بيروت- “القدس العربي”: على وقع الانسداد الرئاسي، وغياب أفق الحلول، يواصل الدولار الأمريكي ارتفاعه الدراماتيكي في السوق السوداء في لبنان، مقترباً من عتبة 90 ألف ليرة، ومنذراً بمزيد من التفلّت، وبتخطّي عتبة 100 ألف ليرة، مع ما يرافق هذا التطور من اشتعال لأسعار السلع الغذائية والمحروقات، إضافة إلى معطى جديد تمثّل برفع سعر الدولار الجمركي من 15 ألف ليرة إلى 45 ألفاً دفعة واحدة، ما سيفاقم من الأزمة الحياتية والمعيشية مع بدء السوبر ماركت التسعير بالدولار، إلى جانب المولدات الكهربائية.
وتأتي هذه المستجدات متزامنة مع عودة السخونة السياسية على جبهة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي و”التيار الوطني الحر”، بعد انسحاب نواب “التيار” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” من جلسة اللجان النيابية المشتركة، بسبب شوائب في مشاريع قوانين غير ممهورة بتواقيع جميع الوزراء، وبسبب السؤال عمن يوقّع عن رئيس الجمهورية.
وقد أعقب “تكتل لبنان القوي” انسحابه من الجلسة ببيان مسائي انتقد فيه “ما جرى في مجلس النواب من محاولة تمرير مرسوم غير شرعي ومزور”، ورأى أنه “شكّل فضيحة كبيرة في مسلسل المخالفات التي تمارسها حكومة نجيب ميقاتي الناقصة، وهو يتخطى حدود الأخلاق في العمل السياسي، إذ إن ميقاتي لم يكتف بتجاوز موقع رئاسة الجمهورية، بل هو بات يستسهل التزوير كأن الأمور سائبة، ولا محاسبة في البلاد”.
واستدعى هذا الاتهام رداً من المكتب الإعلامي لميقاتي، فرأى أن “اعتراض باسيل على ورود تواقيع عدة لرئيس مجلس الوزراء يشكّل وجهة نظر غير قانونية بخلفية سياسية ممجوجة”. وقال: “أما عن زعمه باستعمال توقيع وزير واقتباسه من كتب واردة على رئاسة مجلس الوزراء وإدراجها في متن المراسيم، فهو أمر من نسج خيال باسيل السياسي، الذي يحاول، وبشتى الطرق، ولأهداف سياسية مكشوفة، أن ينسب للحكومة بشخص رئيسها أموراً لا تمت للحقيقة بصلة”، مضيفاً: “أما بخصوص مزاعم باسيل أن الرئيس ميقاتي يتجاوز موقع رئاسة الجمهورية، فهو كلام مردود، وحري بالسيد باسيل وفريقه السياسي ونوابه أن يبادروا إلى القيام بواجبهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بدل انتهاج نهج التعطيل الذي بات سمة هذا الفريق”.
وعلى الخط الرئاسي، لفت استكمال السفيرة الأمريكية دوروثي شيا جولتها على بعض المسؤولين اللبنانيين، والتي قادتها إلى رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل، بعد زيارتها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وسواهم.
وأكد الجميّل: “خطورة غياب رأس الدولة، وما يسببه من فوضى مؤسساتية، تسهم في مزيد من التفكك والانهيار”، مشيراً إلى أن “أي قرار يتخذ اليوم في مجلس النواب أو الحكومة لن يلقى طريقه إلى التنفيذ من دون توقيع رئيس الجمهورية”، مشدداً على “أهمية دور رئيس الجمهورية الناظم لسير المؤسسات”، ومؤكداً أن “اختيار الرئيس يجب أن يرتكز على مجموعة مؤهلات يتمتع بها، وتسمح له بجمع البلد وتوحيد الشعب اللبناني وإعادة بناء لبنان على الأسس الصحيحة، إضافة إلى فتح نقاش حول الملفات الأساسية من تحصين حياد لبنان، إلى سلاح “حزب الله”، وإنجاز الإصلاحات المطلوبة في بنية النظام اللبناني والاقتصادي”.
أما راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم، الذي يجول موفداً من البطريرك الراعي على القيادات، فقد زار للمرة الثانية رئيس حزب “القوات اللبنانية” في معراب، في حضور رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية أنطوان مراد، وتناول اللقاء مسألة الاستحقاق الرئاسي والسبل الكفيلة بإنجازه في أقرب وقت ممكن. وعلم أن الاجتماع تخلله تداول ببعض الأسماء المرشحة، في محاولة للتوافق على اسم يتمتع بمواصفات سيادية إصلاحية.
وكان المطارنة الموارنة وضعوا، خلال اجتماعهم الشهري برئاسة الراعي، “نواب الأُمة أمام مسؤولياتهم الضميرية تجاه انتخاب رئيس جديد للبلاد”. وأكدوا “أن تهرُّبهم من المسؤولية الوطنية يُفاقِم من تدهور الأوضاع العامة، ويزيد من آلام اللبنانيين، ويُعمِّق فيهم الخوف على المستقبل، ويُقدّم لهم البرهان تلو البرهان على فراغٍ رهيب في إدارة البلاد، فيما الدول الصديقة والشقيقة تُلِحّ بدعوتها لهم إلى المُبادَرة الإنقاذية، التي لا مفر منها لخلاص لبنان من الأخطار المصيرية التي تتهدّده”.
وناشد المطارنة “حكومة تصريف الأعمال التحلّي بأقصى درجات حسن التدبير، والحكمة في مُمارَسة واجباتها في نطاق ما يُجيزه لها الدستور والمصلحة العامة، وتحاشي كل ما من شأنه عرقلة السير الطبيعي المنشود للشأن العام”.