القاهرة ـ «القدس العربي»: تاهت في الصحف المصرية الصادرة أمس الخميس 26 أغسطس/آب القضايا الكبرى التي تهدد الوطن، فقد غاب الحديث عن سد النكبة والهيمنة الإثيوبية على نهر النيل، كما تبددت صرخات الأغلبية التي تئن تحت وطأة الغلاء، وتزايد معدلات البطالة، كما غابت الحلول لأزمة مئات الآلاف من طلاب الثانوية العامة وأولياء أمورهم، الذين اشتكوا من تعرض أبنائهم لظلم بيّن، سواء بالنسبة للأسئلة التي كان الكثير منها من خارج المناهج. وسجلت صفحات الحوادث أمس تاسع حالة انتحار في صفوف الطلاب، حيث لقي طالب ثانوية عامة اسمه سعيد مصرعه، بعد أيام قليلة من إعلان نتيجة الثانوية العامة، إذ ألقى بنفسه من الطابق الثالث في منطقة الخانكة في محافظة القليوبية. من جانبه أكد الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، عدم تأجيل العام الدراسي الجديد، المنتظر أن يبدأ في 9 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بسبب متحور دلتا بلس والموجة الرابعة من فيروس كورونا، مشيرا إلى أن الوزارة تنسق مع اللجنة العليا لإدارة أزمة كورونا، قبل اتخاذ أي قرارات تخص العام الدراسي الجديد.
كما أثار قرار صادر عن محافظة القاهرة بتحصيل رسم بـ100 ألف جنيه مقابل التصوير في الشارع، غضب الوسط الفني، وبدورها طالبت غرفة صناعة السينما بإيقاف العمل بالقرار..في ما حلّق عدد كبير من الكتّاب خارج أسوار الوطن، محاولين فك لغز ما جرى في أفغانستان. واهتم عدد غير قليل من المحررين بفوز نادي الزمالك بدرع الدوري العام. ومن أخبار السياحة والآثار: قال الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إنه سيتم الإعلان عن كشف أثري شهر سبتمبر/أيلول المقبل سيبهر العالم، وذلك استئنافًا لسلسلة الاكتشافات في منطقة سقارة الأثرية. وأشار وزيري إلى أن هناك شواهد وبقايا واضحة لمعبد روماني أسفل قصر أندراوس باشا التاريخي في الأقصر، مضيفا أنه صدر قرار إزالة للقصر بعدما أصبح آيلا للسقوط نتيجة أعمال حفر جرت أسفله نفذها لصوص يحاكمون حاليا. ومن أخبار الصيف والمتنزهات: قررمحافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف منع السير بالمايوهات والملابس الداخلية خارج الشواطئ، قائلا “ممنوع تماما والأمن متعاون معنا، لكل فرد الحق في أن يرتدي ما يريد في البحر، لكن في الشوارع نلتزم بعاداتنا”، لافتًا إلى أنه من المقرر تحرير محضر لمن يرتدي “مايوه” في الشارع، وعرضه على النيابة.
استفزاز وابتزاز
الغضب من قانون “السايس” يتزايد، ومن بين الساخطين سامي صبري في “الوفد”: لا يختلف اثنان على أن انتشار ظاهرة “السايس” الذي يفرض عليك أتاوة، كلما أردت ركن سيارتك في الشارع أمام موقع عملك، أو أي مكان تقصده، تعد من أحدث وأخطر صور البلطجة، ولم يكن من المقبول أبداً أن تترك الدولة رعاياها في قبضة شاب أو كهل لا عمل له سوى ارتداء قميص أصفر أو أخضر، ووضع صافرة في فمه، وطوبة أو فردة كاوتش، واحتل مساحة من الشارع، وكأنه ملك له ورثه عن أبيه، وأمسك دفتر تذاكر في يده؛ لإيهامك بأنه يعمل رسميا وبشكل قانونى، ولا يتركك إلا إذا دفعت مقدما ثمن ركنة السيارة (10 أو 20 جنيها في الساعة) حسب شطارته وقدرته على إقناعك بمهمته العظيمة! وللقضاء على هذا البلطجي، فكرت الحكومة في مكافحته، فقدمت للبرلمان القانون رقم 150 لسنة 2020، لتنظيم انتظار السيارات داخل الشوارع الرئيسية والفرعية، وتمت الموافقة عليه، وبموجب ذلك القانون تم إسناد عملية إيقاف السيارات في شوارع الحي لشركة تتعهد بدفع 96 ألف جنيه شهريا (تخيلوا هذا في حي واحد) مقابل رسوم انتظار. وما أن نزلت الشركات للشارع تؤجره للمواطنين حتى اصطدمت بواقع يعيق تنفيذ القانون، ويرفضه جملة وتفصيلا؛ خاصة في الأحياء التي تسكنها طبقة متوسطة، ولا توجد فيها جراجات أسفل العمارات، وحدث ما حدث من استياء وغضب على وزارة التنمية المحلية، والسبب عدم فهم المسؤولين للقانون ولائحته التنفيذية. وبدلا من أن يطبق القانون لصالح الشعب، تحول إلى عبء ثقيل، وبدا وكأنه جباية جديدة، تلزم كل شخص دفع عشرة جنيهات في الساعة الواحدة؛ إذا اضطرته الظروف للوقوف المؤقت أمام أحد المطاعم أو المحلات أو المؤسسات، وإذا كان يقود نصف نقل ترتفع إلى 20 ثم إلى 30 إذا كانت السيارة كبيرة! أما إذا عاد إلى بيته بعد عذاب يوم شاق فعليه دفع 300 جنيه شهريا مقابل ركن سيارته جوار المنزل، بواقع 10 جنيهات يوميا!
بالسعر العالمي
كغيره من المواطنين يحلم منتصر جابر في “الوفد” أن تكون مصر مثل كل الدول المتقدمة في العالم.. في كل شيء لا في الأسعار فقط.. وهي معضلة لا أعرف حقيقة، سببها، فإن الأسعار في مصر عالمية بينما المرتبات محلية جدا. عاشت مصر سنوات طويلة هي جنة الفقراء، واشتهرت بمقولة تاريخية مفادها.. في مصر تستطيع أن تعيش بجنيه واحد في اليوم، ويمكن أن تعيش بألف جنيه كذلك، يعنى الكل يمكنه أن يأكل ويشرب، ويجد قوت يومه بمختلف الأسعار.. الفقير مثل الغني، والضيف مثل صاحب البيت، والسائح مثل المواطن، الجميع واحد يأكل من الطبق نفسه ويتذوق الرغيف نفسه.. فقط تتغير الأسعار بتغير المكان، ففي المطعم المكيف بسعر، وعلى عربة الفول التي تقف على ناصية المطعم نفسه بسعر.. وكانت الدولة هي حامي حمى كل الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنية، من جشع التجار والمغالاة في الأسعار.. ومنذ أن بدأ القطاع الحكومي ينافس القطاع الخاص في رفع الأسعار، تحولت الجنة إلى جحيم! صحيح أن دوافع القطاع الحكومي يمكن أن تكون مشروعة في رفع أسعار بعض السلع الضرورية في ظل الإنفاق العالي من المواطنين على سلع غير ضرورية، وصحيح هناك محاولات مستمرة في زيادة المرتبات، ولكن تسارع القطاع الحكومي في رفع أسعار الخدمات بدعوى أن مثيلاتها في بعض دول العالم بالقيمة نفسها، متجاهلا ارتفاع متوسط دخل الفرد في هذه الدول في مقابل انخفاض متوسط دخل الفرد في مصر يأكل كل الزيادات، وشجع القطاع الخاص على الجبروت في رفع أسعار كل السلع والخدمات التي يقدمها على المواطنين بعين حمرة، بدون وجه حق، لتكون بالسعر العالمي!
تسعيرة جبرية
منذ سنوات كما تذكر منتصر جابر، كانت الأجهزة الرقابية تلعب دورا مهما في الحد من ارتفاع الأسعار، ولكن هذا الدور الرقابي الحكومي كان مناسبا في أنظمة الحكم الاشتراكية والشمولية، يوم أن كان مفتشو التموين يراقبون تطبيق التسعيرة الجبرية، ويطاردون أصحاب المحلات والدكاكين الذين يحاولون التلاعب.. كل ذلك لم يعد ممكنا الآن في نظام السوق المفتوح والمولات الكبيرة، ولكن هناك بدائل مثل، قوانين تشجيع اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ وﻣﻨﻊ اﻻﺣﺘﻜﺎر واﻟﻐﺶ اﻟﺘﺠﺎري.. وغيرها للحد من جنون الأسعار. يمكن للدولة أن تلعب دورا آخر أهم من التسعيرة الجبرية، ومن مفتشي التموين، بل أهم من زيادة المرتبات.. وهو العمل على توفير خدمتين أساسيتين للمواطنين بأعلى جودة وبأقل الأسعار.. وهما الصحة والتعليم، وهو ما تفعله الكثير من الدول، بحيث يتمتع المواطن بتأمين صحي وتعليمي بأسعار مناسبة، ولن أقول مجانية، وفي المقابل يمكن رفع أسعار الخدمات الأخرى التي يمكن أن تكون اختيارية بالنسبة للمواطن ويستطيع التحكم في حجم استهلاكه منها، حسب قدراته وإمكانياته، ولكن أن يضطر المواطن لأن يدفع معظم دخله، للحصول على خدمات صحية وتعليمية من القطاع الخاص، لعدم توفرها بالمستوى المطلوب في مستشفيات ومدارس الدولة، ثم تطالبه بأن يدفع كذلك قيمة كل الخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة، بما فيها مبيت السيارة أمام البيت وبالسعر العالمي.. طيب كيف ومن أين، بعد أن صرف كل مرتبه المحلي على الصحة والتعليم؟
فاقد الشيء
أشاد عبد المحسن سلامة في “الأهرام” بإصدار وزارة التربية والتعليم، حينما قامت بعرض فيلم وثائقي عن آليات التصحيح الإلكتروني لأوراق امتحانات «البابل شيت» لطلاب الثانوية العامة للعام الدارسي الحالي، حيث قام الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، بعمل لقاء مع الدكتور رمضان محمد رئيس المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، لشرح تفاصيل بناء الأسئلة، وآليات تصحيح الامتحانات، والرد على تساؤلات أولياء الأمور والطلاب، بشأن دقة ومصداقية التصحيح الإلكتروني. وطالب الكاتب بأن يصاحب إصدار وزارة التربية والتعليم لهذا الفيلم، أن تقوم بنشر الإجابات الصحيحة للامتحانات، لتكون نموذجا تجريبيا لطلاب الدور الثاني، وأن تكرر ذلك في امتحانات الدور الثاني، من أجل المزيد من تدريب الطلبة في العام المقبل والأعوام التالية، على نظام الأسئلة، وطريقة الإجابة. أعداد ضخمة من الطلبة تقدموا بتظلمات هذا العام، حيث وصلت هذه الأعداد، طبقا لما نشرته الزميلة نيفين شحاتة، في الصفحة الأولى في «الأهرام» إلى 300 ألف تظلم، وهو رقم غير مسبوق، يظهر حجم «البلبلة»، التي يعيشها الطلبة، وأولياء الأمور، وتشكيكهم في طريقة التصحيح، وعدم يقينهم من الإجراءات. من المهم أن يصاحب نشر الوزارة للإجابات الصحيحة فيديو آخر من المتخصصين لشرح تلك الإجابات، ومن أي مصدر يمكن للطالب أن يحصل على الإجابة الصحيحة؟ وهل هي موجودة في الكتاب المدرسي، أم بنك المعرفة؟ أم اعتمدت الإجابة على الفهم، والتحليل لعناصر معينة ضمن المناهج، أم من خارجها؟ التدريب عنصر مهم، وأساسي، وفاقد الشيء لا يعطيه، والجزء الرئيسي من المشكلة يقع على المدرسة والمدرسين، لعدم تدريبهم بشكل كافٍ على النظام الجديد، والطالب هو من يدفع الثمن.
في خبر كان
يرى أشرف البربري في “الشروق” أنه لا يمكن لمنصف الاكتفاء بالصمت على تجربة الثانوية العامة الأخيرة، التي دفع ثمنها عشرات الآلاف من الطلاب ممن كانوا في الثانوية العامة هذه السنة، وقد يدفع ثمنها عشرات وربما مئات الآلاف من طلبة السنوات المقبلة، إذا لم يتم إخضاع هذه التجربة للمراجعة والتقييم من جانب الخبراء. زاد عدد المتظلمين من نتيجة الثانوية العامة عن 215 ألف طالب، وفقا لآخر إحصاء، وهو ما يعني أن الرقم الحقيقي قد يكون أكبر من ذلك، وهو ما يعني أن أكثر من ثلث إجمالي عدد الطلاب بينهم 118 ألف طالب ناجح، حسب ما نشره الوزير على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، تظلموا من نتيجة الامتحان، مقابل تظلم حوالي 79 ألف طالب في العام الماضي. معنى ذلك أن مصداقية امتحانات هذا العام تصبح على المحك، ويصبح التعامل الشفاف والجاد مع هذه التظلمات أمرا واجبا إذا كانت الوزارة ومن ورائها الحكومة حريصة على إنقاذ عشرات الآلاف من الطلاب من الشعور بالظلم، حتى لو كان بلا أساس حقيقي بالنسبة للبعض منهم. واضاف الكاتب: إذا كان الوزير ومعه رئيس مركز الامتحانات قد نشرا فيلما كاملا عن التصحيح الإلكتروني لامتحانات العام الحالي، وإذا كان مسؤولو وزارة التعليم قد أغرقونا على مدى السنوات الثلاث الماضية بالحديث عن الطفرة التكنولوجية التي تمت في العملية التعليمية، وفي منظومة الامتحانات والتصحيح، التي «لم تمسها يد بشر» ولا «يصل إليها الخطأ» فلماذا لا تنشر الحكومة نماذج الإجابات، خاصة أن نظام امتحان العام الحالي الذي اعتمد على أسئلة الاختيار من متعدد بالكامل وبالتالي لا ينطوى على أي اختلاف في وجهات النظر، ولا أي مساحة لتباين التقديرات؟ ولماذا يقول الوزير إنه من المستحيل نشر الإجابة النموذجية، ويرفض قيام الطلبة المتظلمين بمطابقة أوراق امتحانهم بالإجابة المعتمدة كما كان يحدث من قبل؟
مبروك يا مريم
بدت عبلة الرويني في “الأخبار” سعيدة لإنصاف ضحية الثانوية العامة، مليون مبروك لمريم ملاك زكريا.. مبروك نجاحها الفائق، وتخرجها هذا العام في كلية الصيدلة (جامعة النهضة في بنى سويف) بتقدير امتياز. مريم ملاك زكريا الموصومة (بصفر الثانوية العامة) مريم التي ظلمها الجميع، ووقفت الإدارة التعليمية ضدها، منحوها صفرا في الثانوية العامة في عام 2015 في سابقة لم تحدث في تاريخ الامتحانات، وتاريخ الثانوية العامة! يومها تحول (صفر الثانوية) إلى أزمة مدوية، وقضية رأي عام، وجدل دائر حول تزوير الامتحانات (خاصة في الثانوية العامة) وفساد الكونترول، وتبديل الأوراق والتلاعب بالنتائج.. تردد القول حول تبديل أوراق مريم، لصالح ابن مسؤول كبير! وبالطبع تكاتف الجميع ضد الفتاة، اتهموها بالكذب والادعاء واتهموها بالاضطراب النفسي. حاول البعض تسييس الأزمة.. وحاول البعض الآخر التلويح بالفتنة، تضاربت الأسباب والاتهامات والتراشقات، لكن المؤكد أن الطالبة المتفوقة على امتداد سنواتها الدراسية، مريم ملاك زكريا، لا يمكن أن تستحق الصفر، ولا تستحق كل ذلك الظلم والقهر والأسى.. وكان أن أعادت مريم السنة، وتقدمت لامتحان الثانوية العامة منازل 2016 لتنجح وتحصل على مجموع 95% وتلتحق بكلية الصيدلة. عامان من عمرها تمت سرقتهما.. سرقوا حقها وكرامتها.. وسرقوا أمنها وطمأنيناتها. وأكدت الكاتبة على أن امتياز مريم، ليس مجرد نجاح وشطارة وتفوق دراسي.. لكنه فضل الله وكرمه ونصرة المظلوم.. هو العدل والحق والكرامة.. نجاح مريم الفائق، هو انتصار ورد اعتبار، وصفعة على كل وجوه الفساد الذي قهرها. امتياز مريم جدير بالتقدير والحفاوة، ورد اعتبار واجب، وإعلاء للحق، وتكريم للاجتهاد والصلابة.
وداعاً أمريكا
لم يكن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مفاجئا، كما أوضح عبد الله السناوي في “الشروق”، فالقرار معلن والمفاوضات حوله مع حركة «طالبان» استهلكت وقتا طويلا في الدوحة منذ ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، انهار الجيش الذي سلحته ودربته الولايات المتحدة، وكلف خزينتها مليارات الدولارات رغم فوارق القوة على الورق مع حركة «طالبان». تفككت السلطة كأنها بيت من رمال. كان ذلك جانبا من الحقيقة وليس الحقيقة كلها. في ثنايا الصور وظلالها تبدت رسائل إلى المستقبل، وما قد يحدث فيه من تغييرات عميقة في بنية النظام الدولي، أو المنازعات على قيادته. لم يكن انكشاف الهيبة الأمريكية حدثا منزوعا عن سياق التفاعلات الجارية داخل الولايات المتحدة، التي وصلت انقساماتها العرقية والسياسية إلى حدود تهدد سلامة مؤسساتها الديمقراطية وصورتها في العالم. في المساجلات الداخلية الأمريكية تبدى قدر كبير من الشعور بخيبة الأمل ومرارة الهزيمة، وساد استنتاج بأن الهيبة سقطت والأحادية القطبية انتهت. كان مستلفتا ما كتبه الفيلسوف ذائع الصيت فرانسيس فوكوياما عن تقوض الهيبة الأمريكية، وأن زمن قيادتها المنفردة انتهى، فهو الرجل نفسه الذي بشر عقب انهيار الاتحاد السوفييتى بـ«نهاية التاريخ» وسيادة النموذج الأمريكي الرأسمالي على مقادير العالم. الأزمان اختلفت والحقائق تغيرت والنظريات انقلبت إلى عكسها! لو افترضنا أن التقديرات السياسية والاستخباراتية، لم تكن على ذلك النحو المتهافت الذي بدت عليه في إدراك حقائق الموقف داخل أفغانستان، وأن مستوى أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يكن متعجلا في طلب الانسحاب، وأنه أخذ وقته في التخطيط والتنفيذ، فإن الحقائق الأساسية لن تختلف كثيرا. كل ما حدث أنها تكشفت على نحو فاجع أمام الأمريكيين قبل غيرهم.
الشوكة الأفغانية
انتهى عبد الله السناوي في “الشروق” إلى أن أمريكا لم يعد بمقدورها لعب دور القوة العظمى المنفردة على رأس النظام الدولي، ولا أصبح بوسعها إقناع حلفائها الأوروبيين والآسيويين بأنها قادرة على توفير متطلبات الحماية الاستراتيجية أمام التهديدين الصيني والروسي. هذه الحقيقة تبدت في الصور التي صدمت العالم بما جرى من مآس إنسانية في مطار كابول. أوروبا القلقة على أمنها لم يكن بوسعها أن تتحرك في إدارة الأزمة الأفغانية خارج العباءة الأمريكية، تقوض رهان بايدن «أمريكا عادت»، قاصدا منصة قيادة التحالف الغربي في مواجهة التهديدين الصيني والروسي. تابع الكاتب: بالقدر نفسه يصعب ترميم الضرر الاستراتيجي الذي لحق الحلفاء الآسيويين بالقفز فوق الحقائق المستجدة، التي تكشفت بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعشوائية مفرطة. ثمة أوضاع جديدة في آسيا الوسطى تترتب بالضرورة على ذلك الانسحاب، الصين تتأهب بحذر لمد الجسور مع حركة «طالبان»، وربما الاعتراف بها خشية أن تكون شوكة في خصرها ساعية في الوقت نفسه لتوظيف موقع أفغانستان الاستراتيجي في مشروعها الطموح «الحزام والطريق» بإغواء قدراتها الاقتصادية الفائقة لإنقاذ الاقتصاد العليل. يأمل الروس في الوقت نفسه أن تشرب الولايات المتحدة من الكأس الأفغانية المرة نفسها. في تعقيدات الموقف الآسيوي تتباين المواقف بفداحة بين باكستان الرابحة والهند المتضررة، والصين المتحفزة واليابان القلقة وإيران المترقبة، تبحث في ما قد يحدث على حدودها ومدى تأثيرها في المفاوضات النووية المتعثرة، وكلها أوضاع سائلة يجري الاقتراب منها بقدر من الحذر. في حقائق القوة الجديدة يصعب وصف الولايات المتحدة بـ«القوة العظمى»، لا هي ولا الصين ولا أي دولة أخرى على النحو الذي جرى عقب الحرب العالمية الثانية، عندما انقسم العالم إلى معسكرين كبيرين يقودهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. في قياس آخر في أوضاع جديدة ومختلفة فإن الهيبة الأمريكية تلقت بالخروج العشوائي من أفغانستان أخطر ضرباتها منذ هزيمة فيتنام.
فليفهم بايدن
لا يريد كرم جبر كما قال في “الأخبار” من أمريكا أن تجعل قوتها ضد مصالح الشعوب، ولا أن تساند أشخاصا وجمعيات وجماعات سياسية شاردة، فتفسدهم وتجندهم ضد أوطانهم، وتجعلهم أدوات هدم لا بناء، وشوكة في الظهر، وليس عوناً ومساندة. يجب ألا تكون قضية حقوق الإنسان ورقة ضغط سياسية، ولا أن ترتبط بمشروطيات معينة، لأن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين عمرها 40 عاماً، وتقف على أرضية صلبة ومصالح مشتركة، وكما تتحقق المصلحة لواشنطن، فهي كذلك للقاهرة، وجاءت نتاجاً لجهود زعماء من الدولتين في سنوات ازدهار العلاقات، ورعاية أمريكا للسلام بين مصر وإسرائيل. مصر لا تنزعج إذا كانت الإدارة الأمريكية تطلب مزيداً من الحريات واحترام حقوق الإنسان، فهذا أيضاً ما تسعى إليه مصر، فلا أحد يختلف مع تلك المبادئ الإنسانية، وهي قضية تعني مصر بالدرجة الأولى وتسعى إلى تحقيق كل الإصلاحات الممكنة في هذا الملف، ولكنها تضيف إليها الحق في الحياة. وأشار الكاتب إلى أن حقوق الإنسان ليست بالتقارير المزيفة، ولكنها هدف سام ونبيل، وإلى جانب الحقوق السياسية والحريات، يجب ضمان حق الشعوب في حياة كريمة، في المسكن والملبس والمأكل والصحة والتعليم وجودة الحياة. مصر تصنع تزاوجاً هادئاً بين الاستقرار والتنمية، فالفوضى لن تملأ البطون ولن تشبع الجوعى، والاستقرار يحتاج دولة قوية تدافع عن مصالحها وتحمي شعبها. لا نريد لأمريكا أن تختار من الشعوب عناصر سلبية وتجعل منهم أصدقاء وشركاء، وتغدق عليهم الدعم والتمويل، وترفع في وجه حكومات المنطقة أوراق ضغط تحت شعار حقوق الإنسان.
لهذا بايدن حزين
ما يحزن جو بايدن من وجهة نظر محمود الحضري في “البوابة” ليس أفغانستان وما جرى فيها من تدمير وحروب أهلية لسنوات، وخلق وتوطين عداءات ستظل راسخة في الوجدان بين أهلها، ولا يمكن أن يمحيها الزمن، ولا التصالح، بعدما سالت فيها الدماء أنهارا على مدى عشرين عاما، وراح ضحيتها الآلاف من الأفغان بالباطل وبالحق على أيديهم البعض مع البعض. ما يحزن جو بايدن، وفق تفسير كلامه على ما أنفقته واشنطن خلال “احتلالها لهذا البلد الآسيوي”، فقد قال في خطابه: “دربنا وجهزنا قوة أفغانية قوامها 300 ألف فرد، تعادل بل تفوق قوات دول في حلف الناتو ودفعنا لهم رواتبهم، وأجرينا الصيانة لقواتهم الجوية، وهذا لا تملكه طالبان، التي لا تمتلك أي قوات جوية، وقدمنا دعما جويا عن قرب”. وأضاف الكاتب: نلاحظ هنا أن كلام الرجل واضح إنه مادي فقط، لا يعنيه أي شيء آخر. وينتقل إلى نقطة أخرى وهي الأهم من وجهة نظري في خطابه عندما تحدث عن الجيش والحكومة الأفغانية قائلا: “أعطيناهم الفرصة لتحديد وبناء مستقبلهم، وأعطيناهم كل شيء وكل ما يريدونه، وأنفقنا عليهم أكثر من تريليون دولار- وفي تقديرات أخرى يصل الرقم إلى الضعف – لكن الذي لم نستطع أن نقدمه لهم الإرادة في القتال من أجل بناء مستقبلهم، ولكن كانت أفغانستان (الحكومة) غير قادرة على حشد أي أحد من أجل القتال، والتصدي لطالبان”. مضيفا: “لا يمكن الآن أو بعد سنة أو أخرى أو خمسة أو 20 عاما، فالتجربة أثبتت أن القوات الأمريكية لن تستطيع فعل أي شيء على الأرض، ولهذا سنكمل انسحابنا بعد سنوات من إراقة الدماء ولننهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة”، وهو اعتراف واضح وملموس بالفشل الأمريكي، وكل الدول التي خاضت الحرب معها في أفغانستان، وتكرار واضح لما جرى معهم في حربهم الطويلة في فيتنام.
قد لا تصمد
أفغانستان التي تستقطب اهتمام العالم بأسره الآن، تبدو مقبلة، حسب تصريحات المتحدث باسم حركة طالبان، على نظام مركزى صارم تسيطر عليه الحركة، مع وجود رمزى لشخصيات تمثل عرقيات وإثنيات أخرى. مثل هذا النظام من وجهة نظر حسن أبو طالب في “الوطن” لن يعمر طويلاً، لأسباب شتى؛ منها اعتياد الولايات الأفغانية على قدر من اللامركزية حتى قبل الوجود العسكري الأمريكي والدولي الذي استمر عقدين كاملين من الزمن، ومنها طبيعة أفغانستان الجغرافية التي تسودها المرتفعات الجبلية، والتي تمثل حدوداً طبيعية بين الولايات من جانب وبين توزع العرقيات المختلفة من جانب آخر. فضلاً عن أن فترة العقدين الماضيين نشأ فيهما جيل لم يعرف «طالبان» من قبل، واعتاد قدراً من الحرية والتنوع، وبعض مظاهر الحياة المدنية التي تتصادم مفرداتها مع مفردات الحياة البدائية التي تبشر بها «طالبان» واقع الأفغان ومستقبلهم. الصراع بين المركزية «البشتونية» كعنوان لسيطرة «طالبان»، رغم كونها لا تمثل كل البشتون، وقدر من التنوع بمستوياته المختلفة، سيمثل بشكل أو بآخر جوهر الصراع السياسى وربما العسكري في المدى المنظور. صحيح أن تصريحات ممثلي «طالبان» تبشر بالعفو والتسامح وعدم الانتقام من رموز النظام السابق، والسماح بعمل المرأة وتعليمها، وتدعو الجميع إلى العمل معاً، لكنها في الآن نفسه تضع أطراً فكرية وقيوداً أيديولوجية تعكس كل ما تؤمن به في طريقة الحكم تحت عنوان الشريعة وفقاً لفهمها الخاص، الذي يتعارض في كثير من مضامينه وتطبيقاته مع قناعات نسبة معتبرة من الأفغان أنفسهم، ومن كل الإثنيات التي تؤمن بالإسلام وبالشريعة بطريقة تخالف ما تروج له «طالبان».
إرث أبيه
في الأيام القليلة الماضية والكلام ما زال لحسن أبوطالب، نشأت بوادر حركة مقاومة مسلحة في «وادي بنشير»، المشهور باستقلاليته وقدرته على صد هجوم قوات عسكرية عالية التدريب، ومجهزة بمعدات وطائرات حديثة، كما كان الحال إبان الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وأيضاً الحفاظ على الاستقلالية ذاتها في فترة حكم «طالبان» الأولى من 1996 إلى 2001. حركة المقاومة المسلحة الناشئة هي خليط، كما أكد ذلك أحمد مسعود، ابن القائد التاريخي والرمز الأفغاني أحمد شاه مسعود، الذي اغتيل على أيدي تنظيم القاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول الشهيرة في الولايات المتحدة. وكما يقال إن الابن هو إرث أبيه، فأحمد المتعلم في ساند هيرست البريطانية والحاصل على شهادة عليا في العلوم السياسية من إحدى كليات لندن، الذي عاد إلى بلده قبل عدة سنوات ليشارك في بنائها تحت شعار أفغانستان لكل أبنائها، يمثل قيادة كاريزمية ناشئة، التف حوله جنود وضباط وقيادات من الجيش الأفغاني، أبرزهم وزير الدفاع باسم محمد، ورموز من حكومة أشرف غني، أبرزهم نائبه أمري صالح، انطلاقاً من بعدين مهمين؛ أولهما أن استيلاء «طالبان» على الحكم ليس شرعياً، وثانياً أنه لم تحدث مقاومة من الجيش نتيجة قرارات اتخذها الرئيس الهارب أشرف غني، وأنه حان الوقت للمقاومة العسكرية وإثبات عدم شرعية حكم «طالبان».
فقدنا الماضي!
أصبح من الصعب كما يقول فاروق جويدة في “الأهرام” أن تشعر بافتقاد الناس حولك، قليل من الأشخاص نفتقد وجودهم في حياتنا الآن.. حالة برود أصابت مشاعرنا، هناك إحساس متبادل بينك وبين الآخرين أنت تتكلم ولا احد يسمعك وتأتيك من بعيد حشرجات من الأصوات لا تفهمها.. هناك شيء ما تغير في وسائل التواصل لا أحد يعرف أسباب ذلك هل هي الأجهزة الحديثة التي نستخدمها واكتفينا بها عن الحديث مع الآخرين؟ أنت لم تعد تكتب رسالة على الورق، أنت في دقائق تسطر بعض الكلمات، رغم أنها خالية من الإحساس والمشاعر، أنت مجرد آلة تحرك آلة أخرى، أنت لم تعد تتحدث مع شخص آخر لأنك لا تراه، أنت ترى صورته أمامك أنت تتكلم مع صورة أمام حقيقة غائبة، تستطيع أن تشاهد، كما أشار الكاتب صورا لأشخاص فارقوا الحياة، ولكنك لا تستطيع أن تستعيد معهم لحظة حقيقية. أنت تعيش في عالم من الوهم والخيال أنت تحب بالوهم وتعشق بالخيال، لأنك أبعد ما تكون عن الحقيقة. في يوم من الأيام عشت الحب حقيقة لأنك ترى من تحب وتعيش معه وتتكلم وتحس، ولكن أين لك هذا وأنت تراه صورة وتسمعه سطورا وتصافحه خيالا. حين غابت الحقيقة من حياة الناس سيطر عليهم عالم من الكذب في كل شيء، لأن هناك جهازا صغيرا يعلمنا الكذب كلاما وسطورا وإحساسا.. أصعب الأشياء أن تعيش الحقائق الكاذبة ولهذا أصبح العالم يعيش في ظل أكذوبة كبرى يصدقها، إنه يمارس السياسة كذبا ويشاهد الإعلام كذبا ويخاطب الناس كذبا، ويحب كذبا ويمارس التحايل على الناس كذبا. الخلاصة أن الإنسان أصبح عبدا لآلة صغيرة تعلمه كيف يكون كاذبا في كل شيء حتى على نفسه.. أنت تكتب رسالة حب وتتخيل أنك فعلا تحب وتجامل وتنافق وتكذب وتتصور أنك تمارس الحقيقة، رغم أن الآلة الصامتة أول من علمك الكذب.. لقد فقد الإنسان أشياء كثيرة وهو يكذب على نفسه وعلى الآخرين. في يوم من الأيام كان الصدق دستور الحياة وكانت الحقيقة عقيدة البشر، ولكننا الآن نعيش عالما من الكذب في ظل آلة صغيرة سلبت من الإنسان أجمل ما كان فيه.
فرحوا أخيراً
يرى عادل السنهوري في “اليوم السابع” أنه من حق نصف الشعب المصري من الذين يشجعون نادي الزمالك أن يفرحوا بالفوز بواحدة من البطولات المهمة في مصر.. ببطولة غائبة منذ 5 سنوات أو ست ـ عشان ماحدش يزعل وتزيد أحزانه – هي بطولة الدوري العام للعام الجاري. من حق هذا الجمهور الوفي والمخلص والمنتمي حقيقة للكيان الزملكاوي وللفانلة البيضاء العزيزة والغالية جدا على قلب كل زملكاوي، أن يبتهجوا ويسعدوا ويرضوا بهذا النصر والفوز المبين، ببطولة هي الأصعب والأكثر شراسة من البطولات السابقة.. ولأنها ـ وهذا هو المهم – بطولة حلال جدا تحققت فيها أركان العدالة وبنسبة مقبولة إلى حد ما، ففاز بها من يستحق بالجهد والعرق والكفاح والإصرار حتى اللحظة الأخيرة. هذا الجمهور عليه أن يزهو بفريقه وناديه الذي تحول إلى ما يشبه إحدى الأساطير الإغريقية القديمة، وهو ما يستحق دراسات وأبحاث من المهتمين بعلم النفس وعلم الاجتماع والمنطق والتاريخ أيضا. فقد تحدى فريق الزمالك كل الظروف وواجه أعاصير المشاكل وأمواج الخلافات وزعابيب القضايا والاتهامات والبلاغات والبيانات. وتحمل أمورا لا يمكن لناد آخر في العالم في ظل هذه الأمور أن ينافس حتى على بطولة، أو يحافظ على كيانه في الحد الأدنى. منذ سنوات والزمالك تحول إلى ناد مرادف للمشاكل والإدارات المجمدة والمعينة، والمثقل بالأعباء المالية والديون والحملات الإعلامية المسمومة، ومع ذلك تراه يولد من رحم كل هذه التحديات بطلا ومتحديا وقويا.. يفوز بالبطولات وبطولة الدوري حتى لو كل 5 سنوات. ولو كان هناك ناد غيره لما سمع عنه أحد ولأصبح نسيا منسيا في سنوات قليلة. ولنا في تاريخ الرياضة أمثلة لأندية شعبية كثيرة. هذا العام وحده فاز الزمالك بثلاث بطولات للدوري في الألعاب الجماعية، السلة واليد والقدم وبطولة قارية في كرة السلة وغيرها من البطولات في ألعاب آخرى. فهل هذا يستقيم ونظريات علم المنطق والنفس وعلم الاجتماع ومجريات التاريخ. هل تستقيم الفوضى وإقالة مجلس الإدارة وتعيين إدارة تلو آخرى وحالة افلاس يعاني منها النادي.