعرف واشنطن أن مطالبها هذه تصطدم بموقف بايدن الذي يشترط اتفاقا بين إسرائيل وحماس بتبادل الأسرى. وقد ثبت حتى الآن أن هذا الأمر بعيد المنال. ولاحظت المجلة أن نتنياهو تحرك بعد المكالمة وقدم تنازلا متأخرا، ففي غضون ساعات من المكالمة، التزم مجلس الوزراء الإسرائيلي بفتح معبر إيريز والسماح بالشحنات المباشرة من ميناء أشدود، وفتح قنوات رئيسية جديدة إلى غزة. لكن نتنياهو سيكون مترددا في تقديم المزيد. ويكره شركاؤه في الائتلاف اليميني المتشدد مبدأ تحمل المزيد من المسؤولية تجاه الفلسطينيين، وفي الواقع، فقد شجعوا الاحتجاجات لوقف قوافل المساعدات إلى غزة. لقد التزم نتنياهو بغزو رفح، ما يجعل من الصعب التراجع عنه. وقد يقاوم محادثات وقف إطلاق النار لأن وقف القتال قد يشجع أعداءه السياسيين ويخلق طريقا لمناقشة الدولة الفلسطينية، وهو أمر مكروه بالنسبة له ولبعض شركائه في التحالف. وكل ذلك يشير إلى أن هناك الكثير من القتال القادم. وأكبر عصا يملكها بايدن هي حجب المساعدات العسكرية. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بايدن مستعدا لمنع وصول الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل في خضم الحرب، وإلى أي مدى – كما فعل أسلافه مثل رونالد ريغان في الثمانينيات. وتحت ضغط الانتخابات الرئاسية الوشيكة، كما تقول دانييل بليتكا من معهد المشروع الأمريكي، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، بذل بايدن حتى الآن جهدا «لإرضاء الجميع بشأن إسرائيل من خلال اللجوء إلى الخطاب العام الغاضب والدعم الصامت لإسرائيل دون تغيير واقعي على الأرض». ولن يستطيع بايدن دعم الفلسطينيين بعد توقيعه على ميزانية تحظر تمويل أونروا لعام، ومن غير المرجح أن يكتمل الرصيف العائم المؤقت في البحر، الذي أعلنت عنه أمريكا قبل أسابيع، أن يكون جاهزا للعمل قبل أشهر.
تبادل اتهامات في بريطانيا
ويظل الوضع مختلفا في بريطانيا، حيث اندلعت حرب شبه أهلية داخل حزب المحافظين المحافظ وزادت الضغوط على حزب العمال المعارض. وكان عنوان المعركة، وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل وتحذير الحكومة من مغبة خرقها للقانون الدولي. وما كشفت عنه صحيفة «الغارديان» خلال الأيام الماضية من تحذير مستشاري الحكومة القانونيين 10 دوانينغ ستريت أن إسرائيل خرقت القانون الدولي في غزة. وجاء مقتل البريطانيين الثلاثة ليفتح الباب أمام عاصفة من الغضب تجاه إسرائيل، وخاصة من الصحافة والنخب السياسية التي أطرت دعمها من خلال حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وكرر صحافيوها القصص الخيالية عن الأطفال التي قطعت رؤوسهم والاغتصاب الجماعي أثناء هجوم حماس، فيما تجاهل المحررون القصص والتقارير عن الهجمات التي تعرض لها عمال الإغاثة وحصيلة القتل الكبيرة بين الفلسطينيين الشجعان الذين خاطروا بحياتهم لتوفير الطعام للجوعى في مناطق القطاع. ويقول ديفيد هيرست محرر موقع «ميدل إيست» (5/4/2024) إن كل الجدل الذي استخدموه للدفاع عن المذبحة قد تداعى بين أيديهم: أي يجب السماح لإسرائيل مواصلة الحرب حتى النهاية وأن إسرائيل اتخذت أعمالا متناسبة وأنه يمكن تجاهل قرارات محكمة العدل الدولية وأن بريطانيا الولايات المتحدة تستطيعان تعنيف نتنياهو ودعمه عسكريا في وقت واحد.
فقد انفجر السد/ الخزان ولم يعد وزير الخارجية لورد كاميرون قادرا على مواصلة لعبة القط والفأر مع رئيسة اللجنة المختارة للشؤون الخارجية أليشيا كيرنز والتي كشفت قبل أيام أن محامي الحكومة كانوا يعرفون أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي.
ووقع 800 محام بارز وقضاة سابقين في المحكمة العليا، منهم رئيسة سابقة، ليدي هيلي على رسالة تحذر الحكومة من انتهاكها القانون الدولي حال استمرارها بيع الأسلحة لإسرائيل. وتساءل الوزير السابق في الخارجية سير آلان دانكن (محافظ) عن الكيفية التي يمكن اعتبار فيها إسرائيل حليفا بعد مقتل عمال الإغاثة، واتهم داعمي إسرائيل الكبار وأعضاء «أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين» بعدم احترام القانون الدولي وأن أفرادها يخدمون مصالح دولة خارجية. وذكر بالإسم لورد بولاك ولورد بيكلز ووزير الأمن توم توغات ودعا لطردهم من الحزب. وفي مقال بصحيفة «إندبندنت» (3/4/2024) وتصريحات لمحطة «ال بي سي» قال فيها «أعتقد أن أي شيء داعم لما حدث في غزة غير مقبول أخلاقيا، وما يجب علينا القبول به أن ما يفعلونه ليس خطأ فقط، بل وما تفعله إسرائيل منذ سنوات هو خطأ وأن الجيش الإسرائيلي انتهك القانون الدولي».
وقال إن دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل في حزب المحافظين للاستيطان في الضفة وسرقة أراضي الفلسطينيين وضم مناطقهم هو جذر المشكلة الذي أدى إلى صعود حماس والجريمة التي ارتكبتها والمعارك التي نراها الآن.
إعصار غاضب
ومتابعة ما نشر وكتب خلال الأيام الماضية، وخاصة بعد مقتل عمال الإغاثة يشي بأن المزاج قد تغير، فقد وجد استطلاع ليوغوف أن نسبة 56 في المئة من الناخبين البريطانين تؤيد الآن وقف بيع السلاح إلى إسرائيل، وبنسبة 59 في المئة ترى أن إسرائيل خرقت القانون الدولي. ووجد الاستطلاع أن الناخبين الذي يريدون التصويت لحزب العمال في الانتخابات المقبلة يؤيدون بنسبة 71 في المئة مقابل 9 في المئة وقف الدعم العسكري لإسرائيل. ونسبة 70 في المئة إلى 14 في المئة في الحزب الليبرالي الديمقراطي، أما حزب المحافظين الحاكم فالنسبة هي 38 في المئة مقابل 36 في المئة. والمواقف الحالية نابعة من داخل الأحزاب والمؤسسات القانونية، فالرسالة التي وجهت لرئيس الوزراء ريشي سوناك، ليست من جماعات مؤيدة لفلسطين ولكن من النخبة في المؤسسة القضائية، ومن المحكمة العليا، مثل لورد سامشين ولورد ويلسون وقضاة سابقون في محكمة استئناف مثل سير ريتشارد إيكينز وسير آلان موزيس وسير ستيفن سيدلي. وكذا مؤسسو شركات استشارات قانونية معروفين وأساتذة قانون في جامعة أوكسفورد ومدرسة لندن للاقتصاد.
وقد تحرك الجميع، معارضة وحزبا حاكما لشجب إسرائيل. وحفلت الصفحات الأولى في بريطانيا لجميع الصحف، بما فيها صحف روبرت ميردوخ مثل «صن» بصور البريطانيين القتلى والتعبير عن الرعب وأن ما حدث لا يمكن الدفاع عنه. وقال نيك فيراري من أل بي سي «هذا لا يمكن الدفاع عنه وكل معلومة مثيرة للرعب ومن صديق لآخر يجب وقف هذا». وكان يمكن لفيراري التوصل لنتيجة أن الحرب مرعبة منذ اليوم الأول لها، وليس الانتظار ستة أشهر لكي يشجب الفعل الإسرائيلي لمجرد أن القتلى أجانب. وهو ما لم يفت انتباه الصحافي البريطاني بيتر أوبورن الذي كتب في «ميدل إيست آي» (3/4/2024) قائلا إن مقتل عمال الإغاثة السبعة مأساة لكنه قصة عن العنصرية الغربية، مشيرا إلى أن الإعلام الغربي والقادة السياسيين أثاروا ضجة لمقتلهم أكثر من 33.000 فلسطيني على يد آلة القتل الإسرائيلية.
ونشر أوبورن مقالا في صحيفة «إندبندنت»(3/4/2024) ناقش فيه أن مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين مؤثرة جدا وحان الوقت للكشف عن علاقة حزب المحافظين مع إسرائيل.
وبالنسبة للمذيع فيراري فقد وصف نفسه بالصديق لإسرائيل، صديق لماذا؟ صديق للأبارتيد؟ صديق للإبادة؟ صديق للتجويع؟ صديق للمستوطنين الذين يحرقون القرى الفلسطينية؟ صديق للتطرف الديني؟ صديق للفاشية؟ كما تساءل هيرست.
والقائمة طويلة لذكر من خرج علنا لكي يشجب قتل إسرائيل مواطنين أجانب، من حفيد وينستون تشرشل، نيكولاس سومز، الوزير السابق وعضو مجلس اللوردات إلى وزير الخارجية السابق مالكوم ريفكيند ووزير العدل السابق في حكومة توني يلير تشارلي فالكونر وعمدة لندن صادق خان، وعدد من نواب الحزبين الذين طالبوا بوقف تسليح إسرائيل وإرسال رسالة قوية.
فيما وجه سير ألان دانكن نار غضبه على وزراء حاليين وسابقين في حكومة المحافظين ووصفهم بـ«المتطرفين» لدعمهم إسرائيل، مثل وزير المجتمعات مايكل غوف ووزيرتي الداخلية السابقتين، بريتي باتل وسويلا بريفان التي خرجت للدفاع عن إسرائيل وأنها لم تقتل مدنيين والتزمت بالقانون الدولي ووفرت الدعم الإنساني في غزة. بل وخصصت صحف مثل «إندبندنت» صفحاتها للدعوة إلى وقف إطلاق النار «كفى» كما جاء في صفحة عددها ليوم الخميس 4/4/2024 وأتبعت الأمر بصفحة مماثلة يوم الجمعة 5/4/2024 دعت فيها لوقف تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل. وناقشت الصحافة البريطانية أن عمال الإغاثة البريطانيين قتلتهم إسرائيل بسلاح بريطاني.
مستشفى وقنصلية وقناة
وجاء تغير المزاج على خلفية أحداث جرت قبل يوم الإثنين 1/4/2024 حيث انسحبت القوات الإسرائيلية من مجمع الشفاء بعد أسبوعين من حصاره وترويع وقتل من فيه، وتركته حطاما، وهو المجمع الذي كان يعالج نسبة 30 في المئة من سكان غزة. ثم جاء قرار الكنيست بمنع قناة «الجزيرة» من العمل في المناطق المحتلة واتهام نتنياهو إياها بأنها بوق لحماس، وانتهكت إسرائيل خطا أحمر بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق. وكما اعتبرت مستشفى الشفاء بأنه ليس مؤسسة صحية نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن تكون هناك قنصلية بل مركز قيادة وتحكم تحت غطاء بعثة دبلوماسية. وكالعادة تلقف الإعلام الرواية الإسرائيلية عن غارة دمشق مثلما قبل تدميره المجمع الصحي وتهجير آلاف اللاجئين إليه وقتل المئات وتجويع وتعذيب الطاقم الطبي، كل هذا كان بمثابة «إنجاز» عسكري حسب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت.
وهناك إغراء لوصف الهبة الإعلامية الغربية بأن هناك حياة تهم وأخرى لا تهم. ومثلما قال أديب إسحق «قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها» مع أن القتل هو القتل في غزة والجريمة واحدة سواء كانت الضحية فلسطينية أو أجنبية.