عن قطر… والآخرين

حجم الخط
39

«إنه الأسلوب العربي!!»… لم يجد الدكتور إبراهيم فريحات أستاذ النزاعات الدولية الذي عمل في مراكز بحثية عالمية مرموقة من وصف آخر لما أعلنته دول خليجية ثلاث هي السعودية و الإمارات و البحرين، و معها مصر و آخرون، من قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر و إغلاق كل المنافذ البرية و البحرية و الجوية معها و الطلب من القطريين المقيمين على أراضيها أو الزائرين المغادرة خلال أجل أقصاه أسبوعان و الطلب من مواطنيهم المقيمين أو الزائرين إلى قطر العودة.
قالها مع ابتسامة… لأنه لا يعتقد أن قرارات صادمة و قاسية كهذه يمكن أن تصدر هكذا دفعة واحدة في أي خلاف بين دول جارة، فما بالك أن يكون هناك إطار سياسي يجمعهم منذ 1981 إسمه «مجلس التعاون الخليجي» مما يشكل، من الناحية الأكاديمية البحتة، حالة فريدة تستحق الدراسة.
القضية هنا ليست قطر، و ما إذا كانت سياساتها مقبولة أم لا، فهذه دولة لها في النهاية توجهاتها الداخلية أو الخارجية التي يمكن لأي كان أن يشاطر بعضها، و يتحفظ أو يرفض بعضها الآخر، ففي السياسة لا توجد دولة عسل أو دولة علقم. الأمور نسبية و تتوقف على أي أرضية يقف صاحب الرأي منها، و ما هي مصالحه و حساباته أو ارتباطاته أو حتى عواطفه و انفعالاته، المعقول منها نسبيا أو المزاجي المنفلت.
القضية هنا مختلفة، القضية هي عندما تأتي دولة، أيا كانت، لتشيطن دولة أخرى، أيا كانت، ثم تنبري لتقول لها أن عليها أن تفعل كذا و كذا… و أن يكون موقفها من هذه القضية كذا و كذا… و أن تقبل على أراضيها زيدا أو تطرد منها عمرو… و أن تبني علاقاتها مع هذه الدولة أو هذه الحركة على هذا الأساس أو ذاك. و إن لم تفعلي، فستبوء بغضبي المصحوب بالويل و الثبور و عظائم الأمور!!.
هذا منطق لا تقبله أي دولة، و لا حتى «دويلة» كما يتلذذ البعض بوصف قطر، فأي وصاية كهذه مرفوضة بالتأكيد، حتى و إن جاءت من أشقاء، بل و حتى إن كان من بينهم «شقيق كبير». هناك حد أدنى من الكرامة و السيادة الوطنية تتمسك به كل الدول في هذا العالم كبيرها و صغيرها على حد سواء. لا دولة من دول العالم، التي يتجاوز عددها المائتين، ترضى ذلك لنفسها. حتى الدولة التابعة، أو المصادر قرارها، أو حتى المحتلة لا تقبل لي الذراع أو الإهانة بهذا الشكل.
المسألة الأخرى التي تجعل من حال الأزمة الراهنة فعلا حالة «عربية» بامتياز، أن ما جرى بين هذه الدول و قطر لم يشهد في الأسابيع الماضية أي مقدمات جدية تبرر ما حدث لاحقا، من قبيل إشارات هنا أو تلميحات هناك أو حتى تهديدات من مسؤولين كبار، ذلك أن هذه الأزمة اندلعت فجأة بـــ «قصف إعلامي» مكثف و متواصل، فيما التزم السياسيون الصمت، لكنهم قرروا استعمال مختلف وسائل إعلامهم «منصات لإطلاق الصواريخ»، و أن يحولوا كتابا و جامعيين و باحثين و رؤساء تحرير إلى «ضباط» يتحركون بأوامر عليا و يتوقفون بمثلها. هذا محزن و معيب… لكنه «الأسلوب العربي»…
ليس واقعيا و لا مطلوبا أن تتوافق مواقف الدول جميعها من كل القضايا جميعها، حتى و إن كانت هذه الدول جيرانا أو يجمعهم هيكل سياسي واحد، فهل كل الدول الأوروبية على قلب رجل واحد في كل القضايا؟! و هل حلف «الناتو» بعظمته و صرامته العسكرية فرض على كل أعضائه أن يكون كورالا موسيقيا للأطفال يلتزم بالمقام نفسه و النوتة نفسها بلا لحن و لا نشاز؟!!
لدولة قطر سياساتها الخاصة، أما أن تعجبنا أو لا تعجبنا… أن تكون محل تقدير أو استهجان…أن تكون حكيمة أو رعناء… فتلك قصة أخرى. و بناء على تقييم أي دولة لمثل هذه السياسات تـُـبنى العلاقات فتكون دافئة أو باردة. في المقابل، لا يجوز أن تلام أي دولة اختارت أن تكون في تناغم مع الدوحة أو في تنافر أو حتى في عداء.. هذا قرارها و لا أحد ينازعها فيه. حتى خلال سنوات الحرب الباردة تعايشت الدولتان الأعظم، الولايات المتحدة و روسيا، و من يقف وراء كل منهما بحد أدنى من «الأصول» في العلاقات الدولية حتى و إن استمر الضرب تحت الحزام بلا هوادة.
أما «أطرف» ما في «الأسلوب العربي» إياه فهو تكرار القول إن «خلافنا هو مع النظام.. أما الشعب فشقيق و له منا كل المحبة و التقدير»… مع أن المتضرر الأساسي من كل الإجراءات المتخذة مؤخرا هم الناس العاديون، سواء كانوا من القطريين او من الذين يعيشون بينهم، عربا و أجانب، وعددهم يفوق المليونين. أكثر من ذلك، من المتضررين كذلك مواطنو الدول التي اتخذت هذه الإجراءات ضد قطر. قل لي… في أي مكان في العالم تطلب دولة ما من مواطنيها في دولة أخرى الاستقالة فورا من أعمالهم و العودة سريعا إلى الوطن لمجرد وجود خلاف سياسي بين الدولتين؟ أين يحصل هذا؟

٭ كاتب وإعلامي تونسي

عن قطر… والآخرين

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول kelly / USA:

    أخ كريشان ، كيف تقارن الدول العربية بغيرها ؟ لا يوجد أوجه مقارنة . كل ما في الأمر أن ما يجري ما هو إلا تأكيد على حقيقة مفهوم السياسة الخاطيء بكل تأكيد في الدول العربية ، فكما ترى ؛ عند أول خلاف أو عدم تفاهم على أي شيء يتم إعلان الحرب وقطع العلاقات بكافة أشكالها ! ولا مجال لغير ذلك ، وهذا بحد ذاته ما هو إلا شكل من أشكال الدكتاتورية

  2. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    قلت القضيه ليست قطر- نعم انها ليست قطر انها فلسطين.
    اين كان هؤلاء بالضبط عندما كانت إسرائيل تحرق غزة في مثل أيام رمضان هذه؟؟؟؟
    كلهم وقفوا مع إسرائيل عدا قطر.
    أين كانوا هؤلاء من حرق لبنان عام 2006 و 2010 ؟؟
    مع إسرائيل.
    هؤلاء سيدي العزيز خدم لاسرائيل.
    قلت هذه حاله عربيه – انا أقول لك انها حاله بدويه اعرابيه.

    1. يقول sam sahoury:

      I agree completely.

  3. يقول Turkia lover:

    وفقك الله يا سي محمد . ما قلته يوافق تماما رؤيتي للآمور الا انني لا آحسن وصفه بالكلمات كما تفعلون. خط سير قطر هو الوحيد السليم بين جيرانها . نصرها الله و نصر تركيا .

  4. يقول الحضرمي:

    شكرا لك استاذ كريشان ، هناك نقطتان أتمنى مةك قرائتها :
    ١- الموضوع من الاخير ، اغلاق قناة الجزيرة ، و ملحقاتها ، شبكة الجزيرة لها شعبية كبيرة جدا جدا في العالم ، ولذلك الكل يحاول اغلاق مكتب القناة في دولته .
    ٢- للاسف الشديد فإن رواتب موظفي وزارة الخارجية اليمنية و منح طلاب يمنيين في عدة دول كانت قد تكفلت بها قطر من سنوات عديدة . و مع ذلك موقف اليمن لا يمثلني .
    ٣- أود أن أشكرك على مقالتك السابقة حول النازحين السوريين و الذي أعلنت حكومة الجزائر عن استضافتهم ، بعد انتشار مقالتك بعدة أيام ، لكن للاسف ما زالوا النازحين فذ مكانهم و لم يبرحوا ظلالهم . وكأن هناك طرف لم يصله الخبر او لا يريد قراءة المقال ليحن قلبه على إخواننا النازحين .

    1. يقول صالح الجزائر:

      الى الاخ الحضرمي
      لقد اعلنت الحكومة الجزائرية بعد ثلاثة ايام من تاريخ نشر مقال محمد كريشان ، انها استقبلت السوريين النازحين على الحدود و اعطتهم صفة لاجئ
      اظن المشكلة انتهة و جزى الله محمد كريشان و الحكومة الجزائرية خير الجزاء

  5. يقول Abdul:

    It sad when we talk about democracy and freedom of speech in our media and after that we punch Qatar , why we are using all our swords to stab Qatar and the Qatari People , they are our brothers and they do not deserve such treatment, but it is the Arabic way of self destruction. It is sad that is happening in Ramadan, when it is the month of forgiveness.

  6. يقول عبد الحفيظ -italy:

    زمن العجائب لا حول و لا قوة الا بالله

  7. يقول رياض- المانيا:

    هذه ليست سياسات دول، بل سياسات شيوخ قبائل وأمراء طوائف. المخزي في كل ما حصل، هو محاولة التبرير، فاصبح بذلك عذرا اقبح من ذنب. لا يجرؤ هؤلاء على الاعتراف، ان ما قاموا به هو تنفيذ أوامر صدرت من ترامب عندما زار المنطقة بضرورة اتخاذ هذه الاجراءات. على الشعب العربي من المحيط الى الخليج ان يعلم، ان حقبة الاستعمار لم تنتهي بعد وان قرارات وسياسات اشباه الدول هذه مرهونة دائما بقرار ولي أمر آخر، غير ذلك الذي يدعوننا الشيوخ وعلماء السلطان للسمع والطاعة له . فكما يوجد في المشيخات العربية مصطلحات غريبة عجيبة مثل ( ولي ولي العهد) فان السلطة الفعلية والامر والنهي واتخاذ القرارات في يد ( ولي ولي الأمر). الذي يظير البلاد من وراء البحار.المحزن المبكي هو اصابة الشعوب العربية بنوع من الشلل والذهول من وقع الصدمات المتتالية، فهذا كاتب سعودي يدعو على قناة صهيونية للقضاء على حماس والجهاد، وآخر يدعي انه المتحدث باسم المعارضة القطرية يقول ان تقبيل الامير القطري لرأس القرضاوي استفز الخليجيين، فعلى قطر تسليمه بدل تقبيل رأسه!! ان كل دولة تحاول الخروج عن المسار الذي رسم لها من البداية سوف تتعرض للعقاب. العجيب ان يتم هذا العقاب عبر دول شقيقة في قمة الانصياع والارتهان للاجنبي! انا ادعو قطر الى عدم التنازل والى استمرار السير في هذا المسار التصحيحي وعدم الخضوع الى الاملاءات عبر قلب الطاولة على الجميع. يجب عقد اتفاقية دفاع عسكري مشترك مع تركيا وابرام اتفاق محدود مع ايران لاستخدام مجالها الجوي والبحري على نطاق واسع واعلان الانسحاب من هذا النادي الخليجي الذي لم يتفق الى الان على اصدار عملة موحدة. المحزن ان تنساق دولة بحجم مصر بسبب تبعية النظام الانقلابي الى اتخاذ مثل هذه القرارات لتثبت ان مصر السيسي اصبحت دمية في يد السعودية تحركها كيف تشاء. ثم يخرج مذيعون مصريون للشماتة بقطر والقطريين بعبارات لا تخلو من الكوميديا والغرابة والضحك على الجمهور مثل ( ما فيش زبادي في قطر) ( القطريين مش لائيين سحور) اود ان اشكرك استاذ محمد على هذا المقال القيم كالعادة وان اسألك وانت في قلب قطر ( هل نفدت علب الزبادي فعلا وهل يوجد لديك سحور؟ ) يا لها من كوميديا سوداء.

    1. يقول تونسي ابن الثورة:

      الأخ رياض من ألمانيا تحيّة رمضانيّة أخالفك الرّأي في أنّ هذه القرارات الرّعناء كانت بأمر من ترامب ، هي قررات صادرة عن محور الشّر العربي وهو محور صهيونيّ أكثر من الصّهائنة ، وترامب الذي لا يؤمن إلاّ بقوّة المال باعهم موقفه المؤيّد والثّمن مقبوض مقدّما ، ولكنّ الله ليس بغافل عمّا يعمل الظّالمون.

  8. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المتميز
    انها البلاهة لا السياسة
    لو كانوا يفكرون باقدمهم وليس بعقولهم لتركوا بينهم وبين قطر شعرة معاوية
    ولكنهم مسلوبوا الارادة وقرارهم ليس بايديهم بعضهم اشباه دول واخرون قبائل جاهلية

  9. يقول بوسرية سمير من الجزائر:

    اتهام دولة قطر بالارهاب..! على اساس السعودية و الامارات و مصر تدعم المستضعفين في العالم.. ؟

  10. يقول محمد. أمريكا:

    اخ محمد.

    رؤياك للأمور صائب جداً أنا كمواطن عربي عندما أرى الأمور في الوطن العربي تتدنى .. ألجأ الى الله دائماً بالدعاء لإصلاح الحال وأن يوحد كلمة كل أخواننا العرب لكنني أصبحت أشك بنتائج كل هذه الدعوات والصلوات لأن العرب أثبتوا أنهم ليسوا أهلاً لها.

    إستطاعت بعض الدول العربيه وبكل جداره التنافس على الدنائه إلى درجة أنه لا يوجد خط أدنى إلى ما يمكن أن يفعلوه غداً.
    او كما نقول هنا بالإنجليزي “no bottom line for how low they are welling to go”

    لقد إنقلبت القيم وأصبح الحق باطل والباطل حق.

    أُذَكِر هاؤلاء أنهم سيحاسبون على أعمالهم يوم الحساب. بعضهم كما نعلم على قاب قوسين أو أدنى من لقاء آخرتهم.

    ولكن ما زلت أطلب من الله إصلاح الحال وأقول لقطر اللي ما بكسرك بخليك أقوى. What dose not Break you makes you stronger.

    وفقكم الله وأزال عنكم محنة الجوار. وعسى أن يكون كيدهم في نحرهم.

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية