إلى متى ستواصل إدارة بايدن لعبتها في غزة، تنزل المساعدات الإنسانية من الجو والبحر وترسل القنابل الفتاكة، زنة الواحدة منها 2.000 رطل إلى إسرائيل لتواصل قتل المدنيين؟
فما أوردته صحيفة «واشنطن بوست» (30/3/2024) في تقريرها عن شحنات من الأسلحة التي أقرتها واشنطن إلى إسرائيل، يشي بأنها جزء من التحضيرات لعملية رفح المقبلة. ولقد سمعنا طوال الأسابيع الماضية أن العملية هي «خط أحمر» وأن بايدن لن يوافق على الغزو بدون خطة لحماية المدنيين.
فكيف سيتمكن الرئيس الأمريكي من حماية أكثر من مليون ونصف من غارات واجتياح عسكري شامل للمدينة الأخيرة في قطاع غزة والتي لم تدخلها القوات الإسرائيلية بعد، مع أن الطائرات الإسرائيلية تواصل غاراتها على المدينة ومحيطها يوميا وتقتل العشرات وتدمر المباني والمساجد.
وكيف نوفق بين معادلة القنابل وتخفيف الجوع في غزة؟ فمن تقتله الدبابات والقنابل الأمريكية ليس بحاجة إلى السخاء الأمريكي المبالغ فيه والذي يقتل، فقد غرق غزيون في البحر وهم يحاولون البحث عن رزم الطعام الأمريكية التي لم يستطع الطيارون من السماء توجيه المظلات المحملة بالبالات والطعام لبر غزة. فالفلسطيني يموت برا وبحرا ومن الجو ويرى بعين أمه كيف تقوم أمريكا بقتله ثم تزعم أنها تريد إنقاذه.
فيتنام في غزة
إنها نفس اللعبة الأمريكية في حروبها، وهي متورطة إن لم تكن غارقة لرأسها في الحرب الإسرائيلية. ومن يريد مشاهدة الازدواجية الأمريكية فما عليه إلا مشاهدة ولو حلقة من تلك التي أعدها كين بيرنز عن حرب فيتنام. فلا علاقة بين القنبلة والجوع لأنهما نفس الشيء وهما من صناعة أمريكية في غزة.
ولننظر لما أوردته «واشنطن بوست» (30/3/2024) في تقريرها الأخير. وبالمناسبة، هذه ليست المرة الأولى التي تكشف هذه الصحيفة عن صفقات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، فقد كشفت قبل أسابيع عن أكثر من مئة صفقة سلاح لإسرائيل. وفي التقرير الأخير أشارت الصحيفة إلى 1.200 قنبلة من نوع أم كي84 والتي تستطيع تدمير مجمع سكني كامل وتخلف وراءها حفرا ضخمة. ومنذ بداية الحرب كشف أن هذه القنابل من نوع أم كي-84 وأم كي 82 مسؤولة عن زيادة أعداد الضحايا في الحرب الجارية في غزة. وتبرر وزارة الخارجية تسليم هذه الشحنة من الأسلحة بأن المصادقة عليها تعود للعام الماضي وتم تسليمها. وكان يمكن للإدارة أن تؤجل تسليمها وهي تعرف أنها ستستخدم في قتل المدنيين، بشكل تخرق قانون ليهي الذي يشترط المساعدة العسكرية بالالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي والأمريكي. لكن الأمر معكوس دائما بالنسبة لإسرائيل، ففي كل الأحيان ترسل الأسلحة لإسرائيل ثم تبدأ الخارجية بالنظر فيما أن خرقت إسرائيل حقوق الإنسان، كما أشار المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية جوش بول في مقابلة مع «واشنطن بوست».
بايدن المحبط
ومنذ بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر وواشنطن تمارس لعبة إدارة أزمة، حيث تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المزيد من الوقت لكي يحقق وهم انتصاره على حماس ويحرر الأسرى الإسرائيليين لديها بدون تنازلات. وكل ما يصدر عن بايدن هو إحباط والقول إن الرئيس وصل مع نتنياهو للحظة «تعال يسوع» ولكنه يرفض استخدام ما لديه من تأثير. مع أننا أخبرنا في اللحظة التي هبط فيها بايدن بتل أبيب وبعد عشرة أيام من هجوم حماس على إسرائيل إن «عناق الدب» لنتنياهو كان تعبيرا عن «اخدمني وأخدمك» أي أن بايدن يريد الضغط والتأثير على حكومة إسرائيل المتطرفة. فكدولة راعية وأهم حليف لإسرائيل لديها نفوذ كبير. وكما قال جوست هيلترمان في «فورين أفيرز» (28/3/2024) فواشنطن وإيران الراعية لحزب الله في لبنان والجماعات الأخرى بالمنطقة ومنها حماس، تواجه «معضلة الراعي» ولكن بيد طهران وواشنطن وقف الحرب ومنع انتشارها في المنطقة. وقال هيلترمان إن إيران مثلا عبرت عن عدم ارتياحها من قرار حماس مهاجمة إسرائيل بدون استشارتها أو إنذارها، ولهذا اضطرت للعب دور مزدوج وهو التعبير عن دعم حماس علنا من أجل إرضاء الرأي العام الغاضب من الهجوم الإسرائيلي، وأبعدت نفسها في الوقت نفسه عن الحرب، وهذا هو جوهر الدولة الراعية، فهي تدعم الجماعات الوكيلة في المنطقة ضمن استراتيجية الدفاع المتقدمة ولكي تحمي نفسها من الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا. وعلى الجماعة الوكيلة الالتزام بالقواعد التي تضعها الدولة الراعية المسؤولة عن ضبط تصرفات جماعاتها ومنع الأمور من الخروج عن السيطرة. لكن حماس خرقت القاعدة هذه ومضت وحيدة دون إبلاغ حلفائها في «محور المقاومة» ما وضع ضغوطا على إيران وحزب الله. وتقضي قواعد اللعبة بين الراعي- الوكيل أن الجماعة الوكيلة تستطيع التصرف في سياقها المحلي بما يخدم مصلحتها، ولكن بدون أن تعرض مصالح الراعي للخطر. فما أرادته طهران من حماس هو أن تكون نقطة ضغط أخرى ضد إسرائيل إلى جانب حزب الله في لبنان. وكانت مرتاحة للمواجهات العسكرية التي تنتهي بوقف إطلاق النار، كما فعلت حماس منذ سيطرتها على غزة. وينسحب الوضع بين حماس وطهران على العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، فأمريكا تستطيع الضغط على وكيلتها الإسرائيلية ولديها، وهو ما يقوله المراقبون، الضغط بل ووقف الحرب الطاحنة في غزة، من مثل اشتراط الدعم العسكري بحماية المدنيين والالتزام بحقوق الإنسان. وهو ما طالب عدد من أعضاء الكونغرس، الذين باتوا يرون أن استمرار إسرائيل في تدمير غزة يؤثر على حظوظ بايدن الانتخابية في تشرين الثاني/نوفمبر. إلا أن بايدن الذي استعان بالرئيس السابق باراك أوباما لإنقاذ حملته الانتخابية كما أشارت مجلة «تايم»(21/3/2024) يعرف بتداعيات استمرار دعمه لنتنياهو. وفي حفلة جمع تبرعات شارك أوباما مع الرئيس السابق بيل كلينتون في جمع 25 مليون دولار، ما دعم حملة بايدن، ذلك أن الانتخابات الأمريكية تدور حول المرشح القادر على شراء مساحات إعلانية في شبكات التلفزة والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي حتى يوم الاقتراع. وجاءت أموال بايدن الانتخابية في وقت يعاني فيه منافسه دونالد ترامب من أزمة مالية ومحاكم ومطالب بدفع أموال أقرتها المحاكم في قضايا تشهير وأخرى.
والغريب أن بايدن يعترف بحجم المشكلة التي فرضتها غزة على حملته الانتخابية. وقال عن المتظاهرين الذي يطالبون بوقف إطلاق النار إن «وجهة نظرهم صحيحة» وقبل أيام قال إنه يشعر بألم العرب الأمريكيين الذين قرر معظمهم عدم الالتزام بمنح أصواتهم له حتى يتحرك بجدية لوقف الإبادة في غزة. وباتت عبارة «بايدن الإبادة الجماعية» جزءا من حركة الاحتجاج الأمريكية الواسعة. ولكن استمرار بايدن في لعبته المزدوجة لن يخدم حملة إعادة انتخابه ولا موقف أمريكا العالمي، فالتحركات الرمزية، مثل الامتناع عن التصويت في مجلس لمشروع قرار يطالب بوقف فوري للنار في رمضان (الذي قارب على النهاية) كان تحركا رمزيا ومحاولة لتجنب الإحراج. فواشنطن تعرف أن إسرائيل لن تطبق أي قرار لمجلس الأمن، وهو ما حدث حيث رفض نتنياهو القرار ولام أمريكا على عدم الوقوف إلى جانب إسرائيل كما هو المعتاد، ومنع وفدا إسرائيليا كان سيزور واشنطن من السفر لمناقشة الهجوم على رفح. فالتصرفات الرمزية والتعبير عن الإحباط والغضب ليست مجدية إن لم تقرن بتحركات عملية وضغط حقيقي على إسرائيل وفرض تداعيات عليها. وهو ما لم تفعله إدارة بايدن، بل وفي كل مرة يخرج فيها بايدن بتصريح ناقد لإسرائيل أو يشي بتغيير السياسة، يخرج إما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أو المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي ليقولا إنه لم يتغير شيء على السياسة الأمريكية من دعم أهداف إسرائيل في غزة، أي تدمير حماس وتحرير الأسرى.
تناقض
وهما هدفان غير متناقضين، كما أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال»(28/3/2024) حيث قالت إن الإسرائيليين منقسمون حول كيفية التوفيق بين الهدفين. وقالت صحيفة «التايمز» (29/3/2024) إن الحرب في غزة لن يخرج فيها منتصر، لا حماس أو إسرائيل، ففي الوقت الذي أكدت الأولى أنها انتصرت على الأقل من الناحية الإستراتيجية، وفي هذا وجه، من ناحية عزلة إسرائيل الدولية، لكن الأخيرة تربط انتصارها بقتل قادة حماس، مثل يحيى السنوار ومحمد الضيف، وبدون قتل أي منهما فقد فشلت إسرائيل في مهمتها.
ومن هنا تحرص إسرائيل على مواصلة الحرب في رفح، بذريعة أنها تريد قتل ما تبقى من مقاتلي حماس انسحبوا إلى المدينة، لكن مقاتلي حماس ظهروا في شمال غزة، حيث لا تزال القوات الإسرائيلية تحتل أكبر مجمع طبي ومنذ عدة أيام، وهو مستشفى الشفاء. وبررت إسرائيل أن العملية هي جزء من مرحلة ثالثة، وهي الدخول سريعا وملاحقة حماس كلما خرج مقاتلون من الأنفاق. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز»(27/3/2024) عن تامير هيمان، المسؤول السابق للمخابرات العسكرية قوله: «لن تكون هذه الأخيرة ولن تكون عملية حاسمة» و«هي جزء من تسلسل سيأخذ عدة أشهر حتى تتآكل حماس في النهاية». لكن نقاد العملية العسكرية يرون أن مداهمة الشفاء تظهر قدرة حماس على النجاة حتى في المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي سابقا. ويرى مايكل ميليشتين، المسؤول الأمني السابق والخبير في الشؤون الفلسطينية «حقيقة عودة إسرائيل إلى هذا المكان تكشف عن غياب الإستراتيجية».
رفح
وبهذا المعنى فإن الموقف الأمريكي ركز في معظمه على رفح ولم يلتفت للشفاء الذي خرجت منه شهادات مروعة عن تجويع وحشر الأطباء والممرضين في غرفة واحدة ووفاة عدد من المرضى بسبب قطع القوات الإسرائيلية التيار الكهربائي عن المستشفى. وتواصل إسرائيل هجومها على المجمعات الطبية التي لم تعد قادرة على العمل بذريعة أن مقاتلي حماس لجأوا إليها. وكالعادة تتلقف أمريكا وداعمو إسرائيل وما يقوله قادة الجيش الإسرائيلي ونتنياهو. وفي الوقت نفسه تحاول حرف النظر في مقترحات عن اليوم التالي للحرب والدولة الفلسطينية ومشاركة السلطة الوطنية في إدارة غزة، بما في ذلك اقتراح للبنتاغون للمساعدة في تمويل قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ سلام فلسطيني حسب مجلة «بوليتيكو»(28/3/2024). ووضحت صحيفة «جيروزاليم بوست» (29/3/2024) أن وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت الذي كان في واشنطن وقت التصويت على قرار وقف إطلاق النار حصل على دعم أمريكي في تشكيل قوات عربية ستتولى فرض القانون والنظام في قطاع غزة، وتأمين قوافل المساعدات. وقالت «جيروزاليم بوست» إن «مسؤولين كبارا في الجيش الإسرائيلي ووزارة الحرب، ناقشوا القضية مؤخرا مع ممثلين من ثلاث دول عربية، بينها مصر». وقال مسؤول إسرائيلي، إن «مثل هذه الخطوة ستبني هيئة حكم في المنطقة بدلا من حماس، وستحل لإسرائيل مشكلة متنامية مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالوضع الإنساني في غزة». وهو ما تريده إسرائيل، جهة تكون مسؤولة عن جمع النفايات والتنسيق الأمني وليس الحفاظ على الأمن بسلطات تحمي سيادة غزة، فالأمن كما قال نتنياهو سيظل بيد إسرائيل ومن النهر إلى البحر. ولهذا السبب ستحدث عملية رفح، وهو ما كشف عنه تقرير في مجلة «بوليتيكو»(29/3/2024) حيث طلبت مصر معدات وتمويل لحماية حدودها حال هاجمت إسرائيل رفح. ونقلت عن مسؤولين قولهم إن المصريين والأمريكيين لديهم اعتقاد بأن غزو رفح سيحدث في النهاية.
خطوة رمزية
وهو ما يشي أن أمريكا تمضي خطوة بخطوة مع المطالب الإسرائيلية في غزة وإن رفعت صوتها محتجة وغاضبة. وعليه فامتناعها عن التصويت وهي التي رفعت يدها أكثر من مرة ملوحة بالفيتو في مجلس الأمن لا معنى له، وكما قالت «الغارديان» (26/3/2024) فالنبرة الشديدة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ليست إشارة عن مزيد من التحرك، فهي تعبير عن إحباطه من نتنياهو فقط. وحذرت الصحيفة من المعاناة الإنسانية التي هي من صناعة البشر، ومن هنا فالتململ من تصرفات إسرائيل والحديث عن المجاعة، كما تقول الصحيفة ليس مهما عندما تواصل إرسال الأسلحة التي تخلق الكارثة.
وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت هو لحظة رمزية ولن يتغير الكثير حتى تقوم بتحول جوهري في سياستها. وهو ما أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» (26/3/2024) حيث قالت إن الامتناع عن التصويت هو تعبير عن «إحباط» بايدن من نتنياهو وطريقة إدارة الحرب ليس إلا، وهو ليس «تصعيدا» كما قال كيربي و«لم يتغير شيء» في الموقف الأمريكي. كل هذا والولايات المتحدة تعاني من أزمة مصداقية بين المواطنين الأمريكيين والعالم. وفي تقرير آخر لـ «واشنطن بوست» (25/3/2024) جاء فيه أن أمريكا وإسرائيل تواجهان مسألة مصداقية، مشيرة إلى تحذير مسؤول أمريكي رفيع نظراءه الإسرائيليين، خلال حوار حاد في وقت سابق من هذا الشهر، من «الضرر» الذي قد يلحق بسمعتهم نتيجة للحرب المستمرة في غزة. وهي المذكرة الداخلية للحوار الذي شارك فيه مساعد وزير الخارجية بيل روسو، والتي حصل عليها مراسل الإذاعة الوطنية العامة «أن بي أر» دانييل إسترين، وقدمت مثالا آخر على الخلاف بين إدارة بايدن وإسرائيل، والذي كان مدفوعا إلى حد كبير بالقلق الأمريكي المتزايد من الخسائر الإنسانية الناجمة عن الصراع ودور إسرائيل في جعل الأمور أسوأ ـ حتى في الوقت الذي تحمي فيه الولايات المتحدة إسرائيل في المنتديات الدولية وتساعد في تجديد آلة الحرب لديها. وكان رد محاور روسو الإسرائيلي السخرية من المزاعم مشيرا إلى أن الغضب ضد إسرائيل منتشر على تيك توك ومنصات التواصل الاجتماعي فقط.
رمال غزة
ويبدو أن إسرائيل تدفن رأسها في الرمال، وهي مصرة على نزع التطرف من غزة، كما قال سفيرها في الأمم المتحدة وأن غالبية الفلسطينيين لا يريدون السلام وشبههم بالألمان الخارجين من الرايخ الثالث. ويجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في مأزق غير مريح، فهم يخدمون على المسرح العالمي حكومة إسرائيلية معزولة بشكل متزايد ولا تحظى بشعبية. ولو كلف الإسرائيليون أنفسهم واطلعوا على استطلاعات الرأي الأمريكية لوجدوا أن غالبية أمريكية لم تعد تقبل بالأفعال الإسرائيلية في غزة، حسب معهد غالوب الذي نشرت نتائجه صحيفة «نيويورك تايمز» (27/3/2024) وتراجع الدعم للعملية الإسرائيلية من 50 في المئة في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 36 في المئة في آذار/مارس. وارتفعت نسبة الأمريكيين الذين قالوا إنه ليس لديهم رأي في النزاع من 4 إلى 9 في المئة. ووجد استطلاع غالوب أن نسبة الدعم لإسرائيل تراجعت بناء على الانتماء الحزبي، فعند الجمهوريين الذين لا يزالون يدعمون الحرب في غزة، فقد تراجعت من 71 في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 64 في المئة في آذار/مارس.
وفي النهاية يرى أدريل كاسونتا في مقال نشره موقع «ذي هيل»(27/3/2024) قال فيه إن الولايات المتحدة تمارس خيانة لفلسطين وغزة. ووصف الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن بأنه كان تحركا «صارخا في المناورات الدبلوماسية في أعلى حالات المخادعة». ويرى أن اللفتة العقيمة لا ترقى إلى مستوى معالجة الأزمة الإنسانية العاجلة التي تتكشف في غزة. والمناورة هي صورة عن تخلي وخيانة الولايات المتحدة لدورها كوسيط محايد، وموافقتها العملية على معايير المفاوضات الإسرائيلية والتي ربطت أي وقف إطلاق للنار بالإفراج عن الأسرى لدى حماس. وربط المناورة الأخيرة بالحسابات السياسية المحلية لبايدن.
ويقول الكاتب إن الدوافع وراء هذه المناورة واضحة بشكل صارخ، وتفضح الجهود على أنها ليس تقدما صادقا نحو السلام بل تحركا محسوبا يهدف لتحقيق أغراض سياسية محلية. ففي ظل الانتخابات الرئاسية التي تخيم وبشكل واسع، حاولت إدارة بايدن استرضاء السكان القلقين والراغبين في السلام. وما تعكسه استطلاعات الرأي من تغير في المشاعر، وبغالبية أمريكية تدعو إلى وقف إطلاق النار وتضاؤل في دعمهم للدعم غير المشروط لإسرائيل.
والتغير ليس منحصرا في الديمقراطيين بل وملاحظة في الطرف الجمهوري وحتى الإنجيليين المسيحيين الذين التزموا بدعم إسرائيل، لكنهم يريدون خفض التوتر. وحذر الكاتب من أن تكلفة التواطؤ الأمريكي في الحرب ستصبح واضحة مع مضي نتنياهو في حملته ضد رفح. ومن ثم، فالدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل سيكون على المدى البعيد تهمة وليس رصيدا، حيث تتزايد خيبة المجتمع الدولي من تقاعس الولايات المتحدة. ولن تكون رمال غزة الملطخة بالدماء فقط مقبرة رئاسة بايدن ولكن النظام الدولي الذي قاده الغرب والقائم على القواعد، حيث سيزداد الشجب الوطني والدولي بشكل يصبح فيه التواطؤ الأمريكي غير قابل للدفاع عنه. وعلى الولايات المتحدة أن تقرر على أي جانب من التاريخ تريد أن تكون، من أجل غزة أم من أجل إسرائيل والأهم من هذا، من أجل الإنسانية أم من أجل روحها فقط؟