تتسارع الخطوات هنا وكأنك تسير على الأشواك لا قيمة للطرقات التي تقطعها هنا في كل الأحوال ستكون حافياً وفي معظم الحالات عارياً.. ستكون عارياً أمام أطفالك ونفسك.. عارياً أمام ذكرياتك التي لم تعد لها قيمة حتى عندك فأنت هنا في سوريا. لا شيء يشبهك سوى الموت أنت تذوق الموت بكل أشكاله، جاري يتصل بي بعد الساعة الحادية عشر مساء ليخبرني أن صاحب البيت الذي يقطنه يريد البيت بأسرع وقت ويكمل حديثه الممزوج بغصة ليتنا متنا في ذلك الزلزال.
ستكون عارياً أمام طفلك الأصغر، الذي كلما خرجت لعملك يقول لا تنسى أن تجلب لي قالب الكيك وأنت تكذب قائلاً «إن وجدت جلبت لك يا حبيبي» وتكمل مسيرك حافياً.. عارياً أمام زملائك في العمل الذي كلما حاولت أن تظهر بمظهر القوي تنظر إليهم فتراهم مثلك عراة، ويكذبون مثلما تكذب، ثم تعود للسير مسرعاً وحافياً وعارياً.
الزلزال صدع قلبي إلى أنصاف ربما لامتناهية، أو لنقل متأكد من هذا على سبيل الحقيقة، النصف الأول كان أهون التصدعات فقد فصل روحي عن كل الذكريات.
نعم ستجلس وحيداً دون أن يشاطرك الليل مآسيك التي تقاسيها وحيداً في مكان فقد قدسيته على حبال الخيام التي تملأ كل مكان حتى أفواه البنادق، نعم لا قيمة للذكريات إذا كانت قد تصدعت مثل قلبك المقدود من جهة المقابر الجماعية التي رمّزت الموتى بأرقام وصور لا قيمة لها عند الجميع، فالجميع موتى على قيد الحياة. على مائدة الإفطار ينظر إليك طفلك قائلاً: «إذا أنا صرت كبير وأنت صرت صغير بدي آخدك مشوار بس ما بتعذبني متل ما أنا بعذبك» تضحك قهراً وتقول: أعدك لن أعذبك إن غادرنا جميعاً من هنا.
على مائدة الموت يتسابق الجميع برمي التراب على الأرقام بعد أخذ الصور لهم فيأتي من يعلق هذه الصور على حائطه حتى تصبح طقساً يومياً لن يفارقك، وكأنك تحاول النظر بعين الخفاش في وسط النهار ثم تعود لترقد في المساء وكأن شيئاً لم يكن. النصف السابع في الصدع ابتلع النشوة وعلى أبسط تعبير نشوة الحياة. لم يعد لديك ما تحارب لأجله أو تتأمل فعله في مكان اسمه سوريا إلا اقتصاص الخيبات المتتالية وكأنها ساعة رملية فرغوها ثم كسروا بلورها ونثروه في العراء كعريك أمام الجميع.
كاتب سوري
،?هادا تفكير كل انسان عايش بسوريااللهم فرج يارب
هذا واقعنا وحالنا اللهم لك المشتكى
جميل جدا
لله المشتكى