لطالما كانت إيطاليا، التي تشبه خارطتها حذاء عالي الرقبة، مغمساً بمياه بحرنا المتوسّط، مصنع سيدات نجمات إلى شاشات العالم.
من صوفيا لورين، إلى كلوديا كاردينالي، ومن لورا أنتونيللي إلى مونيكا بيللوتشي.
لكن أحدث تلك النجمات الإيطاليات، والتي اكتسحت دون هوادة نشرات الأخبار وأغلفة الصحف والمجلات عبر المعمورة هذا الأسبوع، لم تأت من عالم السينما هذه المرّة، بل من بوابة السياسة: إنها جورجيا ميلوني.
قبل سنوات قليلة، كانت ميلوني مجرّد زعيمة مغمورة لدكان سياسيّ على هامش لعبة الكراسي الموسيقيّة للحكم في روما، ولم تحصل حركتها المصنّفة إلى اليمين المتطرف – الأخوة الإيطاليّة – في الانتخابات التشريعيّة السابقة (2018) على أكثر من ٤,٤ في المئة من مجموع الأصوات، في وقت اكتسحت فيه التيارات الشعبوية والأحزاب اليمينية الساحة.
لكنّها اليوم، وبعد معركة انتخابيّة فرضتها الخلافات بين مكونات حكومة وحدة وطنيّة عريضة، تعود متوجة بلقب زعيمة أكبر كتلة في البرلمان الإيطالي، وقائدة ائتلاف حصل على نصف أصوات المقترعين، وعلى الأغلب أول رئيسة وزراء أنثى على رأس الحكومة الإيطالية منذ تأسيس النظام الجمهوريّ مع طيّ صفحة الحرب العالميّة الثانية، ونجمة متوجة لليمين الأوروبيّ الصّاعد في مختلف أرجاء القارة العجوز.
ميلوني، التي لا تتجاوز 45 من عمرها، وعديمة الخبرة في السّلطة ودهاليز الحكم في روما، ستقود 60 مليوناً من الإيطاليين، بمن فيهم شركاؤها في الائتلاف والمخضرم العجوز سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء البلاد لعدة مرّات، كما ماتيتو سالفيني ثعلب السياسة الإيطاليّة، تحت الشعار الشعبوي «إيطاليا والإيطاليون أولا!».
أما ماذا يعني ذلك تحديداً فأمر يقلق لا النصف الآخر من المقترعين في الموقعة الانتخابيّة فحسب، بل وأيضاً جمهوراً عريضاً ممتداً من بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبيّ، إلى موسكو شرقاً، وواشنطن غرباً، وما بينهما من العواصم المنتشية بصعود الرفاق اليمينيين، مثل وارسو وبودابست، أو القلقة مثل برلين وباريس.
لكن من هي جورجيا ميلوني؟
وجه القلق متأتٍ أساساً من تاريخ ميلوني، لا تصريحاتها الأخيرة، التي حاولت فيها تقديم صورة أقرب إلى الاعتدال منها إلى جذورها السياسيّة التي تتماهى مع التراث الفاشيّ للديكتاتور بينيتو موسوليني. فنجمة الشاشات اليوم كانت ناشطة مراهقة في الحركة الاجتماعيّة الإيطاليّة الجديدة التي تستلهم مزاجها من فترة الحكم الفاشي في الربع الثاني من القرن الماضي وحركتها اليوم تتخذ من مبنى تاريخي كان يرتاده ذات يوم أتباع الزعيم الفاشي موسوليني مقرّاً حزبيّاً، ويتكون رمزها من شعلة منمقة بالألوان الوطنية الإيطالية – بالأخضر والأبيض والأحمر – تحترق مجازياً إلى الأبد عند قبر موسوليني، وهي في غير ما مناسبة علنيّة أشادت بالدوتشي الراحل بوصفه أعظم من حكم إيطاليا، وكانت حتى الخريف الماضي تحيي كوادر حركتها بالتّحية الرومانيّة – وهي لفتة بذراع يمين ممدودة تشبه التحيّة النازيّة – ولم تخف لحظة ازدرائها للسياسيين الغامضين للقابعين في بروكسيل، ودعت لمنع الهجرة إلى بلادها بحجة الحفاظ على هويتها المسيحيّة، وهجت اليسار الذي يعادي القيم العائليّة التقليديّة للشعب الإيطاليّ، ناهيك عن تشكيكها بالعملة الأوروبيّة الموحدة (اليورو)، ودعمها لتبني سياسات حمائيّة للعاملين في الشركات الإيطالية الكبيرة، ووعودها بخفض الضرائب على المواطنين.
لكّن ميلوني – وعصبتها الفاشيّة من ورائها – ليست بظاهرة منقطعة في الفضاء الأوروبيّ، وهي على أهميّة إنجازها الانتخابيّ في بلادها تظلّ مجرّد تمظهر بنكهة إيطاليّة لظاهرة غربيّة خفتت لبعض الوقت، لكنّها استعادت ألقها مع العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين. وقبلها – بأيّام – اجتاح اليمينيون المتطرفون الانتخابات التشريعيّة في السويد وأصبحوا صانعي ملوك لحكوماتها، ويحكم متطرفون من ذات التوجهات دول وسط أوروبا (بولندا وهنغاريا والتشيك)، فيما تتعاظم سطوة الأحزاب اليمينيّة على المسرح السياسيّ في هولندا وفرنسا واليونان، وإسبانيا، وبريطانيا، وغيرها.
فما الذي حدث للجمهور الأوروبيّ حتى أصابه هذا الانحراف المتزايد نحو اليمين، وكيف يمكن لمتطرفين في قارة دفعت ملايين الأرواح على مذبح همجية الفاشيات أن يصبحوا حكاماً اليوم ورؤساء وزارات تسند إليهم مهمّات صون العدالة للمواطنين، وأين النخب الحاكمة الكلاسيكية من كل ما يجري، ووسائل إعلامهم هي التي تروّج لهؤلاء وتطبّع له؟
لقد بدأ كل شيء من لحظة «ليمان براذرز»
كشف النقاب في وقت ما قرب نهاية العقد الأوّل من القرن الحالي عن أزمة ماليّة ذات أبعاد فلكيّة تسببت بإفلاس عشرات المصارف والسماسرة وبيوتات الاستثمار المالي، وكان من أوّلها وأكثرها رمزيّة حينها انتهاء أسطورة بيت المضاربة الشهير «ليمان براذرز».
وقد نعتت الأزمة الماليّة التي ارتبطت بـ2008 بالعالميّة، بالنظر إلى التأثيرات العريضة لها على غالب اقتصاديّات العالم شمالاً وجنوباً، حتى كاد أن لم يفلت من تداعياتها أحد. وقد تعاملت النخب الليبراليّة الحاكمة مع هذه الأزمة من خلال تحميل تكاليفها بالكامل على الميزانيّات العامّة مما تطلّب فرض برامج تقشّف عريضة وتقليص في الإنفاق العام في وقت كانت الأكثريات بأمس الحاجة للمساعدة والعون.
تُرجم ذلك كلّه إلى غضب شعبي عارم ضد النخب الحاكمة يميناً ويساراً. وكان لا بدّ لهذا الغضب من قناة للتعبير عنه فكانت النتائج الاستثنائيّة التي حققها – في ظل تفتت اليسار وفشله في تقديم بدائل مقنعة – أولئك الشعبويون المتطرفون في غير ما بلد، والذين ركبوا الموجة الغاضبة، ووجهوا سفنها لموانئهم. فكان ترامب في الولايات المتحدة، وأوربان في هنغاريا، إضافة إلى حصول نخبة جديدة تتلبس أزياء اليمين المتطرف إلى غرف التشريع في برلمانات العديد من الدّول.
ميلوني تنتمي إلى موجة ثانية من هذه الشعبويات، والتي انتعشت عبر القارة بعد الحرب الأوكرانيّة وما نشأ عنها لناحية أزمات معيشيّة وركود اقتصادي بسبب العقوبات على روسيا لا سيّما قطاعات الطاقة. كان ذلك تحديداً ما أسقط الحكومة الوطنيّة التي كان يقودها رئيس الوزراء السابق ماريو دراجي، بعد أن عرف أعضاء ائتلافه بأن غضب الجمهور عاد ليتصاعد وأن ريح المزاج الشعبيّ تميل لغير الوسط.
هل ستكون النجمة دواء لأوجاع إيطاليا؟
لكن، هل ستكون النجمة الصاعدة كما المطر العنيف، دواء لأوجاع إيطاليا؟ الذين يعرفون تاريخ هذي السيدة كما تاريخ رفاقها في الائتلاف، يعلمون أننا نتعامل هنا مع مخلوقات سياسيّة حادّة الذكاء، قادرة على عزف الموسيقى التي تحبّها الكتل الشعبيّة، لكنها في النهاية جزء آخر من ذات النخب الحاكمة، مرتبط بأجندات إقليميّة من خلال الاتحاد الأوروبي – الذي تحتاجه إيطاليا بشدة لإنقاذ ميزانياتها وإدارة كثبان الدّيون المتراكمة عليها – ومعولمة من خلال ارتباطها البنيوي بالأمريكي – الذي ما زالت قواعده العسكريّة منتشرة على الأراضي الإيطاليّة.
ولذلك فسوف نرى كثيراً من الاستعراضات الإعلاميّة التي تليق بنجمة سينما، دون أن يجد فقراء إيطاليا أي تغيير حقيقيّ.
إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اليمين المتطرف في أوروبا حتى الان لم يفعل أي شيء غير الكلام عن الهجرة الغير شريعة وهذا مدخل لكي يتمكن من دخول البرلمان ونسبيته حتي الان لا تزيد عن 4 % في اليونان وهذا الحزب تقريبا اكثرهم في السجن الان وتم تصنفهم حزب إرهابي بما ارتكابه من جرائم في حق كل من يعترضه من اليونانيين وإشاعة الفوضى بين الأجانب وتم حل هذا الحزب وصعد حزب اخر يميني متطرف أيضا ولكن تعلم من أخطاء الحزب المنحل واصبح يتكلم بطريقة اكثر ليونة وأيضا عن الهجرة الغير شريعة لا يملكون اكثر من الكلام والفعل صفر انتخابات إيطاليا صعدت بهذا الحزب الى الحكم ولآكنه لا يملك الى تنفيذ قانون السوق الاوربية واذا لم يفعل سيمنع عنه أي مساعدات مباشرة وسيكون في ورطة الموضوع الثاني الهجرة الغير شرعية لا يوجد دولة في أوروبا لا تريد هذه الهجرة ولكن المشكلة الوحيدة هي الديانة فقط لأغير . وشكرا