إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة، مع احتمال تبني مرشح لمواقف مختلفة جذريا في السياسة الخارجية، تهدد بزعزعة استقرار الساحة الدولية المتقلبة بالفعل، وخاصة في الشرق الأوسط، والصراع في أوكرانيا، وبحر الصين الجنوبي.
الشؤون الداخلية
وباعتبارها الدولة الأكثر قوة في العالم، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تتعلق بالشؤون الداخلية فحسب، بل إنها لحظات محورية يمكن أن تغير بشكل كبير مسار الأحداث العالمية، غالبا للأفضل أو الأسوأ.
حيث أدت الانتخابات الرئاسية لعام 2016 إلى تحولات كبرى في السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك الانسحاب من اتفاقية باريس وإعادة التفاوض على الصفقات التجارية.
تواجه الولايات المتحدة أزمة سياسية ذات تعقيد غير مسبوق، مع عواقب بعيدة المدى على العالم. إن عودة ترامب المحتملة تلقي بظلالها الطويلة على مستقبل البلاد، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
المحاولات القانونية
ورغم المحاولات القانونية لمنع ترامب من الترشح للرئاسة بتهم عدة لم يثبت أي منها حتى الآن، وأيضا محاولة الاغتيال الأخيرة، بينما تنتظر دول أخرى رئيساً أمريكياً جديداً لعقد اتفاقيات معه، أو إعادة إحياء تحالفات سابقة، فإن الواقع الأمريكي الداخلي يظهر أن فرضية فوز ترامب مجدداً واردة لعدة أسباب.
يشير الوضع الداخلي في الولايات المتحدة إلى وجود ثلاثة أنواع من الفئات التي تدعم ترامب، “المجموعة الأولى” هي أشخاص كانوا دائماً محافظين، صوتوا دائماً للحزب الجمهوري، كما فعل آباؤهم وأجدادهم من قبل، وقد يكون بعضهم متديناً أو من ذوي الدخول المرتفعة أو من ذوي التعليم العالي، لكنهم محافظون سياسياً فقط، ورغم إدراكهم أن ترامب لا يمثل قيمهم، فإنهم يميلون إلى التصويت له، معتقدين أن المؤسسات في نهاية المطاف تحمي القيم المحافظة، وأن دعم ترامب هو وسيلة للحفاظ عليها.
ومن المتوقع أن تشكل هذه المجموعة قاعدة انتخابية قوية لترامب في انتخابات 2024.
النوع الثاني هو الطبقة العاملة البيضاء في الريف، ذات المستوى التعليمي المنخفض، والمزارعين، وعمال المناجم، وعمال المصانع، والمدن الصغيرة، الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مما يجعلهم يشعرون بالإهمال.
الكثيرون لا يلومونهم على التصويت لترامب لأنه فهم عقليتهم، وقال لهم، أنا أسمعكم، أنا أراكم، سأجعل حياتكم أفضل، والسؤال هنا هو: هل فعل ذلك؟ بشكل عام لا.
ولكن بما أن هذه المجموعة لديها تعليم أقل ولا تلتقي غالبًا بأشخاص خارج طبقتهم، فمن غير المرجح أن يروا أن هناك خيارات أفضل، لذلك من المرجح أن يصوتوا لترامب وأغلبية الناخبين الريفيين يبررون هذا التصويت، لقد فشلت أمريكا في مساعدة هذه المجموعة لعقود من الزمن، لذلك لا يمكنك أن تتوقع منهم أن يحدثوا تحولاً وأن يفعلوا شيئًا من أجل الصالح العام.
مجموعة متشددة
المجموعة الثالثة، “قاعدة ترامب الصلبة”، هي مجموعة متشددة، وهؤلاء هم الذين نراهم في الأخبار ونسمع عنهم. إنهم متطرفون كما يراهم بعض الأمريكيين، ويهتمون بجزء ضيق من القضايا السياسية، لكن العديد من أفراد هذه المجموعة يعبرون علناً عن آراء عنصرية ومعادية للأجانب.
إنهم أقلية صغيرة، لكن لديهم صوت عالٍ في جميع وسائل الإعلام، وهم يحبون ترامب لأن ما فعلته إدارته هو تطبيع العنصرية وكراهية الأجانب، وأكد بوعده بأكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ أمريكا.
وعليه، فإن ترشيح الديمقراطيين كامالا هاريس، سيجعلهم يخسرون المجموعة الثانية. حيث إن المجموعة الثانية لن تصوت لامرأة ولن تصوت لشخص يرونه سياسيا معتدلا عاملهم بشكل سيئ على مدى العقود الماضية.
كما أن الديمقراطيين ليس لديهم من يرضي أيا من المجموعتين الاولى والثانية، ويبدو أن هؤلاء الناس سيصوتون مرة أخرى لترامب، أو لن يصوتوا على الإطلاق.
لا شك أن المستقبل يحمل تحولات وتغييرات جوهرية ستعيد تعريف مسار الولايات المتحدة.
وستشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة نقطة تحول حاسمة في مسار التاريخ، فإما ان يشهد العالم تغيرا جذريا نحو الأفضل، وإما أن تدفعه نحو حافة الهاوية.
باحث في الشؤون الدولية