عن الهجرة المعاكسة من الشتات إلى الجزائر ثم إلى فرنسا والعودة مرة أخرى

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشر موقع “بي بي سي” مقالا تحدث فيه كاتبه عن معنى الهجرة المعاكسة من كندا إلى الجزائر ومن الجزائر إلى فرنسا ثم العودة أخيرا إلى الوطن.

وقال ماهر مزاهي في مقاله، الذي شرح فيه سبب مغادرته كندا أولا وعودته إلى بلد آبائه، إن عائلة كل مهاجر لديها شخص ناقد وبشكل كبير لكل شيء يتعلق بالبلد الأم. وفي نقاشات العائلة يمكن أن تشير إلى الفاكهة التي تنمو في الوطن وتكشف عن زيادة أسعارها في العام الماضي أضعافا مضاعفة. وربما تصل الأخبار عن ابن أخ أو اخت أنهى الثانوية العامة والشكوى بأن الأمر لا قيمة له نظرا لنوعية التعليم في البلاد.

ويشير الكاتب إلى أن والده كان يقوم بسفريات عدة إلى الجزائر، وينتقد كل شيء، وربما كانت هذه طريقته لتبرير رحيله عن البلد، للعائلة ولنفسه.

ولم يكن الكاتب قادرا على أن يحكم بنفسه بشأن العيش في الجزائر، حتى بدأ بالسفر إلى هناك في سن النضوج ووحيدا. وفي تلك الفترة وقع في غرام كرة القدم الأفريقية، وتوصل لنتيجة أن الطريقة الأفضل لمواصلة مسيرته في صحافة كرة القدم هي الانتقال للجزائر.

كتب مزاهي الكثير عن “الهجرة المعاكسة” وكيف عاد أبناء الجيل الأول من المهاجرين إلى بلدهم الأصلي لاكتشاف الحكمة المفقودة وبناء علاقات مع العائلة الممتدة وإصلاح أزمات الهوية التي يعانون منها

وكتب مزاهي الكثير عن “الهجرة المعاكسة” وكيف عاد أبناء الجيل الأول من المهاجرين إلى بلدهم الأصلي لاكتشاف الحكمة المفقودة وبناء علاقات مع العائلة الممتدة وإصلاح أزمات الهوية التي يعانون منها. وعادة ما تكون قصصهم قريبة من القلب، إلا أن الأجيال القديمة عادة ما تكون أكثر سخرية وتطلق التعليقات: “انتظروا حتى تنهوا الأوراق في أي مكتب حكومي”. ويقول “لا زلت أتذكر بشكل حي الحوار الذي دار على طاولة العشاء في غرفة معيشة أهلي، في ليلة بكندا، حيث أصررت على أن الوقت قد حان للانتقال إلى الجزائر. وقال شقيقي الأكبر، أعطه عامين، وبابتسامة على شفتيه. ورد والدي: عامان هي مثل شهرين”. وتحول الرهان على مدة بقائه في الجزائر إلى لعبة داخل عائلته الممتدة وعلى مدى عدة أشهر. ولكنه انتهى بالبقاء هناك لمدة ستة أعوام.

ويقول الكاتب إن السنوات الأولى في الجزائر كانت مثيرة. وكان هناك تدفق من الصحافيين ورجال الأعمال من أبناء الشتات الذين وصلوا إلى الجزائر مثله منتصف العقد الثاني من القرن الحالي. وكان اقتصاد البلاد مزدهرا وعلى مدى خمسة أعوام، وشعر الواحد أن الإمكانيات لا محدودة. وبدأت مدارس تعليم اللغة الإنكليزية بالبروز في العاصمة الجزائر مثل الفطر. وشعر الجزائريون بالأمل من مباريات كأس العالم 2014 والأداء المتألق للاعبين دوليين مثل ياسين براهيمي ورياض محرز وتسليط الضوء على الكرة الجزائرية.

وبالنسبة للصحافيين الذين كانوا يدرسون اللغة الإنكليزية إلى جانب عملهم فقد كان الأمر مناسبا جدا. وأي شخص كان محظوظا وبلغ سن النضج يعرف أنهم سيصبحون في النهاية مثل أبائهم. ومع أنه لم يقم بالشكوى علنا من مشاكل الجزائر، لكنه وجد المبرر لكي يغادر قبل عام ونصف.

 غادر مزاهي الجزائر إثر قيود السفر الخانقة بسبب كوفيد-19، والتراجع في الحريات المدنية مما جعل من ممارسة الصحافة أمرا صعبا

وبالنسبة إليه فقد كان قراره هو نتاج لقيود السفر الخانقة بسبب كوفيد-19، إذ أغلقت الحدود الجزائرية لمدة عامين، والتراجع في الحريات المدنية مما جعل من ممارسة الصحافة أمرا صعبا. ووصل مرحلة في حياته يريد فيها ممارسة أمر مختلف، وهو ما قاده إلى الرحيل إلى مارسيل، جنوب فرنسا.

وهذه المدينة فيها أكبر جالية من المهاجرين ولديها معجنات تسبح بالزبدة ومعمار مدهش وجو مشمس، فهناك الكثير من الملذات التي يمكن للواحد الاستمتاع بها.

واكتشف مزاهي سريعا أن المدينة ليست له. والسبب الرئيسي لشعوره بأنه خارج المكان هو عدم وجوده في الميدان لكي يكتب عن الرياضة في أفريقيا، ولا شيء يضاهي أنك تقوم بالمساهمة ولو بطريقة ما في المجال الذي اخترته. فإلى جانب الرياضة التي كانت تدفعه للعودة، هناك أمور صغيرة وتافهة مثل وقف سيارة تاكسي والتعرف على صديق جديد في تنقلك بالمواصلات وتناول وجبة سردين من الذي تم صيده من البحر.

واكتشف الكاتب أنه في رحلة الحياة لو عثرت على السعادة في تفاهات الحياة اليومية فقد حان الوقت للتوقف ونصب خيمتك.

في رحلة الحياة لو عثرت على السعادة في تفاهات الحياة اليومية فقد حان الوقت للتوقف ونصب خيمتك

ويضيف “أنا الآن أحضر للهجرة المعاكسة للمرة الثانية، فقد كان هناك وقت للتفكير، إذ أقوم بمقارنة البهجة والعاطفية في قراري الأول عام 2016 واليوم. فأنا لست مبتهجا بنفس القدر الذي كنت في ذلك الوقت، فهناك الكثير لكي تكتشفه. ويتايع “لقد تعبت من البيروقراطية التي لا ترحم، ونظام العدالة غير المستقر، وصعوبة الحصول على رعاية صحية خاصة عندما أريدها. وكل هذه الميزات غير الإيجابية تتلاشى عندما أشعر أنني عائد للوطن كي أعمل الشيء الذي أحبه في المكان الذي أحبه أكثر. وهذا هو الشعور الذي آمل أن يشعر به كل واحد ولو مرة في الحياة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية