في كلمته أمام المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: «القابع في أدرنة سيقدم كشف الحساب الأكبر لذلك القابع في إيمرالي». ربما الحرج هو ما جعل أردوغان يتجنب ذكر اسمي الزعيمين الكرديين، صلاح الدين دمرتاش (القابع في سجن أدرنة) وعبد الله أوجلان (القابع في سجن إيمرالي) وهو حرج ناجم عن شيطنة الساسة الكرد التي تمارسها السلطة وإعلامها منذ سنوات طويلة، في الوقت الذي يمكن أن يتعرض فيه أي شخص في تركيا يأتي على ذكر الشخصيتين المذكورتين في غير سياق اتهامهما بالإرهاب والنزعة الانفصالية وغيرها من الاتهامات الرائجة لدى الحزب والتحالف الحاكمين ووسائل الإعلام المروجة لخطاب السلطة.
وتابع أردوغان كلامه قائلاً: «قد يظن البعض أن الأمور هي على خير ما يرام، لكن الحقيقة هي بخلاف ذلك، فهم يعيشون فيما بينهم محاسباتهم الخاصة. هذه المحاسبة ستتم»!
نفهم من هذا الكلام أن هناك خلافات داخلية عميقة بين من يمثلهم دمرتاش ومن يمثلهم أوجلان داخل الحركة السياسية الكردية، وأن الثاني هو من سيحاسب الأول. كما نفهم أن الرئيس أردوغان يتابع هذه «المحاسبة الداخلية» عن قرب، ويقول ما يقول بثقة العارف. كما نفهم من نص الكلام شيئاً أقرب إلى انحياز القائل إلى «إيمرالي» مقابل العداء الصريح لدمرتاش وحزب الشعوب الديمقراطي الذي كان يرأسه قبل سجنه في العام 2016. وهو ما يتسق مع سابقة تعود إلى حزيران العام 2019 حين أفتى أوجلان بوجوب ابتعاد الناخب الكردي عن الانحياز لأي طرف في انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول التي فاز فيها مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، بفارق كبير، على مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدرم، بفضل دعم ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي له.
ففي تلك الانتخابات المعادة، بسبب اعتراض الحزب الحاكم على نتائج الانتخابات الأولى في نهاية آذار من العام نفسه، كانت السلطة مستميتة في التمسك ببلدية إسطنبول بسبب أهميتها السياسية والرمزية، وبخاصة بعدما فقدت رئاسة بلدية العاصمة أنقرة ومدن أخرى مهمة. وقد حشدت كل إمكانياتها وموارد الدولة لتحقيق الفوز المأمول لمرشحها، وكانت إحدى العقبات الحاسمة في طريقها هي موقف حزب الشعوب الذي دعا ناخبيه إلى دعم مرشح المعارضة والتصويت بكثافة لإنجاحه. وكان مهندس هذا الموقف هو الزعيم السابق للحزب دمرتاش الذي قاد المعركة الانتخابية من سجنه، في استئناف لرؤيته السياسية، منذ العام 2015، الذي قام على شعار رفض ترئيس أردوغان، بمعنى رفض مساعيه لتغيير النظام البرلماني إلى رئاسي.
يعمل دمرتاش على تسييس النضال الكردي، أي المشاركة السلمية الإيجابية في الحياة السياسية العامة، وتقوم رؤية أوجلان على ضرورة الاستفادة من الضغط العنفي لتحقيق مكاسب سياسية
كان حصاد ذلك الموقف متناقضاً: فمن جهة أولى جذب إلى التصويت لحزبه ناخبين جدداً من غير الكرد، ديمقراطيين وليبراليين ويساريين أتراكاً، ففاز الحزب بأكثر من 13 في المئة من أصوات الناخبين في عموم تركيا، وهو ما أهل الحزب لدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه بلوائحه الخاصة من المرشحين، وحصل على 80 مقعداً نيابياً في البرلمان، وهي كتلة وازنة في الحسابات السياسية التركية، جعلت حزب العدالة والتنمية غير قادر على تشكيل الحكومة بمفرده للمرة الأولى منذ صعوده إلى الحكم في العام 2002. هذا مؤشر نجاح كبير للحزب الكردي لا يمكن الجدال حوله.
ولكن من جهة ثانية، استجلب الحزب ورئيسه دمرتاش بالذات على نفسه غضب أردوغان. وتضافرت عمليات استفزازية قامت بها عناصر تابعة لحزب العمال الكردستاني، والعمليات العسكرية الكبيرة لقوات الأمن والجيش، في صيف العام 2015، ورفض أردوغان لتشكيل حكومة ائتلافية مع أي حزب آخر، إلى إعادة تلك الانتخابات في خريف العام نفسه، ليفوز حزب العدالة والتنمية بنتيجتها بالأغلبية المطلقة التي أهلته مجدداً لتشكيل الحكومة بمفرده.
أما رفض الحزب الكردي للنظام الرئاسي الذي كان يريده أردوغان، فقد حصل دمرتاش على ما أراد، وطويت فكرة تغيير النظام إلى رئاسي في ذلك الوقت. لكن الأمور ستتغير، بعد سنة واحدة، وسيفتح فشل الانقلاب العسكري الذي جرى في منتصف تموز 2016، الباب أمام تحالفات جديدة، فيعود حزب الحركة القومية برئاسة دولت بهجلي إلى طرح الفكرة من جديد، في إطار انتقاله من المعارضة إلى التحالف مع العدالة والتنمية، وصولاً إلى تغيير النظام فعلاً بموجب استفتاء شعبي جرى في 16 نيسان 2017.
التعارض بين خط دمرتاش وخط أوجلان لا يقتصر على مواقفهما المتعارضة في المناسبات الانتخابية، بل تشكل هذه الأخيرة نتائج خلافات أعمق تتعلق برؤية الرجلين للقضية الكردية. ففي حين يعمل دمرتاش على تسييس النضال الكردي، أي المشاركة السلمية الإيجابية في الحياة السياسية العامة، تقوم رؤية أوجلان على ضرورة الاستفادة من الضغط العنفي لتحقيق مكاسب سياسية. كذلك يرى قادة حزب العمال الكردستاني، بمن فيهم أوجلان، في النجاحات السياسية لحزب الشعوب الديمقراطي تهديداً لزعامتهم ودورهم، فيما يتطلع دمرتاش ورفاقه إلى التحرر من هيمنة «الكردستاني» على الحركة، تلك الهيمنة التي أدت في مناسبات عديدة إلى تجاوز دمرتاش داخل حزبه بالذات. ويسعى دمرتاش إلى تحويل الحزب من حزب يخص الكرد والقضية الكردية إلى حزب لكل تركيا وقضاياها، حزب ديمقراطي يسعى ليكون بديلاً عن التيارين الإسلامي والعلماني معاً، في حين يهدد هذا التوجه بذوبان القضية الكردية من وجهة نظر الحزب الكردستاني وأوجلان. قبيل انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول، 23 حزيران 2019، بأيام قليلة استحضرت السلطة رسالة من أوجلان بهدف التأثير على الناخبين الكرد في إسطنبول، وظهر شقيقه عثمان أوجلان على القناة التلفزيونية الحكومية الناطقة باللغة الكردية ليوجه رسالة مشابهة لرسالة أخيه السجين، مع العلم أن عثمان مطلوب من القضاء التركي بتهم إرهابية. ولم تنفع هذه المحاولات، بل ربما أعطت نتائج عكسية. فهل تنجح محاولة أردوغان الجديدة في اللعب بورقة أوجلان من أجل تغيير اتجاه الرياح التي تهب بعكس ما يشتهيه؟ مع العلم أن موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو مبدئياً حزيران 2023، ما لم يتم تغييره إلى موعد أبكر.
كاتب سوري
أنا أتمنى لو يخسر حزب العدالة الانتخابات البلدية، كي يتذكر «الأكراد و العلويين» الأتراك عنصرية الكماليين.
أخطأ دمرتاش (علوي-كردي)؛ رئيس حزب الشعوب الديمقراطي (كردي) بعدم دخوله في ائتلاف مع حزب العدالة بعد انتخابات حزيران ٢٠١٥. لأن دخول الحزب في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة كان سيضع حزب العدالة أمام التزاماته للأكراد. القبول مع الخصم هو حيلة للتغلب عليه. أخطأ ديمرتش ثانيةً عندما ظهر على قناة الميادين وقتها «معلناً نأيبده لمحور المقاومة»، و قام حزب العمال الكردستاني بتفجير في بلدة سروج ذهب ضحيتة ٣٠+ تركي. و لذلك تخلى اردوغان عن الائتلاف مع الاكراد، و راهن على انتخابات مبكرة في نوفمبر ٢٠١٥، يأخذ فيها أصوات الناخبين من أحزاب القوميين و الأكراد، و نجح رهانه في الحصول أغلبية برلمانية.
و لكن اختلف مع صديقي الكاتب بقدرة ديمرتش على أخذ أصوات العلمانيين أو الاسلاميين، سيّما بعد سكوته يومين على إدانة انقلاب تموز ٢٠١٦، مقارنةً بالإدانة الفورية للانقلاب وقتها من أحزاب الشعب الجمهوري (كمالي) و الحركة القومية. مشكلة ديمرتش، مثل مشكلة الأكراد، إنهم يعتبرون أن قوميتهم تأتي قبل وطنيتهم. فالكردي التركي يعتبر نفسه كردياً قبل أن يعتبر، أو لا يعتبر، نفسه تركياً حتى. و هذه مشكلة كردية و ليست تركية
صدقت
جبتها من الآخر، المشكلة كللها هي حصريا في العقلية الكردية لا غير…
منصورين بعون الله
قليلا من الإنصاف اخي الكريم. نعم، المؤدي يعتبر نفسه كردي قبل تركي، وما الخطأ؟ فهو كردي. الاكراد أخوة لنا علموا الظلم الشديد. فمثلا، هل يعقل ان يمنع انسان ان يتكلم لغته كما فعلت تركيا؟ الكلاب تنبح والعصافير تزقزق. تخيل ان اشارات المرور بجنوبىشرق تركيا استبدلت اللون الاخضر بالأزرق لكي لا تشكل الالوان علم كوردستان. الاب لا يستطيع ان يسمي ابنه اسم كردي. ثم وهل يعقل ان ياتي خير من اسرائيل؟ فاوجلان تم اعتقاله بكينيا ووضعه بالسفارة الإسرائيلية وثم نقله لتركيا. ومن ثم تستغرب ردة فعل الاكراد. تركيا ليست الوطن الام لهم، هي زوجة الاب الغليظة القاسية ام ساندريلا وبناتها الاتراك. تذكر قول الفاروق (لا تضربوا الناس فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم)
شكرا على تعليقك لقد افدت مرامي انا من الكراد تركيا