تمرة اخرى تمتلئ الازقة باعلانات الموت. ومرة اخرى تخرج جنازات الى مقبرة شهداء الانتفاضة التي امتلأت بالقبور منذ الان تماما. لا يوجد مكان للدفن، وبصعوبة يوجد مكان آخر لالصاق اعلان. ثلاثة شبان قتلوا في مخيم جنين للاجئين في الاسابيع الاخيرة، بعيدا بعيدا عن الاهتمام الجماهيري في اسرائيل. قتيل في مخيم جنين؟ حالة اعتيادية تبعث على التثاؤب. عن مقتل اسلام الطوباسي، يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، بالكاد كتبت كلمة في الصحف. كما أن مقتل كريم ابو صبيح ومجد لحلوح في 20 آب/اغسطس، مر في اسرائيل وكأن شيئا لم يكن. الضفة هادئة ولكن ليس مخيم اللاجئين هذا: 3 من أصل 12 قتيلا فلسطينيا منذ بداية السنة هم من سكانه. الجيش الاسرائيلي يواصل اقتحامه كل ليلة تقريبا والنتيجة مسجلة في الاعلانات التي على الحائط. هذا الاسبوع ايضا، حين زرنا المخيم، سمعت اصوات اطلاق نار، ليس واضحا من اطلقها، ولكنها قريبة ومخيفة. عشرات الشبان اعتقلوا هنا في الاشهر الاخيرة، على ايدي اسرائيل والسلطة الفلسطينية، منفذة كلمتها. زكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الاقصى، الذي حظي في حينه مثابة عفو من اسرائيل، معتقل منذ سبعة اشهر في سجن السلطة في رام الله، بعد حادثة اطلاق نار في حاجز الجلمة. كما أن ثلاثة من اشقائه معتقلون في اسرائيل؛ الاخير، داهود، اعتقل قبل اقل من شهرين. أربعة آخرون من أبناء اعمامه معتقلون، في اسرائيل أو في السلطة. الاخير، نعيم، اعتقل هو ايضا قبل نحو شهرين، في السلطة الفلسطينية. ‘هذا الاسبوع ايضا، ليلة الثلاثاء، بعد بضع ساعات من خروجنا من المخيم، دخلت قوات الجيش الاسرائيلي ومستعربو وحدة يمم الخاصة التابعة لحرس الحدود الى المخيم. قتلوا الطوباسي في السابعة صباحا وهو على سطح بيته. وحسب الشهادات فان الطوباسي لم يكن مسلحا. فالجنود والمستعربون فجروا باب المدخل في بيته، صعدوا الى السطح واطلقوا رصاصتين على الطوباسي. ومع ذلك أنزلوه جريحا الى بيته، طلبوا من أخيه ان يشخصه وعندها، على حد قول أبناء البيت، اطلقوا رصاصة اخرى في بطنه. الطوباسي مات. جنازه عقد في ظهر اليوم. ابن 22 كان عند موته. ‘وهكذا وصف ما حدث، ردا على طلبنا، الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي: ‘في نشاط عملياتي اصطدمت القوات بمقاومة عنيفة تضمنت النار والقاء القنابل المعدة محليا والزجاجات الحارقة نحوها. وفي اثناء النشاط لاحظت القوة مطلوبا كان هدفا مركزيا للاعتقال في النشاط في محاولة للهرب والقت القبض عليه بعد أن اطلقت النار نحوه. وقد اصيب المطلوب بجراح خطيرة، نقل لتلقي العلاج الطبي من قبل قوة عسكرية ولاحقا توفي متأثرا بجراحه في المستشفى في اسرائيل. وكان المطلوب موضع الحديث ناشطا في الجهاد الاسلامي الفلسطيني عني باعداد العمليات الارهابية ضد قوات الامن’. ‘على مسافة غير بعيدة من بيت الطوباسي، لم تنته بعد ايام الحداد لآخرين في المخيم. وهاتان مأساتان عائليتان: والد القتيل الاول مريض جدا، والد القتيل الثاني قتل قبل نحو سنة في حادثة طرق وجده قتل على أيدي اسرائيل في بداية ايام الاحتلال. مجد لحلوح كان طالبا في السنة الثالثة في الادارة في الجامعة المفتوحة في جنين. ابن 21. وكان يعمل في الليالي نادلا في مقهى تروبينكا في المدينة للمساعدة في اعالة عائلته. أبوه محمد مريض منذ نحو أربع سنوات بمرض دم عسير. وجهه مصفر وحديثه هزيل. وعلائم الحداد لا تزال بادية عليه جدا. وبين الحين والاخر يتجند كل المخيم للتبرع له بالدم، وتلقى محمد حتى الان مئات من وحدات الدم. ليلة الثلاثاء، 20 من الشهر الماضي، عاد مجد من عمله كالمعتاد في الساعة الثالثة صباحا، في طريقه لاحظ قوات الجيش الاسرائيلي والعديد من المستعربين ممن اقتحموا المخيم. وعلى حد قول السكان فقد جاءوا لاعتقال ناشط الجهاد الاسلامي الشيخ بسام. وعند رؤيته القوات قرر مجد التوجه الى بيته من طريق بديل. وفي زقاق قرب بيته كان فتيان يرشقون الحجارة على الجنود، كما يروي أبوه واصدقاؤه، وبدأ الجنود يطلقون النار على راشقي الحجارة. احدى الرصاصات أصابت مجد في خاصرته. وقد قتل في المكان. وحسب ابناء عائلته لا يوجد أي احتمال في أن يكون شارك في رشق الحجارة. فقد اراد فقط العودة الى بيته بسلام من العمل، يقولون. ولسماع الصراخ خرج أبوه من بيته ووجد ابنه مضرجا بدمائه. وحمله الشباب الى سيارة الاسعاف ولكن من دون جدوى. والان يريد أبوه ان يرفع دعوى ضد الجيش الاسرائيلي. وهو يبحث عن محامٍ يمثله تطوعا. كما أن حلمه هو أن يحظى بعلاج طبي في اسرائيل، ولكنه كان مرفوضا حتى الان. في ذات الحدث اصيب ايضا علاء ابو خليفة، ابن 18، في عموده الفقري ومنذئذ وهو مستلقى مشلولا في المستشفى. جريح آخر كان كريم ابو صبيح، ابن 18، توفي متأثرا بجراحه بعد نحو عشرة ايام. يقع منزل ابو صبيح قرب مسجد الانصار في المخيم امام مركز تخليد صغير لذكرى ابن المخيم احمد الخطيب، ابن 13 سنة حين اطلق الجنود الاسرائيليون النار عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 في قباطيا. وقرر أبوه التبرع باعضائه التي زرعت في ستة مرضى اسرائيليين. والان يعلق بيان تخليد مزدوج وجديد على حائط المركز: أب وابنه يظهران فيه. الاب، صبحي ابو صبيح قتل قبل سنة بالضبط في حادثة طرق؛ ابنه كريم، ابن 17 الذي اصيب في ليل 20 اغسطس وتوفي بعد ذلك. صالون بيت عائلة ابو صبح هو الاخر تحول الى غرفة تخليد: صور الاب وابنه في كل مكان. في احدى الصور ظهر كريم وهو يرتدي قميصا أبيض وعلى رقبته ربطة فراشة حمراء. هذه هي آخر صورة للفتى، الذي التقطت له في عرس ابن عمه، قبل بضع ساعات من قتل جنود الجيش الاسرائيلي له. وهكذا وصف الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي ما حدث: ‘الحدث الثاني وقع في اثناء نشاط عملياتي للجيش الاسرائيلي وقوات حرس الحدود لاعتقال مطلوب مشارك في عمليات ارهابية. وفي اثناء هذا النشاط تعرضت القوات الى اعتداء بالنار الحية، القاء عبوات، رشق حجارة والقاء قنابل معدة محليا، نتيجة ذلك اصيب جنديان من الجيش الاسرائيلي بجراح طفيفة. وردت القوات بالنار نحو مصادر النيران ونتيجة لذلك قتل احد المشاركين، اصيب آخر توفي نتيجة جراحه في المستشفى واصيب بجراح طفيفة بعض من المشاركين. ‘الارملة والام الثكلى، خولة، تتحدث عن ابنها فتقول: كان دوما يخاف ان يحصل له شيء بسبب الزلاجة. فقد أحب كريم التجول في المخيم وهو على عجلاتها، طفل الزلاجات في المخيم. في الخلوي الخاص به يرينا فيلما قصيرا له. كريم يلبس ملابس رياضية، ويضع حاميات على ركبتيه ويديه وخوذة وقاية على رأسه، يستعرض على الزلاجة. وقد تعلم حتى الصف التاسع وبعدها اضطر الى التوجه الى العمل في كراج كي يعيل العائلة بعد وفاة أبيه. ‘في ذات اليوم، العشرين من الشهر، عاد كريم من العرس، استبدل ملابسه وخرج الى الشارع. كانت أمه نائمة. بعد ساعة من خروجه من بيته دخل الجنود والمستعربون. اطلقوا النار على الفتى واصابوه بجراح خطيرة. ونقل كريم على عجل الى المستشفى في نابلس. وتمكن في الايام التالية من الاستيقاظ من سباته، بل والحديث الى أمه، ولكن بعد عشرة ايام توفي متأثرا بجراحه. كريم ليس مدفونا قرب والده إذ لم يكن هناك مكان في المقبرة. عندما كانت خولة طفلة رضيعة بعمر عدة اشهر في العام 1969، قتل ابوها، الشيخ حسن ابو سرية، احد اوائل القتلى في هذا المخيم المكافح، الذي لم يتوقف منذئذ عن النزف.