قبل سنوات عديدة، بين حرب يوم الغفران والتسوية السلمية مع مصر في كامب ديفيد، نشر في ‘هآرتس’ مقال عنوانه ‘خير لن رئيس أركان صامت من رئيس أركان متكلم’. وموضوع المقال كان الثرثرة التي ألمت برئيس الجيش في مقابلة مفتوحة في منتدى الغرفة التجارية الاسرائيلية الامريكية. وقد تضمنت ليس فقط مكتشفات كثيرة وألمعيات مثل الادعاء بانه لا ينبغي لاسرائيل أن تكون قلقة من صواريخ سكاد التي تلقتها سوريا لانها غير دقيقة بل ترهات اخرى هنا وهناك. وقد ترافق هذا النشر وتبادل للاحاديث بين الرقيب العسكري الرئيس ومحرر ‘هآرتس’ الذي فوجيء من محاولة الغاء تغطية شرعية لمناسبة علنية. وكان جواب الرقيب هو أن المقال يعرض رئيس الاركان كغبي، وليس مناسبا أن هكذا يأخذ الانطباع اعداؤنا عن رئيس الجيش. أما المحرر فلم يقبل هذا التفسير الغريب ونشر المقال بكامله، رغم المعرفة بانه ستفرض عليه في الغداة غرامة مالية عالية. هذه الايام لا تعنى الرقابة بحكمة او بغباء رجالات الجيش. أولا، لانه ليس لنا أي ادعاء على الجيش الذي يقوم بمهامه بتفانٍ. وثانيا، لانه من بين عشرة احتمالات اختار منتخبو الشعب تسعة. عندما وطأ البيت الابيض رئيس أسود مع ماض اسلامي، تخوفت اسرائيل، فضلا عن المخاوف العادية، من كيف سيتعاطى معنا. هل ستتواصل العلاقات الخاصة؟ هل ستتضرر المساعدة المالية والامنية؟ عندما قرر اوباما ادخال رأسه في شؤون السلام اختار أولا مصر الامر الذي زاد أكثر فأكثر المخاوف في اسرائيل. ويكن بيبي مد يدا للسلام، مع شرط خبيث: الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية. في هذه الاثناء تحولت مصر اياها الى شيء آخر، ولم تعد قوة عظمى، بينما اسرائيل جعلت شعار ‘الاعتراف بدولة يهودية’ لغما في الطريق الى السلام. لقد عرف بيبي مسبقا بان هذا الشرط لن يكون مقبولا من الفلسطينيين، وأراد استخدامه كي يحبط تنازلات كبيرة في موضوع المستوطنات ويزيح عنه الضغط الدولي وهي مناورة مكشوفة حسب كل الاراء. فالامم المتحدة لا تعترف بالاديان بل بالدول. وبالفعل، فقط في تشريع القانون الاساس: كرامة الانسان وحريته الذي اقر في 1992، ذكرت كلمات ‘قيم دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية’. ولو كان ملحا للطرفين الوصول الى تسوية سلمية، ما كانت اسرائيل لتطرح لغم الدولة اليهودية وما كان الفلسطينيون ليأبهوا به. فواضح بانهم عرب ونحن يهود. ليس مع مصر وليس مع الاردن طرحت مسألة الدين في اثناء التوقيع على السلام. ونحن لا نحتاج الى اقرار الرابي من المقاطعة. مناحيم بيغن نفسه، في اثناء المفاوضات في كامب ديفيد اعترف بان اسرائيل هي دولة مع أقلية عربية لها حقوق. مع اقتراب موعد انهاء المفاوضات بوساطة كيري، يبدو ملموسا الاضطراب في قيادتنا السياسية فهل سنفي بتعهدنا لتنفيذ النبضة الاخيرة من تحرير السجناء دون أن يكون تحقق اتفاق؟ هل سيكون لنا العقل لقبول اتفاق اطار يقترحه كيري لتمديد محتمل للمفاوضات؟ وفوق كل شيء، كل ستكون لنا الشجاعة أو العقل لنحرر مثلا البرغوثي الذي هو الوحيد في هذا الاوان القادر على أن يقود نحو الاتفاق بصفته خليفة أبو مازن؟ لو كان بيبي يريد لكان يمكنه أن يمنع أزمة. لا بينيت ولا المتطرفين في الليكود سيسقطوه، إذ بعده الطوفان. من يظهر كخصمه الاخطر هو بوغي يعلون، الذي قال خصومه عنه انه ليس فقط غبي بل يبدو غبيا أيضا. هذه هي المرة الاولى التي يتجرأ فيها وزير دفاع، يعرف ما نحصل عليه من الولايات المتحدة في كل مجال في حياتنا، على الاهانة لرئيس أمريكي ‘رأسه في اوكرانيا، في روسيا وفي بوتين’. التهديد في أن نعمل ضد ايران بناء على رأينا يزيد أكثر فاكثر الشك في تفكر وزير الدفاع. يجدر أولا إحالة يعلون من منصبه، كي لا يدمر نهائيا علاقاتنا مع أفضل اصدقائنا. هآرتس 21/3/2014